الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وتجيء [إنْ](1) بمعنى "لو" في مثل قولُه تعالى: {لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 17]. أي: "لو كنا فاعلين"(2).
وتجيء بمعنى "إذ"، كقوله تعالى:{وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، ذكرها الكوفيون (3).
ومتى اجتمع شرطان -كقوله تعالى: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ} [الواقعة: 88، 89]- فالجواب لـ"أمَّا" على الصحيح، وقيل: لـ"إنْ"، وقيل: لهما. (4)
الحديث الثامن:
[37]
: عن أَبِي جعفر محمد بن علي بن حسين بن علي بن أَبِي طالب رضي الله عنه أَنَّهُ كان هو وأبوه عند جابر بن عبد الله وعنده قوم فسألوه عن الغسل، فقال: صاع يكفيك، فقال رجل: ما يكفيني، فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى منك شعرًا وخير منك - يريد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ثم أمنا في ثوب (5).
وفي لفظ: "كان صلى الله عليه وسلم يفرغ على رأسه ثلاثًا".
الرجلُ الذي قال: "ما يكفيني" هو: الحسن بن محمد بن علي بن أَبِي طالب، أبوه:"ابن الحنفية".
(1) غير واضحة بالأصل، وفي (ب):"أو".
(2)
انظر: البحر المحيط (7/ 416).
(3)
انظر: البحر المحيط (10/ 457)، حروف المعاني والصفات (ص 58)، والإنصاف في مسائل الخلاف (2/ 518).
(4)
انظر: البحر المحيط (10/ 95 ومابعدها)، اللباب في علوم الكتاب (1/ 581)، التبيان في إعراب القرآن (2/ 1206)، شرح الكافية الشافية (3/ 1647)، الجنى الداني (ص 525، 526)، ومغني اللبيب (ص 810).
(5)
رواه البخاري (252) في الغسل.
قولُه: "عن أبي جعفر": تقدّم بم يتعلّق قريبًا.
و"محمد بن علي" بدل كُلّ من كُلّ أو عطف بيان؛ لأنّ "أَبِي جعفر" فيه إبهام. و"ابن" صفة لـ "محمد". و"ابن الحسين" صفة لـ "علي". و ["ابن](1) علي" صفة للحسين. و"ابن أَبِي طالب" صفة لـ "علي"، رضي الله عنهم أجمعين.
قال ابن الأثير في "جامع الأصول" عند ذكره لفضائل "جعفر" الذي كني عنه [أبوه "محمد"](2): توفي جعفر الصادق وهو ابن ثمان وستين، ودفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمد الباقر، وجدّه علي بن الحسين زين العابدين، وعم جدّه الحسن بن علي بن أَبِي طالب، فلله درُّه من قبر، ما أكرمه وأشرفه (3).
قولُه: "أَنَّهُ كان": في محلّ المفعول الذي لم يُسم فاعله لمتعلق حرف الجر، والجملة من "كان" واسمها وخبرها في محل خبر "أنَّ"، وهو تأكيد لاسم "كان" المستتر فيها مُصححًا للعطف على الضمير المرفوع المستتر.
ويجوز النصب على أنه مفعول معه.
و"عند" ظرف في محلّ خبر "كان"، وبه يتعلّق الظرف (4).
قولُه: "وعنده قوم": مبتدأ وخبر. ومسوغ الابتداء بالنكرة: تقدم الخبر في الظرف.
وتقدّم القول على "عند" في الحديث الأول من "باب السِّوَاك".
قولُه: "فسألوه عن الغسل": يَجوز في "سأل" الهمز والتسهيل، وكسر "السين"
(1) غير واضحة بالأصل، والمثبت من (ب).
(2)
غير واضحة بالأصل، والمثبت من (ب).
(3)
انظر: جامع الأصول (12/ 267).
(4)
انظر: إرشاد الساري (1/ 317).
وفتحها، وفتحها أصح (1).
قولُه: "فقال: صاعٌ يكفيك": هذا يقتضي أن السّؤال وقع بما كان السائل قال: "ما يكفيني، فقال صاع"، أي:"يكفيك صاع"؛ فيرتفع على الفاعلية.
وَلَا يَجوز أن يكون مبتدأ في جواب "أيكفيني صاع أُم لا؟ "؛ لأنه قال: "ما يكفيني"، ولولا رده لكان المسوّغ للابتداء بالنكرة كونه في جواب من سأل بـ "الهمزة" و"أم"، وهو أحَد المسوّغات.
فإن كان التقدير في السؤال: "ما يكفيني في الغسل" صح أن يكون "صاع" مبتدأ؛ لوقوعه في جواب الاستفهام.
ورأيتُ في بعض النسخ أنّ جابرًا قال: "يَكْفيكَ صَاعٌ"(2)، فصرّح بالعامل، وذلك دليل على أنَّ المقدّر يكفي (3).
وفي قولُه: "فسألوه"[وإن](4) كان السائل واحدًا، إمّا لأنهم قدّموه في السؤال، وإمّا لأنّه مقدمهم وكبيرهم وهم تبعٌ له.
قولُه: "ما يكفيني": "ما" نافية، وهو أحَد أقسامها إِذَا كانت حرفًا؛ وإذا نفت المضارع -كما هو هنا- تخلص عند الجمهور للحال.
قال ابن هشام: وردّ عليهم ابن [مالك](5) بقوله تعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ} [يونس: 15].
(1) انظر: البحر المحيط (1/ 380)، (10/ 416).
(2)
انظر: صحيح البخاري (رقم 252)، العمدة (ط المعارف، ص 40)، رياض الأفهام (1/ 418).
(3)
انظر: الإفصاح لابن هبيرة (8/ 231)، وشرح ابن الملقن على البخاري (4/ 553).
(4)
غير واضحة بالأصل، والمثبت من (ب).
(5)
غير واضحة بالأصل، والمثبت من (ب).
وأجيب: بأن شرط كونه للحال انتفاء قرينة خلافه (1).
وفاعل "يكفيني": ضمير "الصاع".
قولُه: "كان يكفي مَن هو": اسم "كان" ضمير "الصاع"، و"مَن، مفعول به موصولة بمعنى"الذي"، و"هو" مبتدأ، و"أوفى" خبره، والجملة في محل الصلة، والعائد "هو"، وَلَا يَجوز حذفه إِذَا وقع في مثل هذا التركيب، وقد جاء حذفه في قراءة من قرأ: "تمامًا عَلَى الّذِي أحْسَنُ" (2) بضم "النون"، أي: "الذي هو أحْسَن"، وهو قليلٌ (3).
ويجوز حذفُه إِذَا طالت الصّلة، نحو قولك:"جاءني الذي هو ضارب عمرًا يوم الجمعة". ويجوز في صلة "أي"، نحو قولُه تعالى:{ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ} [مريم: 69]، أي:"أيهم هو أشَدّ"(4).
و"أوفي": خبرُ المبتدأ، وهو أفعلُ التفضيل، استُعمل بـ "مِن"؛ فلا يُثنى وَلَا يُجمَع وَلَا يُؤنّث (5).
و"شَعرًا": تمييزٌ، العاملُ فيه:"أوفى".
(1) انظر: مغني اللبيب (ص / 399)، شرح التسهيل (1/ 23)، وهمع الهوامع (1/ 38).
(2)
سورة [الأنعام: 154]. وانظر: تفسير القرطبي (1/ 243). ونسب ابن جني هذه القراءة في "المحتسب"(1/ 243) إِلى ابن يعمر، ونسبها صاحب "إتحاف فضلاء البشر"(ص 220) للحسن والأعمش.
(3)
انظر: شرح التسهيل (1/ 208)، والتعليق على كتاب سيبويه للفارسي (1/ 13)، وشرح المفصل (2/ 65)، وحاشية الصبان (1/ 273)، ومغني اللبيب (ص/ 583).
(4)
انظر: شرح التسهيل (1/ 207)، وأوضح المسالك (1/ 171)، وشرح ابن عُقيل (1/ 165).
(5)
انظر: عقود الزبرجد (1/ 262)، شرح التسهيل (3/ 64)، شرح المفصل (2/ 161)، والهمع (3/ 100).
"وخير": بالرفع معطوفٌ على "أوفى". ويجوز بالنصب على أنَّه خبر كان، أي:"مَن كان خيرًا"، و"خيرًا" أفعل التفضيل.
قال في "المجيد": حُذفت همزته شُذوذًا في الكَلام؛ فنقص بناؤه، فانصرف، كما حَذفُوها شُذوذًا في الشّعر مِن "أحَبّ" في قولهم:
.................................
…
وَحَبُّ شَيْءٍ إِلَى الإنْسَانِ مَا مُنِعَا (1)
وقد نطقُوا بهمزة "خير" في الشّعر، قَال:
بِلَالٌ خَيْر النَّاسِ وَابْنُ الأَخْيَرينا (2)
وتجيء لغير التفضيل، تقول:"في زيدٍ خَير"، أي "خصلة جميلة". ومنه:{فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} [الرحمن: 70]. وهو مخفّف مِن "خيّر"، كـ "ميْت" من "ميّت". انتهى. (3)
قال غيرِه: "خيرًا" أفعلُ التفضيل.
فإن قيل: لِمَ لم تمتنع من الصرف للصفة والعَدل؟ لأنّ حد العَدل صادق عليه، وهو خروجُ الاسم عن صيغته الأصلية.
وأجيب بأمور، منها: أنّ العَدل المعتبر في منع الصّرف عَدل لا على طريقة
(1) عجز بيت من البسيط، وهو للأحوص، وصدره:"مُنِعْتَ شيْئًا فأَكثرتَ الوَلوعَ به".
انظر: شرح التصريح (2/ 92)، وشرح التسهيل (3/ 53)، وحاشية الصبان (3/ 62)، وهمع الهوامع (3/ 319)، والمعجم المفصل (4/ 242).
(2)
البيتُ من الرجز، ونسبه الثعلبي نقلًا عن أَبِي حاتم لرؤبة. والمروي فيه بكُل المصادر:"وابن الأخير". انظر: تفسير الثعلبي (9/ 168)، تفسير القرطبي (17/ 139)، اللباب لابن عادل (18/ 262)، البحر المحيط (1/ 330)، شرح التسهيل (3/ 53)، وحاشية الصبان (3/ 63)، والهمع (3/ 319).
(3)
انظر: البحر المحيط (1/ 330).
الحذف، وهذا العَدل على طريقة الحذْف. وهذا مردودٌ بحدهم العَدل، وهو:"خروج الاسم عن صيغته الأصلية".
الثاني: أنه لم يعتبر في الثلاثي السّاكن الوسط لخفته، كما لم تعتبر العجمة في "نوح" و"لوط"، والتأنيث المعنوي في نحو:"هند" على أحَد الوجهين. وهذا مردود بـ "أمس"، فإنه ممتنع للعَدل عن الألِف واللام والتعريف؛ لأنّه ليوم بعينه.
الثالث: أنّ منعه الصّرف مُقتضى القياس، ولكنه لم يُسْمَع إلّا في ألفاظ العَدَد، [وجمع](1)، و"أُخَر"، انتهى (2).
قولُه: "ثم أمَّنا في ثوب": أي: "تقَدّم إمامًا لنا في صَلاةٍ". وحرفُ الجر يتعلّق بالفعل.
قولُه: "وفي لفظ": أي: "ورُوي في لفظ"؛ فيتعلق حرف الجر به. ومفعوله الذي لم يُسَمّ فاعله "كان" مع اسمها وخبرها على الحكاية.
و"ثلاثًا": منصوب على الظرف؛ لأنه عَدَد الظرف أو مصدر، على الخلاف في "مرة"(3).
***
(1) كذا بالأصل. وما في المصادر يشير إِلى احتمال أن يكون المراد بها الجَمْع، أو "جُمَع"، أو "جُمَح". فليحرر. والله أعلم.
(2)
انظر: شرح الأشموني (3/ 142 وما بعدها)، شرح القطر (ص 314 وما بعدها)، شرح المفصل (1/ 174 وما بعدها)، وحاشية الصبان (3/ 339 وما بعدها)، وشرح الكافية الشافية (3/ 1474، 1479، 1498)، وهمع الهوامع (1/ 95 وما بعدها، 107)، وشرح الشذور للجوجري (2/ 826)، وشرح التصريح (2/ 326، 344، 347)، والخصائص (1/ 110)، وتوضيح المقاصد (3/ 1195، 1215).
(3)
انظر: عمدة القاري (3/ 202)، إرشاد الساري (1/ 318).