الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ نَوَى الْإمَامَةَ لِاسْتِخْلَافِ الإِمَامِ لَهُ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ، صَحَّ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.
ــ
373 - مسألة: (وَإنْ نَوَى الْإمَامَةَ لِاسْتِخْلَافِ الإِمَامِ لَهُ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ، صَحَّ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ)
وجُمْلَةُ ذلك، أنَّه إذا سَبَق الإمامَ الحَدَثْ، فله أن يَسْتَخْلِفَ مَن يُتِمُّ بهم الصلاةَ. رُوِيّ ذلك عن عُمَرَ، وعليٍّ. وهو قولُ الثَّوْريِّ، والأوْزاعِيِّ، والشافعيِّ، وأصْحاب الرَّأيِ. وحُكِيَ عن أحمدَ رِوايةَ أُخرى، أنَّ صلاةَ المَأمُومِين تَبْطلُ. وقال أَبو بكرٍ: تَبْطل صَلاتُهم، رِوايةً واحِدَةً؛ لأنَّه فُقِد شَرْطُ صِحَّةِ الصلاةِ في حَقِّ الإمامِ، فبَطَلَتْ صلاةُ المأمُومِ، كما لو تَعَمَّدَ الحَدَثَ. ولَنا، أنَّ عُمَرَ، رضي الله عنه، لَمّا طُعِن أخَذَ بيَدِ عبدِ الرحْمنِ بنِ عَوْفٍ، فقَدَّمَه، فأتَمَّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بهم الصلاة (1)، ولم يُنْكِرْه مُنْكِرٌ، فكان إجْماعًا. فإن لم يَسْتَخْلِفِ الإمامُ، فقَدَّمَ المَأمُومُون رَجُلًا فأتَمَّ بِهم، جاز، وإن صَلَّوْا وُحْدانًا، جاز. قال الزُّهْرِيُّ في إمام يَنُوبُه الدَّمُ، أو يَرْعُفُ: يَنْصَرِفُ وليَقُلْ أتِمُّوا صَلاتَكم. وإن قَدَّمَتْ كلُّ طائِفَةٍ مِن المَأْمُومِين إمامًا، فصَلَّى بهم، فقِياسُ المَذْهَب جَوازُه. وقال أصحابُ الرَّأيِ: تَفْسُدُ صَلاتُهم. ولَنا، أنَّ لهم أن يُصَلُّوا وُحْدانًا، فجاز لهم أن يُقَدِّمُوا رجلًا، كحالَةِ ابتِداءِ الصلاةِ. وإن قَدَّمَ بَعْضُهم رجلًا وصَلَّى الباقُون وُحدانًا، جاز.
فصل: فأمَّا إن فَعَل ما يُبْطُل صَلَاتُه عَمْدًا، فَسَدَتْ صلاةُ الجَمِيعِ، وإن كان عن غيرِ عَمْدٍ، لم تَفْسُدْ صلاةُ المَأمُومِين. نَصَّ عليه أحمدُ في الضَّحِكِ. ورُوِيَ عن أحمدَ، في مَن سَبَقَه الحَدَثُ، الرِّوايَتان، وقد ذَكَرْناه.
(1) أخرجه البُخَارِيّ، في: باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان بن عفان رضي الله عنه، من كتاب فضائل أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. صحيح البُخَارِيّ 5/ 19 - 22.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فأمّا الإمامُ الَّذي سَبَقَه الحَدَثُ، فتَبْطُلُ صَلاتُه ويَلْزَمُه اسْتِئْنافُها. قال أَحْمد: يُعْجِبُنى أن يَتَوَضَّأ ويَسْتَأنِفَ. وهذا قولُ الحسنِ، وعَطاءٍ، والنَّخَعِيِّ، لِما روَى عليّ بنُ طَلْقٍ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا فَسَا أحَدُكُمْ في صَلَاتِه، فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَتَوَضَّأْ، وَلْيُعِدْ صَلَاتَهُ» . رَواه أبو داودَ (1). ولأنَّه فَقَد شَرْطَ الصلاةِ في أثْنائِها على وَجْهٍ لا يَعُودُ إلَّا بعدَ زمَنٍ طَوِيلٍ وعَمَلٍ كَثيرٍ، ففَسَدَتْ صَلاتُه كما لو تَنَجَّسَ بنَجاسَةٍ يَحْتاجُ في إزالَتِها إلى مِثْلِ ذلك. وفيه رِوايَة ثانية، أنَّه يَتَوَضَّأْ
(1) في: باب في من يحدث في الصلاة، من كتاب الطهارة، وفي: باب إذا أحدث في صلاته يستقبل، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 47، 230. كما أخرجه التِّرْمِذِيّ، في: باب كراهية إتيان النساء في أدبارهن، من أبواب الرضاع. عارضة الأحوذى 5/ 111، 112.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويَبْنِي. رُوِي ذلك عن ابنِ عُمَرَ، وابنِ عباسٍ؛ لِما رُوِيَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم
قال: «مَنْ قَاءَ أوْ رَعَفَ في صَلَاتِه، فَلْيَنْصَرِف، فَلْيَتَوَضَّأْ وَليَبْنِ عَلَى مَا قضَى مِنْ صَلَاِتهِ» (1). وعنه رِوايَةٌ ثالثةٌ، إن كان الحَدَث مِن السَّبِيلَيْن ابْتَدَأ، وإن كان مِن غيرِهما بَنَى؛ لأنَّ حُكْمَ نَجاسَةِ السَّبِيلِ أغْلَظُ، والأثَرُ إنَّما وَرَد في غيرها. والأُولَى أوْلَى، وحَدِيثُهم ضَعِيفٌ.
فصل: قال أصحابُنا: يجُوزُ اسْتِخْلافُ مَن سُبِق ببَعْضِ الصلاةِ، ولمَن جاء بعدَ حَدَثِ الإمامِ، فيَبْنِي على ما مَضَى مِن صلاةِ الإمامِ؛ مِن قراءَةٍ، أو رَكْعَةٍ، أو سَجْدَةٍ. وإذا اسْتُخْلِفَ مَن جاء بعدَ حَدَثِ الإمامِ، فيَنْبغِي أن تَجِبَ عليه قراءَةُ الفاتِحَةِ، ولا يَبْنِي على قِراءَةِ الإمامِ؛ لأنَّ الإمامَ لم يَتَحَمَّلْ عنه القِراءَةَ هاهُنا، ويَقْضِي بعدَ فَراغِ صلاةِ المَأمُومِين. حُكِيَ هذا القَوْلُ عن عُمَرَ، وعليٍّ، وأكثرِ مَن قال بالاسْتِخْلافِ. وفيه رِوايةٌ أُخْرْى، أنَّه مخيَّرٌ بينَ أن يَبْنِي أو يَبْتَدِئَ. قال مالكٌ: يُصَلِّي لنَفْسِه صلاةً تامَّةٌ، فإذا فَرَغُوا مِن صَلاتِهم قَعَدُوا وانْتَظَرُوه حتَّى يُتِمِّ ويُسَلِّمَ بهم؛ لأنَّ
(1) أخرجه ابن ماجه، في: باب ما جاء في البناء، على الصلاة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 385، 386.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اتِّباعَ المَأمُومِين للإمام أوْلى مِن اتِّباعِه لهم. وكذلك على الرِّوايَةِ الأُولَى يَنْظِرونَه حتَّى يَقْضِيَ مَا فاتَه ويُسَلِّمَ بهم؛ لأنِّ الإمامَ يَنْتظِرُ المَأمُومِين في صلاةِ الخوْفِ، فانْتِظارُهم له أوْلَي. وإن سَلَّمُوا ولم ينْتَظِرُوه، جاز. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يَسْتَخْلِفُ مَن يُسَلِّمُ بهم، والأوْلَى انتِظارُه. وإنَّهم إن سَلَّمُوا لم يَحْتاجُوا إلى خَلِيفَةٍ؛ لأنَّه لم يَبْقَ مِن الصلاةِ إلَّا السَّلامُ، فلا حاجَةَ إلى الاستِخْلافِ فيه. قال شَيْخُنا (1): ويَقْوَى عِنْدِي أنَّه لا يَصِحُّ الاسْتِخْلافُ في هذه الصُّورَةِ؛ لأنَّه إذ بَنَى جَلَس في غيرِ مَوْضِع جُلُوسِه، وصار تابِعًا للمَأمُومِين، وإنِ ابْتَدَأ جَلَس المَأمُومُون في غيرِ مَوْضعٍ جُلُوسِهم، ولم يَرِدِ الشَّرعُ بهذا، وإنَّما ثَبَت الاسْتِخْلافُ في مَوضِع الإِجْمَاعِ، حيث لم يَحْتَجْ إلى شيءٍ مِن هذا، فلا يُلْحَقُ به ما ليس في مَعْناه.
(1) في: المغني 2/ 509، 510.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن سَبَق المأْمُومَ الحَدَثُ، في، فَسادِ صَلاتِه الرِّواياتُ الثَّلاثُ. فإن كان مع الإمامِ مَن تَنْعَقِدُ به صَلاتُه غيرُه، وإلَّا فحُكْمُه كحُكْم الإِمامِ معه، فيما فَصَّلْناه في قِياسِ المَذْهَبِ. وإن فَعَلَه عَمْدًا، بَطَلَتْ صَلاتُه وصلاةُ الإمام؛ لأنَّ ارْتباطَ صلاةِ الإمام بالمَأمُوم كارْتباطِ صلاةِ المَأمُومِ بالإمامِ، فما فَسَد ثَمَّ، فَسَد هاهُنا، وما صَحَّ ثَمَّ، صَحَّ هاهُنا.