الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصّلاة
باب المواقيت
الحديث الأوّل
[46]
: عَنْ أبي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ - وَاسْمُهُ: [سَعْدُ](1) بْنُ إيَاسٍ - قَالَ: حَدَّثَنِي صَاحِبُ هَذه الدَّارِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى دَارِ عَبْدِ اللهَ بن مَسْعُودٍ - قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إلَى اللهَ؟ قَالَ: "الصَّلاةُ على وَقْتِهَا". قُلْتُ: ثُم أَيُّ؟ قَالَ: "بِرُّ الْوَالِدَيْنِ". قُلْتُ: ثُمَّ أيُّ؟ قَالَ: "الجهَادُ في سَبِيلِ اللهِ". حَدَّثَنِي بِهِنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي (2).
تقدّم الكَلامُ في أوّل الكتاب على ما يتعَلّق بالسّند وما قبله.
واشتقاقُ "الصّلاة" من "الصّلا"، وهو عِرقٌ مُتّصل بالظّهْر، يفترق من "عجب الذنب"، ويمتدّ منه عِرْقان، في كُلّ ورك عِرقٌ، يُقال لهما:"الصّلَوَان"، فإذا ركع المصلّي أو سَجَد انحنى صلاه وتحرّك. ومنه أُخذ "المصلي" في الخيل؛ لأنّه يأتي مع "صِلْوَي" السّابق. و"الصّلاة":"فَعَلَة"، بفتح "العَين". من "المجيد"(3)
(1) بالنسخ: "سَعِيد". والمثبت من المصادر. انظر: صحيح مسلم (85/ 137)، العمدة (ط الثقافة، ص 53)، العمدة (ط المعارف، ص 45)، إحكام الأحكام (1/ 162)، الإعلام لابن الملقن (2/ 212).
قال ابن حجر في "الإصابة في تمييز الصحابة"(3/ 209، 210، 233)، (7/ 241): "سعد بن إياس
…
سمّاه ابن حبّان: سعيدا. وقال أَبُو نعيم: سعد أو سَعِيد. والأصح سعد".
(2)
رواه البخاري (527) في الصلاة، ومسلم (85)(139) في الإيمان.
(3)
انظر: المجيد في إعراب القرآن المجيد للصفاقسي، ط كلية الدعوة (طبعت سورة الفاتحة والجزء الأوّل من سورة البقرة)، (ص 85)، البحر المحيط لأبي حيان (1/ 66)، دليل الفالحين لابن علان (1/ 222).
قولُه: "المواقيت": جميع "ميقات"، والأصل:"موْقات"؛ لأنّه من "الوقت"، كـ "ميعاد" و"ميزان" من "الوعد" و"الوزن"، سكنت "الواو" وانكسر ما قبلها، [فقُلبت] (1) "ياء". ويُقال للمكان أيضًا:"ميقات"، كميقات أهل المدينة والشّام. ويُقال:"وقّته"، فهو "مُوَقّت"، إِذَا بين للفعل وقتًا يُفعل فيه، قال تعالى:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، أي:"مفروضًا في الأوقات". و"التوقيتُ": "تحديد الوقت". (2)
قولُه: "عن أَبِي عَمْرو الشيباني": تقدّم مثله.
قولُه: "واسمه [سعد](3)): جملة مُعترضة.
وفاعل "قال": ضَمير " [سَعد] (4) ".
و"هذه الدار": مخفوضان، الأوّل بالإضافة، والثاني على الصفة لاسم الإشارة.
وفاعلُ "أشار": ضميرُ "أَبِي عمرو".
والجملة في محلّ الحال من فاعِل "حدّثني".
و"إِلَى دار": يتعلّق بـ "أشار". و"بيده": يتعلق بـ (أشار) أيضًا. وصَحّ؛ لاختلاف حرفي الجر (5). ويحتمل أن يتعلّق "بيده" بحَال من ضَمير الفَاعل، أي:"أشَار مُصَوبًا يَدَه"؛ فتكُون "الباء" باء الحال (6). ويحتمل أن يكون "إِلَى دار" يتعلّق بحاله، أي:
(1) بالنسخ: "قلبت". والمثبت من المصادر.
(2)
انظر: رياض الأفهام (1/ 518)، الإعلام لابن الملقن (2/ 211)، الصحاح (1/ 269، 270)، النظم المستعذب (1/ 52، 187)، لسان العرب لابن منظور (2/ 107، 108)، تاج العروس (5/ 133).
(3)
بالنسخ: "سعيد". والمثبت من المصادر. وقد سبق نظيره.
(4)
بالنسخ: "سَعِيد". وقد سبق نظيره.
(5)
انظر: شرح الأشموني (1/ 161)، النحو الوافي (1/ 400 بالهامش).
(6)
انظر في "باء" الحال: توضيح المقاصد (2/ 606)، شرح الأشموني (1/ 420)، الجنى =
"أشار بيده" أي: "قاصدًا بيده إِلَى دار"، على البدل منهما في الحالية.
و"قال"[الأوّلي](1) في محلّ رَفع بـ "روي" الذي تعلّق به حرف الجر، أي:"أنّه قَال". (2) و"قال" الثانية بَدَلٌ من "حدّثني". والتقدير: (عن أَبِي عَمْرو، أنّه قال: قال عبد الله". فـ "حدّثني" معمولُ القَول الأوّل، و"قال" بَدلٌ من "حدّثني"؛ فيكون معمُولًا للقَول؛ لحلوله محلّ معمُوله.
و"سَأَلْتُ": في محلّ [مفعُول القَول](3).
و"أي العَمَل": مُبتدأ، والخبر:"أحَبُّ". والمحلّ: [معمول](4) القول مُقَدّر، أي:"فقلتُ: أي العَمَل".
و"أي" من أسماء الاستفهام، وهُو أحَدُ أقسَامها الخمْسَة.
الثاني: الشّرْطيّة، نحو قولُه تعالى:{أَيًّا مَا تَدْعُوا} [الإسراء: 110].
الثالث: موصولة، نحو قوله تعالى:{ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} [مريم: 69]، أي:"الذي هو أشَدّ".
الرابع: أن تكون دالّة على معنى الكمال؛ فتقع صفة للنكرة، نحو:"زَيْدِ رجُل أي رَجُل"، أي:"كاملٌ في صفات الرجال"، وحَالًا [للمعرفة](5)، نحو:"مررتُ بعبد الله أي رجُل".
= الداني (ص 40)، شرح جمل الزجاجي (1/ 498).
(1)
بالنسخ: "الأول".
(2)
راجع: شرح القطر (ص 190)، شرح ابن عُقيل (2/ 127)، جامع الدروس العربية (2/ 246 وما بعدها).
(3)
كذا بالنسخ.
(4)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(5)
سقط بالنسخ. والمثبت من "مغني اللبيب"(ص 109).
الخامس: أن تكُون وُصْلةً إِلَى نداء ما فيه الألف واللام، نحو:"يا أيها الرجل". وزعم الأخفش أنّ "أي" هذه هي الموصولة، حُذف صَدْر صلتها، وهو العائد، والمعنى:"يا من هو الرجل".
قال ابنُ هشام: [ويرُدّه](1) أنّه ليس لنا [عامِل](2) يجب حَذفُه، وَلَا موصولٌ التزم كون صلته جملة اسمية. (3)
وقيل: "أي" في النداء نكِرَة موصُوفة. (4)
وتكون تعجّبًا، نحو قولك:"أيُّ رَجُل زيدٌ؟ ! ". (5)
وَلَا تكونُ "أي" غير مذكُور معها مُضَاف إليه، إلّا في النّداء والحكاية؛ تقول:"جاءني رجُلٌ"، فيقُول:"أي يا هذا؟ "، و"جاءني رجُلان"، فيقول:"أيان؟ "، و"رجال"، فيُقال:"أيون؟ ". (6) وتقَدّم طَرفٌ من الكَلام عليها في الثّالث من "باب التيمم"؛ فليُنظَر هنالك.
واعلم أنّ "أي" إِذَا أُضيفت إِلَى زمان كانت زَمانًا، أو إِلَى مَصْدر كانت مَصْدرًا، أو إِلَى مكان كانت مكانًا. وإن أضفتها إِلَى مَن يَعقل كانت لمن يَعقل، وإن
(1) بالنسخ: (ونرده). وفي "مغني اللبيب"(ص 109): "ورُد".
(2)
كذا بالنسخ. وفي "مغني اللبيب"(ص 109): "عائد".
(3)
انظر: مغني اللبيب لابن هشام (ص 107 وما بعدها)، موصل الطلاب إِلَى قواعد الإعراب (ص 127 وما بعدها)، دليل الطالبين لكلام النحويين (ص 87)، جامع الدروس العربية (1/ 144 وما بعدها).
(4)
انظر: مغني اللبيب (ص 109).
(5)
انظر: البحر المحيط (10/ 330، 383)، الصاحبي (ص 100)، شرح المفصل (4/ 421)، الهمع (3/ 47).
(6)
انظر: مغني اللبيب لابن هشام (ص 109)، المقتضب (2/ 302)، علل النحو (ص 428).
أضفتها إِلَى ما لا يَعقل كانت لما لا يَعقل. (1)
قولُه: "أحَب": هو "أفعلُ" التفضيل، إِذَا لم يُستَعْمَل بالإضَافة وَلَا بالألِف واللام لزمه التذكير والإفراد بكُلّ حَال، كقولك:"هُو أفضَل" و"أحَب"، و"هُم أفضل"، و"هُما أفضل"، و"هُن أفضل"، أي:"مِن كذا".
فإن عُرّف بالألِف واللام لزِمَته المطابَقَة؛ فتقُول: "هُم الأفضلون"، و"هما الأفضلان"، و"هُن الفُضليات".
وإن كان مُضَافًا، فإن أُضيف إِلَى نكرة لزمه التذكير والإفراد، كالمجرّد؛ تقول:"هُو أفضلُ رجُل"، و"هُي أفضلُ امرأة"، و"هُما أفضَلُ رجُلين"، و"هُم أفضلُ رجال".
وإن أضيف إِلَى معرفة؛ جاز أن يُوافق المجرّد في لزوم الإفراد والتذكير، تقول:"هي أفضل النساء". وجاز أن يُوافق المعرّف بالألِف واللام في لزوم المطابقة لما هو له، فتقول:"هي [فُضْلَى] (2) و"هما أفضلا القوم".
وقد اجتمع الوجهان في قولِه صلى الله عليه وسلم: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْالِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ : أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا، الْمُوَطَّئُونَ أكْنَافًا، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ"(3).
(1) انظر: توضيح المقاصد (3/ 1275)، شرح شذور الذهب للجوجري (2/ 599)، شرح التصريح (2/ 399)، شرح التسهيل (4/ 73)، رسالة "أيَّ" المشددة، لابن قائد النجدي الحنبلي (المتوفى: 1097 هـ)، ط دار عمار، دار الفيحاء، الأردن، (ص 31 وما بعدها، ص 51)، النحو المصفى (ص 384)، جامع الدروس العربية (2/ 204).
(2)
بالنسخ: "أفضل". والمثبت من "اللمحة"(1/ 430).
(3)
رواه معمر بن راشد في الجامع "منشور كمُلحَق بمُصنّف عبد الرزاق"(11/ 144/ برقم 20153) عن هَارُونَ بن رِئَابٍ. وصحّحه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة"(رقم 751، 791)، وفي "صحيح الأدب المفرد"(ص / 118 برقم 206/ 272)، عن عَمْرو بن شعيب عن أبِيهِ عن جَدّه، وفيه: "أحسنكم =
وجوازُ الأمرين في هذا مشروطٌ بكَون الإضافة بمعنى "مِن"، وذلك إِذَا كان "أفعل" تقصد به التفضيل.
أما إِذَا لم تقصد به التفضيل: فلا بُدّ فيه من المطَابَقَة لما هُو له، كقولهم:"النّاقِصُ والأَشَجّ أعْدَلا بني مَروَان"(1). وفي "بَابٌ أفْضَل الصيام" الكَلام على "النّاقِص والأَشَجّ"(2).
واعلم أنّ أكثر ما تُحذَف "مِن" إِذَا وَقَع "أفْعَل" التفضيل خبرًا (3)، كما وَقَع في
= أخلاقًا"، وحسّنه في "صحيح الجامع الصغير وزياداته" (1/ 439/ برقم 2201 - 977) عن جابر، وهو في سنن الترمذي (2018). وانظر: مجمع الزوائد (ط المقدسي، 8/ 21 وما بعدها).
والشّاهدُ فيه: أَنَّهُ ذَكَر "بأحبكم"، وفيه ترك الجمع، وذَكَر "أحاسنكم" وفيه الجمع.
انظر: عقود الزبرجد (2/ 283).
(1)
النّاقصُ: هو يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، لُقّب بذلك لأنّه نقص أرزاق الجند. والأشَجّ: بالشين المعجمة والجيم، هو عُمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، لُقب بذلك لأنّ بجبينه أثر شَجّة من دابّة ضربته. انظر: شرح التصريح (2/ 102)، شرح المفصل (2/ 159)، شرح شذور الذهب للجوجري (1/ 103)، (2/ 727)، تاريخ دمشق لابن عساكر (ط دار الفكر، 74/ 122)، السلوك في طبقات العلماء والملوك، للجُندي اليمني، (1/ 180)، فوات الوفيات، لابن شاكر، (ط صادر، 4/ 333)، الأعلام للزركلي (8/ 190).
(2)
سيذكر "ابن فرحون" هناك أنّ النّاقص هو مُعاوية بن يزيد، وهو منه خَطأ؛ لأنّ مُعاوية بن يزيد ليس من بني مروان أصلًا، وذكر أنّ الأشَجّ هو عُمر بن عبد العزيز.
(3)
انظر فيما سبق من مسائل أفعل التفضيل: عقود الزبرجد (2/ 282 وما بعدها)، اللمحة (1/ 426 وما بعدها)، شرح الكافية الشافية (2/ 1136 وما بعدها)، شرح التصريح (2/ 95 وما بعدها)، التسهيل (ص 134 وما بعدها)، شرح التسهيل (3/ 53 وما بعدها)، المفصل (ص 125)، شرح المفصل (2/ 156 وما بعدها)، توضيح المقاصد والمسالك (2/ 937 وما بعدها)، شرح ابن عُقيل (3/ 178 وما بعدها)، أمالي ابن الحاجب (1/ 314 وما بعدها)، الهمع (3/ 95 وما بعدها)، جامع =
الحديث: "أَيُّ العَمَلِ أحبُّ؟ "(1)، أي:"مِن غَيره إليك".
وسيأتي في السّادس من "صَلاة الجماعة" تمامُ الكَلام على "أفعَل"، وفي الرّابع من "صَلاة الكسوف".
قولُه: (ثم أَي؟ ): مُبتدأ، والخبرُ محذُوفٌ يدُلُّ عليه ما قبله، أي: "ثُم أي العَمَل أحَبُّ إِلَى الله؟ ).
قوله: "قال": أي: "النبي صلى الله عليه وسلم".
"الصَّلاة [على وَقْتها] (2) ": يحتمل أن تكُون "الصّلاة" خبر مُبتدأ محذُوف، أي:"أحَبُّ العَمَل الصّلاة"، ويدلُّ على ذلك السّؤال. ويحتمل أن تكُون مُبتدأ، أي:"الصّلاةُ لوقتها أحبُّ إِلَى الله تعالى". (3)
قولُه: "على وقتها": يحتمل أن يتعلّق بـ "أحَبّ" المحذُوف، وفيه بُعْد؛ لأنّ المعنى ليس عليه، لأنّك تقُول:"أحَبُّ إليّ"، وَلَا تقول:"أحَبّ عليّ".
ويحتمَل أنْ يتعلّق "على وَقْتها" بحَال من "الصّلاة" على قول مَن يُجيز عمل الابتداء في الحال، وبما في "أحَب" من معنى على قول مَن يُجيز أن يكون العَامِل في الحال غير العامِل في صاحبها، ويكون التقدير:"أحَبّ العَمَل الصّلاة مُؤدّاة على وقتها". أو يتعلّق بنفس "الصّلاة"؛ لأنّه مصْدَر، وفيه رائحة الفعل. (4)
وقد جَاء: "لِوَقْتِهَا"(5). ولعَلّ "على" هُنا بمعنى "اللام".
= الدروس العربية (1/ 197، 199).
(1)
وهو الحديث الوارد بالعُمدة.
(2)
بالنسخ: "لوقتها". وانظر: عقود الزبرجد (2/ 91).
(3)
انظر: عقود الزبرجد (2/ 91).
(4)
انظر: عقود الزبرجد (2/ 91).
(5)
صحيحٌ: رواه مُسلم (85/ 137).
وتكون بمعنى التعليل، كقوله تعالى:{عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [الحج: 37]، وكونها على بابها أحْسَن، ورُبّما تدلّ على أوّل الوقت؛ لأنّ معنى الاستعلاء فيها يُعطي ذلك، ويُقوّيه قوله في رواية أخرى:"الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا"(1). (2)
قولُه: "قلت: ثم أي؟ قال: برّ الوالدين": الجملتان [بعد القولين] معمولتان لهما. و"أي" كما تقدّم، إمّا مبتدأ، والخبرُ محذُوفٌ، أو خبر، والمبتدأ محذُوفٌ. ومثله:"قلتُ: ثُم أي؟ قال: الجهادُ في سَبيل الله" يتعلّق بـ "الجهَاد"؛ لأنّه مَصْدَر.
قال الشيخُ تاج الدين الفاكهاني: ينبغي - أو يتعيّن - هُنا أنْ لا يُنَوّن "أي"؛ لأنه موقُوفٌ عليه في كَلام السّائل ينتظر الجوَابَ منه عليه السلام والتنوينُ لا يُوقَفُ عليه إجماعًا. (3)
[قولُه](4): "حَدَّثني بهن": أي: (النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم"، وهي جُملة مُستأنفة، لا محلّ لها من الإعْرَاب.
(1) رواه الترمذي (170) وأحمد في مسنده (6/ 374/ برقم 27147)، والحاكم (ط الهندية، 1/ 302)، من رواية أُم فروة. وضعفه الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة"(1832) بهذه الرواية، وقال:"توبع بلفظ: (أفضل الأعمال الصلاة في أوَّلَ وقتها). وله شاهد من حَدِيث ابن مسعود بسند صحيح؛ ولذلك خرجته في "صحيح أَبِي داود) (452) و (إرواء الغليل)(1198)، فهو صحيح لغيره بهذا اللفظ، وأمّا اللفظ الأوّل فضعيف".
وانظر: الإعلام لابن الملقن (2/ 217).
(2)
انظر: البحر المحيط (2/ 202)، الإعلام لابن الملقن (2/ 217، 218)، عقود الزبرجد (2/ 90، 344)، الجنى الداني (ص 477)، مغني اللبيب (ص 191)، شرح الأشموني (2/ 91)، همع الهوامع (2/ 440)، جامع الدروس العربية (3/ 178).
(3)
انظر: رياض الأفهام (1/ 524)، الإعلام لابن الملقن (2/ 227)، عقود الزبرجد (2/ 90)، شرح المفصل (5/ 211).
(4)
بالأصل بياض بقدر كلمة كبيرة.
[قولُه](1): "ولو استزدته لزادني": "لو" لها ثلاثة أوْجُه: -
أحدها: أن تكُون مَصْدَرية؛ فتُرادف "أنْ". وأكثرُ وقوعها بعد "وَدّ"، نحو:{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 9].
ومن القَليل: قول قُتَيْلَةَ:
مَا كَانَ ضرَّكَ لَوْ مَنَنْت وَرُبَّمَا
…
مَن الفَتَى وَهُوَ المَغِيظُ المُحْنَقُ (2)
فإنْ وَلِيها الماضي بقي على مُضيّه، أو المضَارع تخلّص إِلَى الاستقبال، كما أنّ "أنْ" كذلك.
والثاني: أن تكُون للتعليق في المستقبل؛ فتُرادفُ "أنْ"، كقوله:
ولَوْ تَلْتَقِي أصْدَاؤُنَا بَعْدَ مَوْتِنَا
…
....................... (3)
وإذا وَليها ماض: أُوّل بالمستقبل، نحو قولُه تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ
(1) بياض بالأصل بقدر كلمة. وسقط من (ب).
(2)
البيتُ من الكامل، وهو لقُتيلة بنت النَّضْرِ. وقيل: لليلي بنت النَّضْرِ بن الحارث بن كلدة، أنشدته النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بعد مقتل أبيها، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لو كنتُ سمعتُ شعرها هذا ما قتلته". وقيل: هي قُتيلة بنت الحارث أخته. انظر: البيان والتبيين للجاحظ (3/ 273)، بلاغات النساء لابن طيفور (ص 169)، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر لابن الأثير (3/ 181)، خزانة الأدب (11/ 239)، المعجم المفصل (5/ 173).
(3)
صَدرُ بيت من الطويل، وهو لأبي صخر الهذلي، أو لقيس بن الملوح، مجنون ليلى.
وعجزه: "ومِن دُون رَمْسَيْنا مِن الأرْض سَبْسَبُ". والجوابُ: "لظلّ" في قولِه:
لظلَّ صَدى صَوتي وإنْ كنتُ رِمَّةً
…
لِصَوْتِ صَدَى ليلى يَهَشُّ وَيطرَب
انظر: شرح التصريح (2/ 417)، شرح التسهيل لابن مالك (4/ 96)، ضياء السالك (4/ 64)، المعجم المفصل (1/ 214).
تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا} [النساء: 9].
يعني: "وإن تلتقي أصداؤنا"، و"إن تركوا".
الثالث: أن تكون للتعليق في الماضي، وهو أغلبُ أقسام "لو"، وتقتضي امتناع شرطها لامتناع غيره.
وقد تعْمَل "لو" بمعنى "إنْ" الشّرْطية، نحو قولهم:
لَوْ [تَعُذْ](1) حِينَ فَرَّ قَوْمُكَ بِي
…
كُنْتَ مِن الأمْن في أَعَزِّ مَكَان (2)
وقد تكون للتقليل، عند بعضهم، نحو:"تَصَدَّقُوا وَلَوْ بِظِلْفٍ"(3)، وقوله تعالى:{وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135]. (4)
(1) بالنسخ: "تعد". والمثبت من "شواهد التوضيح"(ص 72).
(2)
البيتُ من الخفيف. قال محقّق "شواهد التوضيح"(ص 72): "لم أقف على الشاهد في كتاب". والشاهد في البيت: الجزم بـ "لو" حملًا على "إنْ".
قلتُ: أخذه عنه الشيخ "الصفاقسي" في رسالة: "التحفة الوفيّة بمعاني حُروف العرَبيّة"، والتي طُبعت محقّقة ضمن "مجلة جامعة الإِمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد 19".
(3)
صحيحٌ: رواه أحمد (4/ 70/ برقم 16699)، من حَدِيث ابن نجاد عن جدته. وفي "السنن الكبرى" للبيهقي (4/ 296/ 7749) عن مُحَمَّدِ بن بُجَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ، ثُمَّ الْحارِثِيِّ عن جَدّته. ولفظه:"رُدُّوا السَّائِلَ وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْتَرِقٍ، أو مُحْرَقٍ". وفي "السنن الكبرى" للنسائي (2357) بلفظ: "ردوا السائل ولو بظلف"، عن ابن بُجيد.
وصحّحه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزياداته"(3502).
(4)
انظر: شرح التصريح (2/ 416 وما بعدها)، مغني اللبيب (ص 337 وما بعدها)، الجنى الداني (ص 272 ومَا بعدها)، شرح التسهيل (1/ 228)، (4/ 94 وما بعدها)، مُوصّل الطلاب (ص 128 وما بعدها)، دليل الطالبين (ص 87)، الفوائد العجيبة في إعراب الكلمات الغريبة لابن عابدين (ص 62)، ضياء السالك (4/ 62 وما بعدها)، المعجم الوسيط (2/ 843)، جامع الدروس العربية (3/ 263).
قولُه: "ولو استزدته لزادني": "اللام" جواب "لو".
وقد جاء إسقاط "اللام" من الجواب في قولِه تعالى: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} [الواقعة: 70]. (1)
قال الشيخُ أَبُو حيَّان: عبارةُ سيبويه (2) في "لو" أنّها "حرف لما [كان] (3) سيقع لوقوع غيره"، وهو أحسَنُ من قول غيره:"حرف امتناع لامتناع"(4)؛ لاطّراد تفسير سيبويه، وانتقاض تفسيرهم بنحو:"لو كان هذا إنسانًا لكان حيوانًا".
أما اطّراده على مذهب سيبويه: فظاهر؛ لأنّ المعنى - حينئذ - ثبوت الحيوانية على تقدير ثبوت الإنسانية، وهو صحيحٌ؛ لأنّ الأخصّ يستلزم الأعم. وأمّا انتقاضه على تفسيرهم:[فلا](5) يلزم أن تنتفي الحيوانية لانتفاء الإنسانية، وهو باطلٌ؛ لأنّه لا يلزمُ من انتفاء الأخَصّ انتفاء الأعَمّ. (6)
قال: وفي وقوعها موصُولة خلافٌ. (7)
(1) انظر: البحر المحيط (5/ 121)، (9/ 72)، المفصل (451)، الجنى الداني (ص 283)، توضيح المقاصد (3/ 1304)، مغني اللبيب (ص 358، 845)، شرح التصريح (2/ 424)، همع الهوامع (2/ 572)، جامع الدروس العربية (3/ 258).
(2)
انظر: الكتاب لسيبويه (4/ 224).
(3)
سقط بالنسخ. والمثبت من المصدر.
(4)
انظر على سبيل المثال: دليل الطالبين (ص 87).
(5)
كذا بالنسخ. ولعلَّ الموافق للسياق: "فلأنه لا". وفي البحر المحيط (1/ 144): "إذ لا"، لكن العبارة ليست منقولة بالنص.
(6)
انظر: البحر المحيط (1/ 144)، مغني اللبيب (ص 342)، شرح ابن عُقيل. (4/ 47)، شرح التسهيل (4/ 95)، الجنى الداني (2722 وما بعدها، 277)، توضيح المقاصد والمسالك (3/ 1297)، الأصول في النحو (2/ 211)، شرح الكافية الشافية (3/ 1630)، همع الهوامع (2/ 568)، جامع الدروس العربية (3/ 257).
(7)
انظر: البحر المحيط (1/ 144).