الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الإمامة
الحديث الأوّل:
[74]
: عَنْ أَبِي هُريرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ، أَو يَجْعَلَ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ؟ "(1).
تقَدّم الكَلامُ على "الحديث الأوّل"، والتبويب، ومُتعلّق "عَن" الأولى والثّانية.
قوله: "أمَا يخشى الذي يَرفَع رأسَه": "أمَا" المفتوحة المخفَّفَة، حَرفُ استفتاح بمَنزلة "ألَا"، وتكْثُر قَبْل القَسَم، كقوله:
أمَا وَالَّذِي أبْكى وأضْحَكَ، والّذي
…
أمات وأحْيَا، وَالّذِي أمرهُ الأمْر (2)
وقد تُبدَل همزتها "هَاءً" أو "عَينًا" قبل القَسَم، وكِلاهما مع ثبوت "الألِف" وحذفها، أو تحذف "الألِف" مع ترك الإبدال.
وإذا وَقَعَت "إنّ" بعْد "أمَا" هذه كُسرت، كما تُكسَر بعد "ألَا" الاستفتاحية.
وقد تأتي "أمَا" بمعنى "حَقًّا"؛ فيُفتح بعدها "أنّ"، كما تُفتح بعد "حقًّا"، نحو:"أمَا أنّه قائم"، كقولك:"إنه قائم"، فـ "أنّ" وما بعدها في محل رفع بالابتداء، وما قبلها مُقَدَّر بالظرف، وهو خبرها.
وتأتي "أما" للعَرض والتوبيخ والتهديد، كما هي هُنا في الحديث "أمَا يخشى"، و "ألَا" مثلها.
(1) رواه البخاري (619) في الأذان، ومسلم (427) في الصلاة.
(2)
البيتُ من الطويل، وهو لأبي صخر الهذلي. ونُسب لقيس مجنون ليلي. انظر: الشعر والشعراء لابن قتيبة (2/ 549)، المفصل (ص 409، 410)، شرح المفصل (5/ 42، 44)، مُغني اللبيب (78)، الهمع (2/ 588)، عقلاء المجانين للنيسابوري (ص 51)، المعجم المفصل (3/ 300).
وتدخُل (أمَا) و (ألَا) على الجملة الاسمية، نحو قولك:"ألَا زيد قائم"، و"أمَا زيد قائم".
قالوا: والفرقُ بينهما أنّ "أمَا" للحَال و "ألَا" للاستقبال.
والأصْلُ في "أمَا": "مَا" النافية، ودَخَلَت عليها الهمزة، كما دَخَلت على "ليس". (1)
قوله: "يَخْشَى": فِعلُ مُضارع، إعرابه مُقَدّر في حالتي الرّفع والنّصب، وبحَذْف حَرف العلّة جَزمًا (2).
والصّلة والموصُول في محلّ الفاعل، وقيل: ظرف، تقدّم في الحديث قبله القول فيها وأخواتها. والعاملُ فيه:"يَرْفَع".
قوله: "أن يُحوّل": في محلّ مفعول و "يخشى".
و"حَوّل" هنا بمعنى "صيّر". قال ابنُ مالك: خَفي هذا على أكثر النحويين، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"مَا أُحِبُّ أنْ يُحوَّلَ لِي أُحُدٌ ذَهَبًا"(3).
ويجري مجراه ما صيغ منه، كـ "تحَوّل"، ومثله:"ارتَدّ". ومنه قوله عليه السلام (4):
(1) انظر في أحوال "أما" والمقارنة بينها وبين "ألا": مُغني اللبيب (78، 79، 96، 97، 98)، شرح المفصل (5/ 40، 41، 42، 43، 44، 45)، الهمع (2/ 588، 589)، الصاحبي (ص 93)، البلاغة العربية (1/ 192).
(2)
انظر: الهمع (1/ 203)، النحو الواضح (2/ 182)، النحو الوافي (1/ 182 وما بعدها)، المنهاجُ المختَصر في عِلمي النَّحو والصَّرف (ص 48).
(3)
صحيحٌ: أخرجه البخاري (1408)، عن أبي ذر، وليس فيه:"يحول".
(4)
لم يعز ابنُ مالك في شواهد التوضيح (ص 125) هذا للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما نقله كمثال، فليس هذا بحديث، وقد أشار الإمام أحمد في المسند (3747)، والحاكم في المستدرك (3254) إلى قصة مسخ بعض اليهود.
"حَوَّلَ الله طَائفَة مِن اليَهُودِ قِرَدَة"، و "تحولت طائفة من اليهود قِرَدَة". فـ "حَوّل" جار مجرى "صَيّر" في نصب مفعولين هما في الأصل مُبتدأ وخبر. (1)
قال "ابنُ مالك": وقد خَفي هذا المعنى على مَن أنكر على "الحريري"(2) قوله في الخمر:
ومَا شَيءٌ إذا فَسَدَا
…
تحوّلَ غَيُّهُ رَشَدَا
وإنْ هُوَ رَاقَ أوْصَافًا
…
أثَارَ الشرّ حَيثُ بَدَا
زَكيُّ العِرْقِ [وَالِدُهُ](3)
…
وَلكِنْ بِئْسَ مَا وَلَدَا (4)
قلتُ: لم يذكر "الشّيخ"(5) البيت الثّالث (6)، وله معنى في بابه يحسُن التمثل به.
إذا ثبت ذلك: فـ "حَوّل" في الحديث بمعنى "صَيّر" مُتمَكّنة المعنى، ولم يذكُره ابنُ مالك فيما ذَكر من الأمثلة. وعلى هذا يكُون التقديرُ:"أن يُصيِّر الله رأسَه مثل رأس حمار"، فحَذَف المضَافَ، وأقَام المضَافَ إليه مَقامه.
قوله: "أو يجعل": تقدّم الكَلامُ على "جَعَل" في الحديث الرابع من أوّل الكتاب. ويحتمل أن تكُون بمعنى "صَيّر"، وهو أحَدُ أقسامها.
(1) انظر: شَوَاهد التَّوضيح (ص 125)، عقود الزبرجد (2/ 324، 325).
(2)
انظر: مقامات الحريري (445).
(3)
بالنسخ: (والله). والمثبت الصواب.
(4)
انظر: مقامات الحريري (445). وراجع: شَواهد التَّوضيح (ص 126)، عقود الزبرجد (2/ 325)، التعريفات (ص 192).
(5)
أي: ابن مالك.
(6)
يريد: الثاني، وهو قوله:"وإنْ هُو رَاقَ أوصافًا .... ".