الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ، وَلَا مَجْنُونٍ، وَلَا تَصِحُّ مِنْهُمَا.
ــ
248 - مسألة: (ولا تَجِبُ على كافِرٍ ولا مَجْنُونٍ، ولا تَصِحُّ منهما)
اخْتَلَف أهلُ العلمِ في خِطابِ الكُفّارِ بفُرُوعِ الإِسلامِ، وحُكِيَ عن أحمدَ، رحمه الله، فيه رِوايَتان، مع إجْماعِهم على أنَّها لا تَصِحُّ منه في حالِ كُفْرِه، ولا يَجِبُ عليه قَضاؤُها بعدَ إسْلامِه إذا كان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أصْلِيًّا، وقد قال اللهُ تَعالى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (1). ولأنَّه قد أسْلَمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ في عَصْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وبعدَه، فلم [يُؤْمَرْ أَحَدٌ](2) بقَضاءٍ، ولأنَّ في إيجابِ القَضاءِ عليه تَنْفِيرًا عن الإِسلامِ، فعُفِيَ عنه. وأمّا المُرْتَدُّ، فذَكَر أبو إسحاقَ ابنُ شاقْلا في وُجُوبِ القَضاءِ عليه رِوايَتَين؛ إحْداهما، لا يَلْزَمُه. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، فعلى هذا لا يَلْزَمُه قَضاءُ ما تَرَك في حالِ كُفْرِه، ولا في حالِ إسْلامِه قبلَ رِدَّتِه. وإن كان قد حَجَّ لَزِمَه اسْتِئْنافُه؛ لأنَّ عَمَلَه قد حَبِط بكُفْرِه؛ بدَلِيلِ قَوْلِه تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (3). فصار كالكافِرِ الأصْلِيِّ في جَمِيعِ أحْكامِه. والثانيةُ، يَلْزَمُه قَضاءُ ما تَرَك مِن
(1) سورة الأنفال 38.
(2)
في م: «يأمر أحدًا» .
(3)
سورة الزمر 65.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
العِباداتِ في حالِ كُفْرِه، وإسْلامِه قبلَ رِدَّتِه، ولا يَجِبُ عليه إعادَةُ الحَجِّ؛ لأنَّ العَمَلَ إنَّما يَحْبَطُ بالإِشْراكِ مع المَوْتِ؛ لقَوْلِه تعالى:{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} (1). وهذا مَذْهَبُ الشافعيِّ؛ لأنَّ (2) المُرْتَدَّ أقَرَّ بوُجُوبِ العِباداتِ عليه، واعْتَقَد ذلك وقَدَر على التَّسَبُّبِ إلى أدائِها، فلَزِمَه، كالمُحْدِثِ. وذَكَر القاضي
(1) سورة البقرة 217.
(2)
في م: «ولأن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رِوايَةً ثالثةً، أنَّه لا قَضاءَ عليه لِما تَرَك في حالِ رِدَّتِه، وعليه قَضاءُ ما تَرَك في إسْلامِه قبلَ الرِّدَّةِ؛ لأنَّه كان واجِبًا عليه قبلَ الرِّدَّةِ فبَقِيَ الوُجُوبُ. قال: وهذا المَذْهَبُ. وهو (1) اخْتيارُ ابنِ حامدٍ، وعلى هذا لا يَلْزَمُه اسْتِئْنافُ الحَجِّ؛ لأنَّ ذِمَّتَه بَرِئَتْ منه بفِعْلِه قبلَ الرِّدَّةِ، فلم تَشْتَغِلْ به بعدَ ذلك، كالصلاةِ، ولأنَّ الرِّدَّةَ لو أبْطَلَتْ حَجَّه، أبْطَلَتْ سائِرَ عِباداتِه المَفْعُولَةِ قبلَ رِدَّتِه. وهذا أوْلَى إن شاء الله تعالى. فأمّا المَجْنُونُ فلا تَصِحُّ منه الصلاةُ؛ لأنَّه ليس مِن أهلِ التَّكْلِيفِ، أشْبَهَ الطِّفْلَ، ولا تَجِبُ عليه في
(1) سقطت الواو في: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حالِ جُنُونِه، ولا يَلْزَمُه قَضاؤُها إلَّا أن يُفِيقَ في وَقْتِ الصلاةِ، لا نَعْلَمُ في ذلك خِلافًا. وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ؛ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَشِبَّ، وَعَنِ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَعْقِلَ» .
رَواه أبو داودَ، والتِّرْمِذِيُّ (1)، وقال: حديثٌ حسنٌ.
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في المجنون يسرق أو يصيب حدا، من كتاب الحدود. سنن أبي داود 2/ 451 - 453. والترمذي، في: باب ما جاء في من لا يجب عليه الحد، من أبواب الحدود. عارضة الأحوذي 6/ 195. كما أخرجه البخاري، في: باب الطلاق في الإغلاق. . . .، من كتاب الطلاق، وفي: باب لا يرجم المجنون والمجنونة، من كتاب الحدود. صحيح البخاري 7/ 59، 8/ 204. والنسائي، في: باب من لا يقع طلاقه من الأزواج، من كتاب الطلاق. المجتبى 6/ 127. وابن ماجه، في: باب طلاق المعتوه والصغير والنائم، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجه 1/ 658. والدارمي، في: باب رفع القلم عن ثلاثة، من كتاب الحدود. سنن الدارمي 2/ 171. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 116، 118، 140، 155، 158، 6/ 100، 101.