الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإذا مَرَّ مِنْ وَرَائِهَا شَيْء لَمْ يُكْرَهْ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سُترَةٌ، فَمَر بَيْنَ يَدَيْهِ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ، بَطَلَتْ صَلَاُتهُ، وَفِي الْمَرأَةِ وَالْحِمَارِ رِوَايتَانِ.
ــ
452 - مسألة: (فَإن مَرَّ مِن وَرَائِهَا شَيْءٌ، لم يُكْرَه)
متى (1) صَلَّى إلى سُتْرَةٍ فمَرَّ مِن وَرائِها ما يَقْطَعُ الصلاةَ، لم تَنْقَطِعْ، وإن مَرَّ غيْرُ ذلك، لم يُكْرَه، لِما ذَكَرْنا مِن الأحادِيثِ. وإن مَرَّ بَيْنَه وَبَيْنَها، قَطَعَها إن كان مِمَّا يَقْطَعُها، وكُرِهَ إن كان مِمَّا لا يَقْطَعُها، وسنذكرُ ذلك إن شاء الله.
453 - مسألة: (وإن لم تَكُنْ سُترةٌ، فَمَرَّ بينَ يَدَيْه الكَلْبُ الأسْوَدُ البَهيمُ، بَطَلَتْ صلاُتُه، وفي المَرْأْةِ والحِمارِ رِوايَتان)
إذا مَرَّ الكلبُ الأسْوَدُ البَهِيمُ (2) بينَ يَدَيِ المُصَلِّي. قريبًا منه، قَطَع صلَاته،
(1) في م: «حتَّى لو» .
(2)
زيادة من: تش.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بغيرِ خِلافٍ في المَذْهَبِ، وهذا قولُ عائشةَ، ورُوِيَ عن مُعاذٍ، ومُجاهِدٍ. والبَهِيمُ الذى ليس في لَوْنِهِ شئٌ سِوَى السَّوادِ، لِما روَى أبو ذَرٍّ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا قَامَ أحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَإنَّهُ يَسْتُرُهُ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْه مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْمَرْأةُ، وَالْحِصَارُ، وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ» . قال عبدُ اللهِ بنُ الصَّامِتِ: يَا أَبا ذَرٍّ، ما بالُ الكَلْبِ الأسْوَدِ مِن الكلبِ الأحْمَرِ مِن الكلبِ الأصْفَرِ؛ فقال: يَا ابنَ أخِي، سَألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كما سَألتَنِي، فقال:«الْكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» . رَواه مسلم، وأبو داودَ، وغيرُهما (1).
وفي المَرْأَةِ والحِمارِ رِوايتانِ؛ إحْداهُما، لا يَقْطَعُ الصلاةَ إلَّا الكَلْبُ الأسْوَدُ. نَقَلَها عنه الجَماعَةُ، وهو قولُ عائشةَ، لِما روَى الفَصْلُ بنُ عباسٍ، قال: أتانا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ونحنُ في بادِيَةِ، فصَلَّى في صَحْرَاءَ ليس بينَ يَدَيْه سُتْرَةٌ، وحِمارَةٌ لَنا وكَلْبَةٌ تَعْبَثانِ بينَ يَدَيْه، فما بالَى ذلك. رَواه
(1) أخرجه مسلم، في: باب قدر ما يستر المصلى، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 365. وأبو داود، في: باب ما يقطع الصلاة، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 161. كما أخرجه التِّرْمِذِيّ، في: باب ما جاء أنَّه لا يقطع الصلاة إلَّا الكلب والحمار والمرأة، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 133، 134. والنَّسائيّ، في: باب ذكر ما يقطع الصلاة. . . إلخ، من كتاب القبلة. المجتبى 2/ 50. وابن ماجه، في: باب ما يقطع الصلاة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 306. والإمام أَحْمد، في: المسند 5/ 15، 57، 149، 151، 156، 158، 160، 161.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبو داودَ (1). وعن ابنِ عباسٍ، قال: أقْبَلْتُ راكِبًا على حِمارٍ أتانٍ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِمِنًى إلى غيرِ جِدارٍ، فمَرَرْتُ بينَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ، فنَزَلْتُ، وأرْسَلْتُ الأتانَ تَرْتَعُ، فدَخَلْتُ في الصَّفِّ، فلم يُنْكِرْ عليَّ أحَدٌ. وقالت عائشةُ: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي صلَاتَه مِن اللَّيْل كلَّها، وأنا مُعْتَرِضَةٌ بينَه وبين القِبْلَةِ. مُتَّفَقٌ عليه (2). وقد ذَكَرْنا حديثَ زينبَ بنتِ أبي سَلَمَةَ، حينَ مَرَّتْ بينَ يَدَيِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فلم تَقْطَعْ صلَاته. رَواه ابنُ ماجه (3). والثَّانِيَةُ، أنَّ المَرْأَةَ والحِمارَ يَقْطَعانِ الصلاةَ، لِما ذَكرنا مِن حديثِ أبي ذَرٍّ (4) وروَى أبو هُرَيْرَةَ، قال: قال رسولُ اللهَ صلى الله عليه وسلم: «يَقْطَعُ الصَّلَاةَ المَرأةُ، وَالحِمَارُ، وَالْكَلْبُ» . رَواه مسلمٌ (5). فأمّا حديثُ عائشةَ، فقد قِيلَ: ليس بحُجَّةٍ؛ لأنَّ حُكْمَ الوُقُوفِ يُخالِفُ
(1) في: باب من قال الكلب لا يقطع الصلاة، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 165. كما أخرجه النَّسائيّ، في: باب ذكر ما يقطع الصلاة. . . إلخ من كتاب القبلة. المجتبى 2/ 51. والإمام أَحْمد، في المسند 1/ 212.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 643.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 605.
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 649.
(5)
في: باب قدر ما يستر المصلى، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 366. كما أخرجه ابن ماجه، في: باب ما يقطع الصلاة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 305، 306. والإمام أَحْمد، في: المسند 2/ 299، 425.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حُكْمَ المُرُورِ؛ بدَلِيلِ كَراهَةِ المُرُور بينَ يَدَيِ المُصَلِّي، بخِلافِ الاعْتِراضِ. وحديثُ ابنِ عباسٍ ليس فيه إلَّا أنَّه مَرَّ بينَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ. وسُتْرةُ الإِمامِ سُتْرَةٌ لمَن خَلْفَه. رُوِيَ هذا القولُ عن أَنسٍ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّي إلى سُتْرَةٍ، ولم يُنْقَلْ أنَّه أمر أصْحابَه بنَصْبِ سُتْرَةٍ أُخْرَى. وحديثُ الفَضْلِ بنِ عباسٍ، في إسْنادِه مَقالٌ (1)، ويَجُوزُ أنْ يكونَا بَعِيدَينِ. وقال مالكٌ، والثَّوْرِي، وأصحابُ الرَّأْى، والشافعيُّ: لا يَقْطَعُ الصلاةَ شئٌ، لِما ذَكَرْنا مِن الأحادِيثِ، ولِما رَوَى أبو سعيدٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«لَا يَقْطَع الصَّلَاةَ شَئٌ» . رَواه أبو داودَ (2). ولَا، حديث أبي هُرَيْرَةَ، وأبي ذَرٍّ، وقد أجَبْنا عن الأحادِيثِ المُتَقَدِّمَةِ. وحديثُ أبي سعيدٍ يَرْوِيه مُجالِدٌ (3)، وهو ضَعِيف، فلا يُعارَضُ به الصَّحِيحُ، وهو عامٌّ، وأحادِيثُنا خاصَّةٌ، فيَجِبُ تَقْدِيمُها.
(1) في الأصل: «مقاتل» .
(2)
في: باب من قال لا يقطع الصلاة شيء، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 165.
(3)
في الأصل: «مجاهد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا يَقْطَعُ الصلاةَ (1) غيرُ ما ذَكَرْنا؛ لأنَّ تَخْصِيصَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لها بالذِّكْرِ يَدُل على عَدَمِه فيما سِواها. وقال ابنُ حامِدٍ: هل يَقْطَعُ الصلاةَ مُرُورُ الشَّيْطانِ؛ على وَجْهَيْن، أحَدُهما، يَقْطَعُ. وهو قولُ بعضِ أصحابِنا، لتَعْلِيلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَطْعَ الكَلْبِ الصلاةَ بكَوْنِه شَيْطانًا. والثَّانِي، لا يَقْطَعُ. اخْتارَه القاضي. ومتى كان في الكَلْبِ الأسْوَدِ لَوْن غيرُ السَّوادِ، لم يَقْطَع الصلاةَ، وليس ببَهِيمٍ، إلَّا أن يكونَ بينَ عَيْنَيْه نُكْتَتان تُخالِفان لَوْنَه، فلا يَخْرُجُ بهما عن اسْمِ البَهِيمِ وأحْكامِه في قَطْع (2) الصلاةِ، وتَحْرِيمِ صَيْدِه، وإباحَةِ قَتْلِه؛ لأنَّه قد رُوىَ في حديثٍ:«عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهيمِ ذِي الْغُرَّتَيْنِ (3)، فَإنَّهُ شَيْطَانٌ» (4). وإنَّما خَصَصْنَا قَطْعَ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في م: «قطعه» .
(3)
في م: «القرنين» .
(4)
أخرجه مسلم، في: باب الأمر بقتل الكلاب. . . إلخ، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1200. والإمام أَحْمد، في: المسند 3/ 333.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصلاةِ بالأسْوَدِ البَهيم؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سَمَّاه شَيْطانًا في حديثِ أبي ذَرٍّ، وقال عليه السلام:«لَوْلَا أنَّ الْكِلابَ أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا، فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أسْوَدَ بَهِيمٍ، فَإنَّهُ شَيْطَانٌ» (1). فبَيَّنَ (2) أنَّ الشَّيْطانَ هو الأسْوَدُ البَهِيمُ.
فصل: ولا فَرْقَ بينَ الفَرْضِ والتَّطوُّعِ فيما ذَكَرْنا، لِعُمومِ الأدِلَّةِ، وقد رُوِيَ عن أحمدَ ما يَدُلُّ على التَّسْهيلِ في التَّطوُّعِ. [والصَّحِيحُ التَّسْوِيَةُ؛ لأنَّ مُبْطِلاتِ الصلاةِ في غيرِ هذا يَتَساوَى فيها الفَرْضُ والتَّطَوُّعُ] (3). وقد قال أحمدُ: يَحْتَجُّونَ بحديثِ عائشةَ، بأنَّه في التَّطَوعِ، وما أعْلَمُ بينَ الفَرِيضةِ والتَّطوُّعِ فَرْقًا، إلَّا أنَّ التَّطَوُّعَ يُصَلَّى على الدَّابَّةِ.
(1) أخرجه مسلم، في: باب الأمر بقتل الكلاب. . . إلخ، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1200. وأبو داود، في: باب في اتخاذ الكلاب للصيد وغيره، من كتاب الصيد. سنن أبي داود 2/ 97. والتِّرمذيّ، في: باب ما جاء في قتل الكلاب، وفي: باب ما جاء في من أمسك كلبا ما ينقص من أجره، من أبواب الصيد. عارضة الأحوذى 6/ 283، 284، 285. والنَّسائيّ، في: باب صفة الكلاب التى أمر بقتلهما، من كتاب الصيد. المجتبى 7/ 163. وابن ماجه، في: باب النهي عن اقتناء الكلب. . . إلخ، من كتاب الصيد. سنن ابن ماجه 2/ 1069. والدارمي، في: باب في قتل الكلاب، من كتاب الصيد. سنن الدَّارميّ 2/ 90. والإمام أَحْمد، في: المسند 4/ 85، 5/ 54، 56، 57. وفي بعضها لم يرد: «فإنَّه شيطان» .
(2)
في الأصل: «فتبين» .
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن كان الكلبُ الأسْودُ البَهِيمُ واقِفًا بينَ يَدَيْه، أو نائِمًا، ولم يَمُرَّ ففيه رِوايَتان، إحْداهُما، تَبْطُل، قِياسًا على المُرُورِ؛ لأنَّ (1) النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«يَقْطَعُ الصَّلَاة المَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ» (2). ولم يَذْكُرْ مُرُورًا. وقد قالت عائشةُ: عَدَلْتُمُونَا بالكِلَابِ والحُمُرِ (3). وذَكَرَتْ في مُعارَضَةِ ذلك، ودَفْعِه أنَّها كانت تكونُ مُعْتَرِضَةً بينَ يَدَيْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كاعْتِراضِ الجِنارةِ (4). والثَّانيةُ، لا تَبْطُلُ به الصلاةُ؛ لأنَّ الوُقُوفَ والنَّوْمَ مُخالِف لحُكْمِ المُرُورِ، بدَلِيلِ أنَّ عائشةَ كانت تَنامُ بينَ يَدَيْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فلَا يَكْرَهُه، ولا يُنْكِرُه، وقد قال في المارِّ:«لَكَانَ أنْ يَقِفَ أرْبَعِينَ، خَيْرًا لَهُ مِنْ أنْ يَمُر بَيْنَ يَدَيْهِ (5)» (6). وكان ابنُ عُمَرَ يقولُ لنافِعٍ: وَلِّنِي ظَهْرَك. ليَسْتَتِرَ به ممَّن يَمُرُّ بينَ يَدَيْه (7).
(1) في م: «ولأنَّ» .
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 650.
(3)
أخرجه البُخَارِيّ، في: باب استقبال الرَّجل صاحبه أو غيره في صلاته وهو يصلي، وباب من قال لا يقطع الصلاة شيء، من كتاب الصلاة. صحيح البُخَارِيّ 1/ 136، 137. ومسلم، في: باب الاعتراض بين يدى المصلى، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 366.
(4)
أخرجه مسلم، في: باب الاعتراض بين يدى المصلى، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 366.
(5)
في الأصل: «يدى المصلى» .
(6)
أخرجه البُخَارِيّ، في: باب استقبال الرَّجل صاحبه أو غيره في صلاته وهو يصلي، وباب من قال لا يقطع الصلاة شيء، من كتاب الصلاة. صحيح البُخَارِيّ 1/ 136، 137. ومسلم، في: باب منع المار بين يدى المصلى، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 363.
(7)
تقدم تخريجه في صفحة 640.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقَعَد عمَرُ بينَ يديِ المُصَلى يَسْتُرُه مِن المُرُورِ (1). وإذا اخْتَلَفَ حُكْمُ الوُقُوفِ والمُرُورِ، فلا يُقاسُ عليه، وقولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«يَقْطَعُ الصَّلَاةَ» . لابُدَّ فيه مِن إضْمارِ المُرُورِ أو غيرِه، فإنَّه لا يَقْطَعُها إلَّا بفِعْلِه، وقد جاء في بَعْض الأخبارِ، فيَتَعَيَّنُ حَمْلُه عليه.
فصل: والذى يَقْطَعُ الصلاةَ مُرُورُه، إنَّما يَقْطَعُها إذا مَرَّ قَرِيبًا، والذى لا يَقْطَعُ الصلاةَ إنَّما يُكْرَهُ له المُرُورُ إذا كان قَرِيبًا أَيضًا، فأمَّا البَعِيدُ فلا يَتَعَلَّقُ به حُكْمٌ. قال شيخُنا (2): ولا أُعْلَمُ أحَدًا مِن أهلِ العلمِ حَدَّ البَعِيدَ في ذلك ولا القَرِيبَ، إلَّا أن عِكْرِمَةَ، قال: إذا كان بَيْنَكَ وبينَ الذى يَقْطَعُ الصلاةَ قَذْفَةٌ بحَجَرٍ، لم يَقْطَع الصلاةَ. وروَى أبو داودَ، وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، عن ابنِ عباسٍ، قال: أحْسَبُه عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «إذَا صَلَّى أحَدُكُمْ إلى غَيْرِ سُتْرَةٍ، فَإنَّهُ يَقْطَع صَلَاته الكلْبُ، وَالحِمَارُ، وَالخِنْزِيرُ، وَالمَجُوسيُّ، وَاليَهُودِيُّ، وَالمَرْأةُ، ويَجُزْئُ عَنْهُ إذَا مَرُّوا وبَيْنَ يَدَيْهِ قَذْفَةٌ بِحَجَرٍ» (3). هذا لَفْظ رِوايَةِ أبي داودَ. وفي رِوَايَةِ
(1) تقَدم تخريجه في صفحة 640.
(2)
في: المغني 3/ 102.
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب ما يقطع الصلاة، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 162. وعبد بن حميد، في: المنتخب 2/ 504.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَبْدٍ: «وَالنَّصْرانِيُّ، وَالْمَرأَةُ الْحَائِضُ» . فلو ثَبَت هذا الحديثُ، تَعَيَّنَ المَصِيرُ إليه، غيرَ أنَّه لم يَجْزِمْ برَفْعِه، وفيه ما هو مَتْرُوكٌ بالإِجْماعِ، وهو ما عَدا الثَّلاثَةَ المَذْكُورَةَ. ولا يُمْكِنُ تَقْيِيدُ ذلك بمَوْضِع السُّجُودِ، كما قال بعضُهم، فإن قولَه عليه السلام:«إذَا لَم يَكُنْ بَيْنَ يَدَيه مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، قَطَعَ صَلَاتهُ الْكَلْبُ الأسْوَدُ» (1). يَدُلُّ على أنَّ ما هو أبْعَدُ مِن السُّتْرَةِ تَنْقَطِعُ الصلاةُ (2) فيه بِمُرُورِ الكلبِ، والسُّتْرَةُ تكونُ أبْعَدَ مِن مَوْضِع السُّجُودِ. قال شيخُنا (3): والصَّحِيحُ تَحْدِيدُ ذلك بما إذا مَشَى إليه المُصَلِّي، ودَفَع المارَّ بينَ يَدَيْه، لا تَبْطلُ صلاتُه؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَر بدَفْعِ المارِّ بينَ يَدَيْه، فتَقَيَّدَ بدَلالَةِ الإجْماعِ بما يَقْرُبُ منه، بحيث إذا مَشَى إليه لا تَبْطلُ صلاتُه، واللَّفْظُ في الحَدِيثَين واحِدٌ، وقد تَعَذَّر حَمْلُهُما على الإِطْلاقِ، وقد تَقَيَّدَ أحَدُهُما بالإِجْماعِ، فيَنْبَغِي أنْ يَتَقَيَّدَ الآخَر به. واللهُ أعلمُ.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 649.
(2)
سقط من: م.
(3)
في: المغني 3/ 103.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا صَلَّى إلى سُتْرَةٍ مَغْصُوبَةٍ، فاجْتازَ وَراءَها ما يَقْطَعُ الصلاةَ، قَطَعَها في أحِد الوَجْهَيْنِ، ذَكَرَهُما ابنُ حامِدٍ؛ لأنَّه مَمْنُوعٌ مِن نَصْبِها، والصلاةِ إليها، فوُجُودُها كَعَدَمِها. والثَّانِي، لا تَبْطُلُ، لقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم «يَقِي (1) ذلك مِثْل آخِرَةِ الرَّحْلِ» (2). وقد وُجِدَ. وأصْلُ (3) الوَجْهَيْن إذا صَلَّى في ثَوْب مَغْصُوبٍ، وفيه رِوايَتان.
فصل: وسُتْرَةُ الإمامِ سُتْرَةٌ لِمَن خَلْفَه. نَصَّ عليه أحمدُ، ورُوِيَ عن ابنِ عُمَرَ (4). قال الترمِذيُّ (5): قال أهلُ العلمِ: سُترةُ الإمامِ سُتْرَةٌ (6) لِمَن خَلْفَه. وهو قولُ الفُقَهاء السَّبْعَةِ، والنَّخَعِيِّ، ومالك، والشافعيِّ، وغيرِهم؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صَلى إلى سُتْرَةٍ، ولم يأْمر أصحابَه بنَصب سُتْرَةٍ أُخْرَى. وفي حديثِ ابنِ عباس، قال: أقْبَلْتُ رَاكِبًا (7) على حِمَارٍ أتانٍ،
(1) في م: «كفى» .
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 637.
(3)
في الأصل: «وأحد» .
(4)
أخرجه عبد الرَّزّاق، في: باب سترة الإمام سترة لمن وراءه، من كتاب الصلاة. المصنف 2/ 18.
(5)
سقط من: الأصل.
(6)
في: باب ما جاء سترة المصلى، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 130.
(7)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي بالناسِ بِمِنًى إلى غيرِ جِدارٍ، فمَرَرْتُ بينَ يَدَى بَعْضِ الصَّفِّ، فنَزَلْتُ فأرْسَلْتُ الأتانَ تَرْتَعُ، ودَخَلْتُ في الصَّفِّ، فلم يُنْكِرْ عليَّ أحَدٌ. مُتَفَقٌ عليه (1). ومَعْنَى قَوْلِهم: سُتْرَةُ الإمامِ سُتْرَةٌ لِمَن خلْفَه. أنَّه متى لم يَحُلْ بينَ الإمامِ وسُتْرَتِه شيءٌ يَقْطَعُ الصلاةَ، لم يَضُرَّ المَأمُومِينَ مُرُورُ شئٍ بينَ أيْدِيهم في بَعْضِ الصَّفِّ، ولا فيما بينَهم وبينَ الإمامِ، وإن مَرَّ بينَ يَدَيِ الإمامِ ما يَقْطَعُ صلَاته قَطَع صلاتَهُم، وقد دَلَّ على ذلك ما روَى عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، عن أَبيه، عن
(1) تقدم تخريجه في صفحة 647.