الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإنْ كَانَ مَأمُومًا لَمْ يَزِدْ عَلَى: رَبَنا وَلَكَ الْحَمْدُ،
ــ
أبو سعيدٍ، وابنُ أبي أوْفَى. فاسْتَحِبَّ الاقْتِداءُ به في القَوْلَيْن. وقال الشافعيُّ: السُّنَّةُ قَوْلُ: رَبَّنا لك الحَمْدُ. لأنَّ الواوَ للعَطْفِ، وليس هاهُنا شيء يُعْطَفُ عليه. ولَنا، أنَّ السُّنَّةَ الاقْتِداءُ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم وقد، صَحَّ عنه ذلك، ولأنَّ إثْباتَ الواوِ أكْثَرُ حُرُوفًا، ويَتَضَمِّنُ الحَمْدَ مُقَدِّرًا ومُظْهَرًا، إذِ التَّقْدِيرُ: رَبَّنا حَمِدْناك ولك الحَمْدُ: فإنَّها لَمَّا كانت للعَطْفِ ولا شئَ هاهُنا تَعْطِفُ عليه، دَلَّتْ على التَّقْدِيرِ الذى ذَكَرْناه (1)، كقَوْله:«سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ» . أي وبحَمْدِك سُبْحانَك، وكَيْفَما قَال كان حَسَنًا؛ لأَنَّ السُّنَّةَ قد وَرَدَتْ به.
407 - مسألة: (فإن كان مَأمُومًا لم يَزِدْ على: رَبَّنا ولك الحَمْدُ
.
(1) سقط من: الأصل.
إلَّا عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ،
ــ
إلَّا عندَ أبي الخَطَّابِ) قال شيخُنا (1): لا أعْلَمُ خِلافًا في المَذْهَبِ أنَّه لا يُشْرَعُ للمَأَمُومِ قَوْلُ: سَمِع اللهُ لمَن حَمِدَه. وهذا قولُ ابنِ مسعودٍ، وابنِ عُمَرَ، وأبي هُرَيْرَةَ، ومالكٍ، وأصحابِ الرَّأيِ. وقال يعقوبُ، ومحمدٌ، والشافعيُّ، وإسحاقُ: يقُولُ ذلك كالإمامِ؛ لحديثِ بُرَيْدَةَ، وقِياسًا على الإمامِ في سائِرِ الأذْكار. ولَنا، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«إذَا قَالَ الْإمَامُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» (2). وهذا يقْتَضِي أن يكُونَ قوْلُهم: رَبَّنا ولك الحَمْدُ. عَقِيبَ تَسْمِيع الإمامِ بلا فَصْلٍ؛ لِأنَّ الفاءَ للتَّعْقِيبِ، وهذا ظاهرٌ يَجِبُ تَقْدِيمُه على القِياسِ، وعلى حديثِ بُرَيْدَةَ؛ لأنَّه (3) خاصٌّ بالمَأمُومِ، وذلك عامٌ ولو تَعارَضا كان حَدِيثُنا أوْلَى؛ لأئَّه صَحِيحٌ، وحديث بُرَيْدَةَ فيه جابِرٌ الجُعْفِيُّ (4). فأمّا قولُ:«مِلْءَ السَّماءِ» . وما بعدَه، فظاهِرُ المَذْهَبِ أنَّه لا يُسَنُّ للمَأمُومِ. اخْتارَه الخِرَقِي، ونَصَّ عليه أحمدُ، في رِوايَةِ أبي داودَ وغيرِه،
(1) في: المغني 2/ 189.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 489.
(3)
في م: «ولأنه» .
(4)
أبو عبد الله جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي الكُوفيّ، اختلف أهل الحديث فيه، فقالوا: صدوق في الحديث. وقالوا: كذاب، توفى سنة ثمان، وعشرين ومائة. انظر: تهذيب التهذيب 2/ 46 - 51.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واخْتارَه أكْثَرُ أصحابِه؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم اقْتَصَر على أمْرِهم بقَوْلِ: «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» . فدَلَّ على أنَّه لا يُشْرَعُ لهم سِواه. ونَقَل الأثْرَمُ عنه ما يَدُلُّ على أنَّه مَسْنُون، وهو أنَّه قال: ليس يَسْقُطُ خلفَ الإمامِ عنه غيرُ: سَمِع اللهُ لمَن حَمِدَهُ. اخْتارَه أبو الخَطَّابِ، وهو قولُ الشافعيِّ؛ لأنَّه ذِكرٌ مَشْرُوعٌ في الصلاةِ، أشْبَهَ سائِرَ الأَذْكارِ.
فصل: ومَوْضِعُ قولَ: رَبَّنا ولك الحَمْدُ في حَق الإمامَ والمُنْفَرِدِ بعدَ القِيامِ مِن الرُّكُوعِ، لأَنَّه في حالِ رفْعِه (1) يقُولُ: سَمِعَ اللهُ لمَن حَمِدَه. [فأمّا المَأمُومُ ففي حالِ رَفْعِه؛ لأنَّ قَوْلَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إذَا قَالَ الإمَامُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ](2). فَقُولُوا (3): رَبَّنا وَلَكَ الحَمْدُ». يَقْتَضى تعْقِيبَ قَوْلِ الإمامِ قولَ المَأمُومِ، والمَأمُومُ يَأخُذُ في الرفْعِ عَقِيبَ قولِ الإمامِ: سَمِعَ اللهُ لَمَن حَمِدَهُ. فَيَكُونُ قَوْلُه: رَبَّنا ولك الحَمْدُ. حِينَئذٍ، وَاللهُ أعلمُ.
فصل: وإن زاد على قَوْلِ: [رَبَّنا ولك الحَمْدُ](4)، مِلءَ
السَّماءِ (5)، ومِلْءَ الأرْضِ، ومِلءَ ما شِئْتَ مِن شيء بعدُ. فقد اخْتَلَفَ عن أحمدَ فيه؛ فَرُوِيَ عنه، أنَّه قِيلَ له: أتَزِيدُ على هذا، فَتقُولُ: أهلَ الثَّناءِ
(1) في م: «قيامه» .
(2)
سقط من: م.
(3)
في م: «فقوله قولوا» .
(4)
سقط من الأصل.
(5)
في م: «السموات» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والمَجْدِ؟ فقال: قد رُوِيَ ذلك، وأمّا أنا فأقُولُ هذا إلى: ما شِئْتَ مِن شيء بعدُ، فظاهِرُ هذا أنَّه لا يُسْتَحَبُّ ذلك في الفرِيضَةِ اتِّباعًا لأكْثَرِ الأحادِيثِ الصحِيحَةِ. ونَقَل عنه أبو الحارثِ، أَنَّه قال: وأنا أقُولُ ذلك. يَعْنِي، أهْلَ الثَّناءِ والمَجْدِ. فظاهِرُه أنَّه يُسْتَحَبُّ، اخْتارَه أبو حَفصٍ، وهو الصَّحِيحُ؛ لِما روَى أبو سعيدٍ، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا رَفَع رَأْسَه مِن الرُّكُوعِ، قال:«اللَّهُمَّ رَبَّنا لَكَ (1) الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ (2) وَمِلْءَ الْأَرْض، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ [مِنْ شَيْءٍ] (3) بَعْدُ، أهْلَ الثناءِ والْمَجْدِ (4)، أحَقُّ مَا قَالَ العَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، اللهُم لَا مَانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» . وروَى ابنُ عباسٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رَفَع رَأْسَه مِن الرُّكُوعِ قال:«اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَوَاتِ (2) وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْء بَعْدُ، أهْلَ الثناءِ وَالْمَجْدِ، لَا مَانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ، مِنْكَ الْجَدُّ» . وروَى عبدُ اللهِ بنُ أبي أوْفَى بعدَ قولِه: «وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» : «اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ، اللَّهُمَّ
(1) في م: «ولك» .
(2)
في الأصل: «السماء» .
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
في الأصل: «وأهل المجد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
طَهِّرْنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطايَا كَمَا يُنقَّى الثُّوْبُ الأبيَضُ مِنَ الدَّنَسِ» (1). رَواهُنَّ مسلمٌ (2). وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُطِيلُ القِيامَ بينَ الرُّكُوعِ والسُّجُودِ، قال أَنَسٌ: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا قال: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» . قام حتَّى نقُولَ: قد أوْهَمَ (3). ثم يَسْجُدُ ويَقْعُدُ بينَ السَّجْدَتَيْن حتَّى نقُولَ: قد أوْهَمَ. رَواه مسلمٌ (4). وليست حالَةَ سُكوتٍ، فنَعْلَمَ (5) أَنَّه عليه السلام كان يَزِيدُ على هذه الكلِماتِ، لكَوْنِها لا تَسْتَغْرِقُ هذا القِيامَ
كلَه.
(1) في الأصل: «الوسخ» .
(2)
في: باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 346، 347. وتقدم تخريج حديت أبي سعيد في صفحة 490.
كما أخرج حديث ابن أبي أوفى التِّرْمِذِيّ، في: باب دعاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم، من أبواب الدعاء. عارضة الأحوذى 13/ 63. والنَّسائيّ، في: باب الاغتسال بالثلج والبرد، وباب الاغتسال بالماء البارد، من كتاب الغسل والتيمم. المجتبى 1/ 163. والإمام أَحْمد، في: المسند 4/ 354، 381.
(3)
أوهم: أسقط ما بعده.
(4)
في: باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 344. كما أخرجه أبو داود، في: باب طول القيام من الركوع، وبين السجدتين، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 196. والإمام أَحْمد، في: المسند 3/ 203، 247.
(5)
في تش: «فيعلم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا رَفَع رَأسَه مِن الرُّكوعِ، فعَطسَ، فقال: رَبَّنا ولك الحَمْدُ. يَنْوِي بذلك للعَطْسَةِ والرفْعِ، فرُوِيَ عنه: لا يُجْزِئُه. لأنَّه لم يُخْلِصْه للرَّفعِ. قال شيخُنا (1): والصَّحِيحُ أنَّه يُجْزِئُه؛ لأنَّه ذِكْرٌ لا تُعْتَبَرُ له النيةُ، وقد أتَى به فأجْزَأه، كما لو قاله ذاهِلًا، ويُحْمَلُ قولُ أحمدَ على الاسْتِحْباب، لا على نَفْيِ الإجْزاءِ حَقِيقَةً.
فصل: وإذا أتَى بقَدْرِ الإجْزاءِ من الرُّكُوعِ، فاعْتَرَضَتْه عِلَّةٌ مَنَعَتْه القِيامَ، سَقَط عنه الرَّفْعُ؛ لتَعَذرِه، ويَسْجُدُ عن الرُّكُوعِ. فإن زالَتِ العِلَّةُ قبلَ سُجُودِه، فعليه القِيامُ. وإن زالَتْ بعدَ سُجُودِه إلى الأرضِ، سَقَط القِيامُ؛ لأن السُّجُودَ قد صَحَّ وأجْزَأ، فسَقطَ (2) ما قبلَه. فإن قام مِن سُجُودِه عالِمًا بتَحْرِيمِ ذلك، بَطَلَتْ صَلَاتُه؛ لأنَّه زاد في الصلاةِ فِعْلًا. وإن كان جاهِلًا أو ناسِيًا، لم تَبْطُلْ، ويَعُودُ إلى جَلْسَةِ الفَصْلِ، ويَسْجُدُ للسَّهْوِ.
فصل: وإن أراد الرُّكُوعَ، فوَقَعَ إلى الأرضِ، فإنَّه يَقومُ فيَرْكعُ. وكذلك إن رَكَع فسَقَطَ قبلَ [طمَأْنِينَتِه، بَطَل الرُّكُوعُ](3)؛ لأنَّه لم يَأتِ بما يُسْقِطُ الفَرْضَ. فإن رَكَع فاطْمَأنَّ، ثُمْ سَقط، فإنَّه يقُومُ مُنْتَصِبًا، ولا يُعيدُ الرُّكوعَ؛ لأنَّ (4) فَرْضَه قد سَقَط، والاعْتدالُ عنه قد سَقَط بقِيامِه.
(1) في: المغني 2/ 191.
(2)
في الأصل: «فأسقط» .
(3)
في م: «طمأنينة الركوع» .
(4)
في م: «فإن» .