الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قولُه: "إنّ المؤمن لا ينجس": خبر "إن" الجملة المنفية، وتقدّم القول على "لا" في الأوّل من "باب الاستطابة".
و"ينجس": بضم"الجيم"، من "نجس" بفتح"الجيم"، ويقال:"نجس" بكسر "الجيم"، "ينجس" بفتحها، كـ"علم"، "يعلم"(1).
الحديث الثاني
[31]
: عن عَائِشَة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذَا اغتسل من جنابة غسل يديه ثم تَوَضَّأَ وضوء الصلاة ثم اغتسل ثم تخلل بيديه شعره حَتَّى إِذَا ظن أَنَّهُ قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ثم غسل سائر جسده"(2).
وكانت تقول: "كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد نغترف منه جميعًا"(3).
قولُه: "غَسَل يديه": جواب "إِذَا"، والعامل في "إِذَا" فعلها أو جوابها على ما تقدّم في الحديث الثّاني من أوّل الكتاب. والمعنى:"إِذَا شرع في الاغتسال غسل يديه". أو يُقدّر: "أراد الاغتسال".
والجملة من "إِذَا" في محلّ خبر "كان".
وقد اجتمع هنا [ثلاثة](4) ضمائر: "النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم اسم كان"، و"فاعل اغتسل"،
= (1/ 82)، والأصول في النحو (2/ 252)، شرح التصريح (1/ 426)، والمقتضب (3/ 217).
(1)
انظر: العين (6/ 55)، تاج العروس (16/ 535)، تحرير ألفاظ التنبيه للنووي (ص 46)، ومختار الصحاح (ص 305).
(2)
رواه البخاري (272) في الغسل، ومسلم (316) في الطهارة.
(3)
رواه البخاري (273) في الغسل، ومسلم (321)(43)(45) في الحيض، ورواه أيضًا الدرامي (1/ 191، 192) في الطهارة، وأحمد في "المسند"(6/ 193، 231، 281).
(4)
بالنسخ: "ثلاث".
و"فاعل غسل".
ويرجح هنا وقوع "غسل" جوابًا لـ"إِذَا" على كونه في محل خبر "كان" بكونه وقع ماضيًا، وخبر "كان" لا يقع ماضيًا إلَّا قليلًا. سيأتي في الحادي عشر من "الجنائز". ومنه قولُه تعالى:{جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} [القمر: 14](1).
ومتى قدّر "غسل" في محل خبر "كان" كان جواب"إِذَا" محذوفًا تقديره: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل يديه إِذَا اغتسل من الجنابة غسل يديه"، ثم حذف استغناء عنه بالمذكور. وفيه فتور. والأوّل أولى وأفصَح. (2)
قولُه: "ثم تَوَضَّأَ": "ثم" هنا لترتيب الأخبار، ويُقال فيها:"فم" بـ"الفاء"، كقولهم في "جدث":"جدف"(3).
قال ابن هشام: ويقتضي ثلاثة أمور: التشريك في الحكم، والترتيب، والمهلة. وفي كلّ منها خلاف.
وقيل: جاءت زائدة في قولِه تعالى: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 118]، جعلوا "تاب" جواب الشرط.
وخالف قوم في اقتضائها الترتيب، بدليل قولك: "أعجبني ما صنعت اليوم
(1) انظر: اللباب لابن عادل (18/ 251)، والبحر المحيط (10/ 40)، وتسهيل الفوائد (ص/ 52)، وشرح الأشموني (1/ 219)، وشرح الكافية الشافية (1/ 394).
(2)
انظر: شرح القسطلاني (1/ 327)، شرح البخاري لابن بطال (1/ 377)، وإكمال المعلم للقاضي عياض (2/ 143).
(3)
انظر: مغني اللبيب (ص 158)، وشرح التسهيل (3/ 352)، والممتع الكبير في التصريف (ص 275)، وحاشية الصبان (3/ 193)، وهمع الهوامع (3/ 195)، وشرح التصريح (2/ 146).
ثم ما صنعت أمس أعجب".
ونصب بعضهم الفعل المضارع بـ "أن" بعد "ثم"، نحو قولُه تعالى:"ثُمَّ يُدْركَهُ المَوْت"(1). (2)
قولُه: "وضوء الصّلاة": مذهبُ سيبويه في هذا النصب على الحال من المصدر المفهوم من الفعل المتقدّم المحذوف، [والإضمار](3) على طريق الاتساع، وَلَا يكون عنده نعتًا لمصدَر محذوف، خلافًا لأبي البقاء ومَن وافقه، في هذا الموضع وغيره؛ لأنه يُؤدي إِلَى حذف الموصوف وإبقاء الصفة في غير المواضع المستثناة، وهي: -
إِذَا كانت الصفة خاصة بخفض الموصوف نحو: "مررت بكاتب".
أو وقعت خبرًا، نحو:"زَيْدِ قائم".
أو حالًا، نحو:"جاء زَيْدِ راكبًا".
ووصفًا لظرف، نحو:"جلست قريبًا منك".
أو مستعملة استعمال الأسماء، كـ "الأبطح" و"الأبرق"، وهو محفوظ، انتهى (4).
فيكون التقدير هنا على مذهب سيبويه: "تَوَضَّأَ الوضوء في حال كونه مثل وضوء الصلاة"، ثم أضمره وحذفه.
(1) سورة [النساء: 100]، وهي قراءة الحسن بن أَبِي الحسن، ونبيح، والجراح. انظر: البحر المحيط (4/ 45).
(2)
انظر: مغني اللبيب (ص 158 وما بعدها).
وراجع: الجنى الداني (ص 427)، وشرح التسهيل (3/ 357)، وحاشية الصبان (3/ 193)، وشرح التصريح (2/ 146)، وهمع الهوامع (3/ 195).
(3)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(4)
انظر: الكتاب (2/ 345 وما بعدها)، وشرح المفصل (2/ 250، وما بعدها)، شرح الأشموني (2/ 331)، أوضح المسالك (3/ 287)، وتوضيح المقاصد (2/ 964).
وفي الحقيقة الحال: "مثل"، و"وضوء" مضاف إليه أقيم مقام المضاف. و"مثل": نكرة، لا تتعرّف بالإضافة على الصحيح (1).
والذي اختاره أَبُو البقاء وموا فقوه أسهل في التقدير، وأقرب إِلَى التعليم. وسيأتي بعض ذلك في التاسع من "باب صفة الصلاة".
قولُه: "ثم يخلل بيديه": "ثُم" هنا للترتيب.
قولُه: "حَتَّى إِذا": "حَتَّى" حرفُ ابتداء، وجعلها الزمخشري مع إِذَا حرف جر (2). وقد تقدّم الكلام على "حَتَّى" وعلى "إِذَا" في ثاني حَدِيث من الأوّل.
و"ظن": من أخوات "حسب"، تتعدّى إِلَى مفعولين، إِذَا لم تكن بمعنى "اتهم"(3).
و"أن" المفتوحة سدّت مسد مفعوليها. وخبر "أن" في الجملة.
و"بشرته" مفعول بـ "أروى". و"أفاض عليه الماء" جواب "إِذا".
وقوله: "ثلاث مَرّات": منصوب على المصدرية؛ لأنه عَدَد المصدر، وعدد المصدر مصدر (4).
(1) انظر: اللباب لابن عادل (1/ 221)، وإرشاد الساري (1/ 396)، وأوضح المسالك (3/ 74)، والنحو الوافي (3/ 25).
(2)
انظر: البحر المحيط (1/ 529)، (4/ 471)، إرشاد الساري (1/ 229)، (9/ 428)، عُقود الزبرجَد (1/ 240)، الجنى الداني (ص 554، 555)، توضيح المقاصد (3/ 1250)، همع الهوامع (2/ 381)، .
(3)
انظر: حاشية الصبان (2/ 29)، وشرح المفصل (4/ 323)، وشرح التصريح (1/ 346)، وأوضح المسالك (2/ 43)، وشرح الشذور للجوجري (2/ 640).
(4)
انظر: حاشية الصبان (2/ 161)، وشرح ابن عُقيل (2/ 196)، وتوضيح المقاصد والمسالك (2/ 644).
قولُه: "ثم غسل سائر جسده": يحتمل "السائر": "البقية"؛ لأنّه من "السؤر"، ويحتمل "الجميع" على أنَّه من "السور" المحيط. (1)
و"ثم" يحتمل أن تكُون لترتيب الأخبار، ويحتمل أن تكُون بمعنى "الواو".
وقوله: "وكانت تقول": أي: "عَائِشَة رضي الله عنها". وجملة القول خبر "كان"، و"كنت" معمول القول.
و"أنا" تأكيد لاسمها، مصحّح للعطف على الضمير المرفوع المستكن.
ويجوز فيه النصب على أنَّه مفعول معه، أي:"مع رسول الله صلى الله عليه وسلم".
والاكثرون على أنَّ هذا العطف وما كان مثله من باب عطف المفردات.
وزعم بعضهم أَنَّهُ من باب عطف الجمَل، وتقديره في قولِه تعالى:{لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ} [طه: 58]: "وَلَا تخلفه أنت"(2)، {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35]، تقديره:"ولتسكن زوجك"(3).
وكذا هذا: "كنت أغتسل أنا ويغتسل رسول الله"(4).
قولُه: "نغترف منه": يحتمل أن يكون في محلّ الصفة لـ "إناء" صفة مُقدّرة بعد
(1) انظر: شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (ص 15)، المصباح المنير (1/ 299)، وتاج العروس (11/ 485 وما بعدها).
(2)
انظر: البحر المحيط (1/ 252)، والمحرر الوجيز (4/ 48).
(3)
انظر: البحر المحيط (1/ 250)، والتحرير والتنوير (1/ 482)، والمحرر الوجيز (1/ 126)، ومغني اللبيب (ص 558)، شرح التسهيل (3/ 372).
(4)
انظر: فتح الباري (1/ 363)، فتح الباري لابن رجب (1/ 309)، عمدة القاري (3/ 195، 196)، إرشاد الساري (1/ 328)، تحفة الأحوذي (1/ 164)، شرح الطيبي على مشكاة المصابيح (3/ 812)، عقود الزبرجد (3/ 208)، مرقاة المفاتيح
(7/ 2831)، علل النحو (ص 320).
الصّفة الظاهرة المؤكّدة، ويحتمل أن يكون بدلًا من "اغتسل".
ويحتمل أن يكون في محل الحال من فاعل "اغتسل" وما عطف عليه، أي:"مغترفين منه جميعًا"(1).
ونظير هذا قولُه تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ} [مريم: 27]، قيل: هو حال من ضمير "مريم" ومن الضمير المجرور ضمير "عيسى عليه السلام"؛ لأنّ الجملة اشتملت على ضميرها وضميره. وقيل: من ضميرها. وقيل: من ضميره (2).
و"جميعًا": حال من ضمير "نغترف"(3).
و"جميعًا" يرادف "كلا" في العموم، وَلَا يفيد الاجتماع في الزمان، بخلاف "معًا"، وعدّها ابن ابن مالك من ألفاظ التأكيد.
قال: وأغفلها النحويون.
قال: وقد نبّه سيبويه على أنَّها بمنزلة "كلّ" معنى واستعمالًا، ولم يذكر له شاهدًا من كلام العرب (4).
قال ابن مالك (5): وقد ظفرتُ بشاهد له، وهو قول امرأة من العرب ترقّص ابنها:
(1) انظر: إرشاد الساري (1/ 328)، فتح الباري (1/ 373)، إحكام الأحكام (1/ 132).
(2)
انظر البحر المحيط (7/ 257)، المحرر الوجيز (4/ 13).
(3)
انظر: إرشاد الساري (1/ 328).
(4)
انظر: إرشاد الساري (1/ 328)، شرح التسهيل (3/ 291)، شرح الكافية الشافية (3/ 1168، 1171).
(5)
انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1171)، إرشاد الساري (1/ 328).