الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد نص ابن الهمام على أن "الفعل الاختياري لا بد في تحقيقه من القصد إليه"(1)، وعدَّ ابن تيمية "القصد إلى الفعل أمرا ضروريا في النفس"(2)، "ولو كلف العباد أن يعملوا عملا بغير نيّة كلفوا ما لا يستطيعون"(3).
رابعًا: عدم اعتبار الشارع للأفعال التي وقعت من غير قصد:
الأعمال الصادرة من المجنون والمعتوه والمخطىء والساهي والغافل والنائم لا يُعتدُّ بها إن كانت طاعات، ولا يعاقب عليها إن كانت معاصي، فالذي يستمع القرآن بغير قصد الاستماع لا يثاب على استماعه، والسامع للمحرَّم من الكلام من غير قصد لا عقوبة عليه.
ومن جامع امرأة يظنها زوجته ثم تبين أنها ليست هي لا عقوبة عليه، ومن تزوج امرأة ثم بان أنها أخته من الرضاع فإنه يلزمه فراقها، ولا عقاب عليه لا في الدنيا ولا في الآخرة.
ومن أكل أو شرب ناسيا وهو صائم فصومه صحيح.
ومن نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ولا تثريب عليه في تأخيرها، لأنه معذور في ذلك.
والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة متوافرة منها:
1 -
قوله تعالى: {لَا يُكَلَفُ الله نَفْسًا إلاّ وُسعَهَا، لَهَا مَا كَسَبَتْ، وَعَلَيْهَا مَا اكتَسَبَت، رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذنَا إن نَسِينَا أوْ أَخْطَأْنَا} (4).
(1) فتح القدير.
(2)
مجموع الفتاوى (20/ 359).
(3)
مجموع الفتاوى (18/ 262).
(4)
سورة البقرة: 286.
وعندما نزلت هذه الآية من آخر سورة البقرة دعا الصحابة بها {رَبَّنا لا تُؤَاخِذنَا إن نسِيْنَا أَوْ أَخْطأْنَا} قال الله: "نعم" أو: "قد فعلت". (1)
2 -
وقد نصّ الرسول صلى الله عليه وسلم على عدم مؤاخذة من ليس له قصد، فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه"(2).
(1) رواه مسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده (انطر تفسير ابن كثير 1/ 600).
(2)
قال السيوطي في تخريج هذا الحديث (الأشباه والنظائر / 187) هذا حديث حسن، أخرجه ابن ماجه، وابن حبان فى صحيحه والحاكم في مستدركه بهذا اللفظ من حديث ابن عباس.
وأخرجه الطبراني والدارقطني من حديثه بلفظ "تجاوز" بدل "وضع".
وأخرجه أبو القاسم الفضل بن جعفر التميمي في فوائده من حديثه بلفظ (رفع).
وأخرجه ابن ماجه أيضا من طريق أبي بكر الهذلي عن شهر بن حوشب عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
وأخرجه بهذا اللفظ الطبراني في الكبير من حديث ثوبان.
وأخرجه في الأوسط من حديث ابن عمر، وعقبة بن عامر، بلفظ "وضع عن أمتي" إلى آخره، وإسناد حديث ابن عمر صحيح.
وأخرجه ابن عدي في الكامل، وأبو نعيم في التاريخ من حديث أبي بكرة بلفظ "رفع الله عن هذه الأمة الخطأ والنسيان والاستكراه" قال أبو بكر: فذكرت ذلك للحسن، فقال: أجل، أما تقرأ بذلك قرآنا {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} .
وأبو بكر ضعيف، وكذا شهر، وأم الدرداء، إن كانت الصغرى فالحديث مرسل، وإن كانت الكبرى فهو منقطع وقال سعيد بن منصور في سننه: حدثنا خالد بن عبد الله عن هشام، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إن الله عفا لكم عن ثلاث: عن الخطأ والنسيان، وما استكرهتم عليه" وقال أيضا: حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثني جعفر بن حبان العطاردي عن الحسن قال: سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تجاوز الله لابن آدم عمّا أخطأ، وعما نسي، وعما أكره، وعما غلب عليه".
وأخرج ابن ماجه من حديث أبي هريرة. "إن الله تجاوز لأمتي عما توسوس به صدورها ما لم تعمل، أو تتكلم به، وما استكرهوا عليه".
قال السيوطي بعد تخريجه للحديث: فهذه شواهد قوية تفضي للحديث بالصحة.
وقد تكلم الحافظ ابن حجر على إسناده في الفتح (9/ 393)، وأورده الألباني في صحيح الجامع (2/ 132)، (3/ 179).