الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإعرابُ السَّنَد تقدَّم.
و"عن" الثانية في سند هذا تتعلّق بمَحذوف يُقدَّر: "رُوي عن عبَّاد بن تميم أَنَّهُ رَوَى عن عبد الله، أنّه قَالَ
…
"؛ فتكُون "أنَّ" الأوْلى في مَحَل رَفْع بـ "رُوي" المبني، و "أنَّ" الثانية في مَحَل رَفْع بالفاعلية.
الحديث الثالث:
[26]
: عَنْ أُمِّ قَيْسِ بِنْتِ مِحْصَنٍ الأَسَدِيَّةِ، أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ، لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ، إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ عَلَى ثَوْبِهِ، وَلم يَغْسِلْهُ (1).
[27]
: وحديثُ عَائِشَة: "أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِصَبِيٍّ، فبالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَأَتْبَعَهُ إيَّاهُ".
وَلِمُسْلِم: "فَأَتْبَعَهُ بَوْلَهُ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ".
قولُه: " [أنَّها] (2) أتَت": "أنَّ" واسمها، وخَبرها في الجُمْلة من "أتت". و "بابن": يتعلق بـ"أتت". و"لها": يتعلّق بصفة لـ"ابن". و "صَغير": صفةٌ أخرَى لـ"ابن"(3).
وتقديمُ الصِّفة المقَدَّرَة على الصِّفة الصّريحة الظّاهِرَة جَائزٌ، خِلافًا لابن عصفور. ورُدَّ عَليه بظاهِر القُرآن والسُّنة وكَلام العَرَب (4).
ويُقَدِّر القائل بتأخير الصِّفة الظّاهرة أنَّ "لها" تتَعَلَّق بصفَة لـ"صغير"، أي:
(1) رواه البخاري (223) في الوضوء، ومسلم (287)، (104) في الطهارة.
(2)
مُكَرّرة في الأصل.
(3)
انظر: إرشاد السَّاري (1/ 292)، مرعاة المفاتيح (2/ 197).
(4)
انظر: البحر المحيط (4/ 299)، اللباب في عُلوم الكتاب (7/ 391)، (14/ 462)، تفسير الألوسي (3/ 331)، شرح ابن عُقيل (1/ 154، 155، 156).
"بابن صغير كائِن لها"، تقدّم؛ فانتصب على الحال.
ويحتمل أنْ تتعلق بـ "ابن"؛ لأنّه بمَعنى "مَولُود".
وقوله: "لم يأكُل الطَّعَام": يحتمل أن يَكُون صفَة أخْرَى. ويحتمل أنْ يكُون في مَحَل الحال من الضمير في مُتعَلّق المجْرُور، أو مِن الضَّمير في "صَغير"؛ لأنّه صِفَة [من](1) الأمْثلة.
ومتى جَعَلت الجُملة حَالًا وهي مَنفية بـ"لَم": فالمختارُ إثبات "الواو"(2).
قال بعضُ النحويين: مَجيءُ الجُمْلة الحالية بـ"لم" أو بـ"ما" خَاليَة عن الواو قَليلٌ جدًّا، وب"لمّا" كثيرٌ حَسَنٌ، نحْو قولك:"جَاء زَيدٌ ولمّا يَضْحَك"، والأكثرون على خِلافِ ذلك كُلّه (3).
ومِن مَجيء الحال بـ"لم": قولُه تَعَالى: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمران: 174](4).
قلتُ: الغالب أن "لم" لنفي الزمان المنقطع من زمان الحال، و"لما" لنفي الزمان المتّصل بزمان الحال.
وجاءت "لم" للمُتصل في قولِه تعالى: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} [البقرة: 259]، وقوله تعالى:{وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} [مريم: 4](5)، وسيأتي تمام الكلام عليها في الحديث الرّابع.
(1) غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(2)
انظر: البحر المحيط (2/ 635، 636).
(3)
انظر: البحر المحيط (2/ 635، 636).
(4)
انظر: البحر المحيط (2/ 635).
(5)
انظر: شرح التسهيل (4/ 64)، والمغني (ص 367)، وشرح التصريح (2/ 632)، والهمع (2/ 542).
قولُه: "إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم": يتعلق بـ"أتت"، و"في حجره" بفتح "الحاء" وكسرها، يتعلق بـ "أجلسه".
و"على ثوبه": يتعلق بـ "بال"، و"الهاء" في "ثوبه" تعود على "النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم"، وقال بعضهم: تعود على "الصبي"، وفيه بُعد كأنه فر من قولُه:"ولم يغسله".
و"بماء: يتعلق بـ"دعا"، و"على ثوبه" الثانية تتعلّق بـ"نضحه".
وجملة "ولم يغسله" في محلّ حال من الضمير في "نضحه".
وجاء الحال بـ"الواو" والضمير، وهو الأكمَل، كقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6]. (1)
قال ابن هشام: الحال يكون جملة [بثلاثة](2) شروط: -
أحدها: أن تكون خبرية. وغلط من قال في قولِه:
اطلُبْ وَلَا تَضْجَرَ مِنْ مَطْلَبِ
…
........................ (3)
أن "لا" ناهية و "الواو" للحال.
قلت: يريد أن "الواو" واو الجمع؛ فتنصب بإضمار "أن"، مثل:"لا تأكل السمك وتشرب اللبن"(4).
(1) انظر: اللمحة (1/ 394).
(2)
بالنسخ: "بثلاث".
(3)
صدر بيت من السريع، وهو لبعض المولدين. وتمامه:"فآفَةُ الطَّالِبِ أن يَضْجَرَا". انظر: شرح التصريح (1/ 609)، والهمع (2/ 320)، والمعجم المفصل (3/ 101).
(4)
قال ابن الشجري في أماليه (2/ 148): وأمّا الواو فيضمرون "أن" بعدها، إِذَا أرادوا النّهى عن الجمع بين الشيئين، كقولك:"لا تأكل السّمك وتشرب اللّبن"، أى:"لا تجمع بينهما". وانظر: شرح التسهيل (4/ 36)، شرح المفصل (4/ 233، 236، 245، 252)، وهمع الهوامع (1/ 63، 73)، (2/ 394).
قال: الثاني: أن تكون [غير](1) مصدّرة بدليل استقبال، وغلط من أعرب:{سَيَهْدِينِ} من قولُه تعالى: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)} [الصافات: 99] حالًا (2).
الثالث: أن تكون مرتبطة بـ "الواو" والضمير، نحو {خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ} [البقرة: 243]، أو بالضمير فقط، نحو:{اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [الأعراف: 24]، أي:"متعادين"، أو بـ"الواو" فقط، نحو:{لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} [يوسف: 14]. (3)
وتجب "الواو" قبل "قدُ" داخلة على مضارع، نحو:{لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ} [الصف: 5](4).
وتمتنع في سبع صور: -
أحدها: الواقعة بعد عاطف، نحو:{فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} [الأعراف: 4].
الثانية: المؤكّدة لمضمون الجملة، نحو:"هو الحق لا شك فيه"، {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2].
الثالثة: الماضي التالي "إلَّا"، نحو:{إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (11)} [الحجر: 11].
الرابعة: الماضي المتلو بـ"أو"، نحو:"لأضربنه ذهب أو مكث".
الخامسة: المضارع المنفي بـ "لا"، نحو:{وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ} [المائدة: 84].
السادسة: المضارع المنفي بـ"ما"، كقوله:
(1) سقط من النسخ. والمثبت من المصدر.
(2)
انظر: البحر المحيط (9/ 116).
(3)
انظر: أوضح المسالك (2/ 285 وما بعدها).
(4)
انظر: أوضح المسالك (2/ 287، 288).
عَهِدْتُك مَا تَصْبُو وَفيكَ شَبِيبَةٌ
…
فَمَا لَكَ بَعْدَ الشَّيْبِ صَبًّا مُتَيّما (1)
السابعة: المضارع المثبت، كقوله تعالى:{وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)} [المدثر: 6]. انتهى من "التوضيح"(2).
قولُه: "وحديث عَائِشَة": يحتمل الرفع على أنَّه مفعول "رُوي" المبني، ويحتمل الرفع على الفاعلية بتقدير:"وجاء حَدِيث". أو يكون "حَدِيث عَائِشَة" مرفوع بالابتداء، والخبر في مجرور مُقدّر، أي:"ومن هذا في المعنى حَدِيث عَائِشَة".
ويحتمل أن يكون "أن رسول الله
…
إِلَى آخره" بدل من "حَدِيث عَائِشَة" بَدَل اشتمال، ويكون الخبر محذوفًا. والتقدير: "وأن رسول الله أتي بصبي" بمعناه، أو يكون التقدير: "وحديث عَائِشَة بأن رسول الله"؛ فيتعلق بـ"حَدِيث"، والخبر مقدر، أي: "بمعناه".
ويحتمل الاستئناف؛ فيكون "حَدِيث عَائِشَة" مبتدأ، والخبر: "أن رسول الله
…
إِلَى آخره"، والمعنى: "وحديث عَائِشَة المذكور في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وهو أوجَهُها.
و"أتي" مبني لمَّا لم يسم فاعله، والمفعول الذي لم يُسمّ فاعله ضمير "النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم"، و"بصبي" يتعلق بـ"أتي".
قوله: "فبال"، "فدَعَا"، "فأتبعه": معطُوفات.
و"إياه" ضمير "البول"، وهو مفعول ثان لـ "أتبعه"، وهو يتعدّى لاثنين، قال
(1) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة. انظر: حاشية الصبان (2/ 281)، وأوضح المسالك (2/ 290)، شرح التصريح (1/ 612)، والمعجم المفصل (7/ 110).
(2)
انظر: أوضح المسالك (2/ 287 وما بعدها). وهو المراد بقوله: "التوضيح".
وراجع: همع الهوامع (2/ 320)، شرح التصريح (1/ 609)، وجامع الدروس العربية (3/ 105).
الله تعالى: {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} [الطور: 21](1)، وقد يتعدّى إِلَى واحد، كقوله تعالى:{فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ} [الأعراف: 175](2).
قال في "الصحاح": يُقال: "تبعت القوم"، "تبعًا" و"تباعة" بالفتح، إِذَا "مشيت خلفهم"، أو "مروا بك فمضيت معهم"، وكذلك:"اتبعتهم"، و"أتبعت القوم" على "أفعلت"، إِذَا كانوا قد سبقوك فلحقتهم، و"أتبعت" أيضًا غيري، أي:"أتبعته الشيء، [فتبعه] (3) ". (4)
ويحتمل أن تكون الفاءات في المعطوفات للسببية، فيرتبط بعضها ببعض، مع أَنَّهُ لا يشترط في الجمل المعطوفات اتفاق معانيها، فيجوز عطف الخبر على غيره وبالعكس، هذا مذهب سيبويه، وقد أجازوا:"جاءني زَيْدِ، ومَنْ عَمْرو، العاقلان" على أنَّ يكون العاقلان خبر مبتدأ محذوف (5).
ومنه (6) قول امرئ القيس:
وإنّ [شفائي](7) عبْرَة إن سفحتها
…
فَهَل عِنْد رسمٍ دارسٍ من معوّل (8)
(1) انظر: البحر المحيط (9/ 571).
(2)
انظر: الكشاف (2/ 177)، والمحرر الوجيز (2/ 476)، وأضواء البيان للشنقيطي (9/ 173)، والتحرير والتنوير (9/ 181).
(3)
بالنسخ: "فتبعته".
(4)
انظر: الصّحاح (3/ 1189، 1190).
(5)
انظر: البحر المحيط (1/ 180)، التقييد الكبير في تفسير كتاب الله المجيد للبسيلي (ص/ 254)، الكتاب (2/ 60)، مغني اللبيب (ص 627، 630)، شرح الأشموني (2/ 406)، همع الهوامع (3/ 225).
(6)
انظر: البحر المحيط (1/ 180)، مغني اللبيب (ص 627).
(7)
في الأصل: "سفار"، والمثبت من المصادر.
(8)
البيت من الطويل، وهو لأمرئ القيس. انظر: سمط اللآلي في شرح أمالي القالي (1/ 943)، وشرح القصائد السبع الطوال (ص 25)، والصناعتين للعسكري =