الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَلْ يُقْتَلُ حَدًا أَوْ لِكُفْرِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.
ــ
257 - مسألة: (وهل يُقْتَلُ حَدًا أو لكفْرِه؟ على رِوايَتَين)
إحْداهما، يُقْتَلُ لكُفْرِه، كالمُرْتَدِّ، فلا يُغَسَّلُ، ولا يُكَفَّنُ، ولا يُصَلَّى عليه، ولا يُدْفَنُ بينَ المُسْلِمِين. اخْتارَها أبو إسحاقَ بنُ شاقْلا، وابنُ عَقِيلٍ، وابنُ حامِدٍ. وبه قال الحسنُ، والنِّخَعِيُّ، والشَّعْبِيُّ، والأوْزاعِيُّ، وابنُ المُبارَكِ، وإسحاقُ، ومحمدُ بنُ الحسنِ؛ لقَوْلِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم:«بَينَ الْعَبْدِ وَبَينَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصِّلاةِ» . رَواه مسلمٌ (1). وعن بُرَيدَةَ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الْعَهْدُ الَّذِي بَينَنَا وَبَينَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ
(1) تقدم تخريجه في صفحة 32.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كَفَرَ». رَواه الإمامُ أحمدُ، والنَّسائِيُّ، والترمِذِيُّ (1)، وقال: حديث حسن صحيحٌ. وقال صلى الله عليه وسلم: «أوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِن دِينكُمُ الأمَانَةُ، وَآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ الصَّلَاة» (2). قال أحمدُ: كلُّ شيء ذَهَب آخِرُه، لم يَبقَ منه شيءٌ. وقال عُمَرُ، رضي الله عنه، لا حَظَّ في الإسلامِ لمَن ترَكَ الصلاة. وقال علي، رضي الله عنه: مَن لم يُصَلِّ فهو كافِرٌ. قال عبدُ الله بنُ شَقِيقٍ (3): لم يَكُنْ أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَرَوْن شَيئًا مِن الأعْمالِ، تركُه كُفْر، غيرَ الصلاةِ (4). ولأنها عِبادَةٌ يَدْخُلُ بفِعْلِها في الإسلامِ، فيَخْرُجُ بتَرْكِها مِنه، كالشَّهادَةِ. والروايَةُ الثانيةُ، يُقْتَلُ حَدًّا، مع الحُكْمِ بإسلامِه، كالزّانِي المُحْصَن. وهذا اخْتِيارُ أبي عبدِ الله بن بَطَّةَ، وأنكَرَ قوْلَ من قال: إنَّه يَكْفرُ. وذَكَر أن المَذْهَبَ على هذا، لم يَجِدْ في المَذْهَبِ خِلافًا فيه. وهو قوْلُ أكْثَرِ الفُقَهاء؛ منهم أبو حنيفةَ، ومالكٌ، والشافعيُّ لقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قال: لَا إلَه إلَّا الله. يَبْتَغِي بذَلِكَ وَجْهَ الله» . وعن عُبادَةَ بنِ الصامِتِ، قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «مَنْ شَهِدَ أنْ لَا إلَهَ إلا الله، وَأنَّ مُحَمدًا
(1) أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في ترك الصلاة، من أبواب الإيمان. عارضه الأحوذي 10/ 90. والنسائي، في: باب الحكم في تارك الصلاة، من كتاب الصلاة. المجتبى 1/ 187. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 346.كما أخرجه ابن ماجه، في: باب ما جاء في ترك الصلاة، من كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها. سنن ابن ماجه 1/ 342.
(2)
عزاه الهيثمي إلى الطبراني، بنحوه عن ابن مسعود. مجمع الزوائد 7/ 329. وروى الطبراني أوله عن شداد بن النوس. المعجم الكبير 7/ 354.
(3)
عبد الله بن شقيق العقيلي البصري، سمع من عمر الكبار، وتوفي بعد المائة. العبر 1/ 122.
(4)
أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في ترك الصلاة، من أبواب الإيمان. عارضه الأحوذي 10/ 90.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأنَّ عِيسى عَبْدُ الله وكلِمتُهُ ألْقاها إلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأنَّ الجَنَّة حَقٌّ، وأن النَّارَ حَقٌّ، أدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ على مَا كَانَ مِنْ عَمَل». وعن أنسٍ، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:«يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَال: لَا إلهَ إلا الله، وَكَانَ في قَلْبِهِ مِنَ الخَيرِ ما يَزن برَّةً» . مُتَّفَقٌ عَلَيهِنَّ (1). وعن أبي هُرَيرَةَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَه، وَإنِّي اخْتَبَأتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ، إنْ شاءَ الله، مَنْ مَاتَ مِنْ أُمتِي لَا يُشْرِكُ
(1) الأول: أخرجه البخاري، في: باب المساجد في البيوت، من كتاب الصلاة، وفي: باب صلاة النوافل جماعة، من كتاب التهجد، وفي: باب الخزيرة، من الأطعمة، وفي: باب العمل الذي يبتغى به وجه الله، من كتاب الرقاق. صحيح البخاري 1/ 115، 2/ 74، 75، 7/ 94، 8/ 111، 112. ومسلم، في: باب الرخصة في التخلف عن الجماعة يعذر، من كتاب المساجد. صحيح مسلم 1/ 455. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 4/ 44.
والثاني: أخرجه البخاري، في: باب قوله تعالى: {لَا تَغْلُوا في دِينِكُمْ. . . .} ، من كتاب الأنبياء. صحيح البخاري 201/ 4. ومسلم، في: باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا، من كتاب الإيمان. صحيح مسلم 1/ 57.كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 5/ 313، 314.
والثالث: أخرجه البخاري، في: باب زيادة الإيمان ونقصانه، من كتاب الإيمان، وفي: باب قول الله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ، من كتاب التوحيد. صحيح البخاري 1/ 17، 9/ 149، 150. ومسلم، في: باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، من كتاب الإيمان. صحيح مسلم 1/ 182. كما أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء أن للنار نفسين. . . . الخ، من أبواب جنهم. عارضة الآحوذى 10/ 60، 61. وابن ماجه، في: باب ذكر الشفاعة، من كتاب الزهد. سنن ابن ماجه 2/ 1442، 1443. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 116، 173، 276.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بِاللهِ شَيئًا». رَواه مسلمٌ (1). وعن عُبادَةَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ الله عَلَى الْعَبْدِ في اليَوْمِ وَاللَّيلَةِ، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيهِنَّ كانَ لَهُ عِنْدَ الله عَهْدٌ أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ، لَمْ يَكُنْ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ؛ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإنْ شَاءَ أدْخَلَهُ الْجَنَّةَ» (2). ولو كان كافِرًا، لم يُدْخِلْه في المَشِيئَةِ. ورُوِيَ عن حُذَيفَةَ، أنَّه قال: يَأْتِي على النّاسِ زَمانٌ لا يَبْقَى معهم مِن الإسلامِ إلَّا قولُ: لا إلَهَ إلَّا الله. فقِيلَ له: وما يَنْفَعُهُم؟
(1) في: باب اختباء النبي صلى الله عليه وسلم دعوة الشفاعة لأمته، من كتاب الإيمان. صحيح مسلم 1/ 188. كما أخرجه الترمذي، في: باب فضل لا حول ولا قوة إلا بالله، من أبواب الدعاء. عارضة الأحوذي 13/ 91. وابن ماجه، في: باب ذكر الشفاعة، من كتاب الزهد. سنن ابن ماجه 2/ 1440. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 426.
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب في المحافظة على وقت الصلوات، من كتاب الصلاة، وفي: باب فيمن لم يوتر، من كتاب الوتر. سنن أبي داود 1/ 100، 328. والنسائي، في: باب المحافظة على الصلوات الخمس، من كتاب الصلاة. المجتبى من السنن 1/ 186. وابن ماجه، في: باب ما جاء في فرض الصلوات الخمس والمحافظة عليها، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 448، 449. والدارمي، في: باب في الوتر، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 370. والإمام مالك، في: باب الأمر بالوتر، من كتاب صلاة الليل. الموطأ 1/ 123. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 316، 317، 322.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: تُنْجِيهِمْ مِن النّارِ، لا أبالَكَ (1). وقال صلى الله عليه وسلم:«صَلُّوا عَلَى مَنْ قَال: لَا إلَهَ إلا الله» (2). رَواه الخَلَالُ. ولأنَّ ذلك إجماعُ المُسْلِمِين، فإَّننا لا نَعْلَمُ في عَصْرٍ مِن الأعْصارِ أحَدًا مِن تارِكِي الصلاةِ تُرِك تَغْسِيلُه، والصلاةُ عليه، ولا مُنِع ميراثُ مَوْرُوثِه منه (3)، ولا فُرِّق بينَ الزَّوْجَين لتَرْكِ الصلاةِ مِن أحَدِهِما، معَ كثْرةِ تارِكِي الصلاةِ، ولو كَفَر لثَبَتَتْ هذه الأحْكامُ، ولا نَعْلَمُ خِلافًا بينَ المُسْلِمِين أنِّ تارِكَ الصلاةِ يجِبُ عليه قَضاؤُها، مع اخْتِلافِهم في المُرْتَدِّ (4). وأمّا الأحادِيثُ المُتَقَدِّمَةُ فهي على وَجْهِ التَّغْلِيظِ، والتَّشْبِيهِ بالكُفَارِ، لا على الحَقِيقَةِ، كقَوْلِه صلى الله عليه وسلم:«سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» (5). وقَوْلِه:
(1) أخرجه ابن ماجه، في: كتاب ذهاب القرآن والعلم، من كتاب الفتن. سنن ابن ماجه 2/ 1344، 1345. والحاكم، في: باب يدرس الإسلام كما يدرس وشى الثوب، من كتاب الفتن. المستدرك 4/ 473، 474.
(2)
أخرجه الدارقطني، في: باب صفة من تجوز الصلاة معه والصلاة عليه، من كتاب الصلاة. سنن الدارقطني 2/ 56.
(3)
سقطت من: «م» .
(4)
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، أن من لا يصلي يؤمر بالصلاة، فإن امتنع عوقب حتى يصلي، بإجماع العلماء، ثم إن أكثرهم يوجبون قتله إذا لم يصل، فيستتاب فإن تاب وإلا قتل، وهل يقتل كافرا أو مرتدا أو فاسقا؟ على قولين مشهورين في مذهب أحمد وغيره. والمنقول عن أكثر السلف يقتضي كفره، وهذا مع الإقرار بالوجوب. مجموعة الفتاوى 28/ 359، 360. وانظر الفهارس 37/ 48.
(5)
أخرجه البخاري، في: باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، من كتاب الإيمان، وفي: باب ما ينهى عن السباب واللعن، من كتاب الأدب، وفي: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، من كتاب الفتن. صحيح البخاري 1/ 19، 8/ 18، 9/ 63. ومسلم، في: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم سباب المسلم فسوق وقتاله كفر، من كتاب الإيمان. صحيح مسلم 1/ 81. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«مَنْ قَال لِأخِيهِ: يا كَافِرُ. فقَدْ بَاءَ بِهَا أحَدُهُمَا» (1). وقولِه: «مَنْ حَلَفَ بِغيرِ اللهِ فَقَدْ أشْرَكَ» (2). وقَوْلِه صلى الله عليه وسلم: «كُفْرٌ بِاللهِ تَبَرُّؤٌ مِنْ نَسَبٍ، وإنْ دَقَّ» (3). وأشْبَاهِ هذا مِمْا أرِيدَ به التَّشْدِيدُ في الوَعِيدِ. قال شيخُنا، رحمه الله: وهذا أصْوَبُ القَوْلَين، واللهُ أعلمُ (4).
= والترمذي، في: باب ما جاء في الشتم، من أبواب البر والصلة، وفي: باب ما جاء في سباب المؤمن فسوق، من أبواب الإيمان. عارضة الأحوذي 8/ 152، 10/ 102. والنسائي، في: باب قتال المسلم، من كتاب التحريم. المجتبى 7/ 111. وابن ماجه، في: باب في الإيمان، من المقدمة، وفي: باب سباب المسلم فسوق وقتاله كفر، من كتاب الفتن. سنن ابن ماجه 1/ 27، 2/ 1299. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 176، 178، 385، 411، 417، 433، 439، 446، 454، 460.
(1)
أخرجه البخاري، في: باب من كفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال، من كتاب الإيمان. صحيح البخاري 8/ 32. ومسلم، في: باب بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم يا كافر، من كتاب الإيمان. صحيح مسلم 1/ 79. والإمام مالك، في: باب ما يكره من الكلام، من كتاب الكلام. الموطأ 2/ 984. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 18، 44، 60، 105، 113.
(2)
أخرجه الترمذي، في: باب حدثنا قتيبة، من أبواب النذور. عارضة الأحوذي 7/ 18. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 125.
(3)
أخرجه ابن ماجه، في: باب من أنكر ولده، من كتاب الفرائض. سنن ابن ماجه 2/ 916. والدارمي، في: باب من ادعى إلى غير أبيه، من كتاب الفرائض. سنن الدارمي 2/ 343.
(4)
في المغني 3/ 359.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ومَن تَرَك شَرْطًا مُجْمَعًا عليه، أو رُكْنًا؛ كالطهارَةِ، والرُّكُوعِ، والسُّجُودِ، فهو كتارِكِها، حُكْمُه حُكْمُه؛ لأنَّ الصلاةَ مع ذلك، وُجُودُها كعَدَمِها. فأمّا الأرْكانُ المُخْتَلَفُ فيها؛ كإزالةِ النَّجاسَةِ وقِراءَةِ الفاتِحَةِ، والاعْتِدالِ عن الرُّكُوعِ، فإن تَرَكَه مُعْتَقِدًا جَوازَه، فلا شيءَ عليه، وإلَّا لَزِمَتْه الإعادَةُ، ولا يُقْتَلُ بحالٍ؛ لأنَّه مُخْتَلَفٌ فيه، فلم يَتَعَلَّقْ به حَدٌّ، كالمُتَزَوِّجِ بغيرِ ولِيٍّ، وسارِقِ مالٍ (1) فيه شُبْهَةٌ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: لا بَأْسَ بوُجُوبِ قَتْلِه. [كما نَحُدُّه بفعِلِ](2) ما يُوجِبُ الحَدَّ على مَذْهَبِه. والله أعلمُ.
(1) في الأصل: «ماله» .
(2)
في الأصل: «نجده يفعل» .