الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يرى ابن القاسم من المالكية أنه يجب عليه أن يصلي في كل ثوب مرة (1)، حتى يتأكد أنَّه صلى في ثوب طاهر، ولكن ابن رشد ضعف قول ابن القاسم هذا بأنَّ النيَّة في هذه الحال غير جازمة، وهذا مبطل لها.
وابن القاسم هنا يخالف ما رواه عن الإِمام مالك من أنه يجب عليه أن يصلي صلاة واحدة فحسب في ثوب واحد، على أن يتحرى قدر جهده في اختيار الثوب الذي يغلب على ظنه طهارته (2).
ورأي الإمام مالك رأي سديد ولا شك، إذ القول بأنَّه يجب أن يصلي في عدد يحصل معه التأكد من أنّه صلى صلاة في ثوب طاهر يوقع الناس في حرج شديد، فكيف يفعل من اختلطت عنده مئات وألوف الثياب
…
؟ أيصلي ألف صلاة في كل وقت؟ إنَّ القول بذلك تكليف بالشاق الذي لم يعهد من الشارع التكليف بمثله، بل يكون أحيانا من التكليف بما لا يطاق.
الشك في الصلاة التي فاتته
إذا تأكد أنَّ صلاة فاتته يوما ما بنوم أو نسيان، ولكنه لم يدر أي صلاة هي، فماذا يفعل؟
المزني من الشافعية يذهب مذهبا غريبا لم يوافقه عليه أصحابه، فهو يرى أن يصلي أربع ركعات، يجلس في ركعتين، ثم يجلس في الثالثة، ثم يجلس في الرابعة، ويسلم (3). وقوله مستغرب لأنَّها صلاة لا مثيل لها في الصلوات المفروضة، ولأنه لم ينو صلاة بعينها.
أمَّا المذهب الذي نصَّ عليه الشافعي فهو إعادة الصلوات الخمس التي تكون في اليوم والليلة، يقول الشافعي رحمه الله: "إذا فاتت الرجل صلاة لم يدر أي
(1) الحطاب على خليل (1/ 159).
(2)
الحطاب على خليل (1/ 159).
(3)
المجموع (3/ 76).
صلاة هي بعينها، صلى الصلوات الخمس، ينوي بكلّ واحدة منهن الصلاة الفائتة له" (1).
وهذا القول هو مذهب أبي حنيفة (2)، وهو مذهب المالكية والحنابلة أيضا (3).
ويشكل على هذا القول ما قرره من أن النية لا بد أن تكون جازمة، وهنا لا جزم، وقد علل العز بن عبد السلام مذهب القائلين بالصحة:"أن الأصل وجوب كلّ واحدة من الصلوات في ذمته، فصحت لذلك نيته، ولظنه بقاء كل صلاة في ذمته"(4).
وتعليل القرافي: "أن الشرع جعل شكَّه سببا لإيجاب الجميع، فالجميع معلوم الوجوب"(5).
أما النووي فيجعل ذلك من باب الاضطرار المعفو عنه (6).
وذهب ابن حزم إلى ما ذهب إليه الأوزاعي من أن الواجب على هذا الذي فاتته صلاة لا يدري عينها، أن يصلي أربع ركعات يجلس بعد الثانية والرابعة، ثم يسجد للسهو، وأن عليه أن ينوي في ابتدائه إياها أنها التي فاتته في علم الله تعالى (7).
وابن حزم هنا يوجه النيّة إلى الصلاة الفائتة بلا تحديد، وهو بذلك لا شكّ ولا يتردّد، ويجعل هذا المصلي كالرجل الذي شكَّ في صلاته أصلى ركعتين أم ثلاثا
(1) الأم (1/ 86).
(2)
حاشية ابن عابدين (1/ 306).
(3)
الحطاب على خليل (1/ 173)، المغني لابن قدامة (1/ 466).
(4)
قواعد الأحكام (1/ 126).
(5)
الذخيرة (1/ 241).
(6)
المجموع (1/ 382)، ويحسن أن نثبت رأي ابن تيمية، فهو يري صحة الطهارة والصوم والزكاة مع الشك، لأن المؤدي يقصدها دون غيرها، والتردد كائن في الاعتقاد: هل هي واجبة أم لا؟ أما القصد فهو متجه إلى الفعل، ولا شك فيه، مجموع الفتاوى (23/ 390).
(7)
المحلى (4/ 182).