الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ يَجْلِسُ فِي التَّشَّهُّدِ الثَّانِي مُتُوَرِّكًا؛ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى، وَيُخْرِجُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَيَجْعَلُ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ.
ــ
قَصَد القراءةَ لكان الاقْتِداءُ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم أوْلَى، مع أنَّ عُمَرَ وغيرَه مِن الصحابةِ قد خالَفُوه. فأمّا إن دَعا الإنسانُ في الرَّكْعَةِ الأخِيرَةِ بآيَةٍ، كما رُوِيَ عن الصِّدِّيقِ، فلا بَأْسَ؛ لأنَّه دُعاءٌ في الصلاةِ، أشْبَهَ دُعاءَ التَّشَهُّدِ.
431 - مسألة: (ثم يَجْلِسُ فِي التَّشَهُّدِ الثّانِي مُتَوَرِّكًا، يَفْرِشُ رِجْلَه اليُسْرَى، ويَنْصِبُ اليُمْنَى، ويُخْرِجُهما عن يَميِنِه ويَجْعَلُ ألْيَتَيْه على الأرْضِ)
. التَّوَرُّكُ في التَّشَهُّدِ الثّانِي سُنَّةٌ. وبه قال مالكٌ، والشافعِيُّ. وقال الثَّوْرِيُّ، وأصحابُ الرَّأْيِ: يَجْلِسُ فيه مُفْتَرِشًا، كالتَّشَهُّدِ الأوَّلِ؛ لِما ذَكَرْنا مِنْ حديثِ وائِلِ [بنِ حُجْرٍ](1)، وأبي حُمَيْدٍ (2) في صِفَةِ جُلُوسِ
(1) سقط من: م. وتقدم تخريجه في صفحة 534.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 400.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النبيِّ صلى الله عليه وسلم. ولَنا، أنَّ في حديثِ أبي حُمْيَدٍ: حتَّى إذا كانتِ الرَّكْعَةُ التى يَقْضِي فيها صلَاتَه، أخَّرَ رِجْلَه اليُسْرَى، وجَلَس مُتَوَرِّكًا على شِقِّه الأيْسَرِ. وهذا بَيانُ الفَرْقِ بينَ التَّشَهُّدَيْن، وزيادَةٌ يَجِبُ الأخْذُ بها والمَصِيرُ إليها، والذى احْتَجُّوا به في التَّشَهُّدِ الأوَّلِ، ونحن نقولُ به. فأمّا صِفَةُ التَّوَرُّكِ فهو كما ذَكَر. قال الأثْرَمُ: رَأَيْتُ أَبا عبدِ الله يِتَوَرَّكُ في الرابِعَةِ في التَّشَهُّدِ، فيُدْخِلُ رِجْلَه اليُسْرَى، ويُخْرِجُها مِن تحتِ ساقِه الأيْمَنِ، ولا يَقْعُدُ على شئٍ منها، ويَنْصِبُ اليُمْنَى، ويَفْتَحُ أصابِعَه ويُنَحِّي عَجُزَه كله، ويَسْتَقْبِل بأصابعِه اليُمْنَى القِبْلَةَ، ورُكْبَتُه اليُمْنَى على الأرضِ مُلْزَقَةٌ، وهذا قولُ أبي الخَطَّابِ، وأصحابِ الشافعيِّ، فإنَّ أَبا حُمَيْدٍ، قال: فإذا كان في الرّابِعَةِ أفْضَى بوَرِكِه اليُسْرَى إلى الأرضِ، وأخْرَجَ قَدَمَيْه مِن ناحِيَةٍ واحِدَةٍ، رَواه أبو داودَ (1). وقال الخِرَقِيُّ والقاضى: يَنْصِبُ رِجْلَه اليُمْنَى، ويَجْعَلُ باطِنَ رِجْلِه اليُسْرَى تحتَ فَخِذِه اليُمْنَى، ويَجْعَلُ ألْيَتَيْه على الأرْضِ؛ لقولِ عبدِ الله بِنِ الزُّبَيْرِ: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا قَعَد في الصلاةِ جَعَل قَدَمَه اليُسْرَى
(1) في: باب افتتاح الصلاة، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 168، 169.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تحتَ فَخِذهِ وساقِه، وفَرَش قَدَمَه اليُمْنَى. رَواه مسلمٌ (1). وفي بعضِ ألْفاظِ حديثِ أبي حُمَيْدٍ نَحْوُ هذا، قال: جَعَل بَطنَ قَدَمِه عندَ مَأْبِضِ (2) اليُمْنَى، ونَصَب قدَمَه اليُمْنَى. وأيُّهما فَعَل فحَسَنٌ.
فصل: وهذا التَّشَهُّدُ والجُلُوسُ له مِن أرْكانِ الصلاةِ، ومِمَّن قال بوُجُوبِه عُمَرُ، وابنُه، وأبو مسعودٍ البَدْرِيُّ، والحسنُ، والشافعيُّ. ولم يُوجِبْه مالكٌ، وأبو حنيفةَ، وأوْجَبَ أبو حنيفةَ الجُلُوسَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يُعَلِّمْه الأعْرابِيَّ، فدَلَّ على أنَّه غيرُ واجِبٍ. ولَنا، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ به فقالَ:«قُولُوا: التَّحِيَّاتُ للهِ» . وفَعَلَه، وداوَمَ عليه. ورُوِيَ عن ابنِ مسعودٍ أنَّه قال: كُنّا نقولُ قبلَ أنَّ يُفْرَضَ علينا التَّشَهُّدُ: السَّلامُ على اللهِ قبلَ عِبادِه، السلامُ على جِبْرِيلَ (3)، السلامُ على مِيكائِيلَ. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَقولُوا: السَّلَامُ عَلَى اللهِ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ للهِ» إلى آخِرِه (4). وهذا يَدُلُّ على أنَّه فُرِضَ [بعدَ أنَّ لم يَكُنْ مَفْرُوضًا، وحديثُ الأعْرابِيِّ يحْتَمِلُ أنَّه كان قبلَ فَرْضِ](5) التَّشَهُّدِ، ويَحْتَمِلُ أنَّه تَرَك تَعْلِيمَه؛ لأنَّه لم (6) يَتْرُكْه.
(1) في: باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين، من كتاب المساجد. صحيح مسلم 1/ 408. كما أخرجه أبو داود، في: باب الإشارة في التشهد، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 227.
(2)
المأبض: بطن الركبة.
(3)
في م: «جبرائيل» .
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 538.
(5)
سقط من: الأصل.
(6)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا يَتَوَرَّك إلَّا في صلاةٍ فيها تَشَهُّدان في الأخِيرِ منهما. وقال الشافعيُّ: يُسَنُّ التَّوَرُّكُ في كُلِّ تَشَهُّدٍ يُسَلِّمُ فيه، وإن لم يَكنْ ثانِيًا، كتَشَهُّدِ الصُّبحِ والجُمُعَةِ، لأنَّه تَشَهُّدٌ يُسَنُّ تَطْوِيلُه، فسُنَّ التَّوَرُّكُ فيه، كالثّانِي. ولَنا (1)، حديثُ وائلِ بنِ حُجْرٍ (2)، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمّا جَلَس للتَّشَهُّدِ افْتَرَشَ رِجْلَه اليُسْرَى، ونَصَب رِجْلَه اليُمْنَى. ولم يُفَرِّقْ بينَ ما يُسَلَّمُ فيه ولا ما لا يُسَلَّمُ. وقالت عائشةُ: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ في كلِّ رَكْعَتَيْن التَّحِيَّةَ، وكان يَفْرِشُ رِجْلَه اليُسْرَى ويَنْصِبُ اليُمْنَى. رَواه مسلمٌ (3). وهذان يَقْضِيان على كُلِّ تَشَهُّدٍ بالافْتِراش، إلَّا ما خَرَج منه بحديثِ أبي حُمَيْدٍ في التَّشَهُّدِ الثّانِي، فيَبْقَى فيما عَدَاه على قَضِيَّةِ الأصْلِ، ولأن هذا ليس بتَشَهُّدٍ ثانٍ، فلا يُتَوَرَّكُ فيه، كالأوَّلِ، وهذا لأنَّ التَّشَهُّدَ الثّانِيَ إنَّما تُوُرِّكَ فيه للفَرْقِ بينَ التَّشَهُّدَيْن، وما ليس فيه تَشَهُّدٌ ثانٍ لا يَحْتاجُ إلى الفَرْقِ، وما ذَكَرُوه مِن المَعْنَى، إن صَحَّ، فيُضَمُّ إليه هذا المَعْنَى الذى ذَكَرْناه، ويُعَلِّلُ بهما، والحُكْمُ إذا عُلِّلَ بمَعْنَيَيْن لم يَتَعَدَّ بدُونِهما.
فصل: قِيلَ لأبي عبدِ اللهِ: ما تقولُ في تَشَهُّدِ سُجُودِ السَّهْوِ؟ قال: يُتَوَرَّكُ فيه أَيضًا، هو مِن بَقِيَّةِ الصلاةِ. يَعْنِي إذا كان مِن السَّهْوِ في صلاةٍ
(1) في الأصل: «وأما» .
(2)
يقدم تخريجه في صفحة 534.
(3)
في: باب ما يجمع صفة الصلاة. . . . إلخ، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 357، 358. كما أخرجه أبو داود، في: باب من لم ير الجهر ببسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 180، 181. والإمام أَحْمد، في: المسند 6/ 194.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رُباعِيَّة؛ لأنَّ تَشَهدَها يُتَوَرَّكُ فيه، وهذا تابعٌ له. وقال القاضي: يتوَرَّكُ في كلِّ تَشَهُّدٍ لسُجُودِ السَّهْوِ بعدَ السَّلامِ، في الرُّباعِيَّةِ وغيرِها؛ لأنَّه تَشَهُّدٌ ثانٍ في الصلاةِ يَحتاجُ إلى الفَرْقِ. وقال الأَثْرَمُ: قُلْتُ لأبي عبدِ اللهِ: الرجلُ يُدْرِكُ مع الإمامِ رَكْعَةً، فيَجْلِسُ الإِمامُ في الرّابعَةِ، أيتَوَرَّكُ معه الرجلُ المَسْبُوق في هذه الجَلْسَةِ؟ فقال: إن شاء تَوَرَّكَ. قُلْتُ: فإذا قام يَقْضِي، فيَجْلِسُ (1) في الرابعةِ هو (2)، فَيَنْبَغِي له أنَّ يَتَوَرَّكَ؟ فقال: نَعَمْ [يَنْبَغِي أن](3) يَتَوَرَّكَ؛ لأنَّها هي (2) الرابِعَةُ، يَتَوَرَّكُ، ويُطِيلُ الجُلُوسَ في التَّشَهُّدِ الأخِير. قال القاضي: قولُه إن شاء تَوَرَّكَ. على سَبِيلِ الجَوازِ؛ لأنَّه (4) مَسْنُونٌ. وقد صَرَّحَ بذلك فِي رِوايَةِ مُهَنّا في مَن أدْرَكَ مِن صلاةِ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْن، لا يَتَوَرَّكُ إلَّا في الأخِيرَتَيْن. ويَحْتَمِلُ أنَّ تكونَ هاتان رِوايَتَيْن.
(1) في م: «يجلس» .
(2)
سقط من: م.
(3)
زيادة من: م.
(4)
في م: «لا أنَّه» .