الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المذياع فإن الإنسان لا بدَّ أن ينهار في ساعات قلائل، لأنه لا يستطيع أن يصبر على كلِّ هذا الضجيج والعجيج.
ولو أعطيت أبصارنا القدرة على رؤية الجن والملائكة، فهل يطلب لنا عيش؟ لقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل فرجف فؤاده، وهو الشجاع القوي، الثابت القلب، وجاء لزوجه مسرعا، يقول:(دثروني دثروني)، وقد أخبر الله سبحانه أنه كتب ألا يرى البشر الملائكة إلَاّ عند حلول الساعة أو حلول العذاب:{يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} (1).
ومن رحمة الله بنا أن حجب عنَّا أمورًا كثيرة لا نطيق لها رؤية ولا سماعًا، ولذلك فإنَّ طلبنالها من الخطأ البين الواضح.
اعتراضات
يعترض على ما أوردناه باعتراضات منها:
1 -
أن هذا من طلب الولاية، وقد جاء في كتاب الله:{وَاجْعَلنا لِلْمتقينَ إمَامًا} (2)، فكون العبد يريد أن يكون وليًّا لله تعالى من خواص عباده الصالحين الذين اصطفاهم واختارهم؛ لا حرج فيه.
2 -
أن هذا نوع من المعرفة والعلم، والعلم والمعرفة مطلوب، قال تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (3)، وقد طلب مثال هذا إبراهيم عليه السلام من الله عز وجل:{رَبّ أَرِنِي كيْفَ تُحْيي الْمَوْتَى .. } (4).
3 -
ورد عن بعض السلف مثل هذا، فقد سئل بعضهم عن دواء الحفظ، فقال:
(1) سورة الفرقان 22.
(2)
سورة الفرقان 74.
(3)
سورة طه 114.
(4)
سورة البقرة 260.
ترك المعاصي. ومن مشهور القواعد أن الطاعة تعين على الطاعة، وأن الخير لا يأتي إلا بالخير، كما أن الشرّ لا يأتي إلاّ بالشرّ، ولا ريب أنّه يباح للإِنسان أن يفعل الخير ليتوصل به إلى الخير، والموضوع الذي نبحثه هنا من هذا الباب.
فالجواب عن هذه من وجوه:
الأول: أنَّ طلب الولاية الصالحة بين الله طريقها، وإنما تكون بالإيمان والعمل الصالح، قال تعالى:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (1). وفي الحديث القدسي: (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب)، ثم بين طريق نيل الولاية:(وما تقرب إلي عبدي بأحب إليَّ ممَّا افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتّى أحبه)(2).
الثاني: أن العلم المطلوب هو ما كان وسيلة إلى العمل، وكلّ ما كان كذلك فقد أخبرنا الله به، وعلّمنا إياه، فالعلم الذي نحتاج إليه مسطر في كتاب الله، وفي نصوص أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وطلبه يكون من هذين المصدرين، أمّا طلب هذه الأمور التي هي موضوع البحث فليس من العلم الذي نحتاج إليه في أعمالنا.
الثالث: أن طلب إبراهيم عليه السلام ليس من باب التوصل بالعبادة إلى نيل هذه الأمور، بل هو من باب الدعاء، وباب الدعاء مفتوح، إلا أنّ طلب مثل هذه الأمور بالدعاء غير مرغوب فيه، ولم يكن من هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
الرابع: ليس الموضوع الذي نحن فيه من نوع طلب الخير للخير، فإن قاصد الاطلاع على العوالم الروحية قاصد لطلب حظ شهواني بالطاعة التي شرعت
(1) سورة يونس 62، 63.
(2)
الحديث تفرد البخاري بإخراجه في صحيحه دون بقية أصحاب الكتاب، والحديث من غرائب الصحيح.
(جامع العلوم والحكم ص 337).
للتقرب بها إلى الله تعالى.
أمّا الخير الموصل إلى الخير فهو كالصلاة والصبر إذا قصد بهما الاستعانة عليه الطاعة: {وَاستعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} (1)، وترك الشر فيه معونة على الطاعة، فإن العبد يحرم الخير بالذنب يصيبه، ومن ذلك حرمانه نور العلم والهداية بما يأتيه من المعاصي، فإذا ترك ذلك كان عونا على تحصيل العلم وفهمه وحفظه.
الخامس: نحن لا ننكر أنَّ الله قد يتفضل على بعض عباده بشيء من الكرامة وإطلاعه على بعض ما يخفي على عامة الناس، ويكون ذلك على جهة التكريم، أو لأجل مصلحة ظاهرة من دفع العدو، أو إعانة على خير. والذي نعرفه من هذا أنه يحصل من غير طلب، أو من غير تطلع إليه، كما حدث لعمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما رأى عدوا يريد ضرب المسلمين من خلفهم، فصاح من على منبر الرسول صلى الله عليه وسلم يا سارية الجبل، فأسمع المسلمين في في بلاد فارس.
وقد يحدث في حال الاضطرار الشديد، كأن يكون العبد خائفا أو جائعا، فييسر الله له الطعام والشراب من حيث لا يحتسب، وقد يعطي الله ذلك عبدا لحكمة يعلمها كما حديث مع مريم ابنة عمران.
وإنما الذي ننكره أن يعبد المسلم بهذا القصد وبهذه النية.