الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صوم رمضان
مذهب كافة العلماء أنه لا يصحّ صوم إلا نيّة، سواء أكان الصوم واجبا أم تطوعا (1).
وحجتهم أنّ الصوم عبادة محضة لا تتأدى إلا بالنية، والنصوص الدالة على لزوم النية للعبادات تشمل الصوم، هذا عدا النصوص المصرّحة بإيجاب النية في الصوم.
وخالف الجمهورَ عطاء ومجاهد (2) وزفر (3)، في حالة ما إذا كان الصوم متعينا، بأن يكون الصائم صحيحا مقيما في شهر رمضان، فهذا عندهم لا يفتقر إلى نيّة.
وحجتهم أن رمضان مستحق الصوم يمنع غيره من الوقوع فيه، فهم لاحظوا أن الصوم في هذه الحالة متعين بصورته، ولا يحتاج إلى نيّة تميزه عن العادات أو تميّز مراتبه، يقول الكاساني مبيّنا ما يمكن أن يحتجّ به لزفر:"النيّة إنما تشترط للتعيين، والحاجة إلى التعيين إنما تكون عند المزاحمة، ولا مزاحمة لأن الوقت لا يحتمل إلا صوما واحدا في حقّ المقيم، وهو صوم رمضان، فلا حاجة إلى التعيين بالنية"(4).
(1) بداية المجتهد (1/ 300)، المجموع (6/ 336)، وقد نقل ابن هبيرة الإجماع على وجوب النية في الصوم، الإفصاح (1/ 157)، وليس الأمر كما قال.
(2)
هو مجاهد بن جبير أبو الحجاج المكي، تابعي مفسر من أهل مكة، قال فيه الذهبي: شيخ القراء والمفسرين، أخذ التفسير عن ابن عباس، وتوفي بمكة سنة (104 هـ)، وكانت ولادته سنة (21 هـ).
راجع: (تهذيب التهذيب10/ 42)، (تذكرة الحفاظ 1/ 92)، شذرات الذهب (1/ 125)، (الكاشف 3/ 120)، (طبقات الحفاظ ص 35).
(3)
المجموع (6/ 336)، المحلّى (6/ 161)، بداية المجتهد (1/ 300)، وقد ينقل بعضهم أن أبا حنيفة ممن يقول بذلك، وليس هذا بصواب، فأبو حنيفة يوجب النية في الصوم، إلا أنه يجوّز إنشاءها من النهار كما ذكرنا في فصل "وقت النية".
(4)
بدائع الصنائع (2/ 83).
واحتجّ له أيضا بأنّ الآية الآمرة بالصيام {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشهْرَ فَلْيَصُمْهُ} مطلقة عن شرط النية، والصوم هو الِإمساك، وقد أتى به فيخرج عن العهدة" (1).
من هنا قصر زفر قوله في الصوم الذي لا يحتاج إلى نيّة على صوم رمضان من الحاضر المقيم، أمّا المسافر فلا بدَّ أن يأتي بالنية إذا صام رمضان، لأنَّ صوم رمضان غير متعيّن في حقه، فله: -عند زفر- أن يصومه نافلة أو قضاء، ولأنَّه لم يشهد الشهر.
أمّا صوم النذر والكفّارة فيشترط لهما النية إجماعا (2).
ومن هنا نعلم أن ابن رشد (3) لم يصب الحقيقة عندما قرّر أنّ سبب الاختلاف في هذا الموضوع هو الاحتمال المتطرق إلى الصوم: أهو عبادة معقولة المعنى، أو غير معقولة المعنى؟ فهو يرى أن من ذهب إلى أنّها غير معقولة المعنى، أوجب النية، ومن رأى أنّها معقولة المعنى قال: قد حصل المعنى إذا صام ولم ينو (4).
هذا الذي ذهب إليه ليس هو السبب كما بيّنا، إذ الجميع يرون أنّ الصيام عبادة محضة غير معقولة المعنى، والسبب الحقيقي أن زفر ومن معه يرون أن الصوم متعّين بنفسه فلا يحتاج إلى نيّة.
والجمهور يردّون على زفر ومن معه بالنصوص الآمرة بالنية في العبادات عموما، وفي الصوم على وجه الخصوص، كقوله صلى الله عليه وسلم:"إنَّما الَأعمَالُ بِالنياتِ"(5). وقوله: "لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصيَام مِنَ الليْلِ"(6).
(1) بدائع الصنائع 2/ 83.
(2)
المجموع (6/ 336)، والمحلّى (6/ 161)، وأنكر الكرخي أن زفر يقول بصحة الصوم من الحاضر بغير نية، وادّعى أن مذهب زفر كمذهب مالك جواز الصوم بنية واحدة من أوّل الشهر، وقال آخرون: إن زفر رجع عن ذلك لما كبر (الهداية2/ 92).
(3)
هو محمد بن أحمد بن رشد الأندلسي الفيلسوف، عني بكلام أرسطو وترجمته إلى العربية، له (بداية المجتهد) فى الفقه، ولد عام (520 هـ)، وتوفى سنة (595 هـ). راجع:(شذرات الذهب 4/ 320).
(الأعلام 6/ 212).
(4)
بداية المجتهد (1/ 300).
(5)
انظر تخريجه في الملحق، ص 519.
(6)
سبق تخريجه، انظر ص 207.
ورد الشافعي حجّتهم في أنّ الصوم لا يحتاج إلى نية، لأنّه متعين بصورته، إذ له وقت محصور محدود، بأنّ هذا يمكن أن يقع في الصلاة.
فوقت الصلاة قد يتضيق حتى لا يسع إلاّ الفرض، ومع ذلك لا بدَّ للصلاة التي وقعت في الوقت المتضيّق من نيّة (1).
وكذلك من نذر أن يصوم شهرا من هذه السنة، ثم أخّره حتى لم يبق إلا شهر واحد، ولا يجوز أن يصومه بغير نيّة بحجّة أن وقته أصبح محصورا محدودا.
أما قول زفر: إن الصوم مأمور به في الآية مطلقا عن شرط النية فمردود عليه، لأن اسم الصوم المطلق ينصرف حين الأمر به إلى الصوم الشرعي، وهو: الِإمساك عن المفطر مع اقتران النية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
(1) الأم (2/ 83)، ومن هنا ذهب الشوكاني في (السيل الجرار 1/ 20) إلى أن النية واجبة في كلّ عبادة، سواء كانت مما يتلبس أم لا، لوررد الأمر بها، والتقيد بهذا الضابط غير صحيح.