الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن الغريب أن يحكي القرافي أن رفض الصلاة والصوم يؤثر ولو بعد الكمال، ويقول هذا هو المشهور عندهم، إلا أنه استشكل هذا بأنه يقتضي إبطال جميع الأعمال.
ولعلَّ القول الفصل في هذه المسألة ما قاله ابن رشد: "من ادعى أن التكليف يرجع بعد سقوطه لأجل الرفض فعليه الدليل".
رفض نية العبادة في أثنائها
إذا رفض العابد العبادة في أثنائها فما الحكم؟ اختلفت وجهات نظر العلماء في ذلك.
يرى داود الظاهري وابن حزم (1) بطلان أي عبادة إذا رفضت النية في أثنائها، لأنَّ النيَّة شرط فى العبادات كلّها، وإذا فقد الشرط فقد المشروط، وحجتهم الحديث:"إنما الأعمال بالنيات" وذهب جماهير العلماء -ومنهم مالك والشافعي وأحمد - إلى القول بذلك: أي ببطلان العبادة إذا رفضت النيّة في الصلاة، وخالفهم في هذا أبو حنيفة فقال بعدم البطلان (2).
ولكن جماهير العلماء عكسوا القضية في الحج والعمرة، فقد ذهبوا إلى أن هاتين العبادتين لا تبطلان برفض النية، يقول الحطاب مبينا هذه المسألة:"الإحرام سواء كان بحج وعمرة أو بهما أو بإطلاق لا يرتفض، ولو رفضه في أثنائه، ولم أر في هذا خلافا، وهو مذهب الكافة، وهو مذهب مالك والأئمة، وخالف داود الظاهري، فقال: يرفض إحرامه"(3).
وقد اختلفت تعليلات العلماء للفرق الذي اقتضى تصحيح الحج والعمرة حال رفض نيتهما، وإبطال الصلاة في الحال نفسه:
(1) المحلى (6/ 174)، الحطاب على خليل (1/ 240)، وهو مذهب بعض المالكية وكثير من الأحناف.
(2)
المجموع (3/ 250).
(3)
الحطاب (1/ 240).
1 -
فمنهم من يرى أنّ الأمر يعود إلى حاجة كلّ من العبادتين إلى النية، فأحكام النيات في الصلاة مغلظة عنها في الحجِّ والعمرة، فالمصلّي يناجي ربّه، فيجب أن يقبل عليه، ولا يلتفت إلى غيره، لأنَّ ذلك من سوء الأدب، وفي الصلاة نهي عن الفعل الكثير، وأمر باستقبال جهة واحدة، لأنَّه أكمل في الإقبال على مناجاة ذي الجلال.
2 -
ومنهم من لاحظ طبيعة كل من العبادتين، فقد علمنا أنَّ الشارع لا يبطل الحجَّ بأقوى المفسدات كالجماع، ويأمر بإتمام العبادة، فالمحظورات لا تؤثر في الخروج من العبادة بخلاف الصلاة، ورأينا الشارع يصحح عبادة الحاجّ الذي نوى مهما إحرامه، أو نوى النفل، وعليه حجة الإسلام، فيقع عن الفرض.
3 -
ومنهم من نظر إلى أنَّ جانب العبد في الصلاة أكثر وأعظم منه في الحج والعمرة، فهاتان العبادتان تدخلهما الأعمال المالية والبدنية، وقد عهد من الشارع عدم إيجاب النيّة في جنس هذه الأعمال من غير العبادات.
4 -
ولاحظ بعضهم أنَّ الحج والعمرة عبادتان شاقتان فناسب أن يقال بعدم تأثير الرفض دفعا للمشقة الحاصلة (1).
وبقية العبادات: من العلماء من يلحق بعضا منها بالحجّ والعمرة في عدم اعتبار رفض النيّة في العبادة، ومنهم من يلحقه بالصلاة لشيء من الاعتبارات التي ذكرناها بين العبادتين.
فالصوم مثلا فيه قولان مشهوران عند العلماء: فالذي يلحقه بالصلاة لاحظ أن تأثير النيَّة فيه قوي كالصَّلاة، وأن طبيعة كل من العبادتين متقاربة إذ تبطلان بفعل شيء من مبطلاتهما (2).
(1) راجع في هذه التعليلات: المجموع (6/ 331 - 332)، نهاية الإحكام (ص 45)، قواعد الأحكام (1/ 214 - 215)، الحطاب على خليل (1/ 240)، الذخيرة (1/ 511).
(2)
في صحه الصوم قولان مشهوران في مذهب الشافعية إذا رفضت نيته، أصحهما لا يبطل (المجموع 6/ 331)، ومذهب المالكية القول بالبطلان (الذخيرة 1/ 511).