الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَهُ رَدُّ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ،
ــ
في الصلاةِ وهو مُعْتَمِدٌ على يَدِه. رَواه الإِمامُ أحمدُ، وأبو داودَ (1). ويُكْرَهُ أن يُغْمِضَ عَيْنَيْه في الصلاةِ. نَصَّ عليه، وقال: هو مِن فِعْل اليَهُودِ. وهو قولُ سُفْيانَ، ورُوِيَ عن مُجاهِدٍ، والأوْزاعِيِّ. ورُوِيَتِ الرُّخْصَة فيه مِن غير كَراهَةٍ عن الحسنِ، ورُوِيَ عن ابنِ عباسٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلَا يُغْمِضْ عَيْنَيْهِ» . رواه الطَّبَرانِيُّ (2)، ويُكْرَهُ الرَّمْزُ بالعَيْنِ، والإِشارةُ لغيرِ حاجَةٍ؛ لأنَّه يَذهَبُ بخُشُوعِ الصلاةِ. ويُكْرَهُ إخْراجُ لِسانِه وفَتْحُ فَمِهِ، لأنَّه خُرُوجٌ عن هَيْئَةِ الخُشُوعِ.
440 - مسألة: (وله رَدُّ المارِّ بينَ يَدَيْه)
ليس لأحَدٍ أن يَمُرَّ بينَ يَدَيِ المُصَلِّي، إذا لم يَكُنْ بينَ يَدَيْه سُتْرَةٌ، وإن كان له سُتْرَةٌ، فليس له المُرُورُ بينَه وبينَها، لِما روَى أبو جَهْمٍ الأنْصارِيُّ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ يَعْلَمُ المَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ،
(1) أخرجه أبو داود، في: باب كراهية الاعتماد على اليد في الصلاة، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 227. والإمام أَحْمد، في: المسند 2/ 147.
(2)
في: المعجم الكبير 11/ 34. والمعجم الصغير 1/ 17. وأورده الهيثمى في مجمع الزوائد 2/ 83.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لَكَانَ أنْ يَقِفَ أرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أنْ يَمُرَّ بَيْن يَدَيْهِ» (1). ولمسلمٍ (2): «لَأَنْ يَقِفَ أحَدُكمْ مِائَة عَامٍ، خَيْرٌ لَه مِنْ أنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ وَهُوَ يُصَلِّي» . ورُوِيَ عن يَزِيدَ (3)، قال: رَأَيْت رجلًا بتبُوكَ مُقْعدًا، فقال: مَررْتُ بينَ يَدَيْ رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأنا على حِمارٍ، وهو يُصَلِّي فقال:«اللَّهُمَّ اقْطَعْ أَثَرَهُ» . فما مَشَيْتُ عليها بعدُ. رواه أبو داودَ (4). وفي
(1) أخرجه البُخَارِيّ، في: باب إثم المار بين يدى المصلي، من كتاب الصلاة. صحيح البُخَارِيّ 1/ 136. ومسلم، في: باب منع المار في يدى المصلى، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 363. كما أخرجه أبو داود، في: باب ما ينهى عنه من المرور بين يدى المصلى، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 161. والتِّرمذيّ، في: باب ما جاء في كراهية المرور بين يدى المصلي، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذي 2/ 131. والنَّسائيّ، في: باب التشديد في المرور بين يدى المصلى وسترته، من كتاب القبلة. المجتبى 2/ 52. وابن ماجه، في: باب المرور بين يدى المصلي، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 304. والدارمي، في: باب كراهية المرور بين يدى المصلي، من كتاب الصلاة. سنن الدَّارميّ 1/ 330. والإمام مالك، في: باب التشديد في أن يمر أحد بين يدى المصلي، من كتاب السفر. الموطأ 1/ 154. والإمام أَحْمد، في: المسند 4/ 169.
(2)
ليس هذا عند مسلم؛ من حديث أبي جهم، وإنما أخرجه ابن ماجه، في: باب المرور بين يدى المصلى، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 304. والإمام أَحْمد، في: المسند 2/ 371، من حديث أبي هريرة.
(3)
هو يزيد بن نمران بن يزيد المذحجى، من الثِّقات. تهذيب التهذيب 11/ 365.
(4)
في: باب تفريع أبواب ما يقطع الصلاة. . . . إلخ، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 162. كما رواه الإمام أَحْمد، في: المسند 4/ 64، 5/ 377.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لفظٍ قال: «قَطَعَ صَلَاتَنَا، قَطَعَ الله أَثَرَهُ» . وإن أَرادَ [أحدٌ المرُورَ بين يدَيْه، فلَهُ مَنْعُه. يُرْوَى ذلك عن (1) ابنِ مسعودٍ، وابنِ عُمَرَ، وابنِه سالِمٍ. وهو قولُ الشافعيِّ، وأصحابِ الرَّأْيِ. ولا نَعْلَمُ عن غيرِهم خِلافهم؛ لِما روى أبو سعيدٍ، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «إذَا كَانَ أحَدُكُمْ يُصَلِّي إلى سُتْرةٍ مِنَ النَّاسِ، فأرَادَ](2) أحَدٌ أنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يدَيْهِ، فَلْيَدْفَعْهُ، فإنْ أبَى فَلْيُقَاتلْهُ، فإنَّما هُوَ شَيْطَانٌ». [مُتَّفَقٌ علَيه (3). ولأبي داودَ (4): إذا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، ولْيَدْرَأْ مَا اسْتَطَاعَ، فَإنْ أبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإنَّما هُوَ شَيْطَانٌ] (5). ومَعْناه، واللهُ أعْلَمُ، [أي ليَدْفَعْه](6)، فإن ألَحَّ فلْيُقاتِلْه، أي يَعْنُفُ في دَفْعِه. وقولُه:«فَإنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» . أي فِعْلُه فِعْلُ شَيْطانٍ، أو الشَّيْطانُ يَحْمِلُه
(1) زيادة من: تش.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
أخرجه البُخَارِيّ، في: باب يرد المصلي من مر بين يديه، من كتاب الصلاة. صحيح البُخَارِيّ 1/ 135، 136. ومسلم، في: باب منع المار بين يدى المصلى، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 362، 363. وأبو داود، في: باب ما يؤمر المصلى أن يدرأ عن الممر بين يديه، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 161. والنَّسائيّ، في: باب من اقتص وأخذ حقه دون السلطان 8/ 55، من كتاب القسامة. المجتبي 8/ 55، وابن ماجه، في: باب ادرأ ما استطعت، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 307. والدارمي، في: باب في دنو المصلى إلى السترة، من كتاب الصلاة. سنن الدَّارميّ 1/ 328. والإمام مالك، في: باب التشديد في أن يمر أحد بين يدى المصلى، من كتاب السفر. الموطأ 1/ 154. والإمام أَحْمد، في: المسند 3/ 34، 43، 44، 49، 57، 63.
(4)
في الباب السابق ذكره.
(5)
سقط من: م.
(6)
في م: «فيدفعه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على ذلك. وقِيلَ: مَعْناه، أنَّ معه شَيْطانًا. وأكْثَرُ الرواياتِ عن أبي عبدِ اللهِ، أنَّ المارَّ بينَ يَدَيِ المُصَلِّي إذا ألَحَّ في المُرُورِ، وأبَى الرُّجُوعَ، فللْمصَلِّي أن يَجْتَهِدَ في رَدِّه، ما لم يُخرِجْه ذلك إلى إفْسادِ صلاتِه بكَثْرَةِ العَمَلِ فيها. ورُوِيَ عنه، أنَّه قال: يَدْرَأُ (1) ما اسْتَطاعَ، وأكْرَهُ القِتالَ فيها. وذلك لما يُفْضِي إليه مِن الفِتْنَةِ وفَسادِ الصلاةِ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّما أمَر برَدِّه حِفْظًا للصَّلاةِ عمَّا يَنْقصُها، فيُعْلَمُ أنَّه لم يُرِدْ ما يُفْسِدُها بالكُلِّيَّةِ، فيُحْمَلُ لَفْظُ المُقاتَلَةِ على ادَفع أبْلَغَ مِن الدَّفْعِ الأوَّلِ. واللهُ أعلمُ. ويُؤيِّدُ ذلك ما رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، قالت: كان رسولُ اللهِ يُصَلِّي في حُجْرَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، فمَرَّ بينَ يَدَيْه عبدُ اللهِ، أو عُمَرُ (2) بنُ أبي سَلَمَةَ، فقال بيَدِه، فرَجَعَ، فمَرَّتْ زينبُ بنتُ أمِّ سَلَمَةَ، فقال بيَدِه هكذا، فَمَضَتْ، فلمَّا صَلَّى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:«هُنَّ أغْلَبُ» . رَواه ابنُ ماجه (3). وهذا يَدُلُّ على أنَّه صلى الله عليه وسلم لم يجْتَهِدْ في الدَّفْعِ.
(1) في م: «يرد» .
(2)
في م. «عمرو» .
(3)
في: باب ما يقطع الصلاة، من كتاب الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 3505. كما أخرجه الإمام أَحْمد، في: المسند 6/ 294.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ويُسْتَحَبُّ أن يَرُدَّ ما مَرَّ بينَ يَدَيْه مِن كَبِيرٍ وصَغِيرٍ، وبَهِيمَةٍ؛ لِما رَوَيْنا مِن حديثِ أُمِّ سَلَمَةَ، ورَوَى عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، عن أَبِيه، عن جَدِّه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى إلى جَدْرٍ (1)، فاتَّخَذَه قِبْلَةً، ونحن خَلْفَه، فجاءَتْ بَهْمَةٌ (2) تَمُرُّ بينَ يَدَيْه، فما زال يُدارِئُها حتَّى لَصِق بَطْنُه بالجَدْرِ، فمَرَّتْ مِن وَرائِه (3).
(1) في م: «جدار» .
(2)
في م: «بهيمة» .
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب سترة الإمام سترة من خلفه، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 163. والإمام أَحْمد، في: المسند 2/ 196.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن مَرَّ بينَ يَدَيْه إنسانٌ فعَبَرَ، لم يُسْتَحَبَّ رَدُّه مِن حيثُ جاء. وهذا قولُ الشَّعْبِيِّ، والثَّوْرِيِّ، وإسْحاقَ؛ وابنِ المُنْذِرِ، ورُوِيَ عن ابن مسعودٍ، أنَّه يَرُدُّه مِن حيثُ جاء، وفَعَلَه سالِمُ بنُ عبدِ اللهِ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَر برَدِّه، فيَتَناوَلُ العابِرَ. ولَنا، أنَّ هذا مُرُورٌ ثانٍ، فيَنْبَغِي أن لا يتَسَبَّبَ إليه كالأوَّلِ، ولأنَّ المارَّ لو أَرادَ أن يَعُودَ مِن حيثُ جاء لكان مَأْمُورًا بمَنْعِه (1)، ولم يَحِلَّ للعابِرِ العَوْدُ، والحديِثُ إنَّما يَتَناوَل مَن أَرادَ المُرُورَ؛ لقوْلِه:«فَأرَادَ أحَدٌ أنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ» . وبعدَ العُبورِ فليس هو مُرِيدًا للاجْتِيازِ.
فصل: ولا يَقْطَعُ المُرورُ الصلاةَ، بل يَنْقُصُها. نَصَّ عليه. ورُوِيَ عن ابنِ مَسْعودٍ، أنَّ مَمَرَّ الرَّجُلِ لَيَضَعُ نِصْفَ الصلاةِ. قال القاضي: يَنْبَغِي أنْ يُحْمَلَ نَقْصُ الصلاةِ على مَن أمْكنَه الرَّدُّ فلم يَفْعَلْه، أمّا إذا لم يُمْكِنْه الرَّدُّ فصلاتُه تَامَّة؛ لأنَّه لم يُوجَدْ منه ما يَنْقُصُ الصلاةَ، فلا يُؤَثِّرُ فيها ذَنْبُ غيرِه. واللهُ أعلمُ.