الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و"على بيت" يتعلّق بـ "رقيت"، [ق 19] أو بحَال، أي:"مُستعليًا على بيت حفصة".
و"حفصة": لا ينصرف؛ للعَلمية والتأنيث (1).
قوله: "فرأيتُ": معطوفٌ على "رقيت"، وهو من رؤية البصر يتعدّى إلى واحد، وهو "رسُولَ الله" بالنصب.
و"يقضي حاجته" جملة من فعل وفاعل ومفعول، في موضع الحال من "رسول الله"، وقوله:"مُستقبل الشام" حالٌ ثانية، وكذلك:"مستدبر الكعبة". والإضافة هنا غير محضة؛ لأنها إضَافة اسم الفاعل إلى معموله، وهي بمعنى الحال.
ويحتمل أن يكون "مُستدبر الكَعبة" حَالًا مُؤكّدة -لأنّ مَن استقبل الشام استدبر الكعبة- من الضمير في "مُستقبل".
الحدِيث الرّابع
[14]
: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ الْخَلاءَ، فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلامٌ نَحْوِي إدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنزَةً، فيسْتَنْجِي بِالْمَاءِ"(2).
قوله: "يدخُل الخلاء": جملة في محلّ خبر "كان"، و"كان" في محلّ معمول القول، والقول خبر "أنّ"، و"أنّ" في محلّ معمول متعلّق حرف الجر.
و"الخلاء": يجري فيه الخلاف فيما يقع بعد "دَخَل"، هل هو مفعول به أو ظرف؟
قال ابنُ الحاجب وغيره: هو منصوبٌ على الظرفية؛ لأنّ "دَخَل" من الأفعال
(1) انظر: توضيح المقاصد والمسالك (3/ 1206).
(2)
رواه البخاري (152) في الوضوء، ومسلم (271) في الطهارة.
اللازمة، بدليل أنّ مصْدَره " فُعول"، وما كان مصدره "فعول" فهو لازم. ولأنّ نقيض "دَخَلَ":"خَرَجَ"، هو لازم؛ فيكون "دخلت" كذلك (1).
واختارت طائفة أنْ يكون مفعُولًا به، ومنه قول الفقهاء:"هذا حَدٌّ مدخُول". (2)
وحَكَى بعضُهم أنّ سيبويه يقول: هو [منصوب](3) بإسقاط الخافض (4).
وجعله الجرمي من الأفعال التي تتعدّى تارة بنفسها، وتارة بحرف الجر (5).
قال أبو حيّان: "دَخَل" يتعدّى عند سيبويه لظَرف المكان المختص الحقيقي بغير واسطة "في"، فإن كان مجازيًّا تَعَدَّى إليه بواسطة "في"، نحو:"دخلتُ في الأمر". وأما على مذهب الأخفش والجرمي في أنّ "دخل" يتعدى بنفسه: فما بعده مفعول به (6).
وقوله: "يدخُل الخلاء": أي: "يُريد دخول الخلاء"، لأنّ "الفاء" للتعقيب، وكان صلى الله عليه وسلم إذا دَخَل الخلاء لا يُدخَل عليه، وذلك كما قيل في قوله تعالى:{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [الإسراء: 45](7).
(1) انظر: عمدة القاري (2/ 270)، وعقود الزبرجد (1/ 135)، شرح شافية ابن الحاجب (1/ 156).
(2)
انظر: عمدة القاري (2/ 270)، وعقود الزبرجد (1/ 135).
(3)
بالأصل: "مخفوض"، والصواب المثبت.
(4)
انظر: الكتاب لسيبويه (4/ 10)، وعقود الزبرجد (1/ 135).
(5)
انظر: عمدة القاري (2/ 270)، وعقود الزبرجد (1/ 135).
(6)
انظر: البحر المحيط (1/ 356)، واللباب في علوم الكتاب (2/ 92)، وعقود الزبرجد (1/ 135).
(7)
انظر: تفسير القرطبي (10/ 174، 334)، والبحر المحيط لأبي حيان (7/ 55).
ويحتمل هنا أن تكون على بابها، أي:"كان يدخل، فيحمل الإداوة". والظاهر الأوّل.
وجملة "يدخُل" في محلّ خبر "كان".
و"الخلاء" بالمدّ، "المتوضَّأ"، وأصله "الموضع الخالي". و"الخلا" المقصور:"الحشيشُ الرطب"(1).
وجملة "فأحمل" معطوفة عليه.
و"أنا": تأكيدٌ للفاعل، مُصحّح للعَطف عليه؛ لأنه لا يُعطَف على الضّمير المرفوع المتصل إلا بعد تأكيده، أو فصل يقوم مقام التأكيد. (2)
والعلّة في ذلك: أنّ الفعل متصل به الضّمير؛ فيصير كالجزء منه، ولذلك يسكن آخر الفعل لأجْله، فلو عطف عليه من غير تأكيد كَان عطفًا على بعض الكُلمة. ولأنه يصير في صورة عطْف الاسم على الفعل (3).
وأجازوا في مثل هذا الوجْهين من العطْف والنصب على أنّه مفعول معه؛ فيجوز: "فأحمل أنا وغُلامٌ" و"غُلامًا"، بالرّفع والنصب.
و"أحمل" أحَد الأوزان التي يجب استتار فاعلها، وهي:"أفعل" و"تفعل" و"نفعل" و"افعل"(4).
(1) انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين (1/ 151)، والإعلام لابن الملقن (1/ 429، 430)، وشمس العلوم (3/ 1880)، وتاج العروس (2/ 450).
(2)
انظر: عمدة القاري (2/ 63)، وإرشاد الساري (1/ 178).
(3)
انظر: شرح المفصل (2/ 281)، وأوضح المسالك (3/ 350)، والإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين (2/ 388، 389).
(4)
انظر: شرح الكافية الشّافية (1/ 227)، الحدود في علم النحو (1/ 479).
وقوله: "إدَاوة وعَنزَة": "الإداوة" بكسر "الهمزة": "إناءٌ من جلد".
قال في "الصّحاح": "الإداوة": "المطهرة"، والجمعُ:"الأداوى"، مثل "المطايا"، وكان قياسه:"أدائِي" مثل "رسالة""رسائل"، فتجنبوه، وفعلوا به ما فعلوا بـ "المطايا"، فجعلوا "فعائل":"فعالى"، وأبدَلوا منهما "الواو" ليدلّ على أنها كانت في الواحِدة واوًا ظَاهرة؛ قالوا:"أَدَاوَا"، فهذه "الواو" بَدَلٌ من "الألِف" الزّائِدة في "إداوة"، و"الألِف" الذي في آخر "الأداوى" بَدَل من "الواو" التي في "إداوة"، وألزَموا "الواو" فهنا كما ألزموا "الياء" في "المطايا"(1).
والمراد: "أحدنا يحمل إداوة، والآخر يحمل عنزة"؛ لأنّ "الإداوة" للطهارة و"العنزة" للصلاة، ويحتمل أن تكون "العنزة" للطهارة أيضًا، ليحفر بها موضع قضاء الحاجة، أو ليستتر بها. والله أعلم.
قوله: "نحوي": يحتمل أن يكون بمعنى "مثلي"؛ أي: "في السن والخدمة". ويحتمل أن يكون بمَعنى "القُرب"؛ أي: إغُلام قريب مني في السن". و"نحوي" صفة لـ"غلام"، ولا تظهر فيه علامة الإعراب؛ لأنه مُضاف إلى "ياء" المتكلم.
وقوله: "من ماء": يتعلّق بصفة لـ"إداوة"، ويكون التقدير:"بإداوة فيها شيء من ماء". و"من" للتبعيض أو لبيان الجنس. وإنما احتجنا إلى هذا التقدير؛ لأن "الإداوة" ظرف للماء، لا الماء نفسه، فيتعلّق المقدر بالصفة، و"من ماء" يتعلّق بمتعلّق المقَدّر.
وقد حُذفت الصفة في قوله تعالى: {بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} (2)[الصافات: 45]، أي:"من ماءٍ مَعين"(3).
(1) انظر: الصحاح (6/ 2266).
(2)
بالنسخ: "كأس".
(3)
انظر: البحر المحيط (9/ 101)، واللباب في علوم الكتاب (16/ 300).
وجعلها بعضهم في الآية زائدة.
ويصح هنا على مذهب الأخفش ومَن وافقه من البصريين؛ فيكون محل "ماء" -على تقدير زيادة "من"- إمَّا مخفوضًا بالإضافة، وإما منصوبًا بَدَلًا من "إداوة"، أي:"فأحمل أنا إداوة ماء". وهو حَسَن. وإما مرفوعًا بالابتداء، والخبر في مجرور مقدر، أي:"فيها ماء". والله أعلم.
قوله: "وعنزة": معطوف على "إداوة".
و"بالماء" يتعلّق بـ "يستنجي"، والألِف واللام للعَهد، أي:"الماء الذي في الإداوة".
و"الباء" للتعدية، ولها أقسام جمعتُ منها في بيت ثمانية، فقلتُ:
فألصِقْ وصَاحِبْ مُستَعِينًا مُقَابِلًا
…
وعَدِّ وَزِدْ ظَرْفيةً بَعْدَ تَسَبُّبِ
ويصح أن تكون هنا للاستعانة؛ لأنه يُستعان بالماء على إزالة النجاسة.
وتكون "الباء" للقَسَم، نحو:"بالله". وللنقل، نحو:"قمت بزيد". وللبدل، نحو قول الشاعر:
فَلَيْتَ لِي بِهِمْ يَوْمًا إِذَا رَكِبُوا
…
شَنُّوا الإِغَارَةَ فُرْسَانًا وَرُكْبَانا (1)
أي: "فليت لي بدلهم".
وقيل: تكون للتبعيض، نحو:
شَرِبْنَ بِماء البَحْرِ ثُمَّ ترَفَّعَتْ
…
...
…
....
…
... (2)
(1) البيت من البسيط، وهو لقريط العنبري. انظر: خزانة الأدب (6/ 253)، والمعجم المفصل (8/ 19).
(2)
شطر بيت من الطويل، وهو لأبي ذؤيب الهذلي، وعجزه:"مَتَى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نَئِيجُ".=