الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث العاشر:
[90]
: عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زيدٍ الجْرْمِيِّ الْبَصْرِيّ، قَالَ:"جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحويرِثِ في مَسْجِدِنَا هَذَا، فَقَالَ: إنِّي لأُصَلِّي بِكُمْ وَمَا أُرِيدُ الصَّلاةَ، أُصَلِّي كَيْفَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، فَقُلْتُ لأَبِي قِلابَةَ: كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي؟ فَقَالَ: مِثْلَ صَلاةِ شَيْخِنَا هَذَا، وَكَانَ يَجْلِسُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ"(1). (2)
قوله: "عن أبي قلابة": الرّاوي عن" أبي قلابة": ["وُهَيب"](3) كان حقّه أن يذكُره "الشيخ"؛ لأنّه قَال في الحديث: "فقُلتُ لأبي قلابة"، ولم يعْتَرض الشّيخ "تقيّ الدّين" على صاحب "العُمْدَة" هذا، واعترض عليه في إدْخَاله هذا الحديث في "العُمْدَة" بعد أنْ شَرَط أنْ يذْكُر ما اتّفَق عليه" مُسْلم" و "البُخَاري"، وهذا الحديثُ مما انفَرَد به "البخاري"(4). (5)
قوله: "عبد اللَّه بن يزيد": بَدَلٌ من "أبي قلابة، أو عَطْف بيَان. وتقدّم الكَلامُ على "يزيد" في الرابع من "الإمامة".
(1) رواه البخاري (677)، (824)، في الأذان، ومسلم (391) في الصلاة.
(2)
جاء في نُسخ "العمدة" بعدها: "أَرادَ بشيخِهمْ: أَبا بُريد، عَمرَو بنَ سَلمَة الجرْميَّ"، وفي بعضها: "
…
أبا يزيد
…
". وانظر: العمدة (ص 76)، صحيح البخاري (802، 824)، إحكام الأحكام (1/ 247)، الإعلام لابن الملقن (3/ 124).
(3)
هذا سهو من ابن فرحون، وكأنه نظر إلى شرح ابن دقيق العيد فرأى ذكره الرواية عن "وهيب"؛ فظنّ أنه هو الرواي عن "أبي قلابة". والصّحيحُ أنّ الراوي عنه هو:"أيوب السختياني"، وقد روى "وهيب" عن "أيوب". وانظر: عُمدة القارى (5/ 201)، إرشاد الساري (2/ 125)، إحكام الأحكام (1/ 248)، الإعلام لابن الملقن (3/ 122، 124).
(4)
صحيح البخاري (677).
(5)
انظر: فتح الباري لابن حجر العسقلاني (2/ 164)، إحكام الأحكام (1/ 248)، الإعلام لابن الملقن (3/ 122).
و"الجرمي البصري": نعتان لـ "أبي قلابة"، على تقدير أن يكُون "عبد الله"[معطُوفًا](1) عطْف بيان؛ لأنّ البَدلَ لا يتقَدّم على النّعت، وأمّا عَطفُ البيان فإنّه كالنّعت في البيان (2).
وقد قيل في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ} [الفاتحة: 6، 7]: إنّ التقدير إذا نَصَبت "الرّاء": "غير صراط المغضوب عليهم"، على أنّه نعتٌ للصراط المعَرّف بالألِف واللام.
واعتُرض بالفَصْل بين الصّفة والموصُوف بالبَدَل الذي هو: "صراط الذين". وضَعّف "أبو حيّان" هذا الوجْه، أعني: تقدير "غير صراط المغضوب" نعتًا. (3)
قال ابنُ عصفور: إذا اجتمعت التّوابع بدَأت بالنّعت، ثم التوكيد، ثم بالبدَل، ثم بالعَطْف.
وسببُ تقديم النّعت على التوكيد: [أنّك](4) لا تُؤكّد الشيء إلّا بعد معرفته واستقراره، ولذلك لا تُؤكّد النكرة، كما تقدّم.
وسَببُ تقدّم التوكيد على البدل: أنك لو قدّمت البَدَلَ لكُنت من حيث أبدَلْت قد نويتَ بالأوّل الطّرْح من جهة المعنى، والتأكيدُ بعد ذلك [ق 70] يكُون بمنزلة المعتمَد عليه الذي لم [تنو به](5) الطَّرْحَ، وذلك [تناقضٌ](6).
(1) بالنسخ: "معطوف".
(2)
انظر: البحر المحيط (1/ 52)، دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (8/ 717)، شرح جمل الزجاجي لابن عصفور، ط الموصل، (2/ 264)، مُغني اللبيب (ص 659)، العُمدة في إعراب البردة (ص 62)، المقتضب (3/ 272)، (4/ 399).
(3)
انظر: البحر المحيط (1/ 52، 54).
(4)
بالنسخ: "لأنك". والمثبت من "شرح الجمل".
(5)
غير واضحة بالنسخ. والمثبت من "شرح الجمل".
(6)
غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "نيل بعض".
وقُدِّم البَدَلُ على العَطْف: لأنّ البَدَلَ على كُل حَال مُبيّن للأوّل، فكأنّه من كماله، ولا يُعْطَف على اسم إلّا بعد كماله. (1)
قوله: "قال: جَاءَنا مالك بن الحويرث": فاعلُ "قال": ضمير "أبي قلابة". و"ابن الحويرث": نعتٌ لـ"مالك". و" في مسجدنا" يتعلّق بـ "جاءنا". و"جاء" يأتي الكَلامُ عليه في الحديث الثّامن من "باب الصّوم في السفر وغيره".
قوله: "هذا": يصحّ أن يكون نعتًا لـ "مسجدنا"، وأسماءُ الإشارة تُنعَتُ ويُنعَت بها، بخِلافِ المضْمَر؛ فإنه لا يُنعَتُ ولا يُنعَتُ به. ويصحّ (2) أنْ يكُون بَدَلًا أو عطف بيان. (3)
قوله: "قال: إني لأُصَلّي بكم": "اللام" الداخلة في خبر "إنّ"، و"الباء" في "بكم" باء الإلصاق، أو "باء" التعدية. (4)
(1) انظر: شرح جمل الزجاجي لابن عصفور (1/ 273)، شرح الأزهرية (ص 21)، النحو الوافي (3/ 435).
(2)
أي: في قوله: "هذا".
(3)
انظر: شرح جمل الزجاجي لابن عصفور (1/ 207 وما بعدها)، شرح الأشموني (2/ 333)، شرح التصريح (2/ 113)، الجزولية (ص 66)، تسهيل الفوائد (ص 170)، شرح التسهيل (3/ 320 وما بعدها)، المقتضب (3/ 272)، نتائج الفكر (ص 167)، توضيح المقاصد (2/ 952، 957)، شرح الأزهرية (ص 31)، همع الهوامع (3/ 149)، دليل الطالبين لكلام النحويين (ص 47).
(4)
انظر: الجنى الداني (ص 36، 37، 38)، الأصول في النحو (1/ 412 وما بعدها)، أوضح المسالك (3/ 31 وما بعدها)، مغني اللبيب (ص 137 وما بعدها)، شرح الأشموني (2/ 88 وما بعدها)، شرح التصريح (1/ 646 وما بعدها)، شرح التسهيل (3/ 149)، توضيح المقاصد والمسالك (2/ 755 وما بعدها)، همع الهوامع (2/ 416 وما بعدها)، جامع الدروس العربية 3/ 168 وما بعدها)، النحو الوافي (2/ 490 وما بعدها).
قوله: "وما أريد الصّلاة": "ما" نافية، والجملة لا محلّ لها؛ لأنها معترضة. أو تكُون "الواو" واو الحال (1)، أي:"وأنا ما أُريد الصّلاة"، بتقدير مُبتدأ؛ فتكُون الجُمْلة خَبرًا عنه، والمبتدأ والخبر في محلّ الحال من فَاعِل "أُصَلّي".
وعلى هَذا: فالحَالُ غيرُ مُقَارنة، وإنما هي حكَاية حَال إخباره؛ لأنّه لو قَارَن "الصّلاة"[نفي إرادتها](2) لم يَصِحّ، وكانت مجرّدَة للتعليم، والظاهِرُ أنه لا يفْعَلُ ذلك إلّا بنيةٍ صَحيحةٍ تنْعَقِد بها الصّلاة ويكُون في ضمْنها التّعْليم، وذلك لا يَضُرّ، خُصُوصًا إذا كانت غير فرْضه. (3)
قوله: "أُصَلّي كيف رَأيتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُصلّي": الجُمْلةُ بَدَلٌ من قَوله: "لأصَلّي". والتقديرُ: أي "أُصَلّي بكم كيف
…
". ويحتمل أنْ تكُون خَبرًا بعد خَبر، وجُملة "ما أُريد أنْ أُصَلي" مُعترضة (4). وعلى أنّها بَدَلٌ: يكُون محَلُّها محَلّ المبْدَل منه.
قوله: "كيف": "كيف" هنا مُضَمّنة معنى الشّرْط، أي:"كيف رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يُصلّي أُصلّي". (5)
والقَولُ فيها كالقَول في قَوْله تعَالَى: {يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64]،
(1) انظر: عمدة القاري للعيني (5/ 201)، الجنى الداني (164)، شرح الكافية الشافية (1/ 68)، اللمحة (1/ 397 وما بعدها)، الفصول المفيدة في الواو المزيدة (ص 155)، جامع الدروس العربية (3/ 103).
(2)
في (ب): "بفي أراد بها".
(3)
راجع: فتح الباري لابن رجب (6/ 110، 111)، عُمدة القاري للعيني (5/ 201)، إرشاد الساري للقسطلاني (2/ 42)، إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (1/ 248)، كوثر المعاني الدَّرَارِي (8/ 450).
(4)
انظر: البحر المحيط (4/ 316).
(5)
انظر: البحر المحيط (3/ 20)، (4/ 316)، عُمدة القَاري للعيني (5/ 201)، مغني اللبيب لابن هشام (ص 270).
و {يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} [آل عمران: 6]، {فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ} [الروم: 48]. والتقدير: "كيف يشاء أنْ يُنْفق يُنفِق"، "كيف يشاء أن يُصَوِّر صَوّركم". (1)
وأما العاملُ في "كيف" هنا فهُو: "أُصَلّي" الثانية، وقد جَاء على شَرط "كيف" الشّرْطية؛ لاقتضائها فِعْلين مُتفقي اللفظ والمعنى، غير مجْزُومَين. (2)
قال أبو حيّان: وحُذفَ فعلُ الجزاء لدلالة ما قبله عليه - وهو "يُصَوِّركم" - كقَولهم: "أنتَ ظَالمٌ إن فَعَلت"، أي: ["
…
إنْ فَعَلْت فأنتَ ظالمه"] (3). ولا مَوضعَ لهذه الجُمْلة - أعني: "كيف يشاء" - وإن كانت مُتعلّقة بما قبلها في المعنى، [كتعَلّق] (4) "إنْ فَعَلْت" بقوله: "أنتَ ظالمُ". (5)
واعلم أنَّ "كيف" هُنا شَرْطيّة، كما تقدّم. ويحتمل (6) أوجُهًا، منها: أنْ تكُون حَالًا، أي:"أُصَلّي على حَالةٍ رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يُصَلّي عليها"، ويكُون العَامِلُ في الحال:"أُصَلي"؛ لأنّ الحالَ من ضَميره (7).
ورَدّ ابنُ عصفور وقُوعها حَالًا، وقال: الحالُ خَبر، و"كيف" استفهام؛ فلا يصحُّ وقوعها حَالًا. (8)
(1) انظر: البحر المحيط (3/ 20)، (4/ 316)، مُغني اللبيب (ص 271).
(2)
انظر: البحر المحيط لأبي حيان (4/ 316)، مُغني اللبيب لابن هشام (ص 270، 271)، جامع الدروس العربية (2/ 189).
(3)
هي في البحر المحيط (3/ 20): "أَنْت ظالمٌ إنْ فعلتَ فأنت ظالمٌ".
(4)
هي في البحر المحيط (3/ 20): "فتعلُّقُها كتعلّقِ".
(5)
انظر: البحر المحيط (3/ 20)، (6/ 68، 69)، مغني اللبيب (ص 271).
(6)
المراد: ويحتمل موضع "كيف" بالجملة.
(7)
راجع: البحر المحيط (3/ 20)، (4/ 316)، مغني اللبيب لابن هشام (ص 271)، شرح جمل الزجاجي (2/ 405).
(8)
انظر: شرح جمل الزجاجي (2/ 405)، توضيح المقاصد (2/ 701).
ومَذْهَبُ سيبويه في "كيف" أنها ظرْفٌ مُطلقًا؛ فتكُون في محل نصب على الظّرْفية، والعامِلُ فيها فعلُها. (1)
قال ابنُ مَالك ما معناه: لم يمل أحَدٌ إنها ظرْفٌ مُطلقًا؛ إذ ليسَت زَمانًا ولا مَكَانًا، ولكنّها لما كانت تُفَسر بقَولك:"على أي حَال" لكَونها سُؤالًا عن الأحْوَال العَامّة سُمّيَت ظَرْفًا؛ لأنّها في تأويل الجاز والمجرور، واسمُ الظرْف يُطلَقُ عليهما مجازًا. (2)
قال ابنُ هشام: وهو حَسَن، ويؤيّده الإجماعُ على أنّه يُقَال في البَدَل:"كيف أنت؟ أصَحيحٌ أم سَقيمٌ" بالرّفع، ولا يُبدَلُ المرفُوعُ من المنصوب. انتهى. (3)
وتحتمل "كيف" هُنا أنْ لا يكُون لها مَوضعٌ من الإعْراب، كما قيل في قَوله تعَالى:{يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} [آل عمران: 6].
وإذا لم يكُن لها موْضِع: فلا بُدّ من عَامِل يُقَدّر بعدها؛ لما تضمّنته من معنى الاستفهام. (4)
قال أبو حيّان: قد يَصْحَبها معنى التقْرير، نحو قَوله تعَالى:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة: 28]. (5)
(1) انظر: مغني اللبيب (ص 272)، شرح جمل الزجاجي لابن عصفور (2/ 405)، الهمع للسيوطي (2/ 218).
(2)
انظر: مغني اللبيب لابن هشام (ص 272)، شرح جمل الزجاجي (2/ 405، 406)، الهمع للسيوطي (2/ 219).
(3)
انظر: مُغني اللبيب (ص 272)، شرح جمل الزجاجي (2/ 405)، الهمع للسيوطي (2/ 219)، المدارس النحوية (ص 350).
(4)
انظر: البحر المحيط (3/ 20)، (4/ 316).
(5)
انظر: البحر المحيط (1/ 187)، الفصول المفيدة في الواو المزيدة (ص 158)، شرح التسهيل (2/ 372، 373)، الصاحبي (ص 115)، الهمع (2/ 322).
ودُخُولُ حَرْف الجرّ عليها شَاذٌّ، والشَّرْطُ بها قَليلٌ، والجزْمُ بها غيرُ مَسْمُوع، فلا يُقَاسُ، خِلافًا للكُوفيين. (1)
قوله: "فقلتُ لأبي قلابة: كيف كان يُصلّي؟ ": "كيف" هنا في محلّ حَال من ضَمير "يُصلّي"، أي:"على أي حَال، مُطوِّلا يُصلّي أم مخففًا؟ ". والجملة وما بعدها معمولة للقول.
قوله: "قال: مثل صَلاةِ شيخنا هذا": التقدير: "يُصَلّي صَلاة مثل صَلاة شيخنا هذا". فـ "مثل" نعْتٌ لمصدر محذُوف، أو يكون منصوبًا على الحال، أي:"يُصلّي الصّلاة في حَال مُشَابهتها لصَلاة شَيخنا". و "هذا" نعتٌ لـ"شَيخنا"، وقد تقَدّم قَريبًا مثله في:"مَسْجدنا هذا".
"وكان يجلس": اسم "كان" يعُود على شيخهم " [أبي] (2) بُرَيد" - بضم الموحَّدَة، وفتح "الرّاء" - عمرو بن سَلِمَة - بكَسْر "اللام" - الجرْميّ، بفتح "الجيم" وسُكون "الرّاء" المهمَلة [قاله](3) الشّيخُ "تقيّ الدّين". (4)
قوله: "إذا رفع رأسه من السجود": جَوَابُ "إذا" محذُوفٌ، يدلُّ عليه ما قبله، أي:"إذا رَفَع جَلَس". والعاملُ في "قبل": "يجلس". و"أنْ" وما بعدها في محلّ جرّ بالإضَافة إلى "قبل".
(1) انظر: البحر المحيط لأبي حيان (1/ 139)، مغني اللبيب لابن هشام (ص 273)، شرح جمل الزجاجي (2/ 405).
(2)
سقط من النسخ. وانظر: إحكام الأحكام (1/ 247).
(3)
بالنسخ: "قال". والصواب المثبت.
(4)
انظر: إحكام الأحكام (1/ 247، 248).