الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
[64]
: عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ السُّوَائِيّ، قَالَ:"أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ في قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، قَالَ: فَخَرَجَ بِلالٌ بِوَضُوءٍ، فَمِنْ نَاضِحٍ وَنَائِلٍ، قَالَ: فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، كَأَنِّي أنْظُرُ إلى بَيَاضِ سَاقَيْه، قَالَ: فتَوَضَّأَ وَأَذَّنَ بِلالٌ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، يَقُولُ يَمِينًا وَشِمالًا: حَيَّ على الصَّلاة، حَيَّ على الْفَلاح، ثُمَّ رُكِزَتْ لَهُ عَنزَةٌ، فتَقَدَّمَ وَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْن، ثُمَّ نَزَلَ يُصَلّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إلى الْمَدِينَةِ"(1).
قوله: "عن أبي جُحَيفة": "جُحيفة" لا ينصرفُ؛ للعَلمية والتأنيث. وهو مُرَكّبٌ تركيب إضافة، كـ"أبي هُرَيرة"(2). وقد تقدَّم الكلامُ على هذا وما أشبهه في الحديث الثّاني من أوّل الكتاب.
و"وَهْب": بَدَلٌ منه، أو عَطفُ بيان. و"السُّوَائِيِّ": ممدودٌ، صفة لـ"أبي جحيفة"، ولا يكُونُ صفة لـ"عبد الله"؛ لأنَّ النعوتَ والأبدَال إذا تكَرّرت فهي راجعة إلى الأول حَقيقَة، فإنْ رَجَعتهما إلى الآخَر كان الأصلُ خِلافه، لكن يَبْقَى فيه تقديم البَدَل على الصِّفَة، والأصْلُ خِلافه. (3)
قوله: "أتيتُ": "أتى" المقْصُور يتعَدَّى لواحِدٍ، والممدُود بمعنى
(1) رواه البخاري (187) في الوضوء، ومسلم (503) في الصلاة.
(2)
انظر: المفصل (ص 35)، تاج العروس للزبيدي (24/ 21، 22)، المغرب (ص 519)، النحو المصفى (ص 47).
(3)
انظر: شرح التصريح (1/ 351)، (2/ 123)، اللباب في علل البناء والإعراب (1/ 407)، نتائج الفكر (ص 185)، الإنصاف في مسائل الخلاف (1/ 223)، الأشموني وحاشية الصبان (1/ 5)، (2/ 219)، الهمع (3/ 141)، جامع الدروس العربية (3/ 229)، النحو الوافي (3/ 435).
"أعطى" يتعدَّى إلى اثنين، نحو:"آتيتُ زيدًا درهمًا"(1)
قوله: "في قُبّة": يتعلّق بحَال من "النبي صلى الله عليه وسلم"، أي:"أتيتُه كائنًا، أو جالسًا".
ويحتمل أن يتعلّق بخبر مُبتدأ محذوف، أي:"وهو في [قُبّة] (2) ".
وحَذْفُ المبتدأ مقرونًا بـ"واو" الحال كثيرٌ، منه قوله في الحديث:"رَأَيْت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي في ثَوْبٍ مُشْتَمِلٌ بِهِ في بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ"(3)، أي:"وهو مُشْتَمِلٌ". (4)
وجمعُ "قُبّة": ["قِبَبة"، و"قِبَاب"](5).
وقوله "له": حَرْفُ الجرّ يتعلَّق بصفة لـ"قُبّة"، و "حَمْراء" صفَة أخْرَى. وتقْديمُ الصفة المقَدَّرة على [الصّفة](6) الظاهِرَة جَائزٌ، خِلافًا لابن عصفور. (7) وحَمَل قول امرئ القيس:
وَفَرْعٍ يَزِينُ الْمَتْنَ أسْوَدَ فَاحِم
…
أثيثٍ كقِنْوِ النَّخْلَةِ المُتَعَثْكِلِ (8)
(1) انظر: إرشاد الساري (8/ 206)، دَليلُ الطالبين (ص 74).
(2)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(3)
متفق عليه: البخاري (355، 356)، ومُسلم (278/ 517)، من رواية عُمر بن أبي سلمة رضي الله عنه.
(4)
انظر: شَواهد التَّوضيح (ص 193، 194)، عقود الزبرجد (1/ 434).
(5)
بالنسخ: "قببة وأقباب". لكن جمع "قبة" كما يظهر بالمصادر: "قِبب" و"قُبب" و"قباب". أما "أقباب": فهي جمع "القب". وانظر: الإعلام لابن الملقن (2/ 432)، الصحاح (1/ 197)، المحكم والمحيط الأعظم (6/ 142)، لسان العرب (1/ 659)، تصحيح التصحيف للصفدي (ص 415)، تاج العروس (3/ 511)، تكملة المعاجم العربية (8/ 161).
(6)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(7)
انظر: البحر المحيط (4/ 299)، اللباب في عُلوم الكتاب (7/ 391)، (14/ 462)، تفسير الألوسي (3/ 331)، شرح ابن عقيل (1/ 154، 155، 156).
(8)
البيتُ من الطويل، وهو لامرئ القيس. والشاهدُ: أنه قدَّم "يَزين" وهو جملة، على =
على الضّرورة. (1)
و"حمراء": لا ينصرفُ؛ لأجْل ألِف التأنيث الممْدودة. (2)
ويحتمل أن تكُون "حمراء" حَالًا من الضّمير في مُتعلّق "له"؛ لأنّها في معنى [المنتقلة](3).
قوله: "مِنْ أَدم": يتعلّق بصفة أخْرَى لـ"قُبّة". ويحتمل أن يتعلّق بحَال من "قُبّة"؛ لأنَّ النّكرة تخصصّه بالصّفة، أو (4) بحَال من ضَمير مُتعلّق "له". و"مِن" هُنا لبيان الجنس، وتحتمل التبعيض. (5)
قوله: "قال: فخَرَجَ بلال": فاعِلُ "قال": ضميرُ "أبي جحيفة".
قوله: "بوَضُوء": "الوَضُوء"، بالفتح:"الماءُ الذي يُتوضّأ به". وقيل: "هُو اسمٌ لمطْلَق الماء". (6)
= "أسْوَد" وما بعده، وهُنَّ مفردات. انظر: اللباب في عُلوم الكتاب لابن عادل (7/ 391، 392)، خزانة الأدب (10/ 127)، شرح المعلقات السبع للزوزني (ص 54)، ديوان امرِئ القيس (ص 43)، المعجَم المفصل (6/ 539).
(1)
انظر: البحر المحيط (4/ 299)، اللباب لابن عادل (7/ 391).
(2)
انظر: المفصل (ص 35)، تاج العروس (24/ 21، 22)، المغرب (ص 519)، النحو المصفى (ص 47).
(3)
غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "المتنقلة".
(4)
أي: "أو يحتمل أن يتعلق
…
".
(5)
انظر: الجنى الداني (ص 309)، حروف المعاني والصفات (ص 50)، اللمحة (1/ 64)، المقدمة الجزولية (ص 124)، اللباب في علل البناء والإعراب (1/ 354)، أوضح المسالك (3/ 18)، مغني اللبيب لابن هشام (ص 420)، شرح الأشموني (2/ 70)، جامع الدروس العربية (3/ 172).
(6)
انظر: عمدة الأحكام (ص 34)، إحكام الأحكام (1/ 205)، الإعلام لابن الملقن =
قوله: "فمِنْ ناضِح ونَائِل". قال الشيخُ تقيّ الدّين: "النّضحُ": "الرّشُّ". قيل: معناه: "أنَّ بعضهم كان ينالُ ما لا يَفْضل منه شَيءٌ، وبعضُهم كان ينالُ منه ما ينضح منه على غيره".
وتشْهَد له الرّواية الأخْرَى في الصّحيح: "وَرَأَيْتُ بِلَالًا أَخْرَجَ وَضُوءًا، فَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذَلِكَ الْوَضُوءَ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمسَّحَ بِه، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيئًا أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ"(1). انتهى. (2)
ويتوجّه في إعرابه أنْ يكُون التقديرُ: "فمنّا نَاضِحٌ ومنّا نائِل". فـ"ناضح" و "نائل": مُبتدآن، وخبرهما في المجرور، الذي هو "منّا"، ثم حذف المجرور، وبقي حَرْفُ الجرّ [مُتصلًا](3) بالمبتدأ؛ فانجَرّ، وهذا من وَجيز الكَلَام وفَصيحِه؛ لأنّه أفَاد ما يُفيده أكثر منه لَفْظًا.
ويحتمل أنْ يكُون التقديرُ: "فنائلٌ لا ينالُ منه، ومن ناضِح ينال منه"؛ فيتعلّق حرفُ الجر بـ"ينال"، ويُفسَّر الحديثُ بالرّواية الأخْرَى؛ لأنّها تدلُّ عليه.
و"من" هُنا للتفْصيل، وهو أحَدُ أقسَامها (4)، والمفَصّلُ مَحْذوفٌ، والتقديرُ: "خَرَجَ بلال بوضوء على النّاس
…
"، والتقسيمُ في محلّ بدَل، بدَل كُلّ من كُل، مُفصّل من مجمُوع.
= (2/ 433)، نيل الأوطار (1/ 31)، فيض القدير شرح الجامع الصغير (1/ 99)، المصباح (2/ 663)، لسان العرب (1/ 194).
(1)
صَحيحٌ: رواه مُسلم (250/ 503)، من حديث أبي جُحيفة.
(2)
انظر: إحكام الأحكام (1/ 205)، الإعلام لابن الملقن (2/ 434)، نيل الأوطار للشوكاني (2/ 56).
(3)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(4)
انظر: الجنى الداني (ص 308 وما بعدها)، أوضح المسالك (3/ 18، 19)، جامع الدروس العربية (3/ 172).
ويحتمل أنْ تكُون "من" زائدة، والتقديرُ:"فخَرج بلال بوضُوء على النّاس، فقِسْمان، ناضِحٌ ونائِلٌ". [أو](1) يكُون التقديرُ: "فمِنْهم ناضِحٌ، ومنهم نائِلٌ". ومثله: "انطَلَق النّاسُ، فمِن مُسْرع، ومِن مُبْطِئ".
قوله: "فخَرَج النبي صلى الله عليه وسلم عليه حُلّة حَمْرَاءُ": (عليه) يتعلَّق بخَبر المبتدأ. والمسَوِّغُ للابتداء بالنّكرة: تقَدُّم الخبر (2).
والصّفة والجمْلَة من المبتَدأ والخبر في محلّ الحَال. وجَاءَت الحَالُ (3) بالضّمير وَحْده، ولَو جَاءَت به وبـ"الوَاو" لكَانَ أكْمَل. (4)
قوله: "كأني أنظُر إلى بياض سَاقيه": "كأنَّ" حَرْفٌ مُرَكّب عند أكثرهم، حتى ادّعَى بعضُهم الإجْمَاع عليه، وليس كَذلك، بل قيل: إنّها بسيطة. وقد تُخفّف؛ فيَجُوزُ إعمالهُا وإلغاؤُها. (5)
ولها مُشدَّدَة [أربعة](6) مَعَان: -
(1) غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "ان"، وهو ما يبدو بالأصل. ولعلّ الصّواب المثبت، ولعله:"أي" أو: "إذ". والله أعلم.
(2)
انظر: شواهد التوضيح (ص 98)، إرشاد الساري (3/ 68)، (8/ 177)، (10/ 10، 239)، عقود الزبرجد (1/ 214) شرح الكافية الشافية (1/ 363 وما بعدها)، توضيح المقاصد (1/ 484)، مغني اللبيب (ص 608 وما بعدها)، شرح الأشموني (1/ 192)، الهمع (1/ 381 وما بعدها)، الجزولية (97)، جامع الدروس العربية (2/ 257).
(3)
وهي جملة: "عليه
…
".
(4)
انظر: شرح الكافية الشافية (2/ 757 وما بعدها)، اللمحة (1/ 393)، توضيح المقاصد (2/ 720)، شرح ابن عقيل (2/ 278)، همع الهوامع (2/ 326)، جامع الدروس العربية (3/ 101، 103، 109).
(5)
انظر: مغني اللبيب (ص 252 وما بعدها).
(6)
بالنسخ: "أربع". وانظر: مغني اللبيب (ص 253).
أحدها: وهو الغَالِبُ عليها، التشبيه، وإنما يكُون ذلك إذا كان خبرها اسمًا جامدًا، نحو:"كَأنّ زيدًا أسَدٌ".
بخلاف: "كأنَّ زَيدًا قائمٌ"، أو:"في الدّار"، أو:"عندك"، أو:"يقُوم"؛ فإنّها في ذلك كُلّه للظَّنّ، وهذا (1) القسْم الثّاني من أقسامها.
والتشبيهُ بها أبلَغ منه بـ"الكَاف"؛ لأنّها أكثرُ حُروفًا، ولأنّها مُرَكّبة من "الكَاف" وزيادة، ولأنّ "أنَّ" مَعَها تُشْعِر بالتأكيد في "الكَاف"، ولأنَّ الكَلامَ مَعَها مَبنى على التشبيه؛ لوقوعها في صَدْر الجُمْلة لَفْظًا وتقْديرًا، وتشبيهُ "الكَاف"[طار في](2) أثناء الكَلام.
الثاني من أقسامها: التحقيق، نحو قولهم:
فأَصْبَحَ بَطْنُ مَكَّةَ مُقْشَعِرًّا
…
كَأنَّ الأرْضَ لَيْسَ بِهَا هِشَامُ (3)
أي: "لأنّ الأرضَ
…
".
الثالث: "أنّ" الكَافَ للتعليل، و"أنّ" للتوكيد، فهي كَلمتان، لا كَلِمَة، ونظيره:{وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [القصص: 82].
الرابع: التقريب، قاله الكُوفيون، وحملوا عليه:"كأنّك بالشِّتاءِ مُقبلٌ"، و"كأنّك بالدّنيا لم تكُن". (4)
(1) أي: "كونها للظن".
(2)
كذا بالنسخ. ولعل الصّواب: "صار في".
(3)
البيتُ من الوافر، وهو للحارث بن خالد، أو الحارث بن أمية، قاله في هشام بن المغيرة المخزومي، وكان جوادًا مطعامًا، وكانت قُريش قد أرَّخَت بموته. انظر: ثمار القلوب في المضاف والمنسوب للثعالبي (ص 298)، ربيع الأبرار للزمخشري (3/ 264)، المعجم المفصل (7/ 131).
(4)
اشتبه على "ابن فرحون" هنا المعنى الثاني والثالث، فما ذكر "ابن فرحون" لها هو خمسة =
ومحلُّ "كأني أنظُر": حَالٌ من محْذوف، تقديره:"أحْكي لكُم كأني أنظر"، أي:"محقّقًا ذلك".
ومعنى الجملة: حَال من "النبي صلى الله عليه وسلم، أي: "خَرَج في حُلّة حمراء محققًا بياض سَاقيه"، فتضمّنت الجملة معنى الحَال من "النبي صلى الله عليه وسلم".
قوله: "قال: فتوضّأ: الفاعلُ: ضميرُ "وهب".
وهذا الوضُوء يدُلُّ على أنّ الإناءَ الذي خَرَج به "بلال" لم يكُن فيه فَضْل وضُوء النبي صلى الله عليه وسلم، إلّا أنْ يُقال:"إنّه توضّأ مرّتين لسَبب".
قال بعضُهم: فيه تقْديم وتأخير، أي:"فتوضّأ، فخرج بلال". وهذا فيه قلق.
= معان، وزاد عما ذكره العلماء (أنها للتعليل). ولعل السبب وجود سقط بالمخطوط أو بنسخة "ابن فرحون" من "مغني اللبيب". وأنقُل لك نصّ "ابن هشام" حتى يتبين لك موضع الاشتباه. فقد قال ابنُ هشام: "وذكروا لكَأنّ أربعة معان: -
1 -
أحدها: وهو الغالب عليها والمتفق عليه، التشبيه
…
بخلاف: (كأنّ زيدًا قائم)، أو في الدار، أو عندك، أو يقوم، فإنها في ذلك كله للظن.
2 -
والثاني: الشك والظن
…
3 -
والثالث: التحقيق، ذكره الكوفيون والزجاجي
…
فإن قيل: فإذا كانت للتحقيق، فمن أين جاء معنى التعليل؟ قلتُ: من جهة أنّ الكلام معها في المعنى جواب عن سؤال عن العلّة مُقدّر
…
وأجيب بأمور، أحدها:
…
الثاني: أنه يحتمل أن
…
الثالث: أنّ الكاف للتعليل، وأنّ للتوكيد، فهما كلمتان لا كلمة، ونظيره:{وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [القصص: 82]، أي: اعجب لعدم فلاح الكافرين.
4 -
والرابع: التقريب
…
". وانظر: مغني اللبيب (ص 253، 254).
وراجع: عقود الزبرجد (1/ 476 وما بعدها)، الجنى الداني (570 وما بعدها)، شرح التصريح (1/ 294 وما بعدها)، الهمع للسيوطي (1/ 486)، الكليات للكفوي (ص 753)، جامع الدروس العربية (3/ 268).
ويحتمل أن يكُون الإناءُ أولًا كان فيه فَضْل وضُوءه صلى الله عليه وسلم من وضُوء قبل هذه الصّلاة. ويحتمل أن يكُون جَدّد الوضُوء؛ لأنّ الوضُوء على الوضُوء نُورٌ على نور. ويحتمل أن يكُون "صلى الله عليه وسلم" أخَّر الوضُوءَ، وكان [تبرّكهم](1) بما في إنائه الذي من عادته صلى الله عليه وسلم يتوضّأ فيه أو منه. والله أعلم.
قوله: "وأذّن بلال": مَعْطوفٌ على الفعل قبله.
وفي تكرير "قال" تأكيدٌ للحديث والمحَدّث عنه، أو يكُون "قال" الثّانية [بَدَلًا](2) من الأولى.
قوله: "أتتبعُ فَاه": فاعلُ "أتتبع": ضميرٌ يعُود على "وهب"، وضميرُ "فاه" يعُود على "بلال"، هذا الظاهرُ. ويحتمل أنْ يكُون الرّاوي عن "وهب" حَكى أنه جَعَل يتتبع فَم "وهب" عند حكايته. والظاهرُ الأوّل. (3)
والمرادُ بقوله: "هاهنا وهاهنا": "اليمين والشمال"، وهما هنا ظرفا مكان؛ لأنّ الإشارة إلى المكَان [بـ:"هاهُنا"] (4). و "هاهنا" و "هِنّا" - بكسر "الهاء" وتشديد "النّون" - من ظُروف المكان (5).
و"يَمينًا وشمالًا": بَدلٌ من "هاهنا وهاهنا". (6)
وفاعلُ "يقول": ضَميرُ الرّاوي عن "وهب"، أي: "يقُول وهْب: حيّ على
(1) غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "يتركهم".
(2)
بالنسخ: "بدلٌ".
(3)
انظر: فتح الباري (2/ 114).
(4)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(5)
انظر: فتح الباري لابن حجر (2/ 114)، إحكام الأحكام (1/ 205)، الإعلام لابن الملقن (2/ 439، 440).
(6)
انظر: الإعلام لابن الملقن (2/ 440).
الصّلاة، حيّ على الفلاح، في جهة اليمين، وفي جهة الشمال".
وفي بعض الروايات: "فجَعَلْتُ أتَتَبّعُ فَاهُ، هَاهُنا وهَاهُنا، يَمِينًا وَشمَالًا"(1). وفي بعضها: "يَقُولُ يَمِينًا وَشمَالًا، يقُولُ: حَيّ على الصَّلَاة"(2) تأكيدًا للفِعل بالفِعْل لَفظًا.
ويحتمل أنْ يُضَمّن "يقُول" الأولى معنى "ينحرفُ يمينًا وشمالًا، يقُول: حَيّ على الصّلاة"؛ فيكُونان ظرفين.
وسيأتي في العاشر من "كتاب الصّوم"(3) الكَلام على "ههنا"[و"هُنا" و"هِنا"](4).
و"الفم" تقَدّم الكَلامُ عليه في الثّاني من "باب السّواك".
قوله: "يقُول": ههنا، فيه التعبيرُ بالقَول عن الفِعل، وقد جاء في الحديث من ذلك:"فَقَالَ بِيَدِه كَذَا"(5).
قوله: "حَيّ على الصّلاة": قال بعضُهم: أصلها: "حيهل" مُتّصلة، اسمُ فعل، ومعناها:"أسرع"، أو:"أقْبِل سَريعًا".
وفيها لُغاتٌ، أحدها: هذه. وفصلُ "الياء" من "هل"(6). وتشديد "الياء"،
(1) وهي رواية "وكيع" عند "مُسلم"، كما في "تحفة الأحوذي" (1/ 502). وانظر: عمدة القاري (5/ 147)، سبل السلام (1/ 183)، جامع الأصول لابن الأثير (5/ 294)، خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام للنووي (1/ 288).
(2)
صحيحٌ: مُسلم (503/ 249).
(3)
كذا بالنسخ. لكنه في الحديث العاشر من "باب الصّوم في السفر".
(4)
غير واضحة بالأصل، وتشبه:"وها هنا"، وكذا هي في (ب).
(5)
كذا في مُسند البزار "البحر الزخار"(9/ 368 / برقم 3946). وقد رواه البخاري في صحيحه (266) من حديث ميمونة، بلفظ:"فَقَالَ بيَدِهِ هَكَذَا". ورواه مسلم (540/ 37)، من حديث جابر، بلفظ:"فَقَالَ لي بِيَدِهِ هَكَذَا".
(6)
فتكون: "حي هل". وانظر: الكتاب لسيبويه (3/ 300).
وتسكينها. وإبدال "العَين"(1) بـ"الياء".
وهي مَبنية؛ لكَونها اسم فِعْل.
وحَقُّ الاسم الواقع بعدَهَا أن يكُون منصوبًا بالإغراء، ولا يُتوَهّم أنّ "العَينَ" و"اللام" في آخرها حَرف جَر. (2)
و"الفلاحُ": "الفَوزُ". انتهى. (3)
قلتُ: والذي عليه الأكثرون: فصلُ "على" على أنّها حرف جَر (4)، لكنّ ألفاظَ الأذان كُلها سَاكنة، لا تُروَى بنَصْبٍ ولا بجَر.
قوله: "ثم ركزت له عَنَزَةً": معطُوفٌ على قوله "فتوضّأ"، وعلى قوله "وأذّن بلال".
قوله: "وصَلّى الظُّهرَ رَكعتين": أي: "صَلاة الظُّهر"، فتعدّى "صلّى" إلى مَصْدره. وتقدّم في الخامس من "باب فضل صَلاة الجماعة".
و"ركعتين": هنا حَالٌ من "الظّهر"، وهي حَال مُقدَّرة، مثل قوله تعالى:{كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} [النحل: 92](5)، هذا إن حُمل الكلامُ على الشّروع في الصّلاة، وأنّ "صلى" بمعنى "شرَع".
(1) أي: عَين الفعل "حيهل".
(2)
انظر: عمدة القاري (17/ 181، 182)، عقود الزبرجد (1/ 282)، الإعلام لابن الملقن (2/ 442 وما بعدها)، نيل الأوطار (2/ 47)، مرقاة المفاتيح (2/ 548)، مرعاة الفاتيح (2/ 347)، الكتاب (3/ 300)، النظم المستعذب (1/ 59)، لسان العرب (14/ 222)، القاموس المحيط (ص 990).
(3)
انظر: نيل الأوطار (2/ 47)، تحرير ألفاظ التنبيه (52).
(4)
راجع: عقود الزبرجد (1/ 282).
(5)
انظر: تفسير البيضاوي (3/ 238)، إعراب القرآن وبيانه (5/ 359).
وأمّا إنْ حمل على صُورة الواقع منه صلى الله عليه وسلم من تكميل الصّلاة، وأنَّ "صلّى" بمعنى "كمل الصّلاة"، فالحالُ مُقَارنة، أي:"أوْقَع فِعْلها في حَال كونها ركعتين".
قوله: "فلم يزَل يُصلّي رَكعتين": تقَدّم الكّلامُ على "ما زال" في [الحديث من](1)"باب فضْل الجماعة". و"لم" و"لا" في حُكْم واحد مع "زال"، وأصلُه مع "ما" النافية "زول" بكَسْر "العَين"، ومُضارعه "يزال"، قال تعالى:{وَلَا تَزَالُ} [المائدة: 13]، كـ"خَاف، يخاف". وأمّا "زال" التي بمعنى "الانتقال": فإنّ ماضيها "فَعَل" بفتح "العين"(2).
قوله: "يُصلي ركعتين": جملة في محلّ خبر "زال". والتقديرُ: "يُصلّيها ركعتين"، فـ"ركعتين" حالٌ من ضمير "الصّلاة"، وتقدّم بيانُ ذلك في الخامس من "صَلاة الجماعة".
قوله: "حتّى رَجع إلى المدينة": "حتّى" حَرفُ ابتداءٍ وغاية (3)، ويتعلّق بـ"يُصلّي"، ولا يتعلّق بـ"يزال"؛ لأنّ المعنى ليس عليه.
(1) كذا بالنسخ.
(2)
انظر: شرح التصريف للثمانيني (ص 437)، لسان العرب (11/ 313، 316 وما بعدها)، تهذيب اللغة (13/ 173 وما بعدها)، تاج العروس (29/ 155)، النحو الوافي (1/ 562 وما بعدها).
(3)
انظر: البحر المحيط (1/ 529)، إرشاد الساري (1/ 229)، (9/ 428)، الجنى الداني (ص 554، 555)، مُغني اللبيب (ص 173 وما بعدها)، توضيح المقاصد (3/ 1250)، شرح الشذور للجوجري (2/ 528)، موصل الطلاب (ص 104 وما بعدها)، الهمع (2/ 381)، الكُليات (ص 396).