الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رغيفا وعرقا (1)، وخرج بلا رداء ولا قلنسوة ولا نعل ولا خف، فجعل يمشي في الأسواق ويأكل، فقيل للوليد: إن يزيد قد اختلط، وأخبر بما فعل فتركه (2).
علامات القائم بالإِخلاص
يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "وددت أنَّ الخلق تعلموا هذا العلم على ألا ينسب إليّ منه حرف"(3).
وقال: "ما ناظرت أحدا قط على الغلبة، ووددت إذا ناظرت أحدا أن يظهر الحق على يديه"(4).
وقال: "ما كلمت أحدا إلا وددت أن يسدَّد ويعان، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ"(5).
إن هذه الكلمات من هذا الإمام تدل على الإخلاص الذي كان يتحلَّى به، وتلك علامة من علامات المخلصين، أنهم لا يعملون لأنفسهم، بل مرادهم رضا ربهم، ويودون أن يكفيهم غيرهم تعليم الحقّ وإظهاره، وعندما يحاورون لا يكون غاية همهم أن يغلبوا الخصم، بل مرادهم ظهور الحق، ويتمنوا أن يظهر الله الحق على يد الذي يناظرونه.
يقول الغزالي: "وإنما تعرف حقيقة ذلك (الإخلاص) بأمر وهو أن الواعظ المقبول إن كان يعظ لله لا لطلب القبول، وقصده دعوة الخلق إلى الله، فعلامته أنه لو جلس على مكانه واعظ أحسن منه سيرة، وأغزر منه علما، وأطيب منه لهجة، وتضاعف قبول الناس له بالنسبة إلى قبوله، فرح به، وشكر الله على إسقاط هذا الفرض عنه بغيره وبمن هو أقوم به منه"(6).
(1) العرق: العظم أخذ عنه معظم اللحم.
(2)
تلبيس إبليس (ص 172)، تهذيب التهذيب (11/ 358)، خلاصة تذهيب الكمال (3/ 176).
(3)
المجموع 1/ 46.
(4)
المصدر السابق.
(5)
المصدر السابق 1/ 47.
(6)
ميزان العمل ص 242، الأخلاق عند الغزالي ص 149.
ومن علامات المرائي أن ترضيه الكلمة التي فيها تعظيمه، وإن كانت باطلا، وتغضبه الكلمة التي فيها ذمه وإن كانت حقا، وكذلك طالب المال، بخلاف المخلص فالذي يرضيه كلمة الحق له أو عليه، والذي يغضبه كلمة الباطل له أو عليه.
والمخلص لا يبالي لو خرج له كل قدر في قلوب الناس من أجل صلاح قلبه مع الله عز وجل، ولا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من عمله.
والمخلص إذا عرض له أمران: أحدهما لله، والآخر للدنيا، آثر نصيبه من الله، لأنَّه يعلم أنَّ الدنيا تنفد، والآخرة تبقى، بخلاف المرائي. وقد ذكر وصف المرائين في بعض الكتب السابقة، يقول نوف البكالي (1) وكان ممَّن يقرأ الكتب: إنَّي لأجد صفة ناس من هذه الأمة في كتاب الله المنزل، قوم يختلون الدنيا بالدين، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمرُّ من الصبر، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين، وقلوبهم قلوب الذئاب، فعليَّ يجترئون وبي يغترون، حلفت بنفسي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم فيها حيرانا (2).
وينسب إلى عيسى بن مريم أنَّه قال: "يا علماء السوء جعلتم الدنيا على رؤوسكم والآخرة تحت أقدامكم، قولكم شفاء، وعملكم داء، مثلكم مثل شجرة الدفلى، تعجب من رآها، وتقتل من أكلها"(3).
(1) هو نوف بن فضالة البكالي، إمام أهل دمشق في عصره، من رجال الحديث، كان راويا للقصص، توفي في (95 هـ).
راجع: (تهذيب التهذيب 10/ 490).
(2)
رواه الترمذي من رواية أبي هريرة مرفوعا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأوله "يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين"(مشكاة المصابيح 2/ 684 - ونسبه ابن كثير وابن قتيبة إلى نوف على أنه من الإسرائيليات، تفسير ابن كثير (1/ 436)، وعيون الأخبار (2/ 270).
(3)
اقتضاء العلم العمل (ص 194).