الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكاتب على لُغتهم إلى "ألِف"؛ لأنّ مَن أثبتها في الكتابة لم يُراع إلا جانب الوقْف، فإذا كان يحذفها في الوقف لزمه أن يحذفها خَطًّا. (1)
وقد قيل ذلك في قوله: "إنّ الله حَرّم عليكم عُقوق الأمّهات ووَأد البنَات ومَنَع وهَات"(2)، أي:"ومنعًا" بحذف "الألِف"؛ لما ذكرت لك (3).
الحدِيث السّابع:
[7]
: " عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمانَ بْنِ عَفَّانَ: أَنَّهُ رَأَى عُثْمانَ دَعَا بِوَضُوءِ، فأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إنَائِهِ، فَغَسَلَهُما ثَلاثَ مَرَّاتِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ في الْوَضُوءِ، ثُمَّ تمضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا، وَيَدَيْهِ إلَى المرْفَقَيْنِ ثَلاثَا، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ كِلْتَا رِجْلَيْهِ ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، وَقَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتين، لا يحدِّثُ فِيهما نَفْسَهُ غَفَر الله لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"(4).
قوله: "مولى عثمان": صفة لـ"حمران"، ويجوز أن يكون بَدَلًا.
و"حمران" و"عثمان" لا ينصرفان للعَلَمية والزيادة (5).
وقوله: "أنه رأى عثمان" في محلّ المفعول الذي لم يُسمَّ فاعله لـ"رُويَ" الذي تعلّق به "عن"، و"رأى" رؤية البصر؛ فيتعدّى إلى مفعول واحد، وهو "عثمان".
وجملة "دعا" في محلّ حال من "عثمان" بتقدير "قد"؛ أي: "وقد دعا".
_________
(1)
انظر: شواهد التوضيح (ص 101 وما بعدها).
(2)
متفقٌ عليه: البخاري (2408)، ومسلم (593/ 12)، من حديث المغيرة بن شعبة.
(3)
انظر: شواهد التوضيح (ص 103).
(4)
رواه البخاري (164) في الوضوء، ومسلم (226) في الطهارة.
(5)
انظر في أسباب المنع: التعليقة على كتاب سيبويه (3/ 120)، وشرح المفصل (1/ 167) وما بعدها، وشرح قطر الندى (ص 52).
ولا بُدّ من تقدير "قد" عند الأكثرين، إلا أن يكون أصله شرطًا، [نحو:"لأضربنه] (1) ذَهَب أو مكَث"، أو وقع بعد "إلّا"، نحو:"ما تكلّم إلّا قال خيرًا". (2) ففي هذين المثالين تمتنع "الواو".
وقد قالوا: تمتنع "قد" وتجب "الواو" إذا نُفي الفعل ولم يكن ضمير يعود على صاحب الحال، نحو:"جاء زيد وما طلعت الشّمس"(3).
قوله: "فأفرَغ على يديه": معطوفٌ على "دعا"، و"الفاء" للتعقيب. لكن ثَمَّ فعل مُقدّر معلُوم من فَحْوى الكَلام، تقديره:"دَعَا بوضوء فأُحْضر فأفْرَغ". و"على يديه" يتعلّق بـ "أفرَغ". وفاعلُ "أفرَغ" ضَميرٌ يعود على "عُثمان". و"يديه" تثنية "يَد"، وقد تقَدّم القَول على تثنية المنقُوص في الحديثِ الرّابع من الأوّل.
وحرفُ الجر من قوله: "مِن إناء" يتعلّق بـ "أفرَغ".
وتنكيرُ "الإنَاء" يقتضي أنّه غير "الإنَاء" الذي دَعَا به؛ لأنّه لو كَان الثّاني الأوّل لعَرَّفه، والقَاعدة في ذلك أنّ الاسمين إذا كانا مُعرّفين بالألِف واللام كان الأوّل الثّاني، وإن كانا نكرتين كَان الأوّل غير الثاني، فإن كان الأوّل معرفة دون الثّاني كان الثّاني غيره، وإن كان الثّاني معرفة دون الأوّل كان غيره أيضًا. (4) فهنا جاء نكرتين،
(1) تكرار بالأصل.
(2)
انظر: البحر المحيط (4/ 436)، (7/ 526)، عقود الزبرجد (2/ 429، 432)، شرح التسهيل (2/ 304، 359، 370 وما بعدها)، شرح المفصل (2/ 28)، (5/ 251 وما بعدها)، أوضح المسالك (2/ 259)، توضيح المقاصد (1/ 190)، الصبان (2/ 262)، همع الهوامع (2/ 272، 321 وما بعدها، 326)، جامع الدروس العربية (3/ 266).
(3)
انظر: شرح المفصل (2/ 28)، وشرح التسهيل (2/ 359)، والصبان (2/ 262، 281)، وأوضح المسالك (2/ 259)، وتوضيح المقاصد (1/ 190)، والهمع (2/ 326)، وشرح التصريح (1/ 611).
(4)
انظر: مغني اللبيب (ص 861)، والصبان (1/ 154)، وشرح التصريح (2/ 484)، واللباب في علل البناء والإعراب (2/ 136).
ولو كان "الوضوء" هنا "الإناء" لقال: "فأفرغ على يديه منه" أو "من الوضوء".
قالوا: ومن ذلك قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (1)[الشرح: 5، 6]، قيل:"لَنْ يَغْلِب عُسْرٌ يُسْرَين"(2). (3)
قوله: "فغسلهما ثلاثًا": الفاعِلُ مُستتر ضَميره "عثمان" رضي الله عنه. و"ثلاثًا" مصدر، كما مرّ قريبًا.
قوله: "ثم أدْخَل يَدَيه في الوضوء": "ثُمّ" هنا لترتيب الأخبار؛ فلا مُهْلَة فيها (4)، و"في الوضوء" متعلّق بـ "أدخَل"، والظرفية في حرْف الجر [حقيقية](5)، بمعنى أنّ "الوضوء" هُو "الإناء"، وكذلك إنْ كَان "الوضوء" لمطلَق الماء أو للماء الذي يُعَدّ للفِعْل.
قوله: "ثم تمضمض واستنشق واستنثر": كُلّها معطُوفات، وقد يَستدلّ بهذا مَن يقول:"الواو" للترتيب (6)؛ لأنّ "المضمَضة" متقدّمة، وما بعدها على ترتيب الحديث.
(1) بالأصل: "إن مع العسر يسرا
…
".
(2)
ضعيفٌ: أخرَجَه البخاري مُعَلقًا (6/ 172). ورواه الحاكم بالمستدرك من كلام عُمر (3176)، ومُرسَلًا (3950). وضعّفه الألباني في "السلسلة الضعيفة"(4342).
(3)
انظر: البحر المحيط (10/ 501)، واللباب لابن عادل (20/ 401)، والتحرير والتنوير (30/ 415)، ومغني اللبيب (ص 862).
(4)
انظر: الجنى الداني (ص 428)، وتوضيح المقاصد (2/ 999)، وشرح التسهيل (3/ 343)، وشرح المفصل (5/ 12)، وحاشية الصبان (3/ 138)، وأوضح المسالك (3/ 327)، وشرح الكافية الشافية (3/ 1208)، وشرح قطر الندى (ص 303).
(5)
بالنسخ: "حقيقة".
(6)
انظر: إحكام الأحكام (1/ 117)، شرح الكافية الشافية (3/ 1206).
قوله: "ثُم غَسَل وجْهَه ويديه إلى المرفقين": اختُلِف في المعطُوفَات على معمُول عامل: هل يعمل فيها عامل مُقدّر غير العامل الأوّل؟ أو إنما إعرابه على سبيل التبعية لما قبله؟ في ذلك خلاف.
فاختار بعض البصريين من النحويين أن يكون العَامل مُقدّرًا في كُل حرف عطف، وقالوا: إذا قلنا: "جاء زيد وعمرو"، و"رأيت زيدًا وعمرًا"، و"مررت بزيد وعمرو"، فلا يخلو من أن يكون التقدير:"جاءني زيد وجاءني عمرو"، أو تكون "الواو" العاملة، وهذا لا يصح؛ لأنّ "الواو" في الحالات الثّلاث واحِدة، فكيف ترفع مرة، وتنصب مرّة، وتجر ثالثة؟ !
فالحقّ: أن يكون التقدير: "جاءني زيد وجاءني عمرو"، إلا أنه استغنى عن ذكر "جاءني" ثانيًا بدلالة الأوّل عليه.
وقيل: العاملُ في الأوّل هو العامل في الثّاني، ولا يُقدَّر تكريره؛ لأنه قد يعطف على الأوّل ما لا يجوز أن يدخُل عليه عامِل الأوّل، نحو قولهم:"كُلّ شَاة وسخلتها"، و"يا زيد والحارثَ"، و"رُب رَجُل وأخيه". (1)
قوله: "إلى المرفقين": "إلى" حرف جر، ويأتي الكَلام عليها في الحديث الثّاني من "باب الوتر".
والفرقُ بين "إلى" و"حتى" مع كونهما لانتهاء الغَاية وجَارّتين أنّ ما بعد "إلى" داخلٌ فيما قبلها عند الاكثرين، إلا أنْ يقترن به قرينة، و"حتى" على العكس. وفرق آخر: أنّ "إلى" تجرّ الظّاهر والمضْمَر، و"حتى" لا تجرّ إلا الظّاهر (2).
(1) انظر: شواهد التوضيح (ص 108)، وشرح التسهيل (2/ 61)، (3/ 402)، ومغني اللبيب (ص 908)، وحاشية الصبان (3/ 182)، والمقتضب (4/ 195)، وشرح المفصل (1/ 318)، (3/ 27)، وهمع الهوامع (1/ 587)، وشرح الكافية الشافية (3/ 1248)، والكتاب (2/ 82)، والأصول في النحو (2/ 308).
(2)
انظر: شرح المفصل (4/ 463)، وشرح التسهيل (3/ 141)، والصبان (2/ 230)، وأوضح المسالك (3/ 44)، والجنى الداني (ص 385)، واللمع لابن جني (ص/ 72)، =
وعَلامَةُ الجر في "المرفقين": "الياء"؛ لأنه مُثنى، ويتعلّق بـ "غَسَل". و"ثلاثًا" مصْدَر.
قال: "ثُمّ مَسَح رأسَه": معطُوفٌ على "غَسَل".
قال: "ثُمّ غَسَل كِلتا رِجْليه": عَلامَةُ النّصب فتْحَة مُقَدّرة؛ لأنّ "كِلتَا" متى أُضيف إلى ظَاهر كَان الإعرابُ مُقَدّرًا، وإن أُضيف إلى مُضمَر كَان الإعرابُ بالحرف، كالمثنّى، على اللغَة الفَصيحة. وقد قيل: إنّ الإعراب يُقَدّر مُطلقًا. وقيل: بالحرْف مُطْلقًا (1). وسيأتي في الحديث الثّالِث مِن "كتاب الحيض" تتمته عند قوله: "كِلانا جُنُب".
قوله: "ثُمّ قَالَ" يعني: "عثمان" رضي الله عنه "رأيت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم توَضّأ": الرّؤية بَصَرية؛ فتتعَدّى إلى واحد (2). وجملة "توضّأ" في محلّ الحال، أي:"مُتوضئًا"، ويُقدّر بـ "قد".
وقوله: "نَحْو": إنْ قَدّرتها بمَعنى "قريب" فتكون ظَرفًا على التوسع في المكان، أي:"قارب فِعلي فعله"، بمعنى "أنّ مَن قاربته فقد قاربك". وإن قدّرتها بمعنى "مثل" كان فيه تجوّز أيضًا؛ لأنه لا يَقدِر أحَد على مثل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم مِن كُل وَجْه، لا في نيته ولا في إخلاصه ولا في عِلْمه بكَمال طهارته واستيعاب غَسل
= ومغني اللبيب (ص 104، 166).
(1)
انظر: علل النحو (ص 389)، والإنصاف في مسائل الخلاف (2/ 9 35) وما بعدها، وشرح المفصل (1/ 161)، واللباب في علل البناء والإعراب (1/ 402)، وتوضيح المقاصد (1/ 219)، شرح التصريح (1/ 64)، ودرة الغواص ص 253، والصبان (1/ 115)، وهمع الهوامع (1/ 152)، وأوضح المسالك (1/ 73، 3/ 115)، ومغني اللبيب (ص 368)، والنحو الوافي (1/ 121، 3/ 553).
(2)
انظر: الصبان (2/ 27، 55)، وشرح الشذور للجوجري (2/ 650)، وشرح ابن عقيل (2/ 67).
أعضائه. (1)
و"النحو" في اللغة: "القَصْد" و"المثل"، تقول:"هذا نحو زيد" أي: "مثل زيد". ويكون للمِقدار، مثل:"جاءوا نحو مائة رجُل". ويكون للشّطر، كما أنّ "الشّطر" يكون بمعنى "النحو" في قوله تعالى:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144]، أي:"جهة المسجد ونحوه"؛ فيكون هُنا ظرفًا. ويكون للنوع والتقسيم، نحو:"هذا الشيء على خمسة أنحَاء". (2)
ومتى قَدّرتها بمعنى "مثل" كانت نَعتا لمصْدَر محذُوف، أي:"توضّأ وضوءًا مثل وضوئي". واختار سيبويه أن تكُون حَالًا؛ لأنّ حَذفَ الموصوف دون الصفة لا يجوز، إلّا في مواضع معدودة تأتي في التاسع من "باب صفة الصّلاة". وتقديرُ الحال هنا من محذُوف، أي:"توضّأ الوضوء مثل وضوئي". (3)
فإنْ قدّرت "نحو" بمعنى "قريبًا" كانت ظَرفًا. (4)
قَالَ الشّيخُ تقيّ الدّين: ويكون قُربًا مجَازًّيا (5).
قوله: "مَن توضّأ نحو وضوئي هَذَا": "مَن" اسمُ شَرط محلّه رَفع بالابتداء، وهو مبني، كأسماء الشرط؛ لتضمّنها معنى حَرف الشرط (6)، وهو "إنْ". والخبرُ في فعل الشّرط، أو جَوابه، أو فيهما، أو في ما فيه ضمير منهما (7)، وتقَدّم ذلك في الحديث
(1) انظر: إرشاد الساري (9/ 248).
(2)
انظر: البحر المحيط (2/ 23)، إرشاد الساري (9/ 248)، مشارق الأنوار (2/ 251)، النحو الوافي (2/ 273).
(3)
انظر: إرشاد الساري (9/ 248).
(4)
انظر: إرشاد الساري (9/ 248).
(5)
انظر: إحكام الأحكام (1/ 85).
(6)
راجع: إرشاد الساري (9/ 401)، الهمع (2/ 554).
(7)
انظر: إرشاد الساري (9/ 401)، عقود الزبرجد (1/ 155)، مغني اللبيب =