الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأتباع، والحاكم من المحكومين، فإذا صلح القلب صلح بقيّة الحسد، وإذا فسد فسدت، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم مقرِّرا هذه الحقيقة:"ألا وإنَّ في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب"(1).
والجسد الِإنساني كالوعاء، فإذا طاب ما في أسفل الِإناء طاب أعلاه، وإذا فسد أسفله فسد أعلاه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"إنَّما الأعمال كالوعاء، إذا طاب أسفله طاب أعلاه وإذا فسد أسفله فسد أعلاه"(2).
فإذا كان هذا شأن القلب فالنية وهي عمل قلبي لها فضل على الأعمال الظاهرة، وفضلها عليها كفضل القلب على الأعضاء الظاهرة.
يقول علي قاري (3) في هذا: "قال سهل: "ما خلق الله تعالى مكانا أعز وأشرف عنده من قلب عبده المؤمن، وما أعطى كرامة للخلق أعز عنده من معرفته، فجعل الأعزّ في الأعزّ، فما نشأ من أعزّ الأمكنة يكون أعز مما نشأ من غيره
…
" (4).
7 - العمل بغير نية كالجثة الهامدة التي لا روح فيها:
لا يقبل العمل الذي يتقرب به إلى الله إلاّ بأمرين:
الأول: أن تبعث على العمل نيّة صالحة صادقة.
الثاني: أن تكون صورة العمل الظاهر مشروعة، غير مبتدعة.
وفي هذا يقول ابن مسعود (5): "لا ينفع قول إلاّ بعمل، ولا ينفع قول وعمل إلاّ
(1) أورده صاحب كنز العمال (3/ 245) وعزاه إلى الستة.
(2)
أورده في صحيح الجامع (2/ 2316)، وعزاه إلى ابن ماجه ومسند أحمد.
(3)
هو علي بن محمد سلطان الهروي القاري، فقيه حنفي، سكن مكة، وتوفي بها سنة (1014 هـ) من مؤلفاته:(تفسير القرآن)، و (شرح مشكاة المصابيح) - (الأعلام 5/ 166).
(4)
تحسين الطوية 1/ ب.
(5)
هو عبد الله بن مسعود من هذيل، أحد السابقين إلى الإسلام هاجر الهجرتين، وهو من المكثرين في رواية الحديث، توفي بالمدينة سنة (32 هـ).
(خلاصة تذهيب الكمال 2/ 99)، (طبقات الحفاظ ص 5)، (الأعلام 4/ 280).
بنيّة، ولا ينفع قول وعمل ونيّة إلا بما يوافق السنة" (1).
والأمر الثاني لا قيمة له إذا فقد الأمر الأول.
وبذلك يتبيّن مدى حاجة الأعمال الظاهرة إلى النيات، فالعبادات التي تخلو من النية لا قيمة لها أبدا (2)، كالعبادات التي يؤديها المرء نسيانا أو سهوا، أو وهو نائم، أو غافل.
والعبادات التي تنبعث بنيّة غير صادقة لا تعتبر باطلة فحسب، بل يعذَّب صاحبها بسبب قصده الفاسد.
فالعبادات التي يقوم بها المراؤون والمنافقون وعباد الدينار والدرهم وزرها عظيم، وحسابها شديد، وصدق الله إذ يقول: في، {وَقَدمنْا إِلى ما عَمِلُوا منْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هباءً منثورا} (3).
وقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (4). فالكفرة والمراؤون والمنافقون لا تنفعهم عبادتهم شيئًا لأن نياتهم فاسدة. ولذلك رتَّب الرسول صلى الله عليه وسلم الثواب والمغفرة في أكثر من عمل على القيام بالأعمال بنيّة صالحة.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه"(5)، فالصوم الذي تغفر به الذنوب هو الذّي يقوم به العبد استجابة لأمر الله الذي فرض عليه الصيام، وطلبا للأجر والثواب.
(1) العدّة (1/ 8)، وعزاه إلى ابن أبي الدنيا وأورده ابن الجوزي في تلبيس إبليس (ص 18)، بلفظ قريب من الرواية التي أوردناها، إلا أنه جعلها من قول سفيان.
(2)
ومع أن الأحناف يصححون الوضوء والغسل بغير نية إلا أنهم يقولون: (لا ثواب فيها بغير نية). غمز عيون البصائر (1/ 23).
(3)
سورة الفرقان / 23.
(4)
سورة النور / 39.
(5)
أورده فى صحيح الجامع (5/ 309)، وعزاه إلى البخاري ومسلم وأحمد والنسائي.
وفي الحديث الآخر: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدَّم من ذنبه"(1).
وفي الصلاة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد لا يريد إلا الصلاة، لا ينهزه إلا الصلاة لم يخطُ خطوة
…
" (2) الحديث.
وفي اتباع الجنازة يقول: "من تبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا، وكان معها حتى يصلي عليها، ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين"(3).
وفي المساهمة في الحرب يقول: "من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده، كان شبعه وريّه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة"(4).
ولو أردنا أن نستقصي النصوص في هذا الموضوع لطال المبحث، والذي يعنينا هنا أن نعلم أنَّ النيَّة الصالحة روح العمل ولبّه، والعمل بدونها كالجثة الهامدة التي لا روح فيها.
ومما يدلّ على ذلك صراحة قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكلٍّ امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه"(5).
وفي يوم القيامة تكون النية هي المقياس الذي يحاسب العباد على أساسه ففي الحديث "أن جيشًا يغزو الكعبة، فيخسف الله بأولهم وآخرهم"، فقالت عائشة: يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم المكره .... ؟ فقال: "يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نيّاتهم"(6).
(1) أورده في صحيح الجامع (5/ 334) وعزاه إلى البخاري ومسلم.
(2)
رواه البخاري في صحيحه. الفتح (4/ 338).
(3)
صحيح الجامع (5/ 267)، وعزاه إلى البخاري والنسائي.
(4)
صحيح البخاري. الفتح (6/ 56).
(5)
رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وانظر تخريجه ملحق الكتاب. ص 519.
(6)
رواه مسلم في صحيحه. شرح النووي (18/ 704).