الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ المرور بين يدي المصَلّي
الحديث الأوّل
[105]
: عَنْ أبِي [جُهَيْمِ](1) بْنِ الْحارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِي رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهَ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ يَعْلَمُ المَارُّ بَيْنَ يَدَيْ المُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ؟ لَكَانَ أنْ يَقِفَ أرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ".
قَالَ أبُو النَّضْرِ: لا أدْرِي، قَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أوْ شَهْرًا أَو سَنَةٌ (2).
تقدّم إعراب التبويب، وما بعده من السّند [جملة](3) تقدّم الكَلام عليها في الأوّل من "كتاب الصّلاة".
قوله: "يعلم": يحتمل أن يكُون بمعنى "يعرف"؛ فيتعدّى لواحد، وهو الظّاهر فيها هنا. ويحتمل أن تكون العِلْمية؛ فيتعدّى إلى اثنين. وهو على كِلا الوجْهين [مُعلّق](4) بـ "ماذا". فجُملة "ماذا" في محلّ مفعول "عَلم".
قال أبو حيان: و"ماذا" إذا أفردت كُلّ واحدة منهما فهي على حالها، فـ "ما" للاستفهام، و"ذا" للإشارة.
وإن دخل التجوّز: فـ "ذا" موصولة بمعنى "الذي" و"التي"، وتفتقر إلى صلة، و"ما" على أصلها استفهامية.
ولك أن تجعل دلالتها دلالة "ما" الاستفهامية لو انفردت "ما"، ولذلك قالت العرب:"بماذا تسأل؟ "، بإثبات ألِف "ما" مع حرف الجر.
(1) بالنسخ: "جهم". والمثبت من مصادر التخريج ونسخ العمدة.
(2)
رواه البخاري (510) في الصلاة، ومسلم (507) في الصلاة.
(3)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(4)
بالنسخ: "معلقة".
ولك أن تجعل "ذا" مركّبة مع "ما" الموصولة، أو "ما" النكرة الموصوفة، فدلالة مجموعهما دلالة "ما" الموصولة أو الموصوفة لو انفردت دون "ذا". وهذا الأخير عن الفارسي (1). انتهى.
إذا ثبت ذلك: فقوله في الحديث: "ماذا عليه؟ " يجوز أن تجعل "ذا" موصولة بمعنى "الذي"، وتكُون "عليه" في محلّ الصّلة، وتقدّر متعلّق حرف الجر:"استقر" لا "مستقر"؛ لأنّ الصلة لا تكُون مُفردًا.
ولك أن تجعل "ذا" زائدة، والتقدير:"ما عليه؟ "، فتكون "ما" مبتدأ، و"عليه" في محلّ الخبر، أي:"ما كان عليه"، أو "ثابت عليه".
ولك أن تجعل - عند قوم - "ذا" موصُولة، صِلتها "عليه" وتكُون في محلّ رفع بالابتداء، والخبر "ما" مُقدّمًا، قُدِّم الخبُر لأنّه استفهام.
وذكر ابن عطيّة في مثل: "ماذا صنعت؟ " إذا جُعلت مُركّبةً، أنها في محلّ نصب حيث وقعت، إلّا في مثل:
وَمَاذَا عَسَى الْوَاشُونَ أَنْ يَتَحَدَّثُوا
…
[سِوَى](2) أَنْ يَقُولُوا إِنَّنِي لَكِ عَاشِقُ (3)
لأنّ "عسى" لا تعمل فيما قبلها. فـ "ماذا" في البيت في محلّ رفع، وليست "ذا" بمعنى "الذي"؛ إذ لا صِلة لها؛ لأنّ "عسى" لا تقع صِلة للموصُول الاسمي (4).
وتعقّب عليه أبو حيّان قوله: "إذا كانت مركّبة فهي في موضع نصب إلا في
(1) انظر: البحر المحيط (2/ 361، 362).
(2)
سقط بالأصل. والمثبت من المصادر.
(3)
البيتُ من الطويل، وهو لجميل بُثينة. انظر: خزانة الأدَب (6/ 150)، المعجم المفصل (5/ 156).
(4)
انظر: تفسير ابن عطية (1/ 288).
هذا البيت"، وقال: بل يجوز أن تقول: "ماذا محبوب"، و"ماذا قائم؟ "، و"ماذا" مُركّب؛ فيكون في موضع رفع بالابتداء، كأنك قلت: "ما محبوب؟ "، و"مَن قائم؟ " (1).
قال ابنُ الحاجب: وفي "ماذا صنعت؟ " وجهان، أحدهما:"ما الذي"، وجوابه رفع. والآخر:"أي شيء"، وجوابه نصب (2).
يريد: إذا جعلت "ذا" بمعنى "الذي" رفعت الجواب؛ لأنّ "صنعت" صِلة "الذي"، فلم يبق له سبيل إلى العَمل في "ما" الاستفهامية؛ لأنّ الصّلة لا تتقدّم على الموصُول، ولا شيئًا منها؛ فلا يتقدّم معمولها (3).
ولابُد للموصُول في صِلته من عائد، والعائدُ هنا ضمير محذُوف، فموضع "ما" رفع، وجوابه مرفوع؛ ليطابق الجواب السّؤال.
فإذا قلت: "ماذا صنعت؟ "، فجوابه:"خيرٌ"، بالرّفع، إذا جعلت "ذا" موصُولة، والرّفع في الجواب على أنّه خبر مُبتدأ محذُوف، أي:"هو خير"، ويجوز النصب، لكن الرّفع أولى لما ذكَرنا من المطابقة بين الجوَاب والسّؤال.
والوَجْه الآخر أن يجعل "ما" و"ذا" بمنزلة الاسم الواحِد، كأنّه قد ركّب إحدى الكلمتين مع الأخرى، فيكون الفعل المذكور بعد "ماذا" مُسلطًا على "ما"؛ فيكون في موضع نصب بـ "صنعتَ"، ويكون جوابه منصوبًا، كما تقول:"ما أكلت؟ "، فتقول في الجواب:"خبزًا"، أي:"أكلتُ خبزًا"، والنصب أولى لمطابقة الجواب للسّؤال، ويجوز الرفع.
(1) انظر: البحر المحيط (2/ 377).
(2)
انظر: الكافية في علم النحو (ص/35).
(3)
انظر: شرح الكافية الشافية (1/ 308)
ولذلك قالوا في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [النحل: 24] بالرّفع، ولم يُقرأ بالنصب، قالوا: لأنّ النّصب يقتضي تقدير: "أنزل"، ولو أقروا بأنه أنزل أساطير الأولين كان منهم إيمانًا، وإنما قالوه بالرفع؛ لأنه مُقدّر بإضمار مُبتدأ، أي:"هو أساطير الأولين".
وجاء الوجْهان في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219] بالنصب والرفع، على ما تقدّم (1)، ولا مُعارض لأحدهما يُوجب المنع. والله أعلم.
قوله: "خيرٌ": تقدّم الكلام عليه في الثّامن من "باب الجنابة"، ويجوز فيه الرّفع، والنّصب أوْجَه، لأنّه اسم "كان" مبتدأ، أو "أنْ" مع الفعل كالمضمر، فكان أولى.
قوله: "قال أبو النضر: لا أدري قال: أربعين يومًا أو شهرًا أو سنة": "أربعين" ظرفُ زمان؛ [لأنّه](2) عَدَد الظّرف.
وهو هنا مفعول لـ "وقف". و"وقف" مُتعدٍّ، قال تعالى:{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24].
ولا يجوز أن يكُون ظرفًا، لأنّه ليس المراد أن يقف في أربعين يومًا ولا في أربعين سنة، وإنّما المراد جميعها.
وهذا كقوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: 142](3)، فهي بجملتها الموعود.
قالوا: ويحتمل أن يكون التقدير: "تمام أربعين"، ومثله محتمَل هنا، ويكون قد
(1) انظر: تفسير القرطبي (3/ 61)، والبحر المحيط (2/ 408).
(2)
في الأصل: "لأن".
(3)
انظر: البحر المحيط (5/ 160).
حذف المضَاف، وأقام المضَاف إليه مقامه.
والمعدُود هنا منصوبٌ على التمييز، والعاملُ فيه اسم العَدَد، شبّه بـ "ضاربين".
وقيل: منصوب على التشبيه بالمفعول به؛ لأنّه مُقدّر بـ "من"، والمفعول به قد يكون كذلك، كقوله تعالى:{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155]، ولا يتقدّم التمييز عليه إجماعًا، ولا يُفصل بينهما إلّا في ضرورة، كقوله:
.........................
…
ثَلاثُون لِلْهَجْرِ حَوْلًا كَمِيلَا (1)
ولا يتعرّف التمييز، خِلافًا لبعض الكوفيين، كقولهم:"ما فعلت العشرون الدرهم"، وحمل على زيادة "ال"(2).
قوله: "لا أدري": هو أحَد الأربعَة التي تقع بعدها "همزة" التسوية غالبًا، وهذا الوضع جاء خليًّا عن "الهمزة" في اللفظ. والأربعَة:"لا أدري"، و "لا أبالي"، و"ليت شعري"، و"سواء"(3).
قالوا: ولا يجوز أن يقع بعد (همزة) التسوية المبتدأ والخبر، فتقول:"سواء عليّ أدرهم مالك أم دينار؟ "، ولا الفعل المضارع، نحو:"لا أدري أتقوم أم تقعد؟ ". وعلى هذا جرَى جميع ما في القرآن، فتأمّله.
ومعنى هذا عندهم: أنها لا تدخُل إلا على جملة يصحّ تقديرها بالمصدَر (4)؛ فلذلك لم يوقُعوا بعدها الاسمية؛ لأنها لا تقدّر بالمصدَر، وأجروا الجملة المصدّرة
(1) عجز بيت من المتقارب، وهو للعباس بن مرداس. انظر: خزانة الأدب للبغدادي (6/ 470)، المعجم المفصل (6/ 134).
(2)
انظر: البحر المحيط (1/ 322).
(3)
انظر: شرح الأشموني (2/ 375)، وتوضيح المقاصد والمسالك (2/ 1006)، والجنى الداني للمرادي (ص/ 32).
(4)
انظر: النحو الوافي (3/ 585، 589).