الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإذَا انْكَشَفَ مِنَ الْعَوْرَةِ يَسِيرٌ لا يَفْحُشُ فِي النَّظرِ، لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ،
ــ
عليه حديثُ أُمِّ سَلَمَةَ حينَ قالت: يَا رسولَ اللهِ، أتُصَلِّي المرأةُ في دِرْعٍ وخِمارٍ؟ قال:«نَعَمْ، إذا كَانَ سَابِعًا يُغَطِّي ظُهُورَ قدَمَيْهَا» (1) ورُوِيَ عن عائشةَ، ومَيْمُونَةَ، وأُمِّ سَلَمَةَ، أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّهُنَّ كُنَّ يَرَيْنَ الصلاة في دِرْعٍ وخِمارٍ (2). حَكاه ابنُ المُنْذِرِ. ولأنَّها سَتَرَتْ ما يَجِبُ عليها سَتْرُه، أشْبَهَتِ الرجلَ.
فصل: ويُكْرهُ للمرأةِ النِّقابُ وهي تُصَلِّى. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: أجْمَعُوا على أنَّ على المرأةِ أن تَكْشِفَ وَجْهَها في الصلاةِ والإحْرام. ولأنَّ ذلك يُخِلُّ بمُباشَرَةِ المُصَلَّى بالجَبْهَةِ والأنْفِ، ويُغَطِّي الفَمَ، وقد نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الرجلَ عنه (3).
309 - مسألة: (وإذا انْكشَفَ مِن العَوْرَةِ يَسِيرٌ لا يَفْحْشُ في النَّظَرِ، لم تَبْطُلْ صَلاتُه)
نَصَّ عليه أحمدُ، وهو قولُ أبي حنيفةَ. وقال الشافعيُّ:
(1) أخرجه أبو داود، في: كتاب في كم تصلى المرأة، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 149. عن أم سلمة. وأخرجه الإمام مالك، في: باب الرخصة في صلاة المرأة في الدرع والخمار، من كتاب صلاة الجماعة. الموطأ 1/ 142. عن أم سلمة وميمونة.
(2)
انظر الموضع السابق من أبي داود، وفيه عن أم سلمة فقط. وأخرجه الإمام مالك في الموضع السابق، الموطأ 1/ 148، 149.
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب ما جاء في السدل في الصلاة، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 150. والتِّرمذيّ، في: باب ما جاء في كراهية السدل في الصلاة، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 170. والدارمي، في: باب النهي عن السدل في الصلاة، من كتاب الصلاة. سنن الدَّارميّ 1/ 320. والإمام أَحْمد، في: المسند 2/ 295، 341، 345، 348.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تبْطُلُ؛ لأنَّه حُكْمٌ يَتَعَلَّق بالعَوْرَةِ، فاسْتَوَى قَلِيلُه وكَثِيرُه، كالنَّظَرِ. ولَنا، ما رُوِيَ عن عَمْرِو بنِ سَلِمَةَ الجَرْمِيِّ، قال: انْطَلَقَ أبي وافِدًا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في نَفرٍ مِن قَوْمِه، فعَلَّمَهم الصلاةَ، وقال:«يَؤُمُّكُمْ أقْرَؤُكُمْ» . فكنت أقْرَأهم، فقَدَّمُونِي، فكُنْتُ أؤُمُّهم وعليَّ بُرْدَةٌ لى (1) صَفْراءُ صغيرةٌ، فكنتُ إذا سَجَدْتُ انْكَشَفَتْ عنَّى، فقالتِ امرأةٌ مِن النَّساءِ: وارُوا عنّا عَوْرَةَ قارِئِكم. فاشْتَرَوْا لى قَمِيصًا عُمانِيًّا، فما فَرِحْتُ بعدَ الإِسلامِ فَرَحِي به. وفي لَفْظٍ: فكنتُ أؤُمُّهم في بُرْدَةٍ مُوَصَّلَةٍ فيها فَتْقٌ، فكنتُ إذا سَجَدْتُ فيها خَرَجَتِ اسْتِي. رَواه أبو داودَ والنَّسائِيُّ (2). وهذا يَنْتَشِرُ ولم يُنْكَرْ، ولم يَبْلُغْنا أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنْكَرَه ولا أحدٌ مِن أصحابِه، ولأنَّ ما صَحَّتِ الصلاةُ مع كَثِيرِه حالَ العُذْرِ، فُرِّقَ بينَ قَلِيلِه وكَثِيرِه في غيرِ حالِ العُذْرِ، كالمَشْيِ، ولأنَّ اليَسِيرَ يَشُقُّ الاحْتِرازُ منه، فعُفِيَ عنه كيَسِيرِ الدَّمِ. وحَدُّ اليَسِير ما لا يَفْحُشُ في النَّظرَ عادَةً، ولا فَرْق في ذلك بينَ الفَرْجَيْن وغيرِهما، إلَّا أنَّ العَوْرَةَ المُغَلَّظَةَ يَفْحُشُ منها ما لا يَفحُشُ مِن غيرِها، فيُعْتَبَرُ ذلك، وسَواءٌ في ذلك الرجلُ والمرأةُ. وقال أبو حنيفةَ: إنِ انْكَشَفَ مِن المُغلَّظَةِ قَدْرُ
(1) سقطت من: م.
(2)
أخرجه أبو داود في: باب من أحق بالإمامة، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 138. والنَّسائيّ، في: باب اجتزاء المرء بأذان غيره في الحضر، من كتاب الأذان، وفي: باب إمامة الغلام قبل أن يحتلم، من كتاب الإمامة. المجتبى 2/ 9، 62، 63.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الدِّرْهَمِ، أو مِن غيرِها أقَلُّ مِن رُبْعِها، لم تَبْطُلِ الصلاةُ، وإن كان أكْثَرَ، بَطَلَتْ. ولَنا، أنَّ هذا تَقْدِيرٌ لم يَردِ الشَّرْعُ به، فلا يَجُوزُ المَصِيرُ إليه، وما لم يَرِدِ الشَّرْعُ فيه بالتَّقْدِيرِ، يُرَدُّ إلى العُرْفِ، كالكثِيرِ مِن العَمَلِ في الصلاةِ، والتَّفَرقِ والاحْتِرازِ (1). فإنِ انْكشَفَتْ عَوْرَتُه مِن غيرِ عَمْدٍ، فسَتَرَها في الحالِ، لم تَبْطُلْ؛ لأنَّه يسِيرٌ في الزَّمَنِ، أشْبَهَ اليَسِيرَ في القَدْرِ. وقال التَّمِيمِيُّ: إن بَدَتْ عوْرَتُه وَقْتًا واسْتَتَرَتْ وَقْتًا، لم يُعِدْ، لحديثِ عَمْرِو بنِ سَلِمَةَ، فلم يَشْتَرِطِ اليَسِيرَ. قال شيخُنا (2): ولابُدَّ مِن اشْتِراطِه؛ لأنَّه يَفْحُشُ، ويُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه، أشْبَهَ الكَثِيرَ في القَدْرِ.
(1) في تش: «والإحراز» .
(2)
في: المغني 2/ 288، 289.