الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله. وَعَنْ يَسَارِهِ كَذَلِكَ.
ــ
427 - مسألة: (ثم يُسَلِّمُ عن يَمِينهِ: السَّلامُ عليكم ورَحْمَةُ اللهِ. وعن يَسارِه كذلك)
التَّسْلِيمُ واجِبٌ في الصلاةِ، لا يَقُومُ غيرُه مَقامَه. وبه قال مالكٌ والشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَتَعَيَّنُ السَّلامُ للخُرُوجِ مِن الصلاةِ، بل إذا خَرَج بما يُنافِي الصلاةَ؛ مِن عَمَلٍ، أو حَدَثٍ، أو غيرِ ذلك، جاز. فالسَّلامُ عندَهم مَسْنُونٌ غيرُ واجِبٍ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يُعَلّمْه المُسْيِءَ في صَلاتِه، ولو وَجَب لأمَرَه به؛ لأنَّه لا يَجُوزُ تَأْخِيرُ البَيانِ عن وَقْتِ الحاجَةِ، ولأنَّ إحْدَى التَّسْلِيمَتَيْن غيرُ واجِبَةٍ، كذلك الأخْرَى. ولَنا، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التّسْلِيمُ» . رَواه أبو داودَ (1). ولأنَّه أحَدُ طَرَفيِ الصلاةِ، فكان فيه [نُطْقٌ واجِبٌ](2)، كالأوَّلِ، ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَه وداوَم عليه، [وقد قال] (3):«صَلُّوا كَمَا رَأيْتُمُونِي أُصَلِّي» (4). وحَدِيثُ الأعْرابِيِّ (5) أجَبْنا عنه. والتَّسْلِيمَةُ الثّانِيَة عندَنا واجِبَةٌ، على إحْدَى الرِّوايَتَيْن.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 407.
(2)
في الأصل: «نطقا واجبًا» .
(3)
في م: «فقال» .
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 441، 442.
(5)
أي المسئ في صلاته. وتقدم تخريج حديثه في صفحة 408.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والمَشْرُوعُ أن يُسَلِّمَ تَسْلِيمَتَيْن عن يَمِينِه ويَسارِه. رُوِيَ ذلك عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ، وعليٍّ، وعَمّارٍ، وابنِ مسعودٍ، رضي الله عنهم. وهو مذهبُ الثَّوْرِيِّ، والشافعيِّ، وإسحاقَ، وابنِ المُنْذِرِ، وأصحابِ الرَّأْيِ. وقال [ابنُ عُمَرَ](1)، وأنَسٌ، وسَلَمَةُ بنُ الأكْوَعِ (2)، وعائشةُ، والحسنُ، وابنُ سِيرِينَ، وعُمَرُ بن عبدِ العزيزِ، ومالكٌ، والأوْزاعِيُّ: يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً واحِدَةً. وقال عَمّارُ بنُ أبِي عَمّارٍ (3): كان مَسْجِدُ الأنْصارِ يُسَلِّمُون فيه تَسْلِيمَتَيْن، وكان مَسْجِدُ المُهاجِرِين يُسلِّمون فيه تَسْلِيمَةً واحِدَةً. ولِما رَوَتْ عائشةُ، قالت: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً واحِدَةً تِلْقاءَ وَجْهِه. وعن سَلَمةَ بنِ الأكْوَعِ، قال: رَأيْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فسَلَّمَ مَرةً (4) واحِدَةً. رَواهما ابنُ ماجه (5). ولأنَّ التسْلِيمَةَ
(1) في م: «عمر» .
(2)
أبو مسلم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي، صحابي جليل؛ شهد بيعة الرِّضوان، توفى سنة أربع وسبعين، وهو ابن ثمانين سنة. طبقات ابن سعد 4/ 2/ 38 - 41، تهذيب التهذيب 4/ 150 - 152.
(3)
أبو عمرو عمار بن أبي عمار، مولي بنى هاشم، تابعي ثِقَة، توفى في ولاية خالد بن عبد الله القسري على العراق (105 - 120 هـ). تهذيب التهذيب 7/ 404.
(4)
في م: «تسليمة» .
(5)
في: باب من يسلم تسليمة واحدة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 297. كما أخرج التِّرْمِذِيّ حديث عائشة، رضي الله عنها، في: باب منه (ما جاء في التسليم في الصلاة)، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 89.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأُولَى قد خَرَج بها مِن الصلاةِ، فلم يُشْرَعْ ما بعدَها، كالثّالِثَةِ. ولَنا، ما روَى ابنُ مسعودٍ، قال: رَأيْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُسَلِّمُ حتَّى يُرَى بَياضُ خدِّه، عن يمِيِنِه ويسارِه. وعن جابِرِ بنِ سَمُرَة، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«إنَّمَا يَكْفِي أحَدَكمْ أنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أخِيهِ مِنْ عَلَى يَمِينِهِ وشِمَالِهِ» . رَواهما مسلمٌ (1). وفي لفظٍ لحديثِ ابنِ مسعودٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُسَلِّمُ عن يَميِنِه: «السَّلَامُ عَلَيْكمْ وَرَحْمَةُ اللهِ» . وعن يَسارِه: «السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ» . قال التِّرمِذِيُّ (2): حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وحديثُ عائشةَ يَرْوِيه زُهَيْرُ ابنُ محمدٍ (3): [قال البُخارِيُّ](4): يَرْوِي مَناكِيرَ (5). وقال أبو حاتِمٍ الرّازِيُّ: هذا حديثٌ مُنْكَرٌ. ويُمْكِنُ حَمْلُ حديثِ عائشةَ، على
(1) الأول لم نجده عند مسلم، وأخرجه أبو داود، في: باب السلام، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 228. والنَّسائيّ، في: باب التكبير عند الرفع من السجود، من كتاب التطبيق، وفي: باب كيف السلام على اليمين، وباب كيف السلام على الشمال، من كتاب السهو. المجتبى 2/ 182، 3/ 52، 53. وابن ماجه، في: باب التسليم، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 296. والإمام أَحْمد، في: المسند 1/ 386، 390، 394، 406، 408، 414، 427، 438، 444، 448، 465. والثاني أخرجه مسلم، في: باب الأمر بالسكون في الصلاة. . . . إلخ، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 322. كما أخرجه أبو داود، في الموضوع السابق 1/ 229. والنَّسائيّ، في: باب موضع اليدين عند السلام، من كتاب السهو. المجتبى 3/ 52.
(2)
في: باب ما جاء في التسليم في الصلاة، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 88.
(3)
أبو المنذر زهير بن مُحَمَّد التَّمِيمِيّ العنبري الخُرَاسَانِيّ.
(4)
سقط من: م.
(5)
لفظ البُخَارِيّ: روى عنه أهل الشَّام أحاديث مناكير. التاريخ الكبير 2/ 1/ 427.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنَّه كان يُسْمِعُهم تَسْلِيمَةً واحِدَةً، جَمْعًا بينَ الأحادِيثِ. على أنَّ أحادِيثَنا تَتَضَمَّن الزِّيادَةَ، والزِّيادَةُ مِن الثِّقَةِ مَقْبُولَة. ويَجُوزُ أن يكونَ صلى الله عليه وسلم فَعَل الأمْرَيْن؛ ليُبَيِّنَ الجائِزَ والمَسْنُونَ، ولأنَّ الصلاةَ عِبادَة ذاتُ إحْرامٍ، فشُرِعَ لها تَحَلُّلان، كالحَجِّ.
فصل: والتَّسْلِيمَةُ الأُولَى هي الواجِبَةُ، وهي رُكْنٌ مِن أرْكانِ الصلاةِ، والثّانِيَةُ سُنَّةٌ في الصَّحيحِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ من نَحْفَظُ عنه مِن أهلِ العلمِ، أنَّ صلاةَ مَن اقْتَصَرَ على تَسْلِيمَةٍ واحِدَةٍ جائِزَةٌ. وفيه رِوايَةٌ أُخْرى، أنَّها واجِبَةٌ. ذَكَرَها القاضي، وأبو الخَطّابِ، قال القاضي: وهي أَصَحُّ، لحديثِ جابِرِ بنِ سَمُرةَ، ولأنَّها عِبادَةٌ لها تَحَلُّلان، فكانا واجِبَيْن، كتَحَلُّلَيِ الحَجِّ، ولأنَّها إحْدَى التَّسْلِيمتَيْن، أشْبَهَتِ الأُولَى. وعَدَّها أبو الخَطّابِ مِن أرْكانِ الصلاةِ؛ لِما ذَكَرْنا. والصَّحِيحُ الأوَّلُ. اخْتارَه شيخُنا (1)؛ فإنَّه لا يَصِحُّ عن أحمدَ تَصْرِيحٌ بوُجُوبِ التَّسْلِيمَتَيْن، إنَّما قال: التَّسْلِيمَتان أَصَحُّ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فيَجُوزُ أن يَذْهَبَ (2)
(1) في: المغني 2/ 243.
(2)
في م: «يكون ذهب» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إليه في المَشْرُوعِيَّةِ لا الإيجابِ كغيرِه، وقد دَلَّ عليه قولُه، في رِوايَةِ مُهَنّا. أعْجَبُ إليَّ التَّسْلِيمَتان. لأنَّ عائشةَ، وسَلَمَةَ بنَ الأكْوَعِ، وسَهْلَ بنَ سعدٍ (1)، قد رَوَوْا، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً واحِدَةً. وكان المُهاجِرُون يُسَلِّمُون تَسْلِيمَةً واحِدَةً. ففيما ذَكَرْناه جَمْعٌ بينَ الأخْبارِ وأقْوالِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، في كَوْنِ المَشْروعِ تَسْلِيمَتَيْن، والوْاجِبِ واحِدَةً، وقد دَلِّ على صِحَّةِ ذلك الإجْماعُ الذى حَكاه ابنُ المُنْذِرِ، وحديث جابِرِ بنِ سَمُرَةَ، يَعْنِي في إصابَةِ السُّنَّةِ، بدَلِيلِ أنَّ فيه:«يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ» . وليس هو واجِبًا بالاتِّفاقِ، ولأنَّها صلاةٌ، فتُجْزِئُ فيها تَسْلِيمَةٌ واحِدَةٌ، كصلاةِ الجِنازَةِ، والنَّافِلَةِ، فإنَّ الخِلافَ إنَّما هو في المَفْرُوضَةِ، أمَا صلاةُ النّافِلَةِ، والجِنازَةِ، وسُجُودُ التِّلاوَةِ، فلا خِلافَ أَنَّه يَخْرُجُ منها بتَسْلِيمَةٍ واحِدَةٍ. قاله القاضي، ونَصَّ عليه أحمدُ في صلاةِ (2) الجِنازَةِ، وسُجُودِ التِّلاوَةِ.
(1) تقدم تخريج حديثي عائشة ومسلمة في صفحة 562.
وحديث سهل بن سعد أخرجه ابن ماجه، في: باب من يسلم تسليمة واحدة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 297. والإمام أَحْمد، في: المسند 5/ 338.
(2)
سقط من: الأصل.