الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب التيمم
الحديث الأول:
[38]
: عن عمران بن حصين -رضى الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي رجلًا معتزلًا لم يصل في القوم فقال: "يا فلان ما منعك أن تصلي في القوم"، فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة وَلَا ماء، قال:"عليك بالصعيد فإنه يكفيك"(1).
قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجُلًا": قائم مقام المفعول الذي لم يُسمّ فاعله، والرؤية هنا بصرية، فـ "رجلًا" مفعول به.
و"معتزلًا" صفة له. ويجوز أن يكون حالًا من "رجل" على رأي مَن يجيز الحال من النكرة (2).
و"لم يُصلّ" صفة أخرى. ويصحّ أنْ يكُون في محلّ الحال من "رجُلًا"؛ لأنّه وصف بقوله: "مُعتزلًا".
وعلامةُ الجزم في "لم يُصلّ" حَذفُ"الياء"، ويجوز إثباتها، كقوله تعالى:"إِنَّه من يَتَّقِي"(3)، وقوله:
ألمْ يأتِيكَ والأنباءُ تَنمِي
…
بما لاقت لَبُونُ بني زيادِ (4)
(1) رواه البخاري (348) في التيمم.
(2)
انظر: التعليقة على كتاب سيبويه (1/ 211)، شرح المفصل (2/ 220)، وحاشية الصبان (3/ 339، وما بعدها)، والهمع (2/ 304).
(3)
سُورة [يوسف: 90]. وهي قراءة ابن كثير وقنبل.
وانظر: البحر المحيط (4/ 626)، (10/ 525)، معاني القراءات للأزهري (2/ 50)، إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث (ص 136)، شواهد التوضيح (ص 244)، عقود الزبرجد (2/ 4 [8] 482)، شرح التسهيل (1/ 58).
(4)
البيتُ من الوافر، وهو لقيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة العبس. انظر: شواهد =
وقوله: "في القَوم"، ولم يقُل:"مع القَوم"؛ لأنّه أراد: "لم يدخُل في صَلاة القَوم"، وهو حالٌ مُؤكّدة أو صفَة مُؤكّدة (1).
قولُه: "يا فُلان": الكلامُ على "فُلان" يأتي في السّادس مِن "باب الإمامة"، والظّاهر أنّه صلى الله عليه وسلم قَال له:"يا فُلان" هكذا، أو يحتمل أنّ الرّاوي نسي اسمه.
قولُه: "ما منعك: "مَا" مُبتدأ، من أسماء الاستفهام، و"منعك" في محلّ الخبر، أي: "أي شيءٍ منعك".
ولـ"مَا" أقسَام: استفهامية، نحو:"مَا منعك". وموصُولة. وموصُوفة. وتامّة، نحو:{فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271]، أي:"فنعم الشيء هي". واسمًا خاصًّا، نحو:"دققته دقًّا [ما] (2) ". وتعجبية، نجو:"ما أحسن زيدًا". وشرطية، نحو:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106]. وتجيء حرفًا، نافية، ومصدرية زمانية، وزائدة، كافة وغير كافة (3).
قولُه: "فقال: يا رسُولَ الله": منادى مُضاف. وتقدّم القول في المنادى في الرّابع من هذا الباب.
وفي قولُه: "أصابتني جَنَابة" ما يقتضي أنّ ذلك عن احتلام، ولو [قال] (4):
= التوضيح (ص 73)، أمالي ابن الشجري (1/ 126)، وجمهرة الأمثال للعسكري (1/ 344)، وخزانة الأدب (8/ 365)، والحماسة البصرية (1/ 48)، والمعجم المفصّل (2/ 357).
(1)
انظر: إحكام الأحكام (1/ 145).
(2)
ما في المصادر هو: "نِعمَّا". والمعنى: "نعم الدق".
(3)
انظر في أوجه "ما": مغني اللبيب (ص 390 وما بعدها)، شرح التسهيل (3/ 12)، شرح المفصل (2/ 402 وما بعدها)، التبيين عن مذاهب النحويين (ص 248)، وحاشية الصبان (1/ 224)، وشرح التصريح (2/ 80 وما بعدها).
(4)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب). ولعلَّ الصواب: "صار".
"عن جماع" لقَال: "أصبتُ جَنابة". أو لأنّ مَن أصَابك فقد أصبته، ولأنّ المنع بسبب الجنابة إصابة.
وقوله: "وَلَا مَاء": "لا" نافية. و"مَاء" نكرة في سياق النفي.
و"ماء" أصله: "مَوَهٌ"؛ لقولهم: "مَاهَت الرَّكِيَّةُ"[مَوْهًا](1)، ولقولهم في جمعه:"أمواه"، ثم قُلبت "الواو"[ألِفًا](2) لتحرّكها وانفتاح ما قبْلها، فقيل:"ماه"، ثُم أبدَلُوا من "الهاء" همزة، وليس بقياس (3).
وتقدّم القَول على "لا" في الأوّل من "باب الاستطابة".
وهنا محذُوفٌ تقديره: "لا مَاء موجُود"، أو "عنْدي".
قال الشيخُ تقيّ الدّين: حذفُ الخبر في قولِه: "وَلَا ماء" أي موجود أو عندي، وفي حذْف الخبر بسط لعُذره؛ لما فيه من عُموم النفي، كأنّه نفى وجُود الماء بالكلية بحيث لو وجد بسببٍ أو سَعي أو غير ذلك لحصّله؛ فإذا نفى وجوده مُطلقًا كان أبْلَغ في النفي وأعْذَر له.
(1) بالنسخ: "موه". ولعلّ ما بالنسخ يصح على بُعد. وانظر: الصحاح (6/ 2250)، ولسان العرب (2/ 535)، (13/ 543 وما بعدها).
(2)
بالأصل: "والفا".
(3)
انظر: رياض الأفهام (1/ 82)، وذخيرة العقبى (5/ 303)، واللباب في علل البناء والإعراب (2/ 298)، شرح شافية ابن الحاجب للرضي (3/ 208)، والممتع الكبير لابن عصفور (ص / 230)، وشرح التصريح (2/ 577)، وإسفار الفصيح (2/ 801)، ولسان العرب (13/ 543 وما بعدها)، وتاج العروس (36/ 506) وما بعدها، والصحاح (6/ 2250)، والمصباح (2/ 586)، وتهذيب اللغة (6/ 249)، جمهرة اللغة (2/ 994)، والمحكم والمحيط الأعظم (4/ 444)، ومعجم مقاييس اللغة (5/ 286).
وقد أنكر بعض المتكلّمين (1) على النحويين تقديرهم في قول "لا إله إلَّا الله": "لا إله لنا
…
" أو "في الوجود"، وقال (2): نفيُ الحقيقة مُطْلَقة أعَمّ من نفيها مُقيّدة، فإنها إِذَا نُفيت مُقيّدة كَان دَالًّا على سَلْب الماهيّة مع القيْد، وإذا نُفيت غير مُقيّدة كان نفيًا للحَقيقة، وإذا انتفت الحقيقة انتفت مع كُلّ قيْد، أمّا إِذَا نُفيت مُقيّدة بقيْد مخصُوص لم يلزم نفيها مع قيد آخر، هذا أو معناه. انتهى (3).
قال أثيرُ الدّين أَبُو حيّان في "لا إله إلَّا الله": "لا إله" مبني مع "لا"، في موضع رَفْع على الابتداء، وبُني الاسمُ مع "لا" لتضمّنه معنى "من" أو للتركيب (4).
الزجّاج: هو مُعرَبٌ منصوبٌ بها (5).
وعلى البناء: فالخبر مُقدّر.
وقُرئ: "لَا رَيْبٌ فيه"(6) بالرّفع والتنوين، على أنَّ "ريب" مبتدأ، والخبر [في] (7) قولُه:"فيه". أو على أَن تكُون "لا" عاملة عمل "ليس". وضُعّف الأوّل بعدم
(1) هو صاحب المنتخب، وقد ردّ عليه أَبُو عبد الله محمد بن أَبِي الفضل المرسي في "ري الظمآن"، كما ذكر أَبُو حيَّان وغيره.
انظر: البحر المحيط (2/ 75 وما بعدها)، إرشاد الساري (9/ 227)، وشرح الزرقاني على موطأ الإِمام مالك (2/ 31)، معنى لا إله إلَّا الله للزركشي (ص 74 وما بعدها).
(2)
هو كلام هذا المعترض على النحويين.
(3)
انظر: إحكام الأحكام (1/ 145، 146).
(4)
انظر: البحر المحيط (1/ 62)، (2/ 75 وما بعدها).
(5)
انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج (1/ 69)، وإرشاد الساري (9/ 227)، وشرح ابن عقيل (2/ 8، وبالهامش).
(6)
سورة [البقرة: 2]. وقرأ بها زيد بن علي وأبو الشعثاء.
انظر: البحر المحيط (1/ 62)
(7)
غير واضحة بالأصل، والمثبت من (ب).
تكرارها، والثاني بقلة عملها عمل "ليس"(1).
قال أَبُو حيَّان: واعترض صاحب "المنتخب" على النحويين في تقديرهم الخبر في "لا إله إلَّا الله"(2). وذكر ما ذكره الشّيخ تقيّ الدِّين.
قال: وأجاب أَبُو عبد الله محمد بن أَبِي الفضل المرسي في "ريّ الظمآن"، فقال: هذا كلام مَن لا يعرف لسَان العَرَب، فإنّ "إله" في موضع المبتدأ على قول سيبويه، وعند غيره اسم "لا". وعلى التقديرين: فلا بُد من خبر للمبتدأ أو لـ "لا"، فما قاله من الاستغناء عن الإضمار فاسد.
وأمَّا قولُه: "إِذا لم يضمر كان نفيًا للإلهية" فليس بشيء؛ لأنّ نفي الماهية هو نفي الوجود؛ لأنّ الماهية لا تتصوّر عندنا إلَّا مع الوجود، فلا فرق بين لا ماهية وَلَا وجود. وهذا مذهبُ أهل السنة، خلافًا للمعتزلة، فإنهم يثبتون الماهية عرية عن الوجود، وهو فاسِد.
وقولهم في كلمة الشهادة: "إلَّا [الله] (3)! هو في موضع رفع بَدَلًا من "لا إله"، وَلَا يكون خبرًا [لـ "لا"] (4)؛ لأنّ "لا" لا تعمل في المعارف. ولو قلنا: إنّ الخبر للمُبتدأ، وليس لـ"لا"، فلا يصح أيضًا؛ لما يلزم عليه من تنكير المبتدأ وتعريف الخبر (5).
قال صاحب "المجيد" الأسفاقسي: قد أجاز الشلوبين في تقييد له على "المفصّل" أنّ الخبر للمبتدأ يكون معرفة، ويسوّغ الابتداء بالنكرة النفي. (6)
(1) انظر: البحر المحيط (1/ 62).
(2)
انظر: البحر المحيط (2/ 75، 76).
(3)
سقط من النسخ. والمثبت من المصادر.
(4)
بالنسخ: "إلا". والمثبت من المصادر.
(5)
انظر: البحر المحيط (2/ 76)، وإرشاد الساري (9/ 227).
(6)
انظر: إرشاد الساري (9/ 227).
واستشكَل الشّيخ أَبُو حيّان كون اسم الله بَدَلًا من "لا إله"، قال: لأنه يمكن في تكرار العامل لو قلت لا هو لم يجز، واختار أَنَّهُ بدل من الضمير المستكن في الخبر المحذوف العائد على اسم "لا"، فإذا قلت:"لا رجل إلَّا زيد" فالتقدير: "لا كائن - أو موجود- إلَّا زَيْدِ"، فـ "زيد" بدل من الضمير في الخبر لا من "رجل".
قال: ولولا تصريح النحويين أَنَّهُ بدلّ على الموضع من اسم لا لتأولنا كلامهم على أنَّهم يريدون بقولهم "بَدَل من اسم لا" أي من الضمير العائد على اسم "لا".
قال بعضهم: لا يجوز فيه النصب هنا؛ لأنَّ الرفع يدلّ على الاعتماد على الثاني، والمعنى في الآية على ذلك، والنصب يدل على الاعتماد على الأوّل.
ورُدّ بأنه لا فرق بين "ما قام القوم إلَّا زيد" و"إلَّا زيدًا" من حيث أن "زيدًا" مستثنى من جهة المعني، وإنَّما الفرق من حيث الإعراب؛ فأعربوا الأول بدلًا، والثاني استثناء، والبدل أولى للمُشاكلة، والاستثناء جائز (1).
قولُه: "عليك بالصَّعيد": "على" ههنا للإغراء، وسيأتي في الحديث الرابع من "الصَّوم" ذكرها، والكلام على يائها.
والألِف واللام في "الصّعيد" يحتمل أن تكون للجنس، ويحتمل أن تكون للعهد؛ وتكون الإشارة إلى "الصعيد"الذي هو فيه، فيُستَدلّ [-عليّ- بذلك على ما](2) الصّعيد مُتّصف به من سبخة أو غيرها (3).
(1) انظر: البحر المحيط (2/ 75). وراجع: شرح التسهيل (2/ 56، 285)، وشرح المفصل (1/ 265)، (2/ 75)، والتبيين عن مذاهب النحويين (1/ 364)، وأوضح المسالك (2/ 227)، وجامع الدروس العربية (2/ 334، 3/ 28، 131).
(2)
كذا بالنسخ. والمعنى كما في رياض الأفهام (1/ 443): "إِذا حمل على العهد، دل على جواز التيمم بما هو صعيد حينئذ بذلك المكان".
(3)
راجع: رياض الأفهام (1/ 443).