المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌موقف الدين أجازوا النيابة في بعض العبادات من حجج المجيزين مطلقا: - مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين

[عمر سليمان الأشقر]

فهرس الكتاب

- ‌كلمة الافتتاح

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأولتحديدُ مَوضُوع البَحث

- ‌تعريف القصد

- ‌تعريف النيّة

- ‌الاشتقاق اللغوي:

- ‌النيَّة في الاصطلاح

- ‌1 - تعريف النية بالعزم والقصد:

- ‌2 - تعريف النية بأنَّها الإرادة:

- ‌3 - تعريف النيّة بالإِخلاص:

- ‌4 - تعريف النية بأنَّها عمل القلب ووجهته:

- ‌النيّة شرعًا

- ‌موقع النية من العلم والعمل

- ‌جنس النيّة في الموجودات

- ‌هل للإِنسان سلطان على نيّته وقصده

- ‌التكليف

- ‌مفهوم العبادة وحدودها

- ‌أصل العبادة ومبناها

- ‌العبادة في مصطلح الفقهاء

- ‌موضوع الرسالة

- ‌المبحث الثانيالأدلّة على أنّ المقاصدَ مُعتبرة في العبادات والتصرفات

- ‌أولاً: الأدلة القرآنية:

- ‌ثانيًا: الأحاديث النبوية:

- ‌ثالثا: القصد إلى الفعل أمر ضروري:

- ‌رابعًا: عدم اعتبار الشارع للأفعال التي وقعت من غير قصد:

- ‌خامسًا: النيّة سر العبودية وروحها:

- ‌سابعًا: تأثير النية فى الأعمال:

- ‌اعتراضات

- ‌المبحث الثالثفَضل المقَاصد وعظيم خَطرهَا

- ‌1 - يبلغ المرء بنيّته ما لا يبلغه بعمله:

- ‌2 - الخلود في الجنّة أو النّار بالنيّات:

- ‌3 - الأعمال البدنية قد تتوقف بخلاف النية:

- ‌4 - قاصد الفعل الخير يثاب وإن لم يصب المراد:

- ‌5 - اهتمام العلماء بأمر النيّات:

- ‌عَدْوه ربع العلم أو ثلثه أو نصفه:

- ‌هذا الحديث من جوامع الكلم:

- ‌البداءة به في المهمات:

- ‌6 - شرفت النيات بموجدها:

- ‌7 - العمل بغير نية كالجثة الهامدة التي لا روح فيها:

- ‌8 - النيّات تميز الأعمال:

- ‌9 - المحوِّل العجيب:

- ‌10 - النيّة عمل السر وعمل السر أفضل من عمل العلانية:

- ‌11 - تربية على اليقظة:

- ‌النية أفضل من العمل:

- ‌الباب الأولالنيات وما يتعلق بها من أحكام

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأولمَحَلّ النِّية

- ‌مَحَلّ النِّيَّة

- ‌حكم التلفظ بالنية دون مواطأة القلب

- ‌مناقشة القفال:

- ‌مخالفة اللسان لما نواه في قلبه

- ‌الجهر بالنيّة

- ‌التلفظ بها همسًا

- ‌هل ينعقد العمل بالنيّة فحسب

- ‌القصد المجرد عن العمل

- ‌مراتب الإرادة

- ‌الإِرادة غير الجازمة

- ‌لم أثيب الهامّ بالحسنة ولم يُعاقب على الهم بالسيئة

- ‌الإِرادة الجازمة

- ‌الثاني: العزم على فعل من أفعال الجوارح:

- ‌أدلّة القائلين بالمؤاخذة

- ‌الفصل الثانيوَقت النّية

- ‌وقت النية في الطهارة

- ‌وقت النيّة في الصلاة

- ‌القول الأول: وجوب المقارنة تكبيرة الإحرام:

- ‌القول الثاني: جواز تقدّم النيّة على التكبير بزمن يسير:

- ‌القول الثالث: وجوب تقديم النية على التكبير:

- ‌تأخير النية

- ‌وقت نية الزكاة

- ‌وقت نيّة الصوم

- ‌تقديم النية في الصوم

- ‌تأخير النية في الصوم

- ‌1 - القضاء والكفارة:

- ‌2 - صوم رمضان:

- ‌الفريق الموجب للنية من الليل في صوم رمضان:

- ‌أدلتهم:

- ‌النيّة لكلّ يوم

- ‌حكم من ظهر له وجوب الصيام نهارا

- ‌الليل كله وقت للنية

- ‌3 - صوم النذر

- ‌4 - صوم النفل

- ‌المدى الذي يصح أن يحدث فيه النية من النهار:

- ‌شروط من أجاز صوم النفل بنية من النهار:

- ‌المقدار الذي يثاب عليه الناوي من النهار:

- ‌الفصل الثالثصفة النِّيَّة

- ‌تمهيد

- ‌صفة نيّة الطهارة

- ‌إذا نوى مطلق الطهارة:

- ‌إذا نوى الغسل أو الوضوء:

- ‌إذا نوى المتطهر رفع الحدث:

- ‌إذا نوى المتطهر الطهارة لأمر لا يستباح إلا بها:

- ‌إذا نوى ما تستحب له الطهارة:

- ‌إذا نوى ما لا تشرع الطهارة له:

- ‌إذا نوى من عليه أحداث رفع أحدها:

- ‌النية للتيمم

- ‌صفة النيّة في العبادات الواجبة

- ‌صفة النيّة في الزكاة والحج والعمرة

- ‌صفة النية في الصوم

- ‌صفة النيّة في الصلاة

- ‌نية الجماعة

- ‌نيّة القضاء والأداء

- ‌نية الجمع

- ‌صفة النية في النوافل

- ‌الاستحضار التفصيلي لأركان الصلاة

- ‌قول أعجب وأغرب

- ‌الفصل الرابعشروط النِّيَّة ومبطلاتها

- ‌الشرط الأولأهلية من صدرت عنه النية

- ‌الوضوء والغسل والتيمم من الكافر

- ‌الزكاة من أهل الذمة

- ‌غسل الزوجة الكتابية

- ‌القربات التي أداها المسلم حال كفره

- ‌العبادة من غير المميز

- ‌حج الصغير الذي لا يميز

- ‌نيّة الصبي المميز

- ‌الشرط الثانيالجزم والتنجيز وعدم التردد والتعليق

- ‌الشك

- ‌الشك بسبب عدم علمه بأمور تتعلق بالمنوي

- ‌اختلطت ثياب طاهرة بنجسة

- ‌الشك في الصلاة التي فاتته

- ‌صيام يوم الشك

- ‌صيام الأسير

- ‌الشك في أصل النية

- ‌التردد في العبادة

- ‌تعليق النية على المشيئة أو على حصول شيء ما

- ‌الشرط الثالث‌‌استصحاب حكم النية

- ‌استصحاب حكم النية

- ‌رفض النية

- ‌رفض النية بعد تمام العبادة:

- ‌رفض نية العبادة في أثنائها

- ‌قلب النية وتغييرها

- ‌أقسام النيّة التي قلبت

- ‌الأول: نفل فرض إلى فرض:

- ‌الثاني: نقل فرض إلى نفل:

- ‌الثالث: نقل نفل إلى فرض:

- ‌الرابع: نقل نفل إلى نفل:

- ‌تغيير النيَّة

- ‌المنفرد يصبح إماما

- ‌الإمام يصبح مأموما

- ‌المأموم يصبح منفردا

- ‌المنفرد يتحوّل إلى مأموم

- ‌تغيير نية القصر إلى إتمام

- ‌اختلاف نيّة الإمام والمأموم

- ‌الأدلة النقلية

- ‌الاستدلال بالقياس:

- ‌الشرط الرابععدم التشريك في النيّة

- ‌الشرط الخامسأن تتعلق النية بمكتسب للناوي

- ‌الشرط السادسقصد العبادة دفعة واحدة

- ‌الشرط السابعمقارنة النيّة للمنوي

- ‌الشرط الثامنالعلم بصفات المنوي

- ‌الغلط في تعيين المنوي

- ‌الفَصل الخامسالنيَابة في النيَّة

- ‌تمهيد:

- ‌أدلّة الذين منعوا مطلقا

- ‌أولا: النصوص التي تدل بعمومها على منع النيابة:

- ‌ثانيا: النصوص المصرّحة بمنع النيابة في بعض العبادات:

- ‌ثالثا: قالوا جواز النيابة فى العبادات تنافي الغرض من تشريعها:

- ‌المجيزون مطلقا

- ‌موقفهم من حجج المانعين:

- ‌أدلّة المجيزين للنيابة مطلقا أو في حال دون حال:

- ‌موقف المانعين للنيابة في العبادات من هذه النصوص الدالة على الجواز ومناقشتهم:

- ‌موقف الدين أجازوا النيابة في بعض العبادات من حجج المجيزين مطلقا:

- ‌تحرير محلّ النزاع

- ‌أولا: عبادات لا مجال للنيابة فيها:

- ‌ثانيا: الذين لا تجوز النيابة عنهم:

- ‌الرأي الراجح:

- ‌إهداء ثواب العبادة للأموات

- ‌حجج المانعين:

- ‌حجج المجيزين:

- ‌النظر في هذه الأدلة:

- ‌مَا يفتَقِر إلى النِّيَّة وَمَا لَا يفتقِر إليَهَا

- ‌إزالة النجاسات

- ‌الأحداث التي تنقض الطهارة

- ‌النيّة في الوضوء والغسل

- ‌أدلة القائلين بعدم الوجوب

- ‌1 - أن الماء مطهر بطبعه:

- ‌2 - أن المعتبر في الوضوء لا يتوقف على النَّية:

- ‌3 - الوضوء يتحقق المقصود منه بنفس وقوعه:

- ‌4 - الوضوء وسيلة لغيره، والوسائل لا تلزمها النية:

- ‌5 - الوضوء شرط والشروط لا تحتاج إلى نيّة:

- ‌6 - إطلاق النصوص:

- ‌7 - دليل النية ظني الثبوت ظني الدلالة:

- ‌مناقشة الحجج التي أوردوها

- ‌أدلة الموجبين

- ‌أولا: الأحاديث المبينة فضل المتوضىء والمغتسل:

- ‌ثانيا: نصوص زعموا أنها توجب النية في الوضوء:

- ‌ثالثا: القياس:

- ‌النيّة في التيمم

- ‌النيّة في الصلاة

- ‌النيّة في الزكاة

- ‌إذا تصدَّق بجميع ماله ولم ينو الزكاة:

- ‌صوم رمضان

- ‌النيّة في الحجّ والعمرة

- ‌النية في الاعتكاف

- ‌النية في الكفارات

- ‌النيّة لأعمال القلب

- ‌النيّة في الأقوال

- ‌السنة في التروك

- ‌حكم النيّة في العبادات

- ‌(ركن، أم شرط)

- ‌الباب الثانيالإخلاص

- ‌تمهيد

- ‌أهمية الغاية وعظيم خطرها

- ‌لا غنى للبشرية عن الغاية التي يرسمها الإِسلام

- ‌الدواعي الطبعية والدواعي الشرعية

- ‌الفصل الأولالغاية التي تتوجَّه إليها مقاصدُ المكلّفين

- ‌الغاية الواحدة في مصطلح القرآن هي الإخلاص

- ‌شدة الإخلاص وصعوبته

- ‌لماذا كان الله هو المقصود دون سواه

- ‌1 - الغاية التي ليس وراءها غاية:

- ‌2 - هو المستحقُّ لأن يقصد ويعبد:

- ‌3 - السعادة في قصده، والشقاء في توجيه القلوب إلى سواه:

- ‌4 - لا سبيل إلى تحرر النفس الِإنسانية إلاّ بتوجهها إليه:

- ‌5 - عنى الله عن العباد وإحسانه إليهم:

- ‌حكم الإِخلاص في العبادات

- ‌الفصل الثانيمفهومات خاطئة للإخلاص

- ‌1 - الِإخلاص والتجرد عن الِإرادة

- ‌هل يمكن العمل بدون إرادة:

- ‌الفناء الحق:

- ‌2 - التجرد عن الميول والنزعات الفطرية

- ‌محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الاتجاه:

- ‌سرّ المسألة:

- ‌3 - قصد النعيم الأخروي

- ‌تنوّع المقاصد الخيّرة

- ‌الفصل الثّالِث المقاصد السَّيّئة

- ‌أولاً: اتباع الهوى

- ‌تعريف الهوى وبيان نتائجه وآثاره:

- ‌علاج الهوى

- ‌1 - تحويل الاتجاه:

- ‌2 - تقوية الإرادة:

- ‌3 - إحياء واعظ الله في قلوبنا:

- ‌4 - محاسبة العبد نفسه:

- ‌ثانيًا: الرياء

- ‌ومن النصوص القرآنية التي تتوعّد المرائين:

- ‌تعريف الرياء

- ‌الرياء لغة:

- ‌الرياء شرعًا:

- ‌الرياء والسمعة:

- ‌الرياء والعجب:

- ‌أسباب الرياء

- ‌الأمور التي يراءى بها

- ‌حكم العمل المراءى به

- ‌مناقشة ما احتج به أصحاب هذا المذهب:

- ‌شبهة وجوابها:

- ‌تحقيق القول في قصد المكلف المصالح التي أقر الشارع قصدها بالعبادة:

- ‌الغنيمة في الحرب والتجارة في الحج تنقصان الأجر

- ‌الرياء بأوصاف العبادة

- ‌خفاء الرياء وتلونه

- ‌مزلق خطر

- ‌ترك العمل خوف الرياء

- ‌1 - الاستعانة بالله على الإخلاص والتعوذ به من الرياء ومراقبته:

- ‌2 - معرفة الرياء والتحرز منه:

- ‌3 - النظر في عاقبة الرياء في الدنيا:

- ‌4 - النظر في عواقبه الأخروية:

- ‌5 - إخفاء العبادة وإسرارها:

- ‌علامات القائم بالإِخلاص

- ‌ثالثا: التعبد بقصد الاطلاع على العوالم المغيبة

- ‌اعتراضات

- ‌رابعا: الهروب من العبادة

- ‌الأمر الضابط لمقاصد المكلفين

- ‌الفصل الرابع تأثيرُ القَصْد في الأفعال

- ‌تأثير النيّة في المباحات

- ‌التوفيق بين الرأيين:

- ‌استحضار النية عند المباح:

- ‌تأثير النيّة في الأفعال المحرّمة

- ‌الفرقة الأولى:

- ‌الفرقة الثانية:

- ‌الفرقة الثالثة:

- ‌التقرب إلى الله بالعبادات المبتدعة

- ‌خاتمة القول

- ‌مُلحَقإيضاحات مهمة تتعلق بحديث "إنمّا الأعمال بالنيّات

- ‌تمهيد:

- ‌الألفاظ التي وردت بها روايات الحديث

- ‌سبب الحديث

- ‌إشكال يرد على الحديث باعتبار سببه

- ‌كتب السنة التي أخرجته

- ‌هل أخرجه مالك في الموطأ:

- ‌طرق الحديث

- ‌مخطط يوضح طرق الحديث في كتب السنة

- ‌إشكالات أوردت على الحديث

- ‌1 - تضعيف الحديث لكونه غريبًا:

- ‌2 - أنّه حديث شاذ:

- ‌3 - أن فيه انقطاعا:

- ‌4 - أنه ليس حديثا فردًا:

- ‌5 - أنه متواتر:

- ‌قائمة المراجع

الفصل: ‌موقف الدين أجازوا النيابة في بعض العبادات من حجج المجيزين مطلقا:

‌موقف الدين أجازوا النيابة في بعض العبادات من حجج المجيزين مطلقا:

عرضنا موقف المانعين من النيابة تجاه النصوص الدالّة على جواز النيابة، فما موقف غيرهم من العلماء؟.

جماهير العلماء كما ذكرنا في مقدمة هذا الفصل احتجّوا على جواز النيابة في الحجّ بالأحاديث الأربعة الأولى (1)، فقد أذن الرسول صلى الله عليه وسلم فيها للخثعمية، وللخثعمي، ولأبي رزين العقيلي، بالحجّ عن آبائهم.

وأقرّ ذلك الملبي عن شبرمة بالحجِّ عنه، وإنما اعترض عليه في أمر آخر، وهو أن عليه أن يحج عن نفسه أولا، ثم ليحجَّ بعد ذلك عن شبرمة، ومما يستأنس به أنه صلى الله عليه وسلم أذن للولي أن ينوي عن الصغير في الحجّ (2).

والشافعي ومن معه أجازوا أن يحجّ المرء نيابة عن غيره، ولكنه منع النيابة في الصوم مطلقا، وعندما قيل له: لم فرّقت بين الصوم والحج؟ قال: "قد فرّق الله بينهما، فإن قال: أنى؟ قلت: فرض الله الحجّ على من وجد إليه سبيلا، وسنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضى عمَّن يحج، ولم يجعل الله ورسوله من الحج بدلا غير الحج".

وفرض تعالى الصوم، فقال:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (3)، فقيل: يطيقونه: كانوا يطيقونه، ثم عجزوا عنه، فعليهم في كل يوم طعام مسكين (4) ".

وبهذا فرّق بين الصلاة والحج فقال:

(1) من أدلة المجيزين مطلقا.

(2)

رواه مسلم عن ابن عباس أن امرأة رفعت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم صبيًا قائلة ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر". انظر شرح النووي على مسلم (9/ 99).

(3)

سورة البقرة / 184.

(4)

اختلاف الحديث، انظر هامش الأم (2/ 89).

ص: 278

"وأمر بالصلاة، وسنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تقضي الحائض، ولا يقضى عنها ما تركت من الصلاة، وقال عوام المفتين: ولا المغلوب على عقله، ولم يجعلوا في ترك الصلاة كفارة، ولم يذكر في ذلك كتاب ولا سنّة عن صلاة كفّارة من صدقة، ولا أن يقوم به أحد عن أحد، وكان عمل كلّ امرىء لنفسه، وكان الصوم والصلاة عمل المرء لنفسه لا يعمله غيره، وكان يعمل الحج عن الرجل اتباعا للسنّة وبخلافه الصوم والصّلاة"(1). ثم ذكر فرقا آخر بين الحجّ والصوم والصلاة، وهو أنَّ الحجّ "فيه نفقة من المال، وليس ذلك في الصوم والصلاة"(2).

ومع هذا الفرق الذي ذكره الشافعي إلَّا أن النصوص الدالَّة على جواز النيابة في الصوم لا تزال قائمة تلزمه بأن يقول بمقتضاها، لكنه لا يرى صحتها، وقد بين ضعفها في أكثر من موضع في كتبه، قال الشافعي:"فإن قيل: أفروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر أحدا أن يصوم عن أحد؟ قيل نعم. روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن قيل: لم لم تأخذ به؟ قيل: حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم "نذر نذرا"، ولم يسمّه، مع حفظ الزهري، وطول مجالسة عبيد الله لابن عباس.

فلما جاء غيره عن رجل عن ابن عباس بغير ما في حديثه أشبه ألا يكون محفوظا. فإن قيل: أتعرف الذي جاء بهذا الحديث يغلط عن ابن عباس؟ قيل:

(1) اختلاف الحديث، هامش كتاب الأم (2/ 89).

(2)

المصدر السابق. والشافعي رحمه الله يجيب هنا عن الذين قاسوا الصوم والصلاة على الحج بحجة أن ذلك كله دين الله ثابت بن الذمة فيشمله قوله صلي الله عليه وسلم: "فدين الله أحق بالقضاء". وقد وضّح هذه المسألة الغزالي في شفاء الغليل (ص 45)، فبيّن أن الرسول صلى الله عليه وسلم شبه الحج بدين عرف من جهة الشرع تطرق النيابة إلى أدائه، وعرف أيضا أن الحج تتطرق النية إلى أدائه، وعرف أن الصلاة والصوم لا مدخل للنيابة في تبرئة الذمة عنهما، ثم قال:"فالأدلة المعرفة للجمع والفرق في النيابة تخصص العلّة بالحج، وتقطع عنه الصوم والصلاة".

ص: 279

نعم، روى أصحاب ابن عباس عن ابن عباس أنه قال لابن الزبير: إن الزبير حلَّ من متعة الحج، فروي هذا عن ابن عباس أنَّها متعة النساء، وهذا غلط فاحش" (1).

وقد ساق البيهقي كلام الشافعي، ثم قال (2):"يعني به -أي الحديث الذي ضعفه- حديث الشافعي عن مالك عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس: "أن سعد بن عبادة (3) استفتى

" الحديث؛ قال البيهقي: وهو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم من رواية مالك وغيره عن الزهري، إلاّ أن في رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس "أنَّ امرأة سألت" يعني عن صوم أمها، وكذلك رواية الحكم بن عتيبة، وسلمة بن كهيل (4) عن مجاهد عن ابن عباس"(5).

وقد تكلم البيهقي عن هذه الأحاديث الدالّة على جواز صوم الولي عن الميت في "معرفة السنن والآثار"، وبيَّن قوة هذه الأحاديث، واختتم كلامه قائلا:"وقد أودعها صاحبا الصحيحين كتابيهما، ولو وقف الشافعي على جميع طرقها ونظائرها لم يخالفها إن شاء الله تعالى"(6).

وقال النووي بعد نقله كلام البيهقي، وبعد جزمه بصحة الأحاديث الدالّة على جواز النيابة في الصوم، قال:"ويتعيّن أن يكون هذا -جواز النيابة في الصوم- مذهب الشافعي، لأنه قال: إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي، واتركوا قولي المخالف له".

(1) اختلاف الحديث انظر هامش الأم (2/ 89).

(2)

المجموع (6/ 426).

(3)

هو سعد بن عبادة بن دليم الخزرجي، صحابي جليل، سيّد الخزرج، شهد بيعة العقبة الثانية، وكان أحد النقبَاء الاثني عشر، توفي عام (14 هـ).

راجع: (تهذيب التهذيب 3/ 475)، (خلاصة تذهيب الكمال 1/ 369)، (الكاشف 1/ 352).

(4)

سلمة بن كهيل الحضرمي الكوفي تابعي ثقة، سمع من زيد بن أرقم، وابن عمر توفي سنة (121 هـ).

راجع: (تقريب التهذيب 1/ 318)، (خلاصة تذهيب الكمال 1/ 405)، (الكاشف 1/ 386).

(5)

المجموع (6/ 426).

(6)

المصدر السابق.

ص: 280

ثم قال معتذرا للشافعي في تضعيفه للحديث: "وقد صحت في المسألة أحاديث، والشافعي إنما وقف على حديث ابن عباس من بعض طرقه، ولو وقف على جميع طرقه، وعلى حديث يزيد، وحديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخالف ذلك (1) ".

أما الإِمام أحمد ومن ذهب مذهبه من الذين قالوا بجواز النيابة في صوم النذر خاصة فحجتهم:

أولا: أنَّ المسائلة في "الحديث الخامس"(2) حديث ابن عباس قد صرَّحت أنَّ أنَّها نذرت أن تصوم شهرا، ثم توفيت قبل أن تفي بنذرها (3).

ثانيا: حملوا حديث عائشة "الحديث الرابع""من مات وعليه صوم صام عنه وليه"(4) على صوم النذر، لأنَّه قد ورد النهي في حديث ابن عباس من النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يصلي أحد عن أحد، أو يصوم أحد عن أحد (5)، وقالوا: وفقنا بين هذين النصين بحمل النهي على النيابة في صوم الفرض، وحملنا الإذن في النيابة على صوم النذر.

ثالثا: قالوا هذا الذي صرنا إليه هو الذى أفتى به رواة هذه الأحاديث، فعائشة التي روت "من مات وعليه صوم صام عنه وليه"، وابن عباس الذي روى افتاء الرسول صلى الله عليه وسلم للمرأة بأن تصوم عن أمّها، لم يفهما من هذه النصوص جواز النيابة في صوم الفرض، فقد أخرج الطحاوي عن عَمْرة أن أمّها ماتت وعليها من رمضان، فقالت لعائشة: أقضيه عنها؟ قالت: "بل تصدقي عنها مكان كلّ يوم نصف صاع على كل مسكين"(6).

(1) المجموع (6/ 426).

(2)

من أدلة المجيزين مطلقا.

(3)

سبق تخريجه قريبا.

(4)

سبق تخريجه قريبا.

(5)

سبق تخريجه قريبا.

(6)

أخرجه الطحاوي، وابن حزم في المحلى (7/ 4)، واللفظ له بإسناد صحيح كما قال ابن التركماني.

ص: 281

وابن عباس أفتى: "إذا مرض الرجل ثم مات ولم يصم، أطعم عنه، ولم يكن عليه قضاء، وإن كان عليه نذر قضي عنه"(1).

قالوا: فرواة الأحاديث لم يفهموا منها جواز النيابة في صوم الفرض، وقد تقرّر عند علماء الشريعة، أن راوي الحديث أدرى بمعنى ما روى، لا سيما إذا كان ما فهم هو الموافق لقواعد الشريعة وأصولها، كما هو الشأن هنا، خاصّة إذا كان الراوي من كبار فقهاء الصحابة مثل أمّ المؤمنين عائشة، وحبر هذه الأمة ابن عباس.

رابعا: قالوا وفي هذا الذي صرنا إليه رفع للإشكال الذي شَّبه حديث عائشة، فما صرنا إليه فيه إعمال للقاعدة القاضية بأن الفرائض لا تقبل النيابة، وإعمال للنصوص المجيزة للصوم عن الولي.

خامسا: وقد قوى ابن القيم مذهب الحنابلة، وقال:"وهو مقتضى الدليل والقياس" ثم أخذ يبين وجه ذلك: "لأن النَّذر ليس واجبا بأصل الشرع، وإنما أوجبه العبد على نفسه، فصار بمنزلة الدَّين الذي استدانه، ولهذا شبَّهه النبيّ صلى الله عليه وسلم بالدّين في حديث ابن عباس، والمسؤول عنه فيه: أنَّه كان صوم نذر".

وتابع استدلاله قائلا: "والدين تدخله النيابة، وأمَّا الصوم الذي فرضه الله عليه ابتداء فهو أحد أركان الإسلام، فلا تدخله النيابة بحال، كما لا يدخل الصلاة والشهادتين، فإن المقصود منها طاعة العبد بنفسه، وقيامه بحق العبودية التي خلق لها، وأمر بها، وهذا أمر لا يؤديه عنه غيره، كما لا يسلم عنه غيره، ولا يصلي عنه غيره".

ثم أخذ يبين أنَّ النذر أخف حكما من الفرض وبذلك يفارقه: "وسر الفرق: أنَّ

(1) أخرجه أبو داود بإسناد صحيح على شرط الشيخين، وله طريق آخر عند ابن حزم في المحلى (7/ 7).

ص: 282

النذر التزام المكلَّف لما شغل به ذمته، لا أن الشارع ألزمه به ابتداء، فهو أخف حكما مما جعله الشارع حقًّا له عليه، شاء أم أبى، والذّمة تسع المقدور عليه، والمعجوز عنه، ولهذا تقبل أن يشغلها المكلف بما لا قدرة له عليه، بخلاف واجبات الشرع فإنَّها على قدر طاقة البدن، لا تجب على عاجز"، إلى أن قال: " .. فلا يلزم من دخول النيابة في واجب النذر بعد الموت، دخولها في واجب الشرع" (1).

أما الذين قالوا بأنّه لا ينوب أحد عن أحد في حجّ ولا صوم إلا الابن عن أبيه فقد احتجوا بأن السائل في غالب الأحاديث ولد، وحملوا بقيّة الأحاديث على الولد، لأن النصوص من أمثال قوله:{وَأَنْ لَيْسَ للإنسانِ إلاّ مَا سَعَى} مانعة من النيابة، قالوا: ولا تعارض بين الآية ونيابة الابن، لأنَّ الابن من سعي أبيه كما صحَّ الحديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإنَّ ولده من كسبه"(2).

ويشكل على ما قرروه حديث شُبرمة الملبي في الحج عن أخيه، وحديث عائشة الذي فيه "من مات وعليه صوم صام عنه وليه"، فإنه أطلقه ولم يقيده بالولد، وفي حديث السائلة عن النذر قيل: المسؤول عن الصوم عنها كانت أختها كما في إحدى الروايات. وفي حديث الصدقة تحمل الرسول صلى الله عليه وسلم الزكاة عن عمه.

ولذا وصف ابن حجر القائلين بقصر النيابة على الولد بالجمود.

(1) تهذيب السنن (3/ 282).

(2)

أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه والدارمي، وهذا اللفظ للدارمي وأبي داود، ولفظ الرواية الأخرى:"إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم"(انظر مشكاة المصابيح 2/ 75).

ص: 283