الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قولُه: "ولمسلم: فأتبعه بوله ولم يغسله": تقدّم تقدير المتعلق، ومحلّ قولُه "ولم يغسله". وسيأتي تمام الكلام على "لم" في الذي بعد هذا الحديث، وفي الثالث من "باب الجنابة".
الحديث الرابع
[28]
: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "جاء أعرابى فبال في طائفة المسجد فزجره النّاس فنهاهم النَّبِيّ في فلَمَّا قضي بوله أمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه"(1).
قال الشيخ تقيّ الدين: "الأعرابي" منسوبٌ إلى "الأعراب"، وهم سكان البوادي، ووقعت النسبة إِلَى الجمع دون الواحد، فقيل: إنه جرى مجرى القبيلة كـ"أنمار"، وقيل: لأنه لو نسب إِلَى الواحد، وهو "عرب" لقيل:"عربي"، فيشتبه المعني، فإنّ العربي كلّ مَن هو من ولد إسماعيل عليه السلام، سواء كان بالبادية أو بالقري، وهذا غير المعنى الأوّل (2).
قولُه: "فبال في طائفة": المراد: "فشرع في البول"، بدليل قوله "فلَمَّا قضى بوله".
وحرفُ الجر يتعلّق بالفعل.
والإضافة في "طائفة" مقدّرة بـ"في"، أي:"قطعة في المسجد". ويبعد أن يقدر بـ"من"؛ لأنّ الثاني لا يصح أن يكون خبرًا عن الأوّل، بخلاف:"خاتم حديد"(3).
= (ص 126)، وخزانة الأدب (3/ 224)، وشرح المعلقات للزوزني (ص 38)، والعمدة لابن رشيق (2/ 86)، والكتاب (2/ 142)، والمعجم المفصل (6/ 571).
(1)
رواه البخاري (221) في الوضوء، ومسلم (285) في الطهارة.
(2)
انظر: إحكام الأحكام (1/ 121).
(3)
راجع: رياض الأفهام (3/ 47)، الإعلام لابن الملقن (4/ 208)، شرح القطر (ص 298).
و"الطائفة من الشيء": "القطعة منه"(1).
و"المسجد": بكسر "الجيم" وفتحها، وقيل:[بالفتح](2) اسم للمكان، وبالكسر اسم للموضع المتّخذ مسجدًا. وجاء فيه:"مسيد"(3).
قولُه: "فلَمَّا قضي": "لما" تأتي على ثلاثة أوجُه: -
أحدها: أن تختصّ بالمضارع فتجزمه وتقلبه ماضيًا، كـ "لم". (4)
وتفارق"لما""لم" في أمور خمسة: -
أحدها: أن لا تقترن بأداة شرط، لا يُقال:"إن لما يقم زَيْدِ".
الثاني: أنّ منفيها مستمر إِلَى الحال.
قال ابن هشام: مثّل ابن مالك (5) للنفي المنقطع بـ"لم" بقوله:
وكنتَ إذْ كنتَ إلهي وَحْدَكا
…
لَمْ يَكُ شيءٌ يا إلهي قَبْلَكَا (6)
قال: وتبعه ابنه فيما كتب على "التسهيل"(7)، ................................
(1) انظر: لسان العرب (9/ 226)، والنهاية لابن الأثير (3/ 153)، مجمع بحار الأنوار (3/ 483).
(2)
بالنسخ: "الفتح". والمثبت من "رياض الأفهام".
(3)
انظر: رياض الأفهام (1/ 340)، تصحيح التحريف (ص 478)، وتحرير ألفاظ التنبيه (ص 40)، وتاج العروس (8/ 236).
(4)
انظر في أوجه"لما": شرح التسهيل (4/ 64)، وشرح الكافية الشافية (3/ 1573)، وشرح التصريح (1/ 693).
(5)
انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1573).
(6)
البيت من الرجز، وهو لعبد الله بن عبد الأعلى القرشي.
انظر الكتاب (2/ 210)، وشرح التصريح (1/ 693)، وشرح الكافية الشافية (1/ 409).
(7)
انظر: شرح التسهيل (4/ 64).
وذلك وَهْم فاحش (1).
قلتُ: هذا من أبيات سيبويه (2).
قال الأعلم: تقدير البيت: "وكنت إلهي إذ كنت وحدكا لم يكن شيء يا إلهي قبلكا".
قال: وفيه دليلٌ على لإثبات"الياء" في "إلهي" على الأصل وحذفها أكثر؛ لأنّ النداء باب حذف وتغيير، و"الياء" يشبه التنوين في الضعف (3).
الثالث: أن منفي "لما" لا يكون إلَّا قريبًا من الحال، وَلَا يشترط ذلك في منفي "لم".
الرابع: أنّ منفي "لما" متوقع ثبوته، بخلاف منفي "لم".
الخامس: أنّ منفي "لما" جائز الحذف لدليل، كقوله:
فجئتُ قبورَهم بَدْءًا ولمّا
…
فنادَيْتُ القبورَ فلم يُجِبْنَه (4)
أي: "ولَمَّا أكن بدءًا قبل ذلك"، أي:"سيدًا"(5).
قلت: في الصّحاح: "البَدْء": "السيد الأوّل في السيادة". و"الثِّنيان": "الذي
(1) انظر: مغني اللبيب (ص 368).
(2)
انظر: الكتاب (2/ 210).
(3)
انظر: شرح المفصل (1/ 350)، والمقتضب (4/ 247).
(4)
البيت من الوافر، وهو بلا نسبة. انظر: اللباب لابن عادل (3/ 511)، (10/ 584)، وخزانة الأدب (10/ 114)، والصاحبي (1/ 107)، وشرح التسهيل (4/ 65)، وشرح الكافية الشافية (3/ 1577)، وهمع الهوامع (2/ 544)، ولسان العرب (12/ 533).
(5)
انظر: اللباب لابن عادل (3/ 511)، (10/ 584)، مغني اللبيب (ص 369)، وشرح التسهيل (4/ 65).
يليه في السُّؤْدُد" (1).
قلت: ومعنى البيت: "أنّه وقف على قبور سَادَات النّاس ورؤسائهم الذين لم يكن هو منهم سيدًا، وإنَّما سَاد بعد وفاتهم وانقراضهم"(2).
الثاني من أوجُه"لما": أن تختصّ بالماضي؛ فتقتضي جملتين، ويُقَال فيها:"حرف وجود لوجود"، وبعضهم يقول:"وجوب لوجوب"(3).
وزَعَم ابن السرّاج -وتبعه الفارسي، وتبعهما ابن جني- أنَّها ظرف بمعنى "حين"(4).
قال أَبُو حيّان: يضعف ذلك وقوع جوا بها نفيًا في نحو قولُه تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي} [يوسف: 68]، وما بعد حرْف النفي لا يعمل فيما قبله (5)، ويأتي تمامه في الحديث الثّالث من "كتاب القصاص".
وتكون ["لمَّا"](6) بمعنى "إلّا"، نحو:{إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)} [الطارق: 4]. (7)
قال السهيلي: ليست"لما" في نحو: "لمَا جَاءَ عَمْرو" بمنزلة "الحين" في نحو
(1) انظر: الصحاح للجوهري (1/ 35)، ولسان العرب (12/ 554)، (14/ 122)، وتاج العروس (37/ 294).
(2)
انظر: اللباب لابن عادل (10/ 584)، لسان العرب (12/ 554).
(3)
انظر: مغني اللبيب (ص 369)، همع الهوامع (2/ 222)، الأصول في النحو (2/ 157)، شرح التصريح (1/ 705)، الكليات للكفوي (ص 790)، وحاشية الصبان (2/ 391).
(4)
انظر: الجنى الداني (594).
(5)
انظر: البحر المحيط (6/ 298)، وتفسير ابن عطية (3/ 362).
(6)
بالنسخ: "أما".
(7)
انظر: معني اللبيب (ص 370).
قولك: "حين جاء عمرو جاء زيد"؛ لأنّ الكلام الذي فيه "حين" إنَّما يدلُّ على أنَّ وقت فعل أحدهما هو وقت فعل الآخر، والذي فيه لما يدلُّ على أنَّ أحد الفعلين علة للفعل الآخر ولذلك خصّوا لما بزيادة "أن" بعدها ليفرقوا بين حرف المعنى وبين الظرف، وإنَّما آذنت "أن" بهذا المعنى لأنَّها تشعر بمعنى المفعول له وإن لم يكن معنى المفعول مقصودًا هنا؛ ولهذا إِذا كان معنى التعقيب دون التسبيب هو المراد لم تزد "أن" بعدها، وتأمل ذلك في التنزيل تجده (1). انتهى.
قال ابن مالك: تقدّر "لما" مع الماضي بـ"إذ"(2).
قال ابن هشام: وهو حسَنٌ؛ لأنَّها مختصّة بالماضي والإضافة إِلَى جملة.
قالْ ورَدّ ابن خروف على مُدّعي الاسمية [بجواز أن يُقال](3): "لما أكرمتني أمس أكرمتك اليوم"؛ لأنك لو قدّرتها ظرفا كان عاملها الجواب، والوا قع في "اليوم" لا يكون في "أمس".
والجوابُ: أنّ مثل هذا قولُه تعالى: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} [المائدة: 116]، والشرط لا يكون إلَّا مستقبلًا، ولكن المعنى:"إن [ثبت] (4) أني كنت قلته"، وكذا هنا:"إن ثبت اليوم إكرامك لي أمس أكرمتك"(5).
وفي السّادس من "صفة صلاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم" تتمة في جواب "لما"، فانظره.
قولُه: "أمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم": جواب "لما"، وهو العامل فيها إِذَا كانت ظرفًا، وما
(1) انظر: نتائج الفكر (ص 98).
(2)
انظر: شرح التسهيل (4/ 65)، شرح الكافية الشافية (3/ 1577)، وهمع الهوامع
(3)
بالنسخ: "نحو أن". والمثبت من المصدر.
(4)
بالنسخ: "ثبتت".
(5)
انظر: مغني اللبيب (ص 369).
بعدها في محلّ جر بها.
قولُه: "بذنوب من ماء": حرف الجر الأول يتعلق بـ"أمر"، والثّاني يتعلق بصفة لـ"ذنوب".
و"الذنوب": الدلو [الملأي](1) بالماء"، يُؤنث ويُذكّر، وَلَا يُقال لها وهي فارغة: "ذنوب". وجمع القلة: "أذنبة"، والكثير: "ذنائب"، كـ"قلوص، وقلائص" (2).
"فأهريق عليه": معطوفٌ على "أمر".
و"الهاء" في "أهريق" زائدة، وأصل "أراق":"أريق"، وأصل "يريق":"ياريق".
وإنَّما قالوا: "أنا أهريقه"، ولم يقولوا:"أأريقه"؛ لاستثقالهم الهمزتين، وقد زال ذلك بالإبدال.
وفيه لغة أخرى: "أهرق الماء"، "يهرقه"، "إهراقًا".
وفيه لغة ثالثة: "إهراق"، "يهريق"، "إهرياقًا"، فهو "مهريق"، والشيء "مهراق" و"مهَراق" أيضًا بالتحريك (3).
قال في "الصحاح": وهذا شاذ (4).
قال: وفي الحديث: "أُهَرِيقَ دَمُهُ"(5)، وتقديره:"يهريق" بفتح "الهاء"(6).
(1) بالنسخ: "الملأ".
(2)
انظر: العين (8/ 190)، لسان العرب (1/ 392)، تاج العروس (2/ 438).
(3)
انظر: العين (3/ 349)، لسان العرب (10/ 366)، تاج العروس (27/ 12)، والنهاية لابن الأثير (5/ 260)، وتهذيب اللغة (5/ 258).
(4)
انظر: الصحاح (4/ 1575).
(5)
صحيح: سُنن أَبِي داود (1449)، وسنن ابن ماجه (2794)، من حَدِيث عَمْرِو بن عَبَسَةَ. وانظر: السلسلة الصّحيحة (552).
(6)
انظر: الصحاح (4/ 1570).