الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد تقدّم الفول على "إِذَا" وجوابها والعامل فيها في الحديث الثاني من أوّل الكتاب، وفيه ما قيل في "أحَد".
و"جُنب" مُتقدّم في الخامس من أوَّلَ الكتاب.
الحديث الخامس
[34]
: عن أُم سَلَمَة زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالت: "جاءت أُم سُلَيْم امرأة أبي طلحة إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيى من الحق هل على المرأة من غسل إذ هي احتلمت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم إِذَا رأت الماء"(1).
قولُه: "زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم": صفة لـ "أم" أو عطف بيان، و"امرأة" بدل أو عطف بيان.
و"أبي": من الأسماء الستة، علامة الجر فيه "الياء".
و"يا": حرفُ نداء. و"رسُول الله" منادى مضاف. والجملة معمولة للقول.
و"جَاء" يأتي الكلام عليها في الثّامن من "فصْل الصيام في السّفر".
وقولها: "إن الله لا يستحيي من الحق": "يستحيي" وزنه "يستفعل"، وماضيه "استحيى"، ولم يُستعمَل مجرّدًا عن "السين" و"التاء"(2).
وقال الزمخشري: يُقَال منه: "حَيي"(3). فعلى هذا يكون "استفعل" فيه مُوافقًا للفِعْل المجَرّد.
(1) رواه البخاري (130) في العلم، (282) في الغسل، ومسلم (313) في الحيض.
(2)
انظر: عُمْدة القاري (22/ 165)، إرشاد الساري (9/ 60)، الإعلام بفوائد عُمْدة الأحكام (1/ 644)، نيل الأوطار (8/ 173)، لسان العرب (14/ 218)، تاج العروس (37/ 513).
(3)
انظر: البحر المحيط لأبي حيَّان (1/ 195)، وأساس البلاغة للزمخشري (1/ 227).
وقد جاء "استفعل" لاثني عشر مَعْنى:
للطلب، نحو:"نستعين".
وللاتخاذ، كـ "استعبده".
وللتحوّل، كـ "استنسر". انظر تمامها في "المجيد"(1).
والجمهور في {يَسْتَحْيِي} [البقرة: 26] بياءين، وعليه أكثر القراء، وقرأ ابن كثير بـ "ياء" واحدة، وهي لغة بني تميم. (2)
والأكثرون على أن المحذوف ياؤه الأولى وهي "عين" الكلمة، وقيل: الثانية وهي "لام" الكلمة، ثم نقلت حركة "الياء" الباقية إلى "فاء" الكلمة، فصار وزنه:"يستفل" على أن المحذوفَ عينه، أو "يستفع" على أن المحذوفَ لامه (3).
وقوله: "من الحق": يتعلّق بـ "يستحيي".
والجملة لا محل لها من الإعراب، وتقدم ذكر الجمل التي لا محل لها في الحديث الأول.
وقوله: "هل على المرأة": "هل" حرف استفهام، وقد تقدم القول على حروف الاستفهام في الذي قبله.
قال سيبويه: إن دخلت "هل" على جملة اسمية لم تتأوّل بـ "قد"؛ لأنَّها من خواصّ الفعل، وإن دخلت على الجملة الفعلية كثرت في الاستفهام المحض، وقد
(1) انظر البحر المحيط (1/ 194).
(2)
انظر: البحر المحيط (1/ 195)، (8/ 500)، وقد قرأ بها ابن كثير في رواية شبل، وابن محيصن، ويعقوب.
(3)
انظر: البحر المحيط (1/ 190)، المحرر الوجيز (1/ 110، وما بعدها)، الكشاف (1/ 113)، التبيان في إعراب القرآن (1/ 42، 43)، وإرشاد الساري (9/ 60).
تجيء بمعنى "قد".
واختلف في قولِه تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1]، فقيل: بمعنى "قد"، وقيل: إنّ أصلها: "أهَل؟ "، فحذفت "الهمزة"، واكتفي بها في الاستفهام، وقيل: هي للاستفهام المحض (1).
قولُه: "على المرأة من غسل": "على" حرف جر، [إلَّا إِذَا](2) جُرّت بـ "من"، كقوله:
غَدَتْ مِنْ عَلَيْهِ ............... .... ............................ (3)
أو إِذَا لزم تعدّي فعل الضّمير المتّصل إِلَى مُضمره المتّصل (4)، كقوله:
هَوِّنْ عَلَيْك فَإِنَّ الأُمُور
…
بكفِّ الإلهِ مَقَاديرُهَا (5)
(1) انظر: البحر المحيط (10/ 358)، التبيان في إعراب القرآن (2/ 1257)، رياض الأفهام (4/ 544)، التعليقة على كتاب سيبويه (2/ 248)، شرح التسهيل (4/ 109)، شرح المفصل (5/ 102)، ومغني اللبيب (ص 460)، والهمع (2/ 609)، وجامع الدروس العربية (3/ 266).
(2)
غير واضحة بالأصل، والمثبت من (ب).
(3)
جزء من صدر بيت من الطويل، وقائله هو مزاحم بن الحارث العقيلي. والبيتُ هو:
غَدَت مِن عَلَيهِ بَعْدَ مَا تَمَّ ظِمْؤُها
…
تَصِلُّ وَعَنْ قَيضٍ ببيداءَ مَجَهْلِ
انظر: خزانة الأدب (10/ 147، 150)، الحيوان للجاحظ (4/ 465)، كتاب الإبل للأصمعي (ص 98)، الكتاب (4/ 231)، الجنى الداني (470)، شرح التصريح (1/ 660)، والمعجم المفصل (4/ 222)، (6/ 542).
(4)
انظر: مغني اللبيب (ص 194)، خزانة الأدب (10/ 148).
(5)
البيت من المتقارب، وهو للأعور الشني، ونسب لبشر بن أب حاتم. انظر: العمدة لابن رشيق (1/ 33)، والكتاب لسيبويه (1/ 63)، والحماسة البصرية (2/ 2)، والعقد الفريد (3/ 159)، والمعجم المفصل (3/ 357).
ونُسب إِلَى سيبويه أنَّها لا تكون إلَّا اسمًا، ولم يعدّها في حروف الجر، ووافقه جماعة (1).
ومعناها: الاستعلاء حقيقة، كقوله تعالى:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26]، ومجازًا، كقوله:{فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253]،
وتكون بمعنى "عن"، نحو:" [تعذّر] (2) علىّ كذا".
وبمعنى ["الباء"](3)، نحو قولُه تعالى:{حَقِيقٌ عَلَى} [الأعراف: 105]،
[وبمعنى "في"](4)، نحو:{عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} [البقرة: 102].
وتكون "على" للتعليل، كقوله تعالى:{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} (5)[البقرة: 185].
وتكون للاستدراك، كقولك:"فلانٌ لا يدخُل الجَنَّة لسوء صنيعه، [على أَنَّهُ] (6) لا يأس من رحمة الله"(7).
و"مِن" هُنا زائدة للتأكيد، لا تتعلّق بشيء؛ لأنّ الاستفهام جارٍ مجرى النفي.
قولُه: "على المرأة": يتعلّق بخبر عن "غُسل"؛ لأنه مرفوع المحلّ، أي: "فهل
(1) انظر: البحر المحيط (1/ 46)، والكتاب (1/ 63).
(2)
بالنسخ: "تعد". وراجع: الجنى الداني (ص 477).
(3)
بالنسخ: (الياء).
(4)
غير واضحة بالأصل، والمثبت من (ب).
(5)
في الأصل: "ليكبروا الله على ما هداهم".
(6)
غير واضحة بالأصل، والمثبت من (ب).
(7)
انظر في معاني "على": مغني اللبيب (ص 190 وما بعدها)، الأمالي لابن الشجري (2/ 609)، شرح التسهيل (3/ 1164، وشرح الكافية الشافية (2/ 808)، الجنى الداني (ص 477)، وهمع الهوامع (2/ 439).
غُسل على المرأة".
ولـ "مِن"[مَعَان](1) تقدّمت في الحديث السّادس من "الاستطابة".
قولُه: "نعم إِذَا رأت الماء": تقدّم القول على "نعم" في الحديث الرابع قبل هذا، و"إذا" تقدّمت في الثّاني من الأوّل، وجوابها هُنا محذوفٌ يدلّ عليه ما قبله، أي:"إِذَا احتلَمَت فعليها الغُسل".
ولو اقتصر الكَلام على "نعم" أغْنَت عن "إِذَا" وجوابها، كقوله تعالى:{فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: 44](2).
و"الاحتلام": افتعال من "الحلم" بضم"الحاء" وسكون "اللام"، [وهو "ما](3) يراه النائم في نومه"، يقال منه: "حَلَم" بفتح اللام و"احتلم" و"احتلمت به" و"احتلمته". وأمَّا "حَلِمَ الأديم" فبكسر "اللام"، و"حَلُم" بضم اللام إِذَا "صفح، وتجاوز" (4).
وفي "نعم" لُغات، فتح "العين" وكسرها، وإبدال عينها "حاء"، ويجوز كسرهما -أعني "النون" و"العين"- على الاتباع (5).
و"هي" ضمير مرفوع وقع بعد "إِذا"، و"إِذا" لا يليها إلَّا الفعْل ماضيًا أو مُضارعًا، كأسماء الشّرط؛ فيتخرّج على أنْ يكون الضّميرُ مرفوعًا بفعْل محذُوف يُفسّره الفعل بعده، أي:"إِذَا احتلمت"، فلَمَّا حذف الفعل انفصل الضمير المستتر في
(1) غير واضحة بالأصل، والمثبت من (ب).
(2)
انظر: البحر المحيط (5/ 55)، ومغني اللبيب (ص 451).
(3)
بالنسخ: "وما". والمثبت من "رياض الأفهام".
(4)
انظر: رياض الأفهام (1/ 397)، والصحاح (5/ 1903)، وتاج العروس (31/ 626)، والمطلع (ص 306).
(5)
انظر: مغني اللبيب (ص 451).
"احتَلَمَت"، كقوله:
وإِنْ هُوَ لَم يَحمِل عَلى النَّفس ضَيْمَهَا ......................................... (1)
أصله: "وإن لم يحمل على النفس"، فانفصل الضمير المستكن في ["يحمل"](2) فصار "هو"(3).
وهُنا لما انفصل منا احتلمت، صار:"هي".
وعلى هذا خُرج قولُه تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ} [الإسراء: 100](4).
ويتخرّج على وجه آخر، وهو على إضمار "كان"، أي:"إِذَا كانت هي احتلمت"، فحذف ["كان"](5) واسمها، وبقى "هي" تأكيدًا و "هي" المحذوفة. (6)
وخرج أيضًا على وجْه آخر، أَنَّهُ حذف "كان"؛ [فانفصل](7) اسمها المتّصل بها، وهذا اختاره أَبُو حيّان واستحسنه؛ لأنَّ حذف "كان" كثير. (8)
(1) صدر بيت من الطويل، وهو للسموأل بن عادياء اليهودي أو للجلاح الحارثي (عبد الملك بن عبد الرحيم). وعجز البيت هو:"فليس إِلَى حُسْنِ الثَّناءِ سبيلُ". انظر: خزانة الأدب (9/ 42)، أمالي القالي (1/ 269)، والمعجم المفصل (6/ 322).
(2)
غير واضحة بالأصل، والمثبت من (ب).
(3)
انظر: البحر المحيط (1/ 474 وما بعدها)، (7/ 118)، الكامل في اللغة والأدب (1/ 221)، مغني اللبيب (ص 354، 827)، الهمع (1/ 249)، (2/ 552، 553، 572)، المفصل (ص 443)، وشرح ابن عُقيل (1/ 99 وما بعدها).
(4)
انظر: البحر المحيط (1/ 474 وما بعدها)، (7/ 118)، مغني اللبيب (ص 354، 827).
(5)
غير واضحة بالأصل، والمثبت من (ب).
(6)
انظر: البحر المحيط (7/ 118).
(7)
غير واضحة بالأصل، وفي (ب):"وانفصل". والمثبت من المصدر.
(8)
انظر: البحر المحيط (7/ 118، 119).
[ومنه](1): "أما أنت منطلقًا انطلقت"، أي:"لأن كنت"، فحذف "كان"، وبقى اسمها منفصلًا (2).
ويجوز أن تكون "هي" في الحديث زائدة للتأكيد، ولكن الأصل خلافه. (3)
وأمَّا قولُه صلى الله عليه وسلم في جوابها: "نعم إِذَا رأت الماء"، ولم يقل:"نعم إِذَا هي رأت الماء"؛ لأنّ السؤال يُناسبه البيان والتأكيد أكثر من الجواب؛ لأنّ الجواب مُرتّب عليه ومحال في بيانه عليه.
والرؤية يحتمل أن تكون عِلمية؛ فتتعدى إِلَى مفعولين، الثاني مُقدّر، أي:"إِذَا رأت الماءَ موجُودًا" أو غير ذلك (4).
قال أَبُو حيّان: وحذفُ أحد مفعولي "رأى" وأخواتها عزيز (5).
وقد قيل في قولِه تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ} [آل عمران: 180]، أي:"البخل خيرًا لهم". وتُؤول على غير ذلك، فانظره في موضعه (6).
وأمَّا حذفهما جميعًا: فجائزٌ [اقتصارًا](7). ومنه قولُه تعالى: {أَعِنْدَهُ عِلْمُ
(1) غير واضحة بالأصل، والمثبت من (ب).
(2)
انظر: شرح المفصل (2/ 87، 89، 90)، وشرح التسهيل (1/ 216)، (2/ 209)، وحاشية الصبان (1/ 224)، وأوضح المسالك (1/ 257)، والكتاب (3/ 7، 149)، والجنى الداني (ص 333)، ومغني اللبيب (ص / 410، 828)، وهمع الهوامع (1/ 444).
(3)
انظر: رياض الأفهام (1/ 397).
(4)
انظر: إرشاد الساري (1/ 334، 335).
(5)
انظر: البحر المحيط (3/ 362).
(6)
انظر: إرشاد الساري (1/ 335).
(7)
بالنسخ: "اختصارًا". والمثبت من المصادر.
الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} [النجم: 35]، و {لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 103] (1).
والظاهرُ أنّ الرؤية بَصَرية؛ [فيتعدّي](2) إِلَى واحد. [وينبنَي](3) على ذلك أنّ المرأة إِذَا علمت أنَّها أنزلت ولم تره أنّه لا غسل عليها (4).
وانظر كيف قال صلى الله عليه وسلم[حين](5) سُئل عن وضوء الجنُب: "إِذَا تَوَضَّأَ أحدكم فليرقد"(6). ولم يقُل هُنا: "إِذَا رأت الماءَ فلتغتسل".
[والفرقُ](7): أنّ السؤال عند نوم الجنب إنَّما هو عن إباحة النوم له بغير [بدل](8) من غُسل أو وضوء أو ذكر؛ فبين [له](9) صلى الله عليه وسلم ما يستبيح به النوم إمّا نَدْبًا أو وجوبًا. وأمَّا هنا في هذا الحديث: فالسؤال عن [مماثلة المرأة](10) للرجُل في وجوب الغسل عليها من الاحتلام كالرجل، واكتفي فيه بنعم، فالقصد هنا بيان ما [يجب فيه](11) الغسل، وهو الرّؤية، بخلاف الأوّل؛ فإنّ القصد فيه إباحة النوم للجنب؛
(1) انظر: إرشاد الساري (1/ 335)، الكتاب (2/ 391)، أوضح المسالك (2/ 60)، شرح التسهيل (2/ 18، 73)، شرح المفصل (2/ 332)، حاشية الصبان (2/ 48)، شرح التصريح (1/ 377)، شرح الأشموني (1/ 373، 374)، وتوضيح المقاصد (1/ 568).
(2)
غير واضحة بالأصل، والمثبت من (ب).
(3)
بياض بالأصل. وفي (ب): "يثنَّى". والمثبت من "إرشاد الساري".
(4)
انظر: إرشاد الساري (1/ 335).
(5)
غير واضحة بالأصل، والمثبت من (ب).
(6)
تقدم الحديث.
(7)
غير واضحة بالأصل، والمثبت من (ب).
(8)
غير واضحة بالأصل، والمثبت من (ب).
(9)
غير واضحة بالأصل، والمثبت من (ب).
(10)
غير واضحة بالأصل، والمثبت من (ب).
(11)
غير واضحة بالأصل، والمثبت من (ب).