الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تأثير القصد في الأفعال
سنحاول أن نبين في هذا الفصل مدى تأثير القصد في المباحات والمحرمات والعبادات.
تأثير النيّة في المباحات
الأمور المباحة (1) ليست بقربات في نفسها، فالوقوف والجلوس والسير والأكل والشرب والنوم
…
ونحو ذلك، من المباح، وهي ليست من العبادات التي شرعها الله للتقرب بها.
وقد اختلف العلماء في الأمور المباحة، هل يمكن أن تتحول بالنية الصالحة إلى قربة وطاعة يثاب فاعلها؟
ذهب فريق من العلماء إلى أن: "المباح لا يتقرب به إلى الله تعالى، فلا معنى للنية فيه"(2).
ويقول الخطاب في هذا: "الشريعة كلها إما مطلوب أو مباح، والمباح لا يتقرب به إلى الله تعالى فلا معنى للنية فيه"(3).
واحتج علماء المالكية بقوله تعالى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} (4)، على أن الفعل بنية العبادة لا يكون إلاّ في المندوبات خاصة دون
(1) المباح ما أذن الله في فعله وتركه، غير مقترن بذم فاعله وتاركه ولا مدحه (روضة الناظر / لابن قدامة ص 221).
(2)
الذخيرة 1/ 239.
(3)
الحطاب على خليل 1/ 232.
(4)
سورة البقرة /189.
المباح، ودون المنهي .. عنه (1).
وردد القرطبي في تفسيره ما ذكره ابن العربي عند تفسير القرطبي للآية السابقة، فقال:"ما لم يشرعه الله قربة ولا ندب إليه لا يصير قربة بأن يتقرب به متقرب"(2)، وقد شعر القرطبي أن بعض الأفعال قد تشكل على بعض الناس هل يجوز التقرب بها أم لا، ولذلك نقل لنا ضابطا عن ابن حويز منداد (3)، لتوضيح هذه المسألة.
قال: "إذا أشكل ما هو بر وقربة بما ليس هو بر وقربة فينظر إلى ذلك العمل: فإن كان له نظير في الفرائض والسنن فيجوز أن يكون قربة، وكان لم يكن فليس ببر ولا قربة، قال: جاءت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم".
وذكر حديث ابن عباس قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس، فسأل عنه، فقالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم، ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مروه، فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه"(4)، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ما كان غير قربة مما لا أصل له في الشريعة الِإسلامية، وصحّح ما كان قربة مما له نظير في الفرائض والفتن" (5).
ومما يؤيد هذا أنَّ الشافعي -رحمه الله تعالى- ذهب إلى عدم وجوب الوفاء بنذر مباح، وهو ما علق بشرط رغبة، كقوله إن قدم غائبي فعلي صدقة، أو علق بشرط رهبة كقوله: إن كفاني الله شر كذا فعليّ صدقة".
(1) أحكام القرآن لابن العربي 1/ 10.
(2)
تفسير القرطبي 2/ 346.
(3)
هو محمد بن أحمد بن خويز العراقي المالكي فقيه أصولي، من آثاره كتاب كبير في الخلاف، وكتاب في أصول الفقه توفي سنة (390 هـ).
راجع: (معجم المؤلفين).
(4)
قال الحافظ ابن حجر في (تلخيص الحبير 4/ 177): ورواه البخاري بهذا اللفظ، وليس فيه في الشمس، ورواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان، ورواه مالك في الموطأ عن حميد بن قيس مرسلا.
(5)
تفسير القرطبي 2/ 346.