الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السّادس
[16]
: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة" فأخذ جريدة رطبة، فقسمها نصفين، فغرز في كل قبر واحدة، فقالوا: يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال: "لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا"(1).
الإعراب:
قوله: "بقبرين": يتعلق بـ "مرَّ"، و "مَرَّ" وما بعده معمُول للفعل.
وجملة "صلى الله عليه وسلم" لا محلّ لها من الإعراب.
وقوله: "فقال": معطوفٌ على "مر"، أو على محذوف؛ أي:"فوقف، فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير".
قوله: "إنهما": الضّمير يعود على: "صاحبي القبرين" عند إشارته إليهما ووقوفه عليهما. وكُسرت "إنّ"؛ لأنها في ابتداء الكلام، وإن قَدَّرت قَسَمًا أعربتها جَوابًا له.
قوله: "في كبير": يتعلق بـ "يُعَذَّبَانِ" الثاني، و "يُعذبان" المنفي والمثبت مبنيان لما لم يُسَمَّ فاعله، وعلامة الرفع فيهما "النون"؛ لأنّه اتصل بها ضمير [تثنية](2).
و"اللام" في "ليعذبان" الداخلة في خبر "إنّ" -وهي "لام" الابتداء- تأخّرت، وحقّها أن تتقدّم على "إنّ"؛ لأنه لا يجتمع حرفا معنى لمعنىً واحد إلا بفاصل، ولما كانت "إنّ" للتأكيد و "اللام" للتأكيد قُدّمت "إن"؛ لأنها عاملة، وأخّرت "اللام"؛ لأنها غير عاملة (3).
(1) رواه البخاري (216) في الوضوء، ومسلم (292) في الإيمان.
(2)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(3)
انظر: اللباب في علل البناء والإعراب (1/ 216)، وخزانة الأدب (8/ 31).
وقد جاء الجمعُ بينهما في قول الشاعر:
…
...
…
...
…
...
…
...
…
... لهَنَّكِ من بَرْقِ عليَّ كَريمُ (1)
وهذه "اللام" لا تدخُل على شيء من أخوات "إنّ" لمعنيين، أحدهما: أنّ "إنّ" تكون جوابًا للقَسَم، و "اللام" كذلك، فاحتاجوا إلى الجمع بينهما، بخلاف أخوات "إن"؛ فإنها لا يكون منها شيء جَوابًا للقَسَم، ويسمّي النحويون هذه "اللام":"المزحلقة"، و" [المزحلفة] (2) "، بمَعنى أنها أخّرت عن محلّها وزُحلقت عنه (3).
قوله: "وما يُعذّبان في كبير": قال ابنُ مالك: "في" هنا للتعليل، أي "لأجْل كبير"(4).
قوله: "أما أحدهما": الأصلُ في "أمّا"(5) هذه التي للتفصيل: "مهما يكن من شيء فأحدهما لا يستتر من البول"، فحذفوا الفعل الذي هو "يكن"، ثم عوضوا بين "أمّا" وبين "الفاء" جُزءًا مما دخلت عليه "الفاء" وحصلت فيه قبل حذف الفعل،
(1) عجز بيت من الطويل، وهو لمحمد بن سلمة أو لرجل من بني نمير. وأوّله:"أَلَا يَا سَنَا بَرْقٍ على قلل الحمى". انظر: خزانة الأدب (10/ 338، 351)، والمعجم المفصل (7/ 241).
(2)
بالنسخ: "المزلحيقة". والتصويب من المصادر. وانظر: حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي (7/ 431)، شرح التصريح (1/ 311)، مغني اللبيب (ص 304).
(3)
انظر: حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي (7/ 431)، إرشاد الساري (10/ 326)، مُغني اللبيب (ص 304)، اللمع في العربية (ص 42)، شرح المفصل (4/ 533، 534)، شرح ابن عقيل (1/ 362 وما بعدها)، أوضح المسالك (1/ 333)، شرح الأشموني (1/ 305 وما بعدها)، شرح التصريح (1/ 311)، وجواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع (ص 60 بالحاشية)، والنحو الوافي (1/ 659).
(4)
انظر: شواهد التوضيح (ص 123).
(5)
انظر لمعرفة أحكام (أمَّا): الجنى الداني (ص 528)، تاج العروس (31/ 241).
وذلك هنا: "أحدهما"؛ لأنه جزء جوابها حين قُلت: "مهما يكن من شيء فأحدهما لا يستتر"، فالجزء الأوّل "أحدهما" والثاني:"لا يستتر من البول".
فتقديم المبتدأ بعد "أمّا" إنما فُعِلَ ليكون عوضًا عن "يكن" المحذوفة مع متعلّقها.
وتأخير "الفاء" في الخبر كراهية أن تلي "الفاء": "أمّا"؛ فإنها شرط، والشّرطُ لا يليه جزاؤه.
وسواء كان المتقدّم من خبر جوابها مرفوعًا -كقولك: "مهما يكن من شيء فزيد مُنطلق"، فتقول:"أمّا زيد فمُنطلق"- أو منصوبًا، نحو:"أمّا يوم الجمعة فزيد منطلق"، أي:"مهما يكن من شيء فزيد منطلق يوم الجمعة". (1)
قال أبو حيان: "أمّا" عبر بأنها حَرف تفصيل، وجعلها بعضهم حرف إخبار. وبنو تميم يُبْدلون "الميم" الأولى "ياء"؛ فيقولون:"أَيْمَا".
ومما فصل به بينها وبين "الفاء" قولهم: "أما بعد فزيد ذاهب"، على أن "بعد" معمول بـ "ذاهب"، وفاقًا لسيبويه وأبي عثمان، خلافا للمُبَرِّدِ وابن دَرَسْتَوَيْهِ. ولا يُفصل بمعمول خبر "ليت" ولا "لعل"، نحو:"أما بعد فليت -أو: فلعل- زيدًا ذاهب"(2). انتهى من "المجيد".
وجعل الفاكهاني "أمّا" من قولهم: "أمّا أنت منطلقًا انطلقت" بمعنى "كان"؛ لأنها اقتضت اسمًا وخبرًا (3)، وإنما ذلك و "كان" المحذوفة؛ لأنّ أصل الكلام: "لأجل
(1) انظر: الجنى الداني (ص 522)، وشرح المفصل (5/ 125)، وشرح ابن عقيل (4/ 52)، وشرح التصريح (2/ 429).
(2)
البحر المحيط (1/ 192).
(3)
انظر: رياض الأفهام (1/ 235 وما بعدها)، وجامع الدروس العريبة (2/ 282).
أنْ كنت منطلقًا انطلقتُ".
قوله: "فأما أحدهما" مبتدأ، وجوابُ الشرط:"فكان يمشي".
و"من البول" يتعلق بـ "يستتر". ويحتمل أن تكُون "مِن" للتعليل، كقوله:{يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ} [البقرة: 19]. (1)
[وعلى](2) رواية "يستبرئ" - وهو التنظيف [بكوني](3)، وكذلك على رواية:"يستنزه". (4)
وتقدّم القَول في معاني "مِنْ" في العَاشر مِن أوّل الكتاب.
وقوله: "يمشي بالنميمة": حرفُ الجر يحتمل أن يتعلق بـ "يمشي" الذي هو بمعنى "يوشي [بها] (5) "، ويحتمل أن يتعلّق بحال، أي:"يمشي نامًّا"، أي "مُتلبسًا بها"؛ فتكون "الباء" للمُصاحبة.
قوله: "فأخَذ جريدة": "أخَذ" بمعنى "تناول"، و "الإخذ" بالكسر الاسم، والأمر:"خُذْ"، أصله:"اُأْخُذ"، وكذلك:"كُل" أصله: "اُأْكُل"، ومثله:"مر" أصله: "اُأْمُر"، غير أنهم استثقلوا الهمزتين فحذفوهما تخفيفًا. وقياسه أن تبدل همزته "ياء"؛
(1) انظر: شرح التسهيل (3/ 134)، والجنى الداني (ص 310).
(2)
كذا في الأصل.
(3)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(4)
كذا بالأصل. ولعل هناك سقطًا.
قال ابن حجر في الفتح (1/ 86): "قوله: لا يستبرئ من البول أي: لا يستقصي عنده أو لا يتجنبه، وهو الموافق للرواية الأخرى: لا يستنزه بالنون والزاي". وقال الصنعاني في سبل السلام (1/ 122): "كان لا يستبرئ من بوله بموحدة ساكنة: أي: لا يستفرغ البول جهده بعد فراغه منه فيخرج بعد وضوئه". وانظر: لسان العرب (1/ 33).
(5)
بالنسخ: "بهما". ولعل الصواب المثبت.
فتقول: "ايتخذ"، "ايتمر". (1)
واختلف في مادته على ثلاثة أقوال: فقيل: من "أَخَذَ". وقيل: من "وَخَذَ". وقيل: من "تَخَذَ". (2)
ويتعدى "أخذ" لواحد، كقوله:"اتخذتُ بيتًا"، والاثنين بمعنى "صَيَّر"، كقوله تعالى:{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ} [الفرقان: 43]. (3)
وجاءت "أخذ" بمَعنى "طفق" و "جَعل" و "كرب"، فتكون لدنو الخبر آخذًا فيه، فيحتاج إلى اسم وخبر، ويكون خبرها فعلًا، كقولك:"أخذ زيد يفعل كذا"(4).
قوله: "فقسمها نصفين": وجاء: "فقسمها بنصفين" على أنّ "الباء" زائدة في الحال، والحال هنا مُقدّرة، كقوله تعالى:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} [الفتح: 27](5)، وعند الدخول لا يكونون "محلقين"، كما أن "العصا" عند شقها لا تكون "نصفين".
قوله: "واحدة": مفعول "غَرَز".
و"كُلّ" قال فيها أبو حيان: إنها للعُموم، وهي اسم جمع لازم للإضافة، إلا أنّ
(1) انظر: البحر المحيط (1/ 254)، اللباب في علوم الكتاب (1/ 551)، اللباب في علل البناء والإعراب (2/ 362 وما بعدها)، شرح ابن عقيل (4/ 277).
(2)
انظر: البحر المحيط (1/ 317)، وشرح شافية ابن الحاجب للرضي (3/ 79)، وشرح التصريح (2/ 738).
(3)
انظر: البحر المحيط (1/ 318، 580).
(4)
انظر: شرح المفصل (4/ 386)، وشرح التسهيل (1/ 389)، وشرح الشذور لابن هشام (ص 356)، وأوضح المسالك (1/ 290)، والنحو الواضح في قواعد اللغة (2/ 130).
(5)
انظر: شرح الأشموني (2/ 45)، وحاشية الصبان (2/ 288)، ومغني اللبيب (ص 605، 606).
ما أضيفت إليه يجوز حذفه وهو منوي، نحو:"مررت بكلٌّ قائمًا"(1).
قال ابن مالك: إلا أن تقع توكيدًا، نحو:"مررتُ بهم كلهم"، أو نعتًا، نحو:"هذا الرجل كُل الرجل"؛ فلا يحذف المضاف إليه.
وأجاز الفراء والزمخشري حذفه إذا كان توكيدًا، كقراءة من قرأ:"إنا كُلًّا فيها"(2). (3)
وإذا حذف المضاف إليه عوض منه التنوين. وقيل: هو تنوين صرف. وإذا كان المضاف إليه المحذوف معرفة بقيت "كُلّ" على تعريفها؛ فيجئ منها الحال، نحو:"مررت بكلٍّ قائمًا"؛ لأنّ المضَافَ إليه منوي. (4)
ولا تعرّف بـ "اللام" عند الأكثرين، خلافًا للأخفش والفارسي، فلا تقول:"الكُل"، ولهذا كان قول بعضهم:"الكُل" و "البعض" تسامحًا في العبارة. (5)
وشذ انتصابه حالًا، نحو:"مررت بهم كلا"؛ أي: "جميعًا". (6)
والأصل فيه أن يتبع توكيدًا، نحو:"مررت بهم كلهم". (7)
ويستعمل مبتدأ، نحو:"كلهم قائم"(8)، وهو أحسَن من استعماله فاعلًا،
(1) انظر: البحر المحيط (1/ 144)، (9/ 264).
(2)
سورة [غافر: 48]. قرأ ابن السميفع، وعِيسَى بن عِمْرَانَ:"كُلًّا" بِنَصْبِ "كُلٌّ". انظر: البحر المحيط (9/ 263).
(3)
انظر: الكشاف (4/ 171)، ومعاني القرآن للفراء (3/ 10)، وشرح التسهيل (3/ 244)، ومغني اللبيب (ص 662).
(4)
انظر: شرح التسهيل (3/ 247).
(5)
انظر: شرح التسهيل (3/ 245)، والهمع (2/ 516).
(6)
انظر: البحر المحيط (1/ 144)، وأمالي ابن الشجري (1/ 234).
(7)
انظر: شرح التسهيل (3/ 244).
انظر: شرح الأشموني (2/ 353)، ومغني اللبيب (ص 263).
نحو قوله:
تميد إذا مادت عليه دلاؤهم
…
فتصدر عنها كلها وهو ناهل (1)
أو مفعولًا به، نحو:"كليهما وتمرًا"؛ أي: "أعطني كليهما"، وليس ذلك بمقصُور على السماع، ولا مختصًّا بالشعر، خلافًا لزاعمه. (2)
وإذا أضيف إلى نكرة أو مُعرّف بـ "ال" حَسُن أن يلي العوامل اللفظية، نحو:"قام كُل رجل" و "قام كُل الرجال".
وإذا أضيف إلى نكرة اعتبر المضاف إليه [مُرادًا](3) فيما لَه من خبر [وغيره](4)، كقوله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] على الأكثر. (5)
وإلى معرفة: فوجهان: اعتبار "كُل" فالإفراد، واعتبار المضاف إليه فبحسَبه، والأفصح الإفراد؛ فتقول:"كلهم ذاهب"، و "كُلهم ذاهبون".
وإن حذف المضاف إليه: فعلى ما ذكر من كونه في الأصل نكرة أو معرفة، وقد يحسُن الإفراد (6).
(1) البيت من الطويل، وهو لكُثير عزة. وفيه:(يميد)، (فيصدر). انظر: شرح التسهيل (3/ 299)، والمعجم المفصل (6/ 284).
(2)
انظر: شرح التسهيل (3/ 299، 300)، ومغني اللبيب (ص 258)، وشرح المفصل (1/ 392، 394).
(3)
غير واضحة بالأصل.
(4)
غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "ومخبر".
(5)
عبارة ابن مالك: "والمعهود في (كل) مضافًا إلى نكرة من خبر وضمير وغيرهما، أن يجيء على وفق المضاف إليه، كقوله
…
". انظر: شواهد التوضيح (ص 250).
(6)
انظر: البحر المحيط (1/ 144، 371)، وشواهد التوضيح (ص 250)، وشرح التسهيل (3/ 245، 300)، ونتائج الفكر (ص 216 وما بعدها)، والأصول في النحو (2/ 22)، وشرح الأشموني (2/ 355).
وسيأتي بقية مِن أحكامها في الثّاني من "صفة الصّلاة"، وتقدّمت في أوّل حديثٍ من الكتاب.
وقوله هنا: "على كُل قبر واحدة": ولم يقل: "على قبر واحدة، وعلى قبر واحدة"؛ لأن الأوّل أخصر، مع ما أفادته "كُل" من عموم أجزاء كُل قبر، والمراد:"على كل قبر منهما"، لا عُموم القبور، بدليل السياق، ويتعلق "منهما" بصفة "القبر".
وحذفُ الصفة كثير (1)، كقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: 85]، أي:["أي مَعاد"](2)، وقوله تعالى:{الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} [البقرة: 71]، أي:"بالحق البين"، وإلا لكان قولهم كفرًا. (3)
و"واحدة" حُذف موصوفها، أي:"شقة واحدة"؛ لأنّ الموصوف معلوم من نفس الصفة. وسيأتي القول على المواضع التي يحذف فيها الموصوف (4) في التاسع من "باب صفة الصلاة".
قوله: "فقالوا: يا رسول الله لم فعلت": معطوفٌ على ما قبله، و "الفاء" هنا للسببية.
ولها ثلاثة أقسام: العطف والسببية، وذلك إذا عطف بها على جملة في الغالب، نحو:"سها فسَجَد"، و "زنا ماعز فرُجِم". وقد لا تفيد، نحو قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ
(1) انظر: شرح الأشموني (2/ 328)، وشرح التسهيل (3/ 324)، وهمع الهوامع (3/ 158).
(2)
كذا بالنسخ. وفي شواهد التوضيح (ص 85): "إلى معادٍ أي معادٍ" أو: إلى معادٍ تحبه".
(3)
انظر: شواهد التوضيح (ص 85)، عقود الزبرجَد (3/ 141)، وعُمدة القاري (19/ 104)، وشرح الأشموني (2/ 328)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 324)، ومغني اللبيب لابن هشام (ص 644، 818)، وشرح ابن عقيل (3/ 205)، وهمع الهوامع (3/ 158).
(4)
انظر: شرح الأشموني (2/ 328، 331)، شرح التسهيل (3/ 322).
فَسَوَّى} [الأعلى: 2].
الثاني: تكون فيه مجرّدة للسببية، وذلك إذا وقعت جوابًا للشرط، لا يكون فيها معنى العطف.
المعنى الثالث: تكون فيه مجرّدة للعطف، وذلك إذا عطفت بها مُفردًا على مفرد، نحو:"قام زيد فعمرو". (1)
وقوله: "لم فعلت": "لم" جَار ومجرور، المجرور "ما" الاستفهامية، ويجب حذف ألِفها إذا جُرَّتْ، وتبقى الفتحة لتدلّ عليها، وإنما فعل ذلك للفرق بين الاستفهام والخبر (2)، ولذلك حذفت في قوله:{فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 35]، وثبتت في قوله تعالى:{لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ} [النور: 14]، فـ "ما" الأولى استفهامية، والثانية موصولة خبرية. وقرأ عيسى:"عما يتساءلون"(3). (4)
قال ابنُ مالك: وفي الحديث "بما أهْلَلْت"(5)، وهو قليل (6).
وهذا حكمها ما لم يتصل بها "ذا" من أسماء الإشارة. فإن اتصل بها "ذا" وَجَب
(1) انظر: مغني اللبيب (ص 61، 64)، الجنى الداني (ص 61، 66)، وإعراب القرآن وبيانه (10/ 449).
(2)
انظر: البحر المحيط (10/ 383)، ومغني اللبيب لابن هشام (ص 393)، تهذيب الأساء واللغات للنووي (4/ 132)، وشرح التصريح (2/ 634)، وضياء السالك (4/ 295).
(3)
سورة [النبأ: 1]. وقد قرأ الجمهور: "عم"، وقرأ عبد الله وأبي وعكرمة وعيسى:"عما" بـ "الألِف"، وهو أصل "عم". انظر: البحر المحيط (10/ 383).
(4)
انظر: البحر المحيط (10/ 383)، وعقود الزبرجد (1/ 130)، ومغني اللبيب (ص 393، 394).
(5)
صحيحٌ: رواه البخاري (1558)، من حديث أنس.
(6)
انظر: شواهد التوضيح (ص 217).
رد "الألِف"(1).
قال ابن هشام: ورَدّ الكِسائي قول المفسرين في قوله تعالى: {بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} [يس: 27] أنها استفهامية، وإنما هي مصدرية (2).
قال: والعَجَب من الزمخشري، إذ جوَّز كونها استفهامية في قوله تعالى:{فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الأعراف: 16]، ورَدّ على مَن قال بذلك في:{بِمَا غَفَرَ لِي} [يس: 27](3).
وحرف الجر في "بِمَ" يتعلّق بالفعل بعده؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، وإنما عملت اللام للصوقها بالكلمة واختلاطها بها؛ ولذلك تكتب متصلة.
و"هَذا": منصوبٌ بـ "فعلت"، وبُني لأنه من الأسماء المبهمة المفتقرة إلى مُشَار إليه.
وقوله: "لَعَلَّهُ": "لعل" واسمها، وهي حرف تَرَجٍ. وهي وأخواتها تنصب الاسم وترفع الخبر (4). وفيها لُغَات (5). وقد نصبت جوابها حملا على "ليت" في قوله تعالى:{فَاطَّلَعَ} [الصافات: 55] بالنصب (6)، وجاء الجر (7) في قول الشاعر:
(1) انظر: مغني اللبيب (ص 395)، وتاج العروس (40/ 492).
(2)
انظر: مغني اللبيب (ص 394).
(3)
انظر: مغني اللبيب (ص 394).
(4)
انظر: الهمع (1/ 490)، وألفية ابن مالك (ص 21).
(5)
انظر: الهمع للسيوطي (1/ 484)، ولسان العرب (13/ 395)، وتاج العروس (36/ 123).
(6)
انظر: شرح المفصل (4/ 570)، وشرح التصريح (2/ 386).
(7)
انظر: أمالي ابن الشجري (1/ 361، 362)، وخزانة الأدب (10/ 426)، وشرح الأشموني (1/ 103، 104)، وجامع الدروس العربية (3/ 190).
فَقلتُ ادْع أُخْرَى وارْفَع الصَّوْت
…
مَرّة لَعَلّ أَبي المِغْوَارِ مِنْكَ قَرِيبُ (1)
وقد جاء النصب بها في جزأيها، نحو:"لعلّ أباك منطلقًا"، وتؤوِّل على حَذف فِعْل، أي:"يوجَد مُنطلقًا" أو "يكُون منطلقًا". (2)
وأجابوا عن الأوّل بأنه مجرور بـ" لام" الجر المحذوفة؛ أي: "لعلّ لأبي المغوار"، وقيل غير ذلك. (3)
وفيها لُغات: "لَعَلَّ"، "عَنّ"، "لَعَنَّ"، "لَغَنَّ"، "لَأَنَّ"(4). ويأتي القول عليها في أوّل حديث من "باب العِدَد"، وفي الحديث الثاني من "الوصايا" بزيادة على هذا.
وقوله: "يُخَفَّفُ": فعلُ مُضارع مبني لما لم يُسمَّ فاعله، و "عنهما" متعلّق به، ويجوز فيه النّصب بتقدير "أَنْ"(5)، كما جَاء في قول الشّاعر:
أَلَا أَيُّهذَا الزَّاجِرِي أَحْضُرُ الوَغَى
…
...
…
...
…
...
…
...
…
. (6)
أي: "عن أنْ أحضر الوغى".
والمفعولُ الذي لم يُسَمّ فاعله: ضميرُ "العذاب" المفهُوم من الفعل.
(1) البيتُ من الطويل، وهو لكعب بن سعد الغنوي. انظر: أمالي ابن الشجري (1/ 361)، وخزانة الأدب (10/ 426)، والمعجم المفصل (1/ 324).
(2)
انظر: مغني اللبيب (ص 377).
(3)
انظر: مغني اللبيب (ص 377)، والجنى الداني (ص 585).
(4)
انظر: همع الهوامع (1/ 484).
(5)
انظر: اللباب في علل البناء والإعراب (1/ 48)، شرح المفصل (3/ 6)، (4/ 280)، مغني اللبيب (ص 502)، الهمع (2/ 405).
(6)
صَدرُ بيت من الطويل، وهو لطُرفة بن العبد. وعجزه:"وأنْ أشْهَد اللَّذَّات هَلْ أَنْتَ مُخْلِدِي". انظر: شرح المفصل (3/ 6)، المعجم المفصل (2/ 431).
ولو رُوي: [يُخَفِّف](1) ببنائه للفَاعِل، أي:"يُخفِّف الله"[ما](2) صحَّ، أو:"يُخفِّف غَرْزُ الجريدتين عنهما".
قوله: "ما لم ييبسا": "ما" ظرفية مصدرية، [أي] (3):"مُدّة دوام [رطوبتها] (4) "؛ فحذف الظرف، وخلفه "ما" وصلتها، كما جاء في المصدر الصريح في قولهم:"جئتك صلاة العصر"، و "آتيك قدومَ الحاج". ومنه قوله تعالى:{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: 88](5).
وأجاز الزمخشري (6) أن تكُون "ما" بدلًا من "الإصلاح" أي: المقدار الذي استطعته، أو يكون مفعولا بـ "الإصلاح"، كقوله:
ضَعِيفُ النِّكايِة [أَعْدَاءَهُ](7)
…
...
…
...
…
...
…
...
…
. (8)
إذا ثبت ذلك: فقوله: "لم ييبسا" في محلّ جرٍّ؛ لأنّ التقدير كما تقدّم: "مُدّة دوام رطوبتها".
فلو جاء الكلام: "لعله يخفّف عنهما ما ييبسا" لم يصحّ المعنى؛ لأنّ التأقيت
(1) بالنسخ: "تخفف"، والمثبت هو لفظ الحديث.
(2)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(3)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(4)
كتب بصلب الأصل. والمثبت من هامش الأصل. وفي "إرشاد الساري": (9/ 41): "مُدّة انتفاء يبسهما".
(5)
انظر: مغني اللبيب (400).
(6)
انظر: الكشاف (2/ 421).
(7)
بالنسخ: (أعداؤه)، والمثبت من المصدر.
(8)
صدر بيت من المتقارب، وهو بلا نسبة. وعجز البيت:"يَخَالُ الفِرَارَ يُرَاخِي الأَجَلْ". انظر: المعجم المفصل (6/ 9).