الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
354 - مسألة: (ويَتْبَعُ الجاهِلُ والأعْمَى أوْثَقَهما في نَفْسِه)
(1) متى اخْتَلَفَ مُجْتَهِدان، وكان معهما أعْمى، أو جاهِلٌ لا يَقْدِرُ على تَعَلُّمِ الأدِلَّةِ قَبلَ خُروجِ الوَقْتِ، ففَرْضُه تَقْلِيدُ أوْثَقِهما في نَفْسِه، وأعْلَمِهما، وأكْثَرِهُما تَحَرِّيًا؛ لأنَّ الصَّوابَ إليه أقْرَبُ. فإن قَلَّدَ المَفْضُولَ، فظاهِرُ كلامِه هاهنا، أنَّه لا تَصِحُّ صَلاتُه؛ لأنَّه ترَك ما يَغْلِبُ على ظَنِّه أنَّه الصَّوابُ، فلم يَجُزْ له ذلك، كالمُجْتَهِدِ يَتْرُكُ اجْتِهادَه. والأوْلَى صِحَّتُها، وهو مَذْهَب الشافعيِّ؛ لأنَّه أَخَذَ بدَلِيلٍ له الأخْذُ به لو انْفرَدَ، فكذلك إذا كان معه غيرُه، كما لو اسْتوَيا، ولا عِبْرَة بِظَنِّه، فإنَّه لو غَلَب على ظَنِّه إصابَة المَفْضُولِ، لم يَمْنعْ ذلك تقليدَ الأفْضَل. فإنِ اسْتَوَيا قَلَّدَ مَن شاء منهما، كالعامِّيِّ مع العُلمَاءِ في بَقِيَّةِ الأحْكامِ.
(1) هذه المسألة جزء من مسألة 353.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والمُقَلدُ مَن لا يُمْكِنه الصلاةُ باجْتِهادِ نَفْسِه؛ إمّا لعَدَمِ بَصَره أو بَصِيرَتِه، بحيث لا يُمْكِنُه التَّعَلُّمُ قبلَ خُرُوجِ وَقْتِ الصلاةِ، فإن أمْكنَه التَّعلُّمُ قبل خروجِ الوَقْتِ لَزِمَه، فإن صَلَّى قبلَ ذلك لم يَصِحَّ؛ لأنَّه قَدَر على الصلاةِ باجْتِهادِه، فلم يَجُزْ له التَّقْلِيد، كالمُجْتَهِدِ. ولا يلْزَمُ [هذا على](1) العامِّيِّ؛ حيث لم يَلْزَمْه تَعَلُّمُ الفِقْهِ لوَجْهَيْن؛ أحَدُهما، أنَّ الفِقْهَ ليس بشَرْطٍ في صحةِ الصلاةِ. الثاني، أنَّه يَشُقُّ، ومُدِّتُه تَطولُ. فإن أخَّرَ هذا التَّعَلُّمَ والصلاةَ حتَّى، ضاق الوَقْتُ عن التَّعَلُّمِ والاجْتِهادِ، أو عن أحدُهما، صَحَّتْ صَلاتُه بالتَّقْلِيدِ، كالذى يَقْدِرُ على تَعَلُّمِ الفاتِحَةِ، فيَضِيقُ الوَقْتُ عن تَعَلُّمِها. وإن كان بالمُجْتَهِدِ ما يَمْنَعُه رُويَةَ الأدِلَّةَ؛ كالرَّمَدِ، والمَحْبُوسِ في مكانٍ لا يَرَى فيه الأدِلَّةَ، ولا يَجِدُ مُخْبِرًا إلَّا مُجْتهِدًا، فهو كالأعْمَى في جَوازِ تَقْلِيدِه.
فصل: فإذا شَرَع في الصلاةِ بتَقْييدِ مُجْتَهِدٍ، فقال له قائِلٌ: قد أخْطَأْتَ القِبْلَةَ. وكان يُخْبِرُ عن يَقِينٍ، كمَن يقُول: قد رَأَيتُ الشَّمْسَ، ونَحْوَها، وتَيَقَنْتُ خَطَأك. لَزِمَه الرُّجُوعُ إلى قَوْلِه، لأنَّه لو أخْبَرَ بذلك المُجْتَهِدَ الَّذي قَلَّدَه الأعْمى، لَزِمَهُ قَبُولُ خَبَرِه، فالأعْمَى أوْلَى، وإن أخْبَرَه عن
(1) في الأصل: «على هذا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اجْتِهادِه، [أو لم يُبَيِّنْ له، ولم](1) يَكُنْ في نَفْسِه أوْثَقَ مِن الأوَّلِ، مَضَى على ما هو عليه؛ لأنَّه شَرَع في الصلاةِ بدَلِيل يَقِينًا، فلا يَزُول عنه بالشَّكِّ. وإن كان أوْثَقَ مِن الأوَّلِ في نَفْسِه، وقلْنا: لا يَلْزَمُه تَقْلِيدُ الأفْضَلِ. فكذلك، وإلَّا رجَع إلى قَوْلِه، كالمُجْتَهِدِ إذا تَغَيَّرَ اجْتِهادُه في أثْناءِ صَلاتِه.
فصل: ولو شَرَع مُجتَهِدٌ في الصلاةِ باجْتِهادِه، فعَمِيَ فيها، بَنَى على ما مَضَى مِن صَلاتِه، لأنَّه إنَّما (2) يُمْكنُه البِناءُ على اجْتِهادِ غيرِه، فاجْتِهادُ نَفْسِه أوْلَى، فإنِ اسْتَدارَ عن تلك الجِهَةِ، بَطَلَتْ صَلاتُه. وإن أخْبَرَه مُخْبِرٌ بخَطَئِه عن يَقين، رَجَع إليه. وإن كان عن اجْتِهادِه (3) لم يَرْجِعْ إليه؛ لِما ذكَرْنا. وإن شَرَع فيها وهو أعْمَى، فأبصَرَ في أثْنائِها، فشاهَدَ ما يَسْتَدِلُّ به على صَوابِ نفْسِه مِن العَلاماتِ، مَضَى عليه، لأنَّ الاجْتِهادَيْن قد اتِّفقَا. وإن بان له خَطَؤُه، اسْتَدارَ إلى الجِهَةِ التي أدَّاه اجْتِهادُه إليها، وبَنَى كالمُجْتَهِدِ إذا تَغيَّر اجْتِهادُه في أثْناءِ الصلاةِ. وإن لم يَتَبَيَّنْ له صَوابٌ ولا خطَأٌ، بَطَلَتْ صَلاتُه، واجْتهَدَ؛ لأنَّ فَرْضَه الاجْتِهادُ، فلم يَجُزْ له أداءُ فَرْضِه بالتَّقْلِيدِ؛ كما لو كان بَصِيرًا في ابْتِدائِها. وإن كان مُقَلِّدًا، مَضَى في صَلاتِه؛ لأنَّه ليس في وَسْعِه إلَّا الدَّلِيلُ الَّذي بَدَأ به فيها (4).