المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - قصد النعيم الأخروي - مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين

[عمر سليمان الأشقر]

فهرس الكتاب

- ‌كلمة الافتتاح

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأولتحديدُ مَوضُوع البَحث

- ‌تعريف القصد

- ‌تعريف النيّة

- ‌الاشتقاق اللغوي:

- ‌النيَّة في الاصطلاح

- ‌1 - تعريف النية بالعزم والقصد:

- ‌2 - تعريف النية بأنَّها الإرادة:

- ‌3 - تعريف النيّة بالإِخلاص:

- ‌4 - تعريف النية بأنَّها عمل القلب ووجهته:

- ‌النيّة شرعًا

- ‌موقع النية من العلم والعمل

- ‌جنس النيّة في الموجودات

- ‌هل للإِنسان سلطان على نيّته وقصده

- ‌التكليف

- ‌مفهوم العبادة وحدودها

- ‌أصل العبادة ومبناها

- ‌العبادة في مصطلح الفقهاء

- ‌موضوع الرسالة

- ‌المبحث الثانيالأدلّة على أنّ المقاصدَ مُعتبرة في العبادات والتصرفات

- ‌أولاً: الأدلة القرآنية:

- ‌ثانيًا: الأحاديث النبوية:

- ‌ثالثا: القصد إلى الفعل أمر ضروري:

- ‌رابعًا: عدم اعتبار الشارع للأفعال التي وقعت من غير قصد:

- ‌خامسًا: النيّة سر العبودية وروحها:

- ‌سابعًا: تأثير النية فى الأعمال:

- ‌اعتراضات

- ‌المبحث الثالثفَضل المقَاصد وعظيم خَطرهَا

- ‌1 - يبلغ المرء بنيّته ما لا يبلغه بعمله:

- ‌2 - الخلود في الجنّة أو النّار بالنيّات:

- ‌3 - الأعمال البدنية قد تتوقف بخلاف النية:

- ‌4 - قاصد الفعل الخير يثاب وإن لم يصب المراد:

- ‌5 - اهتمام العلماء بأمر النيّات:

- ‌عَدْوه ربع العلم أو ثلثه أو نصفه:

- ‌هذا الحديث من جوامع الكلم:

- ‌البداءة به في المهمات:

- ‌6 - شرفت النيات بموجدها:

- ‌7 - العمل بغير نية كالجثة الهامدة التي لا روح فيها:

- ‌8 - النيّات تميز الأعمال:

- ‌9 - المحوِّل العجيب:

- ‌10 - النيّة عمل السر وعمل السر أفضل من عمل العلانية:

- ‌11 - تربية على اليقظة:

- ‌النية أفضل من العمل:

- ‌الباب الأولالنيات وما يتعلق بها من أحكام

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأولمَحَلّ النِّية

- ‌مَحَلّ النِّيَّة

- ‌حكم التلفظ بالنية دون مواطأة القلب

- ‌مناقشة القفال:

- ‌مخالفة اللسان لما نواه في قلبه

- ‌الجهر بالنيّة

- ‌التلفظ بها همسًا

- ‌هل ينعقد العمل بالنيّة فحسب

- ‌القصد المجرد عن العمل

- ‌مراتب الإرادة

- ‌الإِرادة غير الجازمة

- ‌لم أثيب الهامّ بالحسنة ولم يُعاقب على الهم بالسيئة

- ‌الإِرادة الجازمة

- ‌الثاني: العزم على فعل من أفعال الجوارح:

- ‌أدلّة القائلين بالمؤاخذة

- ‌الفصل الثانيوَقت النّية

- ‌وقت النية في الطهارة

- ‌وقت النيّة في الصلاة

- ‌القول الأول: وجوب المقارنة تكبيرة الإحرام:

- ‌القول الثاني: جواز تقدّم النيّة على التكبير بزمن يسير:

- ‌القول الثالث: وجوب تقديم النية على التكبير:

- ‌تأخير النية

- ‌وقت نية الزكاة

- ‌وقت نيّة الصوم

- ‌تقديم النية في الصوم

- ‌تأخير النية في الصوم

- ‌1 - القضاء والكفارة:

- ‌2 - صوم رمضان:

- ‌الفريق الموجب للنية من الليل في صوم رمضان:

- ‌أدلتهم:

- ‌النيّة لكلّ يوم

- ‌حكم من ظهر له وجوب الصيام نهارا

- ‌الليل كله وقت للنية

- ‌3 - صوم النذر

- ‌4 - صوم النفل

- ‌المدى الذي يصح أن يحدث فيه النية من النهار:

- ‌شروط من أجاز صوم النفل بنية من النهار:

- ‌المقدار الذي يثاب عليه الناوي من النهار:

- ‌الفصل الثالثصفة النِّيَّة

- ‌تمهيد

- ‌صفة نيّة الطهارة

- ‌إذا نوى مطلق الطهارة:

- ‌إذا نوى الغسل أو الوضوء:

- ‌إذا نوى المتطهر رفع الحدث:

- ‌إذا نوى المتطهر الطهارة لأمر لا يستباح إلا بها:

- ‌إذا نوى ما تستحب له الطهارة:

- ‌إذا نوى ما لا تشرع الطهارة له:

- ‌إذا نوى من عليه أحداث رفع أحدها:

- ‌النية للتيمم

- ‌صفة النيّة في العبادات الواجبة

- ‌صفة النيّة في الزكاة والحج والعمرة

- ‌صفة النية في الصوم

- ‌صفة النيّة في الصلاة

- ‌نية الجماعة

- ‌نيّة القضاء والأداء

- ‌نية الجمع

- ‌صفة النية في النوافل

- ‌الاستحضار التفصيلي لأركان الصلاة

- ‌قول أعجب وأغرب

- ‌الفصل الرابعشروط النِّيَّة ومبطلاتها

- ‌الشرط الأولأهلية من صدرت عنه النية

- ‌الوضوء والغسل والتيمم من الكافر

- ‌الزكاة من أهل الذمة

- ‌غسل الزوجة الكتابية

- ‌القربات التي أداها المسلم حال كفره

- ‌العبادة من غير المميز

- ‌حج الصغير الذي لا يميز

- ‌نيّة الصبي المميز

- ‌الشرط الثانيالجزم والتنجيز وعدم التردد والتعليق

- ‌الشك

- ‌الشك بسبب عدم علمه بأمور تتعلق بالمنوي

- ‌اختلطت ثياب طاهرة بنجسة

- ‌الشك في الصلاة التي فاتته

- ‌صيام يوم الشك

- ‌صيام الأسير

- ‌الشك في أصل النية

- ‌التردد في العبادة

- ‌تعليق النية على المشيئة أو على حصول شيء ما

- ‌الشرط الثالث‌‌استصحاب حكم النية

- ‌استصحاب حكم النية

- ‌رفض النية

- ‌رفض النية بعد تمام العبادة:

- ‌رفض نية العبادة في أثنائها

- ‌قلب النية وتغييرها

- ‌أقسام النيّة التي قلبت

- ‌الأول: نفل فرض إلى فرض:

- ‌الثاني: نقل فرض إلى نفل:

- ‌الثالث: نقل نفل إلى فرض:

- ‌الرابع: نقل نفل إلى نفل:

- ‌تغيير النيَّة

- ‌المنفرد يصبح إماما

- ‌الإمام يصبح مأموما

- ‌المأموم يصبح منفردا

- ‌المنفرد يتحوّل إلى مأموم

- ‌تغيير نية القصر إلى إتمام

- ‌اختلاف نيّة الإمام والمأموم

- ‌الأدلة النقلية

- ‌الاستدلال بالقياس:

- ‌الشرط الرابععدم التشريك في النيّة

- ‌الشرط الخامسأن تتعلق النية بمكتسب للناوي

- ‌الشرط السادسقصد العبادة دفعة واحدة

- ‌الشرط السابعمقارنة النيّة للمنوي

- ‌الشرط الثامنالعلم بصفات المنوي

- ‌الغلط في تعيين المنوي

- ‌الفَصل الخامسالنيَابة في النيَّة

- ‌تمهيد:

- ‌أدلّة الذين منعوا مطلقا

- ‌أولا: النصوص التي تدل بعمومها على منع النيابة:

- ‌ثانيا: النصوص المصرّحة بمنع النيابة في بعض العبادات:

- ‌ثالثا: قالوا جواز النيابة فى العبادات تنافي الغرض من تشريعها:

- ‌المجيزون مطلقا

- ‌موقفهم من حجج المانعين:

- ‌أدلّة المجيزين للنيابة مطلقا أو في حال دون حال:

- ‌موقف المانعين للنيابة في العبادات من هذه النصوص الدالة على الجواز ومناقشتهم:

- ‌موقف الدين أجازوا النيابة في بعض العبادات من حجج المجيزين مطلقا:

- ‌تحرير محلّ النزاع

- ‌أولا: عبادات لا مجال للنيابة فيها:

- ‌ثانيا: الذين لا تجوز النيابة عنهم:

- ‌الرأي الراجح:

- ‌إهداء ثواب العبادة للأموات

- ‌حجج المانعين:

- ‌حجج المجيزين:

- ‌النظر في هذه الأدلة:

- ‌مَا يفتَقِر إلى النِّيَّة وَمَا لَا يفتقِر إليَهَا

- ‌إزالة النجاسات

- ‌الأحداث التي تنقض الطهارة

- ‌النيّة في الوضوء والغسل

- ‌أدلة القائلين بعدم الوجوب

- ‌1 - أن الماء مطهر بطبعه:

- ‌2 - أن المعتبر في الوضوء لا يتوقف على النَّية:

- ‌3 - الوضوء يتحقق المقصود منه بنفس وقوعه:

- ‌4 - الوضوء وسيلة لغيره، والوسائل لا تلزمها النية:

- ‌5 - الوضوء شرط والشروط لا تحتاج إلى نيّة:

- ‌6 - إطلاق النصوص:

- ‌7 - دليل النية ظني الثبوت ظني الدلالة:

- ‌مناقشة الحجج التي أوردوها

- ‌أدلة الموجبين

- ‌أولا: الأحاديث المبينة فضل المتوضىء والمغتسل:

- ‌ثانيا: نصوص زعموا أنها توجب النية في الوضوء:

- ‌ثالثا: القياس:

- ‌النيّة في التيمم

- ‌النيّة في الصلاة

- ‌النيّة في الزكاة

- ‌إذا تصدَّق بجميع ماله ولم ينو الزكاة:

- ‌صوم رمضان

- ‌النيّة في الحجّ والعمرة

- ‌النية في الاعتكاف

- ‌النية في الكفارات

- ‌النيّة لأعمال القلب

- ‌النيّة في الأقوال

- ‌السنة في التروك

- ‌حكم النيّة في العبادات

- ‌(ركن، أم شرط)

- ‌الباب الثانيالإخلاص

- ‌تمهيد

- ‌أهمية الغاية وعظيم خطرها

- ‌لا غنى للبشرية عن الغاية التي يرسمها الإِسلام

- ‌الدواعي الطبعية والدواعي الشرعية

- ‌الفصل الأولالغاية التي تتوجَّه إليها مقاصدُ المكلّفين

- ‌الغاية الواحدة في مصطلح القرآن هي الإخلاص

- ‌شدة الإخلاص وصعوبته

- ‌لماذا كان الله هو المقصود دون سواه

- ‌1 - الغاية التي ليس وراءها غاية:

- ‌2 - هو المستحقُّ لأن يقصد ويعبد:

- ‌3 - السعادة في قصده، والشقاء في توجيه القلوب إلى سواه:

- ‌4 - لا سبيل إلى تحرر النفس الِإنسانية إلاّ بتوجهها إليه:

- ‌5 - عنى الله عن العباد وإحسانه إليهم:

- ‌حكم الإِخلاص في العبادات

- ‌الفصل الثانيمفهومات خاطئة للإخلاص

- ‌1 - الِإخلاص والتجرد عن الِإرادة

- ‌هل يمكن العمل بدون إرادة:

- ‌الفناء الحق:

- ‌2 - التجرد عن الميول والنزعات الفطرية

- ‌محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الاتجاه:

- ‌سرّ المسألة:

- ‌3 - قصد النعيم الأخروي

- ‌تنوّع المقاصد الخيّرة

- ‌الفصل الثّالِث المقاصد السَّيّئة

- ‌أولاً: اتباع الهوى

- ‌تعريف الهوى وبيان نتائجه وآثاره:

- ‌علاج الهوى

- ‌1 - تحويل الاتجاه:

- ‌2 - تقوية الإرادة:

- ‌3 - إحياء واعظ الله في قلوبنا:

- ‌4 - محاسبة العبد نفسه:

- ‌ثانيًا: الرياء

- ‌ومن النصوص القرآنية التي تتوعّد المرائين:

- ‌تعريف الرياء

- ‌الرياء لغة:

- ‌الرياء شرعًا:

- ‌الرياء والسمعة:

- ‌الرياء والعجب:

- ‌أسباب الرياء

- ‌الأمور التي يراءى بها

- ‌حكم العمل المراءى به

- ‌مناقشة ما احتج به أصحاب هذا المذهب:

- ‌شبهة وجوابها:

- ‌تحقيق القول في قصد المكلف المصالح التي أقر الشارع قصدها بالعبادة:

- ‌الغنيمة في الحرب والتجارة في الحج تنقصان الأجر

- ‌الرياء بأوصاف العبادة

- ‌خفاء الرياء وتلونه

- ‌مزلق خطر

- ‌ترك العمل خوف الرياء

- ‌1 - الاستعانة بالله على الإخلاص والتعوذ به من الرياء ومراقبته:

- ‌2 - معرفة الرياء والتحرز منه:

- ‌3 - النظر في عاقبة الرياء في الدنيا:

- ‌4 - النظر في عواقبه الأخروية:

- ‌5 - إخفاء العبادة وإسرارها:

- ‌علامات القائم بالإِخلاص

- ‌ثالثا: التعبد بقصد الاطلاع على العوالم المغيبة

- ‌اعتراضات

- ‌رابعا: الهروب من العبادة

- ‌الأمر الضابط لمقاصد المكلفين

- ‌الفصل الرابع تأثيرُ القَصْد في الأفعال

- ‌تأثير النيّة في المباحات

- ‌التوفيق بين الرأيين:

- ‌استحضار النية عند المباح:

- ‌تأثير النيّة في الأفعال المحرّمة

- ‌الفرقة الأولى:

- ‌الفرقة الثانية:

- ‌الفرقة الثالثة:

- ‌التقرب إلى الله بالعبادات المبتدعة

- ‌خاتمة القول

- ‌مُلحَقإيضاحات مهمة تتعلق بحديث "إنمّا الأعمال بالنيّات

- ‌تمهيد:

- ‌الألفاظ التي وردت بها روايات الحديث

- ‌سبب الحديث

- ‌إشكال يرد على الحديث باعتبار سببه

- ‌كتب السنة التي أخرجته

- ‌هل أخرجه مالك في الموطأ:

- ‌طرق الحديث

- ‌مخطط يوضح طرق الحديث في كتب السنة

- ‌إشكالات أوردت على الحديث

- ‌1 - تضعيف الحديث لكونه غريبًا:

- ‌2 - أنّه حديث شاذ:

- ‌3 - أن فيه انقطاعا:

- ‌4 - أنه ليس حديثا فردًا:

- ‌5 - أنه متواتر:

- ‌قائمة المراجع

الفصل: ‌3 - قصد النعيم الأخروي

‌3 - قصد النعيم الأخروي

وقد بالغ بعض العلماء والعباد في تجريد القصد إلى الله والتقرب إليه، حتى عدّوا طلب الثواب الأخروي الذي وعد الله به عباده الصالحين قادحا في الإخلاص، وهم وإن لم يقولوا ببطلان الأعمال التي قصد أصحابها الثواب الأخروي- إلاّ أنهم كرهوا للناس العمل على هذا النحو، ووصفوا العامل رجاء حظّ أخروي بالرعونة، ووسموه بأجير السوء، مما جعل قلوب كثير من الذين يقرؤون كلامهم تحاذر أن تقصد هذا القصد، وتجاهد في ألا تنظر إلى ثواب الأعمال الأخروية.

وقد تناقل العلماء قول رويم (1) في تعريف الإِخلاص: "الإخلاص ألا يريد على عمله عوضا في الدارين، ولا حظَّا من الملكين"(2).

ووصفت رابعة العدوية (3) الذي يعبد رجاء الجنة وخوف النار بأنه أجير سوء حيث تقول: "ما عبدته خوفا من ناره، ولا حبّا في جنته، فأكون كأجير السوء، بل عبدته حبا له وشوقا إليه"(4).

ووصف الغزالي العاملين على هذا النحو بالبَلَه، بالإضافة إلى الوصف الذي وصفتهم به رابعة العدوية: "العامل لأجل الجنة عامل لبطنه أو فرجه، كالأجير

(1) هو رويم بن أحمد بن يزيد، صوفي مشهور، من مشايخ بغداد توفى سنة (330 هـ).

راجع: (الأعلام 3/ 65).

(2)

المجموع 1/ 30.

(3)

هي رابعة بنت إسماعيل العدويّة، عابدة ناسكة من أهل البصرة، توفيت ببيت المقدس سنة (135 هـ).

راجع: (وفيات الأعيان 2/ 285).

(4)

إحياء علوم الدين 4/ 310.

ص: 403

السوء - ودرجته درجة البله (1)، وإنّه لينالها بعمله إذ أكثر أهل الجنة البله، وأما عبادة ذوي الألباب فإنَّها لا تجاوز ذكر الله تعالى والفكر فيه حبا لجماله وجلاله

وهؤلاء أرفع درجة من الالتفات إلى المنكوح والمطعوم في الجنة .. " (2).

وقرر شيخ الِإسلام إسماعيل الهروي أنَّ الرجا أضعف منازل المريدين ووسم العاملين على الرجا بالرعونة في مذهب المتصوفة: "الرجا أضعف منازل المريدين، لأنه معارضة من وجه واعتراض من وجه، وهو وقوع في الرعونة في مذهب هذه الطائفة"(3).

وإذا نظرنا نظرة عجلى في كتاب ربنا، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وفي سيرة الأنبياء والمرسلين والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين، فإنَّنا نعلم علما قاطعا أنَّ ما ذهب إليه هؤلاء بعيد عن الصواب، مخالف لما جاءت به نصوص السنة والكتاب.

لقد وصف الله سادات المؤمنين بأنَّهم كانوا يعبدون الله خائفين راجين: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} (4).

وعباد الرحمن الذين نسبهم إلى نفسه وأثنى عليهم في آخر سورة الفرقان يقولون: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} (5).

والذين وسمهم بأنَهم أولو الألباب يقولون: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا

(1) الأبله في الأصل: الرجل الأحمق الذي لا عقل له، ويطلق ويراد به الذي غلب عليه سلامة الصدر وحسن الظنّ بالناس، لأنهم أغفلوا دنياهم، وأقبلوا على آخرتهم (لسان العرب 1/ 263).

(2)

إحياء علوم الدين 4/ 375.

(3)

مدارج السالكين 2/ 37.

(4)

سورة الإسراء: 57.

(5)

سورة الفرقان: 65.

ص: 404

{وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (1).

وخليل الرحمن إبراهيم يقول في دعائه: {وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} (2).

وأثنى الله على نبيّه زكريا ويحيى، فقال:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (3).

وجاء صحابي للرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "أَما إني أسأل الله الجنة، وأعوذ به من النار، لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "حَوْلَهَا نُدَنْدِنْ" (4).

وقد وصف الله نعيم الجنة، ثم حثَّ على التنافس والتسابق في طلبه، فقال:{وِفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَس الْمتنافِسون} (5).

وما أكثر ما بين القرآن الثواب أو العذاب الأخروي لمن قام بعمل ما، كذلك الرسول صلى الله عليه وسلم:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} (6).

وقال في أكلة مال اليتيم: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} (7).

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في حقّ صائم رمضان: "منْ صَام رمَضانَ

(1) سورة آل عمران: 191 - 194.

(2)

سورة الشعراء: 85 - 87.

(3)

سورة الأنبياء: 90.

(4)

رواه أبو داود كتاب الصلاة 124، وابن ماجه كتاب الإقامة 26، وأحمد في مسنده (3/ 474، 5/ 74).

(5)

سورة المطففين: 26.

(6)

سورة الكهف: 107 - 108.

(7)

سورة النساء: 10.

ص: 405

إيمانًا واحْتِسَابًا غفر لهُ مَا تَقَدمَ مِنْ ذَنْبهِ" (1).

قال ابن حجر: "والمراد بالإيمان الاعتقاد بحق فرضية الصوم، وبالاحتساب طلب الثواب من الله تعالى، وقال الخطابي: احتسابا أي عزيمة، وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه طيبة نفسه بذلك، غير مستثقل لصيامه ومستطيل لأيامه"(2).

وقال فيمن تبع الجنازة: "مَنْ تَبعَ جَنازَةَ مسْلِم إِيمانًا واحْتِسَابًا وكَانَ مَعَهَا حَتى يصَلى عَلَيْهَا، ويفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنّه يَرْجع مِنْ الَأجْرِ بِقيرَاطَيْن، كل قِيراطٍ مثْلُ أحُدٍ، وَمَنْ صَلى عَلَيْها، ثم رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تدْفَن، فَإِنَّه يَرْجِع بِقيرَاطٍ منَ الَأجر"(3).

ولو ذهبنا نورد النصوص المرغّبة والمرهبة من الكتاب والسنة لطال القول، وقد ألّف الحافظ المنذري (4) كتابه الترغيب والترهيب في ثلاث مجلدات، وحسبنا أن الله قد عد القرآن مبشرا ونذيرا:{قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} (5).

ووصف الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} (6).

فكيف بعد أن ثبت أن دين الله كله دعوة إلى العباد كي يطلبوا الجنّة، ويهربوا من النار، وأن سادة المؤمنين من الرسل والأنبياء والصديقين والشهداء كلّهم

(1) رواه البخاري (الفتح 4/ 115)، ورواه النسائي (4/ 154)، وعزاه في صحيح الجامع إلي المسند وأبي نعيم (صحيح الجامع 5/ 309).

(2)

فتح الباري (4/ 115).

(3)

رواه البخاري والنسائي (صحيح الجامع 5/ 267).

(4)

هو عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله، شيخ الإسلام زكي الدين أبو محمد المنذري الشامي، ثم المصري، عديم النظير في معرفة الحديث على اختلاف فنونه، وكان إمامًا حجة ثبتًا ورعًا متحريًا.

ألف (الترغيب والترهيب)، واختصر (صحيح مسلم)، و (سنن أبي داود)، توفي سنة (656 هـ).

(5)

سورة الكهف: 2.

(6)

سورة الأحزاب: 45 - 46.

ص: 406

يطلبون الجنة، ويخافون النار- يستقيم قول من زعم أنّ الذي يعبد الله طلبا للجنة، وخوفا من النار كأجير السوء، أو أن العمل على ذلك من الرعونة، وأنه أضعف مراتب المريدين، وكيف يجوز للغزالي -غفر الله له- أن يقول:"العامل لأجل الجنة عامل لبطنه وفرجه، كالأجير السوء ودرجته درجة البله".

لا والله، بل هؤلاء هم الأخيار الأبرار الأطهار الذين سماهم الله بأولي الألباب، وهم الذين تلقوا علومهم عن الله، وفقهوا عنه، وشمّروا لما دعاهم إليه، فهم أسعد الناس وخير الناس، وحاشاهم أن يكونوا كأجراء السوء، أو أهل رعونة وضعف.

والذين قالوا هذه المقالة أثروا في المسلمين أثرا سيئا، فإنَّ القلب إذا خلا من ملاحظة الجنة والنار، ورجاء هذه، والهرب من هذه، فترت عزائمه، وضعفت همته، ووهى باعثه، وكلما كان أشدّ طلبا للجنة وعملا لها، كان الباعث له أقوى، والهمّة أشدّ، والسعي أتمّ. ولعلّ من أخطاء هذا الفريق زعمه أنَّ الجنّة لا يدخل في مسماها إلاّ الأكل والشرب واللباس والنكاح والسماع ونحو ذلك مما فيه التمتع بالمخلوقات، وأنَّ طالب الله وطالب رؤيته والنظر إليه ينبغي أن يطلب مطلوبا غير الجنّة، كما قال أحدهم عندما سمع قوله تعالى:{مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} (1)، قال: فأين من يريد الله (2)؟

وقال الآخر في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (3). فقال: إذا كانت النفوس والأموال بالجنة، فأين النظر إليه؟ (4).

وظنوا أنَّ مسمى النار لا يدخل فيه إلا التعذيب بالمخلوقات فحسب، وقد عبرت رابعة العدويّة عن هذا الفهم بقولها:(5)

(1) سورة آل عمران 152.

(2)

مجموع الفتاوى 10/ 63.

(3)

سورة التوبة: 111.

(4)

مجموع الفتاوى (10/ 63).

(5)

العبادة في الإسلام ص 110.

ص: 407

كلهُمْ يَعْبُدُونَ منْ خَوفِ نَارٍ

وَيرَونَ النَّجاةَ حَظًّا جَزيلا

أَوْ بِأَنْ يَدْخُلُوا الجِنَانَ فيَحْظَوْا

بنَعِيم ويشرَبُوا سَلسبِيلا

ليسَ لي فِي الجِنَانِ والنَّارِ حظ

أنَا لا أَبْتغِي بِحِبي بَدِيلا

وهذا -كما يقول ابن تيمية- قصور وتقصير منهم عن فهم مسمّى الجنة والنار، فكلّ ما أعدّه الله لأوليائه فهو من الجنة، والنظر إليه -تعالى- هو من الجنة، ولهذا كان أفضل الخلق يسأل الله الجنَّة، ويعوذ به من النَّار.

فالجنة دار الرحمة الخالصة، والنار دار العذاب الخالص، وأعظم نعيم يناله أهل الجنَّة وأعلاه النظر إلى وجهه تعالى، كما في صحيح مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد: يا أهل الجنة إن لكم عبد الله موعدا يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يبيّض وجوهنا؟ ألم يثقل موازيننا، ويدخلنا الجنَّة، وينجينا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئًا أحبّ إليهم من النظر إليه"(1).

وأعظم عذاب في النار هو حرمان أهل النّار من هذا النّعيم العظيم: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (2).

(1) رواه مسلم فى صحيحه (مشكاة المصابيح 3/ 97).

(2)

سورة المطففين: 15.

ص: 408