الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصفاته، لكنه التصاق تخصيص، كأنه خصّ الرب سبحانه بالاستعاذة (1).
"من الخبث": من الشّيطان، و"من" للتبعيض، والتقدير:"من كيدهم وشرهم"، أو للابتداء إذا فسر هذا بذكُور الجن وإناثهم. (2)
قال ابن الأثير: "الخبث والخبائث" بسكون "باء""الخُبْثِ": "خلافُ طيب الفعل من فجور وغيره"، وبضمها جمع "خبيثة"، والمراد بها:"شياطين الإنس والجن، ذكرانهم وإناثهم"(3).
قال الخطَّابي: عامة أصحاب الحديث يقولون: "الخُبْثِ" ساكنة "الباء"، وهو خطأ. والصواب: ضمها (4).
قلتُ: إلا أن يكون التسكين من باب تخفيف المتحرّك الوسط، وهو قياس كـ"عضد" و"كتف"، فلا يكون خطأ (5)، أو ثبتت الرواية بإحْدَى اللغتين، والمُحدّثون بمُراعاتها أقْعَد من غيرهم.
الحديث الثّاني
[12]
: عَنْ أَبِى أَيوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهَ صلى الله عليه وسلم: "إذَا أَتيتُمْ الجلاءَ، فَلا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلا بَوْلٍ، وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا".
قَالَ أبُو أَيُّوبَ: "فَقَدِمْنَا الشَّامَ، فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، فننْحَرِفُ عَنْهَا، وَنَسْتَغْفِرُ اللهَ عز وجل"(6).
(1) انظر: شرح القسطلاني (9/ 209).
(2)
انظر: إرشاد الساري (9/ 188).
(3)
انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 6).
(4)
انظر: معالم السنن (1/ 10، 11).
(5)
انظر: شرح صحيح مسلم (4/ 71)، وشرح المفصل (3/ 259).
(6)
رواه البخاري (394) في الصلاة، ومسلم (264) في الطهارة.
الإعراب:
"أيوب": لا ينصرف للعَلمية والعُجمة، ولم يعتبر الاشتقاق، كما لم يُعتبر في "نوح" ولا في "يحيى". (1)
وقوله: "فلا تستقبلوا القبلة": "الفاء" جوابُ الشرط.
وتقدّم القول في "إذا" وأخواتها في الثّاني من الأوّل.
و"لا" ناهية، وهي على ثلاثة أوجه: -
أحدها: أن تكون نافية.
الثاني: ناهية.
الثالث: زائدة. (2) ويأتي الكلام على كُلّ واحدة في محلّها.
فأمّا الناهية: فهي موضوعة فيه لطلب الترك، وتختصّ بالمضارع.
وتكون للدّعاء، كقوله:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا} [البقرة: 286].
وتكون للالتماس، كقولك لنظيرك غير مُستعلٍ عليك:"لا تفعل كذا"، بمعنى أنه يلتمس منه أن يقع في شيء؛ فينهاه عنه قبل أن يقع فيه.
وللتهديد، كقولك لولدك أو لعبدك:"لا تطعني". (3)
وقيل: أصلها "لام" الأمر، زيد عليها "ألِف"، [والجزم](4) بلام الأمر.
وقال السهيلي: الجزم بـ "لام" الأمر مُقدَّرة، فقوله:"لا تقم". أصله: "لا لتقم"،
(1) انظر: إعراب القرآن (1/ 37)، وجامع الدروس العربية (2/ 211، 214).
(2)
انظر: الجنى الداني (ص 290).
(3)
انظر: شرح التسهيل (4/ 62)، ومغني اللبيب (ص 326)، والهمع (1/ 39).
(4)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
ثم حذفت "لام" الأمر، وبقيت "لا" لتدل على النفي (1).
وعلامة الجزم في الفعل حذفُ "النون"؛ لأنه اتصل به ضمير جماعة المذكرين.
وقوله: "بغائط أو بول": حرفُ الجر يتعلّق بالفعل. ويحتمل أن يتعلق بحال من ضمير الفاعل، أي:"متلبسين بغائط".
وأعاد "لا" في المعطوف تأكيدًا للنفي الأوّل.
وتجب "لا" هنا كراهة أن يتوهم أنّ النهي عن استقبال القبلة لمجموع الغائط والبول معًا؛ لأنّ "الواو" تقتضي الجمع، ومع تكرار "لا" ينتفي ذلك الوَهم؛ لأن التقدير:"ولا تستقبلوها ببول"، وحذفت "الباء" من المعطوف لدلالة الأولى عليها.
قوله: "ولا تستدبروها": أي "بغائط ولا ببول"، وهذا من جوامع الكلم الذي أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال: "ولكن شرقوا": الصّحيح أنّ "لكن" بسيطة، وقيل: مركبة من "لا" النافية وكاف الخطاب و"أن" التوكيدية، وحذفت الهمزة تخفيفًا، وخففت "النون" لمعنى العطف أو الابتداء (2).
واعلم أنّ "لكن" المخفّفة حرف استدراك، وتكون عاطفة لا عمَل لها، خلافًا ليونس والأخفش (3).
وإنما تعطف بشروط: إفراد معطوفها، وأن تسبق بنهي أو نفي، وألا تقترن بـ "الواو"، [نحو] (4):"ما مررت برجل صالح، لكن طالح"، ونحو: "لا يقم زيد،
(1) انظر: شرح التصريح (2/ 395)، والجنى الداني (ص 617)، وشرح التسهيل (4/ 58)، وشرح المفصل (3/ 46)، وشرح الأشموني (1/ 45).
(2)
انظر: شرح المفصل (5/ 29)، والجنى الداني (ص 617).
(3)
انظر: مغني اللبيب (ص 386)، والجنى الداني (ص 620).
(4)
بالنسخ: "ونحو".
لكن عمرو". (1)
وهي حرف ابتداء إن وليها جملة أو وَليت واوًا، نحو:{وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} []، أي:"ولكن كان رسول الله"، أو سبقت بإيجاب، نحو:"قام زيد، لكن عمرو لم يقُم"، ولا يجوز:"لكن عمرو"[على أنه](2) معطوف (3).
إذا ثبت ذلك: فـ "لكن" هنا دخلت على جملة، وتقدمها "الواو"؛ فامتنع أن تكون عاطفة، وبقيت على أصلها من الاستدراك، وخلص العطف للواو دونها، كما هي في قوله تعالى:{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل: 118]، وكذلك:{وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} [الزخرف: 76]. (4)
وباقي الكلام على "لكن" يأتي في الأوّل من "باب الحيض"، وفي الأوّل من "سجود السهو"، وفي السادس من "باب القضاء".
قوله: "قال أبو أيوب: فقدمنا الشام": "الفاء" هنا للعطف من غير تسبيب (5).
والجملة كلها معمُولة للقول. و"الشّام": ظرفُ مكان، ويحتمل أن ينتصب بإسقاط الخافض؛ أى:"فقدمنا إلى الشام".
و"الشام" يُذَكَّرُ ويُؤنَّثُ. و"رجُل شأميّ"، و" شَآم" على وَزن "فَعَال"، وشاميٌّ أيضًا. ولا تقُل:"رجُل شأم" على النسب، وما جاء من ذلك في ضرورة الشعر محمولٌ على أنه اقتصر من النسب على اسم البلد. (6)
(1) انظر: أوضح المسالك (3/ 345، 346)، ومغني اللبيب (ص 386).
(2)
بالنسخ: "لأنه". والمثبت الصواب.
(3)
انظر: أوضح المسالك (3/ 345 وما بعدها)، والإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين (2/ 396).
(4)
انظر: مغني اللبيب (ص 385)، وشرح القطر (153)، والهمع (3/ 216).
(5)
انظر: شرح قطر الندى (ص 302، 303).
(6)
انظر: الصحاح (5/ 1957)، والمصباح (1/ 328).
والعاملُ فيه "قَدِم"، وإن كان لا يتعدّى بنفسه، واللازم من الأفعال يتعدّى إلى الظروف والمجرورات، ويحتمل أن يُضمّن معنى "ذَهب"؛ فيتعدّى إلى "الشام".
قال ابن عصفور: "ذهب" لازم، وعَدَّته العربُ إلى "الشام"؛ لأن معناها:["في الشام"](1)، وهو "شأمة"، فقال:"ذهبت يمنة وشأمة"؛ أي: "يمنة ويسرة"، فصار كقولك:"ذهبتُ اليسار" و"اليسرة"، وذلك جائز، وكذلك:"ذهبتُ اليمن" لأنه من "اليمين"؛ كما تقول: "ذهبت يمنة"، ولذلك لو قلت:"ذهبت عمان" أو "خراسان" لم يجز؛ لبعدهما عن لفظ الجهات (2).
قوله: "فوجَدنا مراحيض قد بُنيت": "وَجَد" هنا يتعَدّى إلى واحد؛ لأنه بمعنى "أصاب"، وإنما يتعدّى إذا أفاد في الخبر يقينًا (3).
ويلحق بـ "وَجَد": -
"ألفى"، قال تعالى:{إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} [الصافات: 69].
و"درى"، والأكثر فيه أن يتعدّى بـ "الباء"، نحو:"دريت بالحديث".
و"جَعَل"، نحو قوله:{وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزخرف: 19].
و"حَجَى"، نحو قوله:
(1) بالنسخ: "ايشام". والمثبت من شرح الجمل.
(2)
انظر: رياض الأفهام (1/ 183)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 233، 254، 255)، وشرح التسهيل (2/ 228)، والهمع (2/ 152)، ولسان العرب (12/ 316).
(3)
انظر: شرح التصريح (1/ 365)، شرح التسهيل (2/ 79)، ضياء السالك (1/ 360)، جامع الدروس العربية (1/ 40).
قد كنتُ أَحْجُو أبا عَمروٍ أخا ثقَةٍ
…
حتى أَلمَّتْ بنا يومًا مُلمّاتُ (1)
و"هب"، نحو قوله:
…
...
…
...
…
...
…
... فَهَبْنِي امْرَأً هَالِكًا (2)
أي: "احسبني".
وقد ترد "حجى" بمعنى "قصد"، نحو:"حجوت بيت الله"، أي:"نويته وقصدته". (3)
ومن أمثلة "وَجَد" بمعنى "أصَاب" قوله تعالى: {وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا} [آل عمران: 37]. (4)
قال الجوهري: يقال: "وَجَدَ مطلوبه"، "يَجِدُهُ"، "وُجودًا"، و"يجُده" بالضم لغة عامرية لا نظير لها في باب المثال. (5)
وتكون "وَجَد" بمعنى "العِلْم"، قال تعالى:{تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة:
(1) البيتُ من البسيط، وهو لتميم بن مقبل، وقيل: لأبي شبل الأعرابي. انظر: شرح التصريح (1/ 360)، والمعجم المفصل (1/ 513).
(2)
جزء من بيت من المتقارب، وهو لعبد الله بن همام السلوليّ. والبيت هو:
فَقُلْتُ أَجِرْني أَبَا مالِكٍ
…
وإلَّا فَهَبْني امْرَأ هالِكَا
(3)
انظر: المعجم المفصل (5/ 258).
(4)
انظر: اللمحة (1/ 336 وما بعدها)، وشرح التسهيل (2/ 78)، ومغني اللبيب (ص 775)، وأوضح المسالك (2/ 28 وما بعدها، 43)، وشرح التصريح (1/ 359، 360، 364)، وشرح الشذور للجوجري (2/ 643)، وشرح الأشموني (1/ 357 وما بعدها)، والنحو المصفى (ص 319).
(4)
انظر: اللباب في علوم الكتاب (5/ 183).
(5)
انظر: الصحاح (2/ 547).
110]. (1)
قالوا: ومصدره: "وُجدانًا" و"وجُودًا"، الأوّل عن الأخفش، والثّاني عن السيرافي (2).
قال الجوهري: ويكون للغنى، ومصْدَره:"وُجدًا" و"وِجْدًا" و"جِدَة".
ويكون بمَعنى "حزن"، ومصدره "وَجْدًا" بفتح "الواو"، وهَذا لا يتعدّى إلى مفعول.
ويكون بمعنى "السّعة"(3)، قال تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6]، أي:"من سعتكم". انتهى. (4)
وجملة "قد بُنِيَتْ" في محل صفة لـ "مراحيض"، و "مراحيض" مفعول "وجد" المقدّر بـ"أصاب".
و"مراحيض" على وزن "فعاعيل"، لا ينصرف؛ لأنه على صيغة منتهى الجموع.
و"بُنيت" مبنى لما لم يُسم فاعله.
و"نحو" ظرف مكان؛ لأنه بمعنى الجهة، وتقدّم القول على "نحو" قريبًا.
والمفعول الذي لم يُسم فاعله ضمير "المراحيض"، و "التاء" علامة التأنيث.
(1) انظر: شرح التسهيل (2/ 78)، وشرح التصريح (1/ 359).
(2)
انظر: رياض الأفهام (3/ 338)، وشرح التسهيل (2/ 79)، وشرح الأشموني (1/ 352)، والهمع (1/ 540)، وتاج العروس (9/ 261).
(3)
انظر: تفسير القرطبي (18/ 168).
(4)
انظر: الصحاح (2/ 547)، وتهذيب اللغة (11/ 110)، والمحكم والمحيط الأعظم (7/ 533)، ولسان العرب (3/ 445، 446).