الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث العاشر
[10]
: عَنْ نُعَيْمِ الْمُجْمِرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ:"إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ"، فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنكمْ أنْ يُطيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ (1).
وَفي لَفْظِ لِمُسْلِمِ: سَمِعْتُ خَلِيلي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "تَبْلُغُ الحِلْيَةُ مِنْ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ"(2).
تقدّم القول في إعرابه في الثّامن من الأوّل.
قوله: "إنّ أمتي يُدعَون يوم القيامة": الجملة معمولة للقول.
وجملة "يُدعَون" في محلّ خبر "إنّ"، وهو فعل مُضارع مبني لما لم يُسم فاعله ومفعول ما لم يُسَمّ فاعله، والنون علامة الرفع، أصله:"يدعوون" تحركت "الواو"، وانفتح ما قبلها؛ فقلبت ألِفًا، ثم حذفت لسكونها وسكون ضمير الفاعل (3).
وهذا الفعل ونظائره مع جماعة المؤنثات على هذه الصيغة، ويختلفان في الفاعل وفي الإعراب، فضمير جماعة المؤنثات في "يدعون":"النون"، والفعل معها مبني (4).
والفاعلُ في الحديث "الواو"، و"النون" عَلامة الرّفع.
وأمّا ما اتصلت به الضّمائر الثّلاث- ضَمير التثنية، وضَمير جماعة المذكّرين
(1) رواه البخاري رقم (136) في الوضوء، ومسلم رقم (246)(250) في الطهارة، ورواه النسائي (1/ 94، 95) في الطهارة.
(2)
رواه مسلم رقم (250) في الطهارة.
(3)
انظر: الكتاب لسيبويه (4/ 238)، المنصف لابن جني (ص 190)، الممتع الكبير في التصريف (ص 287)، ضياء السالك، مع أوضح المسالك (4/ 392 وما بعدها).
(4)
انظر: النحو المصفى (1/ 113).
العاقلين، وضمير الواحِدة المخَاطَبة - فـ"النون" فيه [حرْف علامة](1) للرّفع (2).
وتقدّم القول في بناء الفعل مع النونات الثّلاث في الحديث الخامس من أوّل الكتاب.
وقوله: "يوم القيامة": ظرف، ومحفوض.
ويأتي الكلام على "يوم" في الثالث من "الاستطابة".
و"القيامة": "فِعالة"، أصله:"القِوامة"، فقلبت "الواو" فيه "ياء"؛ لانكسار ما قبلها. (3)
و"غرًّا": جمع "أغرّ". و"أغرّ" أفعل.
ويحتمل أن يكون مفعولًا به، ويكون "يُدعَون" بمعنى:"يُسمَّون"، أو يكونا حالين؛ أي:"في حالة هم فيها غُر محجلون"، أو يكون "يُدعَون" بمعنى "يُنادون وهُم بهذه الحالة". (4)
فإن قيل: "الغُرة" و"التحجيل" في الآخرة صفات لازمة غير مُنتقلة، فكيف يكونان حَالين؟
فالجواب: أنّ الحال تكون مُنتقلة (5) أو في حُكم المنتقلة إذا كانت وصفًا ثابتًا
(1) كذا بالأصل.
(2)
كل مُضارع به ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة يُرفع بثبوت النون نيابة عن الضمة، وينصب بحذف النون نيابة عن الفتحة، ويجزم بحذف النون نيابة عن السكون. انظر: النحو المصفَّى (1/ 79) وما بعدها.
(3)
انظر: رياض الأفهام (1/ 169).
(4)
انظر: إرشاد الساري (1/ 228).
(5)
الأكثر في الحال أن تكون منتقلة، وقد تأتي ثابتة، وهو قليل.
انظر: النحو الوافي (2/ 366)، وأوضح المسالك (2/ 251)، وشرح ابن عقيل =
مُؤكدًا، نحو قوله تعالى:{وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} [البقرة: 91].
ومنه: "خلق الله الزّرَافة يديها أطوَل من رجليها"، فأطوَل حال لازمة غير منتقلة، لكنها في حكم المنتقلة؛ لأنّ المعلوم من سائر الحيوان استواء [القوائم](1) الأربع. فلا يخبر بهذا الأمر إلا مَن يعرفه.
وكذلك هنا، المعلوم من سائر الخلق عَدم "الغُرة" و"التحجيل"، فلما جعل الله ذلك لهذه الأمّة دون سائر الأمم صارَت في حُكم المنتقلة بهذا المعنى.
ويحتمل أن تكون هذه علامة لهم في الموقف وعند الحوْض، ثم تنتقل عنهم عند دخولهم الجنة؛ فتكون مُنتقلة بهذا المعنى. (2)
و"محجّلين": حالٌ أيضًا، فإن كان معنى "يُدعَون":"يُسمَّون" كان "غرًّا"[مفعولًا](3) به، و "محجّلين" حالٌ من الضّمير في "غرًّا"، أو حالٌ من ضمير "يُدعَون"، أو حالٌ ثانية.
قوله: "من آثار الوضوء": "من" سببية؛ أي: "بسبب آثار الوضوء".
ومثله قوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} [نوح: 25]، أي:"بسبب خطاياهم أغرقوا"(4).
وحرفٌ الجر يتعلق بـ "محجلّين" أو بـ"يُدعَون"، على الخلاف في باب التنازع (5)
= (2/ 244).
(1)
بالأصل: "القائم". والمثبت من (ب).
(2)
انظر: إرشاد الساري (1/ 228).
(3)
بالأصل: "مفعول". والمثبت من (ب).
(4)
انظر: التبيان في إعراب القرآن (2/ 1242)، إرشاد الساري (1/ 228)، مغني اللبيب لابن هشام (ص 421).
(5)
فالكوفيون يختارون إعمال الأول لسبقه، والبصريون يختارون إعمال الأخير لقُربه.=
بين البصريين والكوفيين. (1)
قوله: "فمَن استطاع منكم أن يُطيل [غُرّته] (2) فليفعل": "مَنْ" مبتدأ، شرطية. والخبر في جملة فعل الشرط، وقيل: الخبر في الجواب؛ لأنّ به تتم الفائدة، ورُجح الأوّل بأنّ الضّمير العائد على اسم الشرط في فعل الشرط لازم، ولا يلزم في جوابه، حتى لو قُلت:"مَن يقم زيد أكرمه" وأنت تعيد الهاء على "مَنْ" لَم يجز.
وقال آخرون: الخبر فعل الشرط والجواب.
وقيل: الخبرُ منهما ما كان فيه ضَمير يعود على "مَن". (3)
و"منكم" يتعلّق بـ "استطاع"، وهي للتبعيض، أو لبيان الجنس. ويحتمل أن يتعلق بحالٍ مِنْ [صلة](4)"استطاعَ".
قوله: "أنْ يُطيل [غرته] (5) ": في محلّ مفعول "يستطيع"، والمراد:"أن يُطيل غُرته وتحجيله". وتقدم القول على "أَنْ" المفتوحة المخفّفة في الحديث الرّابع من أوّل الكتاب.
قَالَ السّهيلي: إذا قُلت: "كرهتُ خروجك" احتمل أن يكون المكروه نفس الخروج أو هيئته، وإن قلت:"كرهتُ أنْ خرجت" كان المكروه نفس الفعل (6).
= انظر: شرح قطر الندى (ص 197)، وأوضح المسالك (2/ 174)، والنحو المصفَّى (1/ 699).
(1)
انظر: إرشاد الساري (1/ 228).
(2)
بالنسخ: "الغُرة".
(3)
راجع: اللباب في علل البناء والإعراب (2/ 65، 61)، ومغني اللبيب (ص 607، 648).
(4)
غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "جملة".
(5)
بالنسخ: "الغرة".
(6)
انظر: نتائج الفكر (ص 97، 267).
وعلى هذا: المطلوب في الحديث نفس الفعل، وعليه المعنى.
قوله: "وفي لَفْظٍ لمسلم": تقدّم في الرّابع أنه يتعلّق بمُقدّر، أي:"ورُوي في لفظ". و"لمسلم" يتعلّق بصفة لـ "لفظ" أو بـ "لفظ"؛ لأنه مصدر.
قوله: "سمعتُ": تقدّم في الحديث الأوّل من الكتاب.
وقوله: "تبلغ الحلية من المؤمن": حرفُ الجر يتعلّق بـ "تبلغ".
والألِف واللام في "المؤمن" موصُولة بمَعنى "الذي"، وكذلك هي في اسم الفاعل واسم المفعول والجملة والفعل.
مثال الجملة:
مِنَ الْقَومِ الرَّسُولُ اللهِ مِنْهُمْ
…
لَهُمْ دانَتْ رِقَابُ بَنيِ مَعَد (1)
ومثال الفعل:
مَا أنْتَ بِالحَكَمِ التُّرْضَى حُكُومَتَهُ
…
وَلا الأَصِيلِ ولا ذِي الرَّأْيِ وَالجْدَلِ (2)
وهل هي اسم؟ فيعود عليها ضمير، أو حرف؟ فلا ضمير.
واختلف في صلتها. (3)
(1) البيت من الوافر. وهو بلا نسبة.
انظر: شرح التسهيل (1/ 202)، وشرح الأشموني (1/ 151)، والجنى الداني (ص / 201)، ومغني اللبيب (ص/ 72)، وهمع الهوامع (1/ 333)، وشرح ابن عقيل (1/ 158، 159)، والمعجم المفصل (2/ 413).
(2)
البيت من البسيط، وهو للفرزدق. انظر: خزانة الأدب (1/ 32)، وشرح التسهيل (1/ 201)، وأوضح المسالك بالهامش (1/ 282)، والمعجم المفصل (6/ 490).
(3)
انظر: شرح التسهيل (1/ 200 وما بعدها)، مُغني اللبيب (ص 71 وما بعدها)، الجنى الداني (ص 201 وما بعدها)، شرح الكافية الشافية (1/ 297 وما بعدها)، =