الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولَا يَجُوزُ إلَّا بَعدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، إلَّا الْفَجْرَ، فَإنَّهُ يُؤذنُ لَها بعدَ نِصفِ اللَّيْلِ.
ــ
274 - مسألة: (ولا يَصِحُّ إلّا بعدَ دُخُولِ الوَقْتِ، إلَاّ الفَجْرَ، فإنه يُؤذنُ لها بعدَ نِصفِ الليْلِ)
أما الأذانُ لغيرِ الفَجْرِ قبلَ الوَقْتِ، فلا يُجْزِىُّ، بغيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَع أهلُ العلم على أن مِن السنةِ أن يُؤذن للصلَواتِ بعدَ دُخولِ وَقْتِها، إلَّا الفَجْرَ. ولأنَ الأذانَ شُرِعَ للإعلامِ بالوَقْتِ، فلا يُشْرَعُ قبلَ الوقتِ؛ لعَدَمِ حُصُولِ المَقْصُودِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وأمّا الفَجْرُ، فيشْرَعُ لها الأذان قبلَ الوَقْتِ. وهو قولُ مالكٍ، والأوْزاعِى، والشافعىَّ، وإسحاقَ. وقال الثَّوْرِى، وأبو حنيفةَ، ومحمد: لا يَجُوزُ؛ لِما روَى ابنُ عُمَرَ، أن بِلالًا أذَّن قبلَ طُلُوعِ الفَجْرِ فأمَره النبيُّ أن يَرجِعَ فيُنادِىَ:«ألَا إنَّ العَبْدَ نَامَ» . فرَجعَ فنادَى: ألا إن العَبْدَ نامَ. وعن بِلالٍ أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال له: «لَا تُؤْذِّن حَتَّى يَسْتَبِين لَكَ الْفَجْرُ هكَذَا» . ومَدَّ يَدَيْه عَرضًا. رَواهُما أبو داود (1). وقال طائِفَة مِن أهلِ الحديثِ: إذا كان له مُؤذِّنان، يُؤذنُ أحَدُهُما قبلَ طُلُوعِ الفَجْرِ والآخَرُ بعدَه، فلا بَأسَ وإلَّا فلا؛ لأنّ الأذانَ قبلَ طُلُوعِ (2) الفَجْرِ يُفَوِّتُ المَقْصُودَ مِن الإعلامِ بالوَقْتِ، فلم يَجُزْ، كبَقِيةِ الصَّلَواتِ، فأمّا إذا كان له مُؤذِّنان يَحصُلُ إعلامُ الوقتِ بأحَدِهما كما كان للنبىِّ صلى الله عليه وسلم، جاز. ولَنا، قَوْلُ النبى صلى الله عليه وسلم: «إنَّ بِلَالًا يُؤذنُ بِلَيْلٍ، فَكلُوا وَاشربُوا حَتَّى
(1) في: باب في الأذان قبل دخول الوقت، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 126، 127.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُؤذِّنَ ابْنُ أمِّ مَكتُومٍ». مُتَّفَقٌ عليه (1). وهذا يَدُلُّ على دَوامِ ذلك منه، وقد أقَره النبي صلى الله عليه وسلم عليه، ولم يَنْهه، فدَلَّ على جَوازِه. وروَى زيادُ بنُ الحارِثِ الصُّدائِىُّ، قال: لَما كان أذانُ الصبحِ أمَرَنِى النبي صلى الله عليه وسلم فأذنْتُ، فجَعلْتُ أقولُ: أُقِيمُ، أُقِيمُ يا رسولَ الله؟ فجَعَلَ يَنْظُرُ إلى ناحِيَةِ المَشْرِقِ، فيقولُ:«لَا» . حتى إذا طَلَع الفَجْرُ نَزَل، فبَرَزَ، ثم انْصَرَف إليَّ وقد تَلاحَقَ أصحابُه، فتَوَضأ، فأراد بِلال أن يقيمُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إن أخَا صُدَاءَ قَدْ أذَّنَ، وَمَنْ أذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ» . قال: فأقمتُ. رَواه أبو داودَ،
(1) أخرجه البخاري، في: باب أذان الأعمى إذا كان له من يخبره، وباب الأذان قبل الفجر، من كتاب الأذان، وفي: باب قول النبى صلى الله عليه وسلم: «لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال» ، من كتاب الصوم، وفى: باب شهادة الأعمي. . . . إلخ، من كتاب الشهادات، وفى: باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة. . . . إلخ، من كتاب الآحاد. صحيح البخارى 1/ 160، 161، 3/ 37، 225، 9/ 107، 108. مسلم، في: باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر. . . . إلخ، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 1/ 768، 769. كما أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء في الأذان بالليل، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 4، 5. والنسائي، في: باب المؤذنان للمسجد الواحد، وباب هل يؤذنان جميعا أو فرادى. المجتبى 2/ 9، 10، الدارمي، في: باب في وقت أذان الفجر، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 269، 270. والإمام مالك، في: باب قدر السحور من النداء، من كتاب النداء. الموطأ 1/ 74. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 9، 57، 62، 64، 73؛ 79، 107، 123، 6/ 44، 54، 185، 186، 433.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والترمِذِى (1). وهذا قد أمَرَه النبي صلى الله عليه وسلم بالأذانِ قبلَ طُلُوعِ الفَجْرِ، وهو حُجَّة على مَن قال: إنَّما يَجُوزُ ذلك إذا كانَ معه مُؤذِّنان. فإن زِيادًا أذَّنَ وَحدَه، و (2) حديثُ ابنِ عُمَرَ الذى احتَجُّوا به، لم يَروه كذلك إلّا [حمادُ بنُ سلمة. رَواه حمادُ بنُ زيدٍ](3) والدَّراوَردِيُّ (4)، فقالا: كان مُؤذِّنٌ لعُمَرَ، يُقالُ له: مسعود. وقال (5): هذا أصَح. وقال الترمِذِى (6) في هذا الحديثِ: إنَّه غيرُ مَحفُوظٍ. وكذلك قال على (7) ابنُ المَدِيني. والحديثُ الآخَرُ، قال ابنُ عبدِ البَرِّ (8): لا تَقُومُ بمِثْلِهِ حجّة؛ لضَعفِه وانْقِطاعِه. وإنما اخْتَصَّتِ الفَجْرُ بذلك دُونَ سائِرِ الصَّلَواتِ؛ لأنه وَقْتُ النوْمِ، ليَتَأهَّبَ النّاسُ للخُرُوجِ إلى الصلاةِ، ويَنْتَبِهُوا، ولا يُوجَدُ ذلك في غيرِها، وقد رُوِىَ في بعض الأحاديِث:«إنَّ بِلَالًا يؤذنُ بِلَيْل؛ لِيَنْتَبِهَ نائِمُكم وَيرجِعَ قَائِمُكُم» . رَواه أبو داود (9). ولا يَنْبَغِى أن يَتَقَدَّمَ على
(1) تقدم تخريجه في صفحة 82.
(2)
في م: «في»
(3)
في الأصل: «حماد بن زيد» . وفي دم: «حماد بن زيد رواه أحمد بن زيد» . والصواب ما أثبتناه. وانظر: سنن أبي داود 1/ 127.
(4)
هو أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن عبيد، من أهل المدينة، توفى سنة ست وثمانين، مائة. الأنساب 5/ 295.
(5)
أى أبو داود. وانظر قوله في الموضع السابق.
(6)
في: باب ما جاء في الأذان، بالليل، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 4/ 2. وقول ابن المدينيّ فيه 2/ 5.
(7)
في م: «عمر» . وهو على بن عبد الله بن جعفر ابن المدينى البصرى، أبو الحسن الإمام المشهور صاحب التصانيف. مات سنة أربع وثلاثين ومائتين. تهذيب التهذيب 7/ 349 - 357.
(8)
التمهيد 10/ 59.
(9)
تأتي رواية أبي داود لهذا الحديث في «فصل نص أحمد على أنه يكره الأذان للفجر في رمضان» . ورواه بهذا اللفظ النسائي، في: باب الأذان في غير وقت الصلاة، من كتاب الأذان، وفى: باب كيف الفجر، من كتاب الصيام. المجتبي 2/ 10، 4/ 121، 122.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الوَقْتِ كثيرًا، إذا كان المَعْنَى فيه ما ذَكَرنا. وقد رُوِى أن بِلالًا كان بينَ أذانِه وأذانِ ابنِ أم مَكتُوم أن ينْزِلَ بهذا ويَصعَدَ هذا (1). وقال بَعضُ أصحابِنا: ويَجُوزُ أن يُؤذن لها بعدَ نِصفِ اللَّيْلِ. وهو مذهبُ الشافعى؛ لأنَّ بذلك يَخْرُجُ وَقْتُ العِشاءِ المُخْتارُ، ويدخُلُ وقتُ الدَّفْع مِن مُزْدَلِفَةَ، ورَمىِ جَمرَةِ العَقَبَةِ، وطَوافِ الزِّيارَةِ. وروَى الأثْرَمُ، قال: كان مُؤذِّنُ دِمَشْقَ يُؤذن لصلاةِ الصبحِ في السَّحَرِ بقَدرِ ما يَسِيرُ الرّاكِبُ سِتَّةَ أمْيالٍ، فلا يُنْكِرُ ذلك مَكْحُولْ ولا يقولُ شيئًا.
فصل: ويُستحَبُّ أن لا يُؤذِّنَ قبلَ الفَجْرِ، إلَّا أن يكُونَ معه مُؤذن آخَرُ يُؤذنُ إذا أصبَحَ، كِبلالٍ وابنِ أمِّ مَكْتُومٍ، ولأنَّه إذا لم يَكُنْ كذلك، لم يَحصُلِ الإِعلامُ بالوَقْتِ المَقْصُودِ بالأذانِ. ويَنْبَغِى لمَن يُؤذنُ قبلَ الوقتِ أن يَجْعَلَ أذانَه في وَقْت واحِدٍ في الليالِى كلِّها؛ ليَعرِفَ الناسُ ذلك مِن عادَتِه، فلا يَغْتَرُّوا بأذانِه، ولا يُؤذِّنُ في الوَقْتِ تارةً وقبلَه أُخْرَى، فيَلْتَبِس على النّاس، ويَغْتَرون به، فربما صَلى بعضُ مَن سَمِعَه الصُّبحَ قبلَ وَقْتِها، ويَمْتَنِعُ مِن سَحُورِه، والمُتَنَفِّلُ مِن تَنَفلِه إذا لم يَعلم حالَه، ومَن عَلِم حالَه لا يَسْتَفِيدُ بأذانِه، لتَرَدُّدِه بينَ الاحتِمالَيْن.
فصل: نَصَّ أحمدُ على أنه يكْرهُ الأذانُ للفَجْرِ في رمضانَ قبلَ وَقْتِها؛ لئلَّا يَغْتَرَّ النّاسُ به، فيَتْرُكُوا سَحُورَهُم. والصَّحِيحُ أنَّه لا يُكْرهُ في حَقِّ مَن عُرِفَتْ عادَتُه في الأَذانِ بالليْلِ؛ لِما ذَكَرْنا مِن حديثِ بلال، ولقَوْلِه
(1) انظر تخريج حديث «إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» المتقدم.