الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَيْسَتْ مِنَ الْفَاتِحَةِ. وَعَنْهُ، أَنَّهَا مِنْهَا. وَلَا يَجْهَرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
ــ
وحديثُ عبدِ اللهِ بنِ المُغَفَّلِ مَحْمُولٌ على هذا أَيضًا، جَمْعًا بينَ الأخْبارِ. ولأنَّ مالِكًا قد سَلَّمَ أنَّه يُسْتَفْتَحُ بها غيرُ (1) الفاتِحَةِ، فالفاتِحَةُ أوْلَى؛ لأنَّها أوَّلُ القُرْآنِ وفاتِحَتُه.
389 - مسألة: (وليست مِن الفاتِحَةِ. وعنه، أنَّها منها. ولا بجْهَرُ بشئٍ مِن ذلكَ)
قد مَضَى ذِكْرُ الاسْتِفْتاحِ، ولا نَعْلَمُ خلافًا في أنَّه لا يَجْهَرُ بالاسْتِعاذةِ، فأمَّا «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» فالجَهْرُ بها غيرُ مَسْنُونٍ عندَ أحمدَ، رحمه الله، لا اخْتِلافَ عنه فيه. قال
(1) في م: «في غير» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التِّرْمِذِيُّ (1): وعليه العَمَلُ عندَ أكْثَرِ أهلِ العِلْمِ مِن أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومَن بعدَهم مِن التَّابِعِين؛ منهم أبو بكرٍ، وعُمَرُ، وعثمانُ، وعليٍّ، رضي الله عنهم. وذكَرَه ابنُ المُنْذِرِ عن ابنِ مسعودٍ، وعَمّارٍ، وابنِ الزُّبَيْرِ. وهو قولُ الحَكَمِ، وحَمّادٍ، والأوْزاعِيِّ، والثَّوْرِيِّ، وابنِ المُبارَكِ، وأصحابِ الرَّأْيِ. ويُرْوَى الجَهْرُ بها عن عَطاءٍ، وطاوُسٍ، ومُجاهِدٍ، وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ. وهو مَذْهَبُ الشافعيِّ؛ لحديثِ أَبى هُرَيْرَةَ، أنَّه قَرَأ بها في الصلاةِ، وقد قال: ما أسْمَعَنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أسْمَعْناكم، وما أخْفَى عَنّا أخْفَيْنا عنكم. مُتَّفَقٌ عليه (2). وعن أُنَسٍ، أنَّه صَلَّى وجَهَر بـ «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ». وقال: أقْتَدِي بصلاةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم (3). ولِما تَقَدَّمَ مِن حديثِ أُمِّ سَلَمَةَ، ولأنَّها آيةٌ مِن الفاتِحَةِ،
(1) في: باب ما جاء في ترك الجهر ببسم الرَّحْمَن الرَّحِيم، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 44.
(2)
أخرجه البُخَارِيّ، في: باب القراءة في الفجر، من كتاب الأذان. صحيح البُخَارِيّ 1/ 195. ومسلم، في: باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة. . . . إلخ، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 297. كما أخرجه أبو داود، في: باب ما جاء في القراءة في الظهر، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 184. والنَّسائيّ، في: باب قراءة النهار، من كتاب افتتاح الصلاة. المجتبى 2/ 126. والإمام أَحْمد، في: المسند 2/ 258، 273، 285، 301، 343، 348، 411، 416، 435، 446، 487.
(3)
أخرجه الدارقطني، في: باب وجوب قراءة {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في الصلاة والجهر بها، من كتاب الصلاة. سنن الدارقطني 1/ 308.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيَجْهَرُ بها الإِمامُ في صلاةِ الجَهْرِ، كسائِرِ آياتِها. ولَنا، ما ذَكَرْنا مِن حديثِ أنَسٍ، وعبدِ اللهِ بنِ المُغَفَّلِ. وعن عائشةَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَفْتَتِحُ الصلاةَ بالتَّكْبِيرِ، والقِراءَةَ بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . مُتَّفَقٌ عليه (1). وحديثُ أَبى هُرَيْرَةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«قالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ» . لم يَذْكُرْ فيه «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» يَدُلُّ على أنَّه لم يَذْكُرْ «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» . وأمّا حديثُ أبي هُرَيْرَةَ الذى احْتَجُّوا به، فليس فيه أنَّه جَهَر بها، ولا يَمْتَنِعُ أن يُسْمَعَ منه حالَ الإسْرارِ، كما سُمِع الاسْتِفْتاحُ والاسْتِعاذَةُ مِن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مع إسْرارِه بهما، فقد رُوِيَ أنَّه كان يُسْمِعُهم الآيَةَ أحْيانًا في صلاةِ الظُّهْرِ. مِن رِوايَةِ أَبى قَتادَةَ. مُتَّفَقٌ عليه (2). وكذلك حديثُ أُمِّ سَلَمَةَ
(1) كذا ذكر المؤلف. والحديث أخرجه مسلم، في: باب ما يجمع صفة الصلاة. . . . إلخ، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 357. كما أخرجه أبو داود، في: باب من لم ير الجهر ببسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 180. وابن ماجه، في: باب افتتاح القراءة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 267. والإمام أَحْمد، في: المسند 6/ 31، 171، 194، 281. وانظر: تحفة الأشراف 11/ 386.
(2)
أخرجه البُخَارِيّ، في: باب القراءة في الظهر، وباب القراءة في العصر، وباب يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب، وباب إذا سمع الإمام الآية، من كتاب الأذان. صحيح البُخَارِيّ 1/ 193، 197. ومسلم، في: باب القراءة في الظهر والعصر، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 333. كما أخرجه النَّسائيّ، في: باب تطويل القيام في الركعة الأولى من صلاة الظهر، وباب إسماع الإمام الآية في الظهر، وباب تقصير القيام في الركعة الثَّانية من الظهر، وباب القراءة في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر، وباب القراءة في الركعتين الأوليين من صلاة العصر، من كتاب افتتاح الصلاة. المجتبى 2/ 127، 128. وابن ماجه، في: باب الجهر بالآية أحيانًا في صلاة الظهر والعصر، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 271. والإمام أَحْمد، في: المسند 5/ 295، 297، 300، 301، 305، 307، 309 - 311.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ليس فيه ذِكْرُ الجَهْرِ، وباقِي أخْبارِ الجَهْرِ ضَعِيفَةٌ؛ لأنَّ رُواتَها هم رُواةُ الإخْفاءِ، بإسْنادٍ صَحِيحٍ ثابِتٍ لا يُخْتَلَفُ فيه، فدَلَّ على ضَعْفِ ما يُخالِفُه، وقد بَلَغَنا أنَّ الدّارَقُطْنِيَّ قال: لم يصِحَّ في الجَهْرِ حديثٌ (1).
فصل: وليست مِن الفاتِحَةِ، في إحْدَى الرِّوايَتَيْن عن أحمدَ. وهي المَنْصُورَةُ عندَ أصحابِنا، وهو قولُ أَبى حنيفةَ، ومالكٍ، والأوْزاعِيِّ. ثم اخْتَلَفَ (2) عن أحمدَ فيها، فقِيلَ عنه (3): هي آيَةٌ مُنْفَرِدَةٌ، كانت تَنْزِلُ بينَ كلِّ سُوَرَتَيْن فَصْلًا بينَ السُّوَرِ. وقِيلَ عنه: إنَّما هي بَعْضُ آيَة مِن سُوَرةِ النَّمْلِ. [وقال عبدُ اللهِ بنُ مَعْبَدٍ الزِّمّانِيُّ (4) والأوْزاعِيُّ: ما أنْزَلَ اللهُ «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم» إلَّا في سُورَةِ النَّمْل](5): {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (6). والرِّوايَةُ الثّانِيَة، أنَّها آيةٌ مِن الفاتِحَةِ خاصَّةً، تَجِبُ قِراءَتُها في الصلاةِ أوَّلًا. اخْتارَها أبو عبدِ اللهِ ابنُ بَطَّةَ، وأبو حَفْصٍ. وهو قولُ ابنِ المُبارَكِ، والشافعيِّ، وإسحاقَ، وأبي عُبَيْدٍ. قال عبدُ اللهِ بنُ المُبارَكِ: مَن تَرَك «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» فقد تَرَك مِائةً وثَلاثَ عَشْرَةَ آيَةً. وكذلك قال الشَّافِعِيُّ؛
(1) انظر: نصب الراية للزيلعي 1/ 358، 359.
(2)
أي النقل.
(3)
سقط من: م.
(4)
عبد الله بن معبد الزماني، بصري تابعي ثِقَة. والزماني نسبة إلى زِمَّان بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل، من ربيعة. الأنساب 6/ 296. تهذيب التهذيب 6/ 40.
(5)
سقط من: م.
(6)
سورة النمل 30.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لحديثِ أُمِّ سَلَمَةَ. وروَى أبو هُرَيْرَةَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال. «إذَا قَرَأْتُمْ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، فَاقْرَءُوا:{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فَإنَّها أُمُّ الْكِتَابِ، وَإنَّهَا السَّبْعُ المَثَانِي، و {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آية مِنْهَا» (1). ولأنَّ الصَّحابَةَ، رضي الله عنهم، أثْبَتُوها في المَصاحِفِ، ولم يُثْبِتُوا بينَ الدَّفَّتَيْن سِوَى القُرْآنِ. ووَجْهُ الرِّوايَةِ الأُولَى ما روَى أبو هُرَيْرَةَ، قال: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقُولُ: «قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَألَ، فَإذَا قَالَ الْعَبْدُ (2): {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. قَالَ اللهُ: حَمَدَنِي عَبْدِي. فَإذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}. قَالَ اللهُ: أثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي. فَإذَا قَالَ: {مَالِكٍ يَوْمِ الدِّينِ}. قَالَ اللهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي. فَإذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. قَالَ اللهُ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. فَإذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}. قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» . رَواه مسلمٌ (3). فلو كانت {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ
(1) أخرجه الدارقطني، في: باب وجوب قراءة {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} . . . . إلخ، من كتاب الصلاة. سنن الدارقطني 1/ 312.
(2)
سقط من: م.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 426.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الرَّحِيمِ} آيةً لعَدَّهَا، وبَدَأ بها، ولم يَتَحَقَّقِ التَّنْصِيفُ. فإن قِيلَ: فقد روَى عبدُ اللهِ بنُ زِيادِ بنِ سَمْعَانَ (1): «يَقُولُ عَبْدِي إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}. فَيَذْكُرُنِي عَبْدِي» . قُلْنا: ابنُ سَمْعانَ مَتْرُوكُ الحديثِ، لا يُحْتَجُّ به. قالَه الدَّارَقُطْنِيُّ (2). ورُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«سُورَةٌ هِيَ ثَلَاثُونَ آيَةً، شَفَعَتْ لِقَارِئِهَا، ألَا وَهِيَ: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}» (3). وهي ثَلاُثون آيَةً سِوَى «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» . ولأنَّ مَواضِعَ الآيِ كالآيِ، في أنَّها لا تَثْبُتُ إلَّا بالتَّواتُرِ، ولا تَواتُرَ في هذا. فأمَّا حديثُ أُمِّ سَلَمَةَ فلَعَلَّه مِن رَأْيِها. أو نقولُ: هم آيَةٌ مُفْرَدَةٌ للفَصْلِ بينَ السُّوَرِ. وحديثُ أَبى هُرَيْرَةَ مَوْقُوفٌ عليه، فإنَّ راوِيَه أبو بكرٍ الحَنَفِيُّ، عن عبدِ الحميدِ بنِ جَعْفَرٍ، عن نُوحِ ابن أبي بِلالٍ، قال أبو بكرٍ: رَاجَعْتُ فيه نُوحًا، فوَقَفَه. وأمّا إثْباتُها بينَ السُّوَرِ، فللفَصْلِ بينَها، ولذلك كُتِبَتْ سَطْرًا على حِدَتِها. والله أعلمُ.
(1) أي عن أبي هريرة، وهو الحديث السابق. وأخرجه الدارقطني بهذا اللفظ في: باب وجوب قراءة {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} . إلخ من كتاب الصلاة. سنن الدارقطني 1/ 312.
(2)
في الموضع السابق في التعليق السابق.
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب في عدد الآي، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 324. والتِّرمذيّ، في: باب ما جاء في فضل سورة الملك، من أبواب ثواب القرآن. عارضة الأحوذى 11/ 20، 21. وابن ماجه، في: باب ثواب القرآن، من كتاب الأدب. سنن ابن ماجه 2/ 1244. والإمام أَحْمد، في: المسند 2/ 299، وأخرجه النَّسائيّ، في: باب الفضل في قراءة تبارك الذي بيده الملك، من كتاب عمل اليوم الليلة، وفي. باب سورة الملك، من كتاب التفسير. السنن الكبرى 6/ 178، 179، 496.