الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هيئة راسخة (1)، تقتضي تلك الأفعال وتتقاضاها، بحيث يصير ذلك له بالعادة كالطبع، فيخفف عليه ما يستثقله من الخير" (2).
فإذا شغل العبد قلبه بإرادة طاعة الله والتوجه إليه، وجوارحه بالأعمال الخيِّرة قويت تلك الإِرادة، وجاءت العزيمة الصادقة.
3 - إحياء واعظ الله في قلوبنا:
المتتبع لآيات الكتاب والباحث في أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم يعلم علما جازما أن في أعماقنا وازعا يدفعنا إلى الخير، ويزجرنا عن الشر، قد يطمس هذا الوازع فلا يظهر إلاّ في آماد متباعدة، وقد يلحّ على صاحبه ويقلقه، ولكنّه عند المؤمن واضح بيّن، ذلك أنّ الله ألقى عليه من نوره، فكشف عنه عمى قلبه:{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (3).
وليس صحيحا ما قرره زكي مبارك من أن الضمير (4) لا وجود له في ذاته .. ، وإنَّما ينشأ من الشرائع الوضعية أو السماوية
…
(5)، ليس صحيحا ذلك، لأن النفس الإنسانية تلقت في تكوينها الأولى الإِحساس بالخير والشر: {وَنَفْسٍ وَمَا
(1) يريد الغزالي التي بالهيئة الراسخة أن تصبح إرادة الخير وعمل الخير خلقا للإنسان، وقد عرف الخلق في (إحياء علوم الدين 3/ 56)، بأنه عبارة عن هيئة في النفس راسخة، عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسر، من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كانت الهيئة تصدر عنها الأفعال الجميلة المحمودة عقلا وشرعا -سميت تلك الهيئة خلقا سيئا". وإن كانت تصدر عنها الأفعال القبيحة سميت الهيئة التي هي المصدر خلقا سيئا".
(2)
ميزان العمل ص 251.
(3)
سورة الحج 46.
(4)
يقول أحمد أمين في تعريف الضمير (الأخلاق ص 73): الضمير قوة يجدها المرء في أعماق نفسه تحذره من فعل الجريمة قبل وقوعها، وتوبخه بعد وقوعها، وتأمره بفعل الواجب، وتلومه على عدم فعله، وهذا قد يوجد عند الحيوان، فالهرّة التي تسرق تختبيء لتأكل سرقتها بخلاف ما يقدم لها.
ويقول زكي مبارك معرفا الضمير: "الضمير هو صوت ينبعث من أعماق الصدور آمرا بالخير، أو ناهيا عن الشر، وإن لم يرج مثوبة أو يخش عقوبة"(الأخلاق عند الغزالي ص 106).
ويجب أن نلاحظ أن هذا المعنى الشائع لكلمة الضمير لم يكن معروفا عند العرب السابقين والضمير عند العرب معناه: السر وداخل الخاطر، وهو الشيء الذي تضمر في قلبك، واضمرت الشيء أخفيته.
(5)
الأخلاق عند الغزالي ص 107.
سَوَّاهَا فَألْهَمَهَا فجُورَهَا وَتَقْواها} (1)، وزود الله الإنسان بالبصيرة:{بلِ الإنْسَانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَة} (2)، وهدى الإنسان إلى طريقي الخير والشر:{أَلَمْ نَجعَلْ لهُ عينيْنِ وَلسَانًا وَشَفَتَينِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} (3). كل ما في الأمر أنَّ الأديان السماوية تكشف الغشاوة عن القلوب، وتزيح الظلمات التي حجبتها عن الحق، وحجبت الحق عنها، وتمدّها بالنّور الذي يمدّ البصيرة الداخلية ببصيرة إلهية فيكون {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} (4).
أما الشرائع الوضعية فإنّها تفسد الضمائر، وتدسّي النفوس:{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} (5).
وممّا يقوي الضمير في نفس المسلم ويحييه أن يربط العبد قلبه بربه خوفا وطمعا، ورغبة ورهبة، فالخوف من الله والوقوف بين يديه يدفع الهوى ويقهره:{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} (6).
يقول المرحوم سيد قطب في تفسير هذه الآية: "الذي يخاف مقام ربه لا يقدم على معصية، فإذا أقدم عليها بحكم ضعفه البشري، قاده خوف هذا المقام الجليل إلى الندم والاستغفار والتوبة، فظل في دائرة الطاعة ونَهْي النفس عن الهوى هو نقطة الارتكاز في دائرة الطاعة، فالهوى هو الدافع القويّ لكلّ طغيان، وكلّ تجاوز، وكلّ معصية، وهو أساس البلوى، وينبوع الشر، وقلَ أن يؤتى الِإنسان إلاّ من قبل الهوى، فالجهل سهل علاجه، ولكن الهوى بعد العلم هو آفة النفس التي تحتاج إلى جهاد شاق طويل الأمد لعلاجها. والخوف من الله هو
(1) سورة الشمس 7 - 8.
(2)
سورة القيامة: 14.
(3)
سورة البلد: 8 - 10.
(4)
سورة النور: 35.
(5)
سورة البقرة: 257.
(6)
سورة النازعات: 40.