الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإنْ خَشِىَ فَوَاتَ الْحَاضِرَةِ، أو نَسِىَ الترتِيبَ، سَقَطَ وُجُوبهُ.
ــ
300 - مسألة: (فإن خَشِىَ فَواتَ الحاضِرَةِ، أو نسِىَ التَّرتِيبَ، سَقَط وُجوبُه)
متى خَشِىَ فَواتَ الحاضِرَةِ، سَقَط وُجوبُ الترتِيبِ، مِثْلَ أن يَشرعَ في صلاة حاضِرَةٍ، فيَذْكُرَ فائِتَة والوَقْتُ ضيِّقٌ، أو لم يَكنْ في صلاةٍ، لكنْ لم يَبْقَ مِن وَقْتِ الحاضِرَةِ ما يَتَّسعُ لهما جَمِيعًا، فإنَّه يُقَدِّمُ الحاضِرَة، ويُسْقِطُ الترتِيبَ، في الصَّحِيحِ مِن المَذْهبِ. وهذا قولُ سعيدِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ابنِ المُسيَّبِ، والحسنِ، والثوْرى، وإسحاقَ، وأصحابِ الرَّأىِ. وعن أحمدَ، أن الترتِيبَ واجب بكل حالٍ، اخْتارَها الخلالُ. وهى مذهبُ عَطاءٍ، والزُّهْرِى، والليْثِ، ومالك. ولا فَرقَ بينَ كَوْنِ الحاضِرَةِ جُمُعَة أو غيرَها؛ لقَوْله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ نامَ عَنْ صَلَاةٍ أَو نَسِيَهَا، فَلْيُصَلها إذَا ذَكَرها» (1). ولأنَّه تَرتِيب، فلم يَسْقُطْ بضِيقِ الوقْتِ، كتَرتِيبِ الركوعِ والسجُودِ. ولأَنَّه قد رُوِىَ:«لَا صَلَاةَ لمَنْ عَلَيْهِ صَلَاة» (2). والروايَةُ الأولَى هى المَشْهُورَةُ. قال القاضى: عِنْدِى أنَّ المسألةَ رِوايَة واحِدَة، وأنَّ التَّرتِيبَ يَسْقُط. وقال أبو حَفْصِ عن الروايةِ الثَّانِيَةِ: هذه الرِّوايَةُ تُخالِفُ ما نَقَلَه الجَماعَةُ؛ فإمّا أن تَكُون غَلَطًا، أو
(1) تقدم تخريجه في صفحة 183.
(2)
لا أصل له. انظر: العلل المتناهية، لابن الجوزى 1/ 443.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قَوْلا قَدِيمًا لأبي عبدِ الله. ووَجهها أن الحاضِرَةَ صلاة ضاق وَقتها عن آكَدَ منها، فلم يَجُزْ تأخِيرُها،؛ لو لم يكنْ عليه فائتَة، ولأن الصلاةَ رُكْن مِن أركانِ الإسْلامِ،. فلم يجُزْ تَقدِيمُ فائتَةٍ على حاضِرَةٍ عندَ خَوْفِ فَوْتِها، كالصِّيامِ. يُحَقِّقُه أنه لو أخَّرَ الحاضِرَ صار فائتًا، ورُبما كثُرتِ الفَوائِتُ، فيفْضى إلى أن لا يُصَلىَ صلاةً في وَقْتِها، ولا تَلْزَمَه عُقُوبَة بتَرْكِها، ولا يُصَلَّىَ جَماعَةً أصلًا، وهذا لا يَرِدُ الشرعُ به. وتَعَلقُهم بالأمرِ بالقَضاءِ مُعارَضٌ بالأمْرِ بفِعلِ الحاضِرَةِ، والحاضِرَةُ آكَدُ؛ بدَلِيلِ أنَّه يُقْتَلُ بتَركِها، ويجْرُمُ عليه تأخِيرُها، بخِلافِ الفائتَةِ، فإن النبى صلى الله عليه وسلم لما نام عن صلاةِ الفجْرِ أخرَها شيئًا، وأمَرَهم فاقتادوا رَواحِلَهم حتى خَرَجُوا مِن الوادِى (1). والحديثُ الذى ذَكَرُوه، قال أحمدُ: ليس هذا حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم. فعل هذه الرواية، يَبْدَأ فيَفْضِى الفَوائِتَ على الترتِيبِ، حتى
(1) أخرجه مسلم، في: باب قضاء الصلاة الفائتة. . . . إلخ، من كتاب المساجد. صحيح سلم 1/ 471. وأبو داود، في: باب من نام عن صلاة أو نسيها، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 103. والنسائي، في: باب كيف يقضى الفائت من الصلاة، من كتاب المواقيت. المجتبي 1/ 240. وابن ماجه، في: باب من نام عن صلاة أو نسبيها من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 228.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إذا خاف فَواتَ الحاضِرَةِ صَلّاها، ثم عاد إلى الفَوائِتِ. نَص عليه أحمدُ. فإن حَضَرَتْ جَماعَة في صلاةِ الحاضِرَةِ، فقال أحمدُ، في رِوايةِ أبى داودَ، في مَن عليه صَلَوات (1) فائتَةٌ، فأدرَكَتْه الظهْرُ ولم يفْرُغْ مِن الصلَواتِ: يُصَلى مع الإمامِ الظهْرَ ويَحسُبُها مِن الفَوائِتِ، ويُصَلِّى الظهْرَ في آخِرِ الوَقْتِ. وفيه رِوايَةً ثالِثَةٌ، إذا كَثُرَتِ الفَوائِتُ، بحيث لا يَتسِعُ لها وقتُ الحاضِرَةِ، أنه يُصَلى الحاضِرَةَ في أوَّلِ وَقْتِها. نقَلَها عنه ابنُ منصورٍ. وهذا اخْتِيارُ أبى حَفْص؛ لأن الوَقتَ لا يتسِعُ لقَضاءِ ما في الذمةِ وفِعل الحاضِرَةِ، فسَقَطَ الترتِيبُ، كما لو فَاتتْه صلاةٌ وقد بَقِىَ مِن وَقتِ الأخْرَى قَدرُ خَمس رَكَعاتِ، ولأنه إذا لم يكُنْ بُد مِن الإخْلالِ بالترتِيبِ، ففِعلُها في أوَّلِ الوقتِ؛ ليُحَصلَ فضِيلَةَ الوَقتِ والجَماعَةِ أوْلَى، ولأنَّ فيه مَشَقةً، فإنه يَتَعَذرُ مَعرفَةُ آخِرِ الوقتِ في حَقّ أكْثَرِ النّاس. وذَكَر ابنُ عَقِيل، في مَن عليه فائتَة، وخَشِىَ، فَوَاتَ الجَماعَةِ، رِوايَتَيْن؛ إحداهما، يَسْقُطُ الترتِيبُ؛ لأنه اجْتَمَع واجِبان، ولابدَّ مِن تفْوِيتِ أحَدِهما، فكان مُخيرا فيهما. والثانيةُ، لا يَسْقُط؛ لِما ذَكَرْنا. قال شيخُنا (2): وهذه الروايَةُ أحسَنُ وأصَح، إن شاء الله تعالى. واللْهُ أعلمُ.
(1) في م: «صلاة» .
(2)
في: المغني 2/ 344.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا ترَك ظُهْرًا وعصرًا مِن يَوْمَيْن، لا يَدرِى أيتهما الأولَى، ففيه رِوايَتان؛ إحداهما، أنَّه يَتَحَرَّى أيتهما نَسِىَ أولًا، فيَقْضِيها، ثم يَقْضِى الأخْرَى. نَقَلَها عنه الأثْرَمُ. وهذا قول أقوله يُوسُفَ ومحمد، لأنَّ الترتِيبَ مِمّا تُبيحُ الضرورَةُ تركَه، فيما إذا ضاق وَقْتُ الحاضِرَةِ، أو نَسِىَ الترتِيبَ، فيَدخُلُه التحَرى كالقِبْلَةِ. والثانيةُ، أنه يصلي الظهْرَ ثم العَصرَ مِن غيرِ تحَرٍّ. نقَلَها عنه (1) مُهنَّا؛ لأنَّ التحَرِّى فيما فيه أمارَة، وهذا لا أمارَةَ فيه يرجَعُ إليها، فرَجَعَ إلى تَرتِيبِ الشرعِ. قال شيخُنا (2): والقِياسُ أنَّه يَلْزَمُه ثلاثُ صَلَوات؛ ظُهْر ثم عَصر ثم ظُهْر، أو بالعَكس؛ لأنه أمكَنَه أداءُ فَرضِه بيَقِين، أشْبَهُ ما إذا نَسِىَ صلاةً لا يَعلَمُ عَيْنَها. وقد نَقَل أبو داودَ عن أحمدَ ما يَدُلُّ على هذا. وهذا مذهبُ أبى حنيفةَ. فصل: ولا يُعذَرُ في تَركِ الترتِيبِ بالجَهْلِ بِوُجُوبِه. وقال زُفَر: يُعذَرُ كالناسِى. ولَنا، أنَّه ترتِيبْ واحِبْ في الصلاةِ، فلم يَسْقُطْ بالجَهْلِ، كالمَجْمُوعَتَيْن، ولأنَّ الجَهْل بأحكامِ الشرعِ مع التمَكنِ مِن العِلْمِ لا يُسْقِطُها، كالجَهلِ بتَحرِيمِ الأكْلِ في الصوْمِ.
(1) سقط من: م.
(2)
في: المغنى 2/ 345، 346.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ويَجِبُ عليه قَضاءُ الفَوائِتِ على الفَوْرِ وإن كَثرتْ، ما لم يَلْحَقْه
مَشَقة في بَدَنِه، بضَعفٍ، أو خَوْفِ مَرَض أو نَصَبٍ او إعْياء، أو مالِه،
بفَواتِ شئ منه، أو ضَرَرٍ فيه، أو قَطْع عن مَعيشَتِه. نَص أحمدُ على نَخو
هذا. فإن جهِل الفَوائِتَ فلم يَعلم قدرَها، قَضَى حتى يَتَيَقنَ بَراءَةَ ذِمتِه.
ويَقْتَصِرُ على الفَرائِض، ولا يَتَنَفلُ بَيْنَها، ولا يُصَلِّى سننَها (1)؛ لأنَّ النبيَّ
صلى الله عليه وسلم لَمّا قضَى الصلَواتِ الفائتُةَ يَوْمَ الخنْدَقِ، لم يُنْقَلْ أنه صَلى بَينها سُنَّةً؛
ولأن الفَرْضَ أهمُّ، فالاشْتِغالُ به أوْلَى. فإن كانت صلاةً أو نَحوَها، فلا
بَأسَ بقَضاءِ سُنَّتِها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما فاتَتْه الفَجْرُ، صَلى سُنتها قَبْلَها. وهذا
قولُ الشافعى. وقال مالك: يَبدَأ بالمَكتُوبَةِ. والأوَّلُ أوْلَى؛ لِما ذَكَرنا مِن الحديثِ. وهذا اخْتِيارُ ابنِ المُنْذر.
فصل: ومَن فاتَته صلاة مِن يَوم لا يَعلَمُ عَيْنَها، أعاد صلاةَ اليَوْمِ جَمِيعِه، يَنْوى بكلِّ واحِدة أنها الفائتَةُ. نصَّ عليه. وهو قولُ أكثر أهلِ العلمِ؛ لأنَّ التعيِينَ شرط في صِحَّةِ الصلاةِ المَكتُوبَةِ، ولا يُتَوَصَّلُ إليه إلَاّ بذلك، فلَزِمَه. وقال الثَّوْرِى: يُصَلِّى الفَجْرَ ثم المَغْرِبَ؛ ثم يُصَلى أربعا، يَنْوِى إن كان الظهْرَ أو العَصر أو العِشاءَ. وقال الأوْزاعي: يُصَلى أربعا بإقامَةٍ.
(1) في م «سنتها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا نام في مَنْزِل في السَّفَرِ، فاسْتَيْقَظَ بعد خُرُوجِ وَقتِ الصلاةِ، استُحِبَّ له أن يَنْتَقِلَ عن ذلك المنْزِلِ، فيُصَلِّىَ في غيرِه. نَصَّ عليه؛ لِما روَى أبو هريرةَ، قال: عَرَّسْنا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلم نَسْتَيْقِظْ حتى طَلَعَتِ الشمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لِيأخُذْ كُل رَجُل مِنْكم بِرأس رَاحِلَتِهِ؛ فَإن هذَا مَنْزِل حَضَرَ فِيهِ الشيطَانُ» . قال: ففَعَلْنا، ثم دعا بالماءِ فتَوَضَّأ، ثم سَجَد سَجْدَتَيْن، ثم أقِيمَتِ الصلاةُ، فصَلى الغَداةَ. مُتَّفَقٌ عليه (1). ويُسْتحَبُّ أن يُصَلِّىَ الفائتَةَ جَماعَةً إذا أمكَنَ؛ لهذا الخَبَرِ، ولأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى الصَّلَواتِ الفائتَةَ يَوْمَ الخَنْدَقِ في جماعةٍ. ولا يَلْزَمُ القَضاءُ أكْثَرَ مِن مَرَّةٍ؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يَقْض أكثَرَ مِن مَرة، وقد روَى عِمرانُ بنُ حُصَيْن، حينَ نامُوا عن صلاةِ الفَجْر، قال: فقُلْنا: يا رسولَ الله، ألا نُصَلِّى هذه الصلاةَ لوَقْتِها؟ قال:«[لَا] (2)، لَا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الرِّبَا وَيَقْبَلُهُ مِنْكم» . رَواه الأثْرَمُ (3). واحتج به أحمدُ.
(1) لم يخرجه البخارى. وأخرجه مسلم، في: باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، من كتاب المساجد. صحيح مسلم 1/ 471.كما أخرجه النسائي، في: باب كيف يقضى الفائت من الصلاة، من كتاب الصلاة. المجتبى 1/ 231.
(2)
سقطت من: م.
(3)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب من نسى صلاة أو نام عنها، من كتاب الصلاة. المصنف 1/ 589.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا أخَّرَ الصَّلاةَ لنَوْم أو غيرِه، حتم خَشِى خُرُوجَ الوَقْت إن تَشاغَلَ بالسنَةِ، بَدَأ بالفَرض. نَصَ عليه؛ لأن الحاضِرَةَ إدا قُدمت على الفائتَةِ الواجِبَةِ، مُراعاةً للوقتِ، فعلى السنةِ أوْلَى. وهكذا إذا اسْتَيْقَظ وشَكَّ في طُلُوعِ الشمس، بَدَأ بالفَريضَةِ. نَصَ عليه، لأن الأصلَ بَقاء الوقتِ.
فصل: ومَن أسْلَمَ في دارِ الحَربِ فتَرَكَ صلواتٍ، أو صِيامًا لا يَعلَمُ وُجُوبَه، لَزِمَه قَضاؤه. وبهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفةَ: لا يَلْزَمُه. ولَنا، أنها عِبادَة تَلْزَمُه مع العِلْمِ، فلَزِمَتْه مع الجهلِ، كما لو كان في دارِ الإسلام.