الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُمَا فَرْضٌ عَلَى الْكفَايةِ، إنِ اتَفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِمَا قَائلَهُمُ الْإمَامُ.
ــ
259 - مسألة؛ قال: (وهما فَرْضٌ على الكِفايَة، إن اتفَق أهلُ بَلَدٍ كل تركِهما قائَلَهُم الإمامُ)
كذلك ذَكَرَه أبو بكر عبدُ العزيزِ (1)، وهو قولُ أكْثَرِ الأصحابِ، وبعض أصحابِ مالكٍ. وبه قال عَطاءٌ، ومُجاهدٌ. قال ابنُ المُنْذِرِ: الأذانُ والإقامةُ واجِبان كل كلِّ جماعةٍ، في الحَضَرِ والسَّفرِ، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ به مالكَ بنَ الحُوَيرِثِ (2) وصاحِبَه، والأمْرُ يَقْتَضي الوُجُوبَ، وداوَم عليه هو وخُلَفاؤه وأصحابُه. ولأنَّه مِن
(1) في م: «أبو بكر بن عبد العزيز» ، وهو خطأ. وهو غلام الخلال، تقدمت ترجمته في 1/ 16.
(2)
مالك بن الحُوَيرث: بن أشيم، الليثي، أبو سليمان. من أهل البصرة، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في شيبة من قومه فعلمهم الصلاة وأمرهم بتعليم قومهم. توفي سنة أربع وتسعين. أسد الغابة 5/ 20، 21.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
شعائِرِ الإسلامِ الظّاهِرَةِ، فكان فَرْضًا، كالجهادِ. فعلى هذا إذا قام به مَن تَحْصُلُ به الكِفايَةُ سَقَط عن الباقِين، كسائِرِ فُرُوض الكِفاياتِ، وإن اتَّفَقُوا على تَرْكِه أثِمُوا كلُّهم. ولأن بِلالًا كان يُؤذِّنُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فيَكتَفِي به. وإنِ اتَّفَق أهلُ البَلَدِ على تركِه، قاتَلَهُم الإمامُ عليه؛ لأنَّه مِن شعائِرِ الإسلامِ الظّاهِرَةِ، فقُوتِلُوا عليه، كصَلاةِ العِيدَين. وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ أن الأذانَ سُنَّةٌ غيرُ واجِب؛ لأنه قال: فإن صَلَّى بلا أذانٍ ولا إقامةٍ، كَرِهْنا له ذلك. فجَعَلَه مَكْرُوهًا، وهو قَوْلُ أبي حنيفةَ، والشافعيِّ لأنَّه دُعاءٌ إلى الصلاةِ، فأشْبَهَ قَوْلَه: الصَّلاةَ جامِعَةً. وقال ابنُ أبي موسى: الأذانُ سُنةٌ في إحْدَى الروايَتَين، إلَّا أذانَ الجُمُعَةِ حين يَصْعَدُ الإمامُ، فإنَّه واجِبٌ. وعلى كِلا القَوْلَين إذا صَلى بغيرِ أذانٍ ولا إقامَةٍ، كُرِه له ذلك، لِما ذَكَرْنا، وصَحَّتْ صَلاتُه؛ لِما رُوِيَ عن عَلْقَعَةَ (1) والأسْوَدِ (2)، أنَّهما قالا: دَخَلْنا على عبدِ اللهِ فصَلَّى بنا، بلا أذانٍ ولا إقامَةٍ. رَواه الأثْرَمُ. قال شيخُنا (3): ولا أعْلَمُ أحدًا خالفَ في ذلك إلَّا عَطَاءً، قال:
(1) علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي، أبو شبل ولد في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وروى عن عمر وعثمان وغيرهم. مات سنة إحدى وسنين. تهذيب التهذيب 276 - 278.
(2)
أبو عمرو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، سمع من معاذ بن جبل في اليمن قبل أن يهاجر، توفي سنة أربع، وقيل خمس وسبعين. تهذيب التهذيب 1/ 342، 343.
(3)
في: المغني 2/ 73.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَن نَسِي الإقامَةَ يُعِيدُ. ونَحْوُه عن الأوْزاعِيِّ. والصَّحِيحُ، إن شاء الله، قَوْلُ الجُمْهُورِ؛ لِما ذَكَرْنا، ولأنَّ الإقامَةَ أحَدُ الأذانَين، فلم يُفْسِدْ تَرْكُها، كالآخَرِ.
فصل: ومَن أوْجَبَ الأذانَ مِن أصحابِنا إنَّما أوْجَبَه على أهلِ المِصْرِ، فأمّا غيرُ أهلِ المِصْرِ مِن المُسافِرِين فلا يَجِبُ عليهم. كذلك ذَكَره القاضي. وقال مالكٌ: إنَّما يَجِبُ النِّداءُ في مَساجِدِ الجَماعَةِ التي يُجْمَعُ (1) فيها للصلاةِ؛ وذلك لأنَّ الأذانَ إنَّما شُرِعَ (2) في الأصْلِ للإعْلامِ بالوَقْتِ، ليَجْتَمِعَ (3) النَّاسُ إلى الصلاةِ، ويُدْرِكُوا الجَماعَةَ. ويَحْتَمِلُ أن يَجِبَ في السَّفَرِ للجَماعَةِ، وهو قَوْلُ ابنِ المُنْذِرِ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ به بلالًا في السَّفَرِ، وقال لمالكِ بنِ الحُوَيرِثِ، ولابنِ عَمٍّ له:«إذَا سَافَرْتُمَا فَأذِّنَا وَأقِيمَا ولْيَؤُمَّكُمَا أكْبَرُكُمَا» . مُتَّفَقٌ عليه (4). وهذا ظاهِرٌ في
(1) في م: «يجتمع» .
(2)
في الأصل: «يشرع» .
(3)
في الأصل: «ليجمع» .
(4)
أخرجه البخاري، في: باب من قال ليؤذن في السفر مؤذن واحد، وباب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة، وباب إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم، وباب المكث بين السجدتين، من كتاب الأذان، وفي: باب سفر الاثنين، من كتاب الجهاد، وفي: باب رحمة الناس والبهائم، من كتاب الأدب، وفي: باب ما جاء في إجازة خبر الواحد. . . .، من كتاب الآحاد. صحيح البخاري 1/ 162، 175، 207، 208، 4/ 33، 8/ 11، 1/ 107. ومسلم، في: باب من أحق بالإمامة، من كتاب المساجد. صحيح مسلم 1/ 465، 466.كما أخرجه النسائي، في: باب اجتزاء المرء بأذان غيره في الحضر، من كتاب الأذان. المجتبى 2/ 8، 9. وابن ماجه، في: باب من أحق بالإمامة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 313. والدارمي، في: باب من أحق بالإمامة، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 286. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 436، 5/ 53.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وُجُوبِه. ويَكْفِي مُؤَّذِّنٌ في المِصْرِ، إذا كان يُسْمِعُهم ويَجْتَزئُ بَقِيَّتُهم بالإقامَةِ. قال أحمدُ، في الذي يُصَلِّي في بَيتِه: يُجْزِئُه أذانُ المِصْرِ. وهو قولُ أصحابِ الرَّأْي، وقال مالكٌ، والأوْزاعِيُّ: تَكْفِيهِ الإقامَةُ. وقال الحسنٌ، وابنُ سِيرِينَ: إن شاء أقام. لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال للذي عَلَّمَه الصلاةَ: «إذَا أردْتَ الصَّلَاةَ فَأحْسِنِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَكَبِّرْ» (1). وفي لفطٍ رَواه النَّسائِيُّ: «فَأقِمْ ثُمَّ كَبِّرْ (1). وقد ذَكَرْنا حديثَ ابنِ مسعودٍ (2).
(1) أخرجه البخاري، في: باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتم ركوعه بالإعادة، من كتاب الأذان، وفي: باب من رد فقال: عليك السلام، من كتاب الاستئذان، وفي: باب إذا حنث ناسيا في الأيمان، من كتاب الأيمان. صحيح البخاري 1/ 201، 8/ 69، 169. ومسلم، في: باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة. . . . إلخ، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 298. والنسائي، في: باب الرخصة في ترك الذكر في الركوع، من كتاب التطبيق، وفي: باب أقل ما يجزئ من عمل الصلاة، من كتاب السهو. المجتبى 2/ 151، 3/ 50. وابن ماجه، في: باب إتمام الصلاة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 336، 337. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 116، 4/ 340.
(2)
المتقدم قبل قليل من رواية علقمة والأسود.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والأفْضَلُ لكلِّ مُصَلٍّ أن يُؤذِّنَ ويُقِيمَ، إلَّا أنه إن (1) كان يُصَلِّي قَضاءً أو في غيرِ وَقْتِ الأذانِ، لم يَجْهَرْ به، وإن كان في الوقت في بادِيةٍ أو نَحْوها، اسْتُحبَّ له الجَهْرُ بالأذانِ؛ لقَوْلِ أبي سعيدِ:«إذا كُنْتَ في غَنَمِكَ أوْ بَادِيتكَ فَأذنْتَ بالصَّلَاةِ، فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالندَاءِ، فَإنَّه لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمؤذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . قال أبو سعيدٍ: سَمعْتُه عِن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. رَواه البخاريُّ (2). وعن أنسٍ، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يُغِيرُ إذا طَلَع الفَجْرُ، وكان إذا سَمِع أذانًا أمْسَك، وإلَّا أغار، فسَمِعَ رجلًا يقولُ: الله أكبرُ
(1) سقطت من: الأصل.
(2)
في: باب رفع الصوت بالنداء، من كتاب الأذان، وفي: باب ذكر الجن وثوابهم وعقابه، من كتاب بدء الخلق. صحيح البخاري 1/ 158، 4/ 154. كما أخرجه النسائي، في: باب رفع الصوت بالأذان، من كتاب الأذان. المجتبي 2/ 11. وابن ماجه، في: باب فضل الأذان وثواب المؤذنين، من كتاب الأذان. سنن ابن ماجه 1/ 239، 240. والإمام مالك، في: باب ما جاء في النداء للصلاة، من كتاب النداء. الموطأ 1/ 69. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 6، 35، 43.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الله أكبرُ. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «عَلَى الْفِطْرَةِ» . فقال: أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللهُ، [أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا الله] (1). فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«خَرجْتَ مِنَ النَّارِ» . فَنَظروا فإذا صاحبُ مِعْزًى (2). رَواه مسلمٌ (3).
فصل: ويُسْتَحَبُّ الأذانُ في السَّفَرِ، وللراعِي (4) وأشْباهِه في قوْلِ أكثَرِ أهلِ العلم، وكان ابنُ عُمَرَ يُقيمُ لكلِّ صلاةٍ إقامَة، إلَّا الصُّبحَ، فإنَّه يُؤذِّنُ لها ويُقيمُ، وكان يقولُ: إنَّما الأذانُ على الإمام والأميرِ الذي يَجْمَعُ النّاسَ. وعنه، أنَّه كان لا يُقِيمُ الصلاةَ في أرضٍ تُقامُ فيها الصلاةُ. وعن علي، رضي الله عنه: إن شاء أذَّنَ وأقام، وإن شاء أقام. وبه قال الثَّوْرِيُّ. وقال الحسنُ: تُجْزِئُه الإقامَةُ. وقال إبراهيمُ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في النسخ: «معزٍ» . والمثبت من صحيح مسلم.
(3)
في: باب الإمساك عن الإغارة على قوم في دار الكفر إذا سمع فيهم الأذان، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 288. كما أخرجه البخاري، في: باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام. . . . إلخ، من كتاب الجهاد. صحيح البخاري 4/ 58. والترمذي، في: باب ما جاء في وصية النبي صلى الله عليه وسلم في القتال، من أبواب السير. عارضة الأحوذي 7/ 120. والدارمي، في: باب الإغارة على العدو، من كتاب السير. سنن الدارمي 2/ 217. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 132، 159، 205، 206، 229، 236، 253.
(4)
في الأصل: «المراعي» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في المُسافِرِين: إذا كانوا رِفَاقًا أذَّنُوا وأقامُوا، وإن كان وَحْدَه أقام الصلاةَ. ولَنا، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُؤذنُ له في الحَضَرِ والسَّفَرِ، وأمَرَ به مالكَ بنَ الحُوَيرِثِ وصاحِبَه، وما نُقِل عن السَّلَفِ في هذا، فالظّاهِرُ أنَّهم أرادُوا وَحْدَه، كما قال إبراهيمُ النخعِيُّ في كَلامِه، والأذانُ مع ذلكَ أفضل؛ لِما ذَكْرنا مِن حديثِ أبي سعيدٍ، وحديثِ أنسٍ، وروَى عُقبَةُ بنُ عامِرٍ، قال: سَمعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنْ رَاعِي غَنمٍ في رَأس الشَّظِيَّة (1) لِلْجَبَلِ، يُؤذِّنُ بِالصَّلَاةِ، وَيُصَلِّي، فَيَقُول الله عز وجل: انْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَذَا، يُؤذِّنُ وَيُقيمُ الصَّلَاةَ، يَخَافُ منِّي، قدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، وَأدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ» . رَواه النَّسائِيُّ (2). والصَّلَواتُ في الأذانِ على أرْبَعةِ أضرُب؛ ما يُشرَعُ لها الأذانُ والإقامَةُ، وهي الفَرْضُ المُؤدَّاةُ مِن الصَّلَواتِ الخمْسِ، وصَلاة يُقيمُ لها ولا يؤذِّنُ، وهي الثّانِيَة مِن صَلاتَّي الجَمْعِ، وما بعدَ الأولَى في الفَوائِتِ، وصلاة لا يُؤذِّنُ لها ولا يُقِيمُ، لكن يُنادِي لها: الصلاةَ جامِعَة. وهي العِيدان والكُسُوفُ والاسْتِسْقاءُ، وصلاة: لا يُوْذِّنُ لها أصْلًا وهي صلاةُ الجِنازَةِ.
(1) الشظية: قطعة من رأس الجبل، وقيل: هي الصخرة العظيمة الخارجة من الجبل كأنها أنف الجبل. عون المعبود 1/ 467.
(2)
في: باب الأذان لمن يصلي وحده. من كتاب الأذان. المجتبى 2/ 17. كما أخرجه أبو داود، في: باب الأذان في السفر، من كتاب السفر. سنن أبي داود 1/ 275. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 145، 157، 158.