الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب استقبال القبلة
الحديث الأوّل
[67]
: عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِه، حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ، يُومِئُ بِرَأْسِه، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ".
وَفِي رِوَايَةٍ: "كَانَ يُوتِرُ عَلَى بَعِيرِهِ".
وَلِمُسْلِمٍ: "غَيْرَ أَنَّهُ لا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ".
وَللْبُخَارِيِّ: "إلَّا الْفَرَائِضَ".
قوله: "باب استقبال القبلة": تقدَّم الكَلامُ على اشتقاق "الباب" في أوّل حديث من الكتاب، مع إعراب السّند مُستوفى.
قوله: "كان يُسبّح": جملة في محلّ خَبر "أنّ".
و"حيث": تقدّم الكَلامُ عليها في الحديث العاشر من أوّل الكتاب.
وقد قال "المهدوي" غير المفسر (1): إنّ "حيث" لها حُكم الظروف، إلا إذا دَخَل عليها حرف جَر، كقَول ابن دُريد:
ثُمَّتَ راحَ في المُلبِّينَ إلى
…
حيثُ تَحجَّى المأزَمينِ ومِنى (2)
فقال: إنّ "إلى" تقلب "حيث" من باب الظروف إلى باب الأسماء؛ لأن أسماء الزمان وأسماء المكان إنما تكون ظروفًا إذا أفضي إليها الفعل ووصل إليها كما يصل إلى سائر مفعولاته، فإذا دخل عليها حرف الجر كانت كسائر الأسماء. ولما نقل
(1) انظر: مغني اللبيب (ص 548)، وقال: هو شارح الدريدية.
(2)
الرجز من قول أبي بكر محمد بن الحسين بن دريد الأزدي، المتوفى سنة 321 هـ. انظر: جواهر الأدب للهاشمي (2/ 401، 406)، المعجم المفصل (12/ 354).
بدخول الجار عليه إلى الاسمية؛ انتقل حكم الجملة التي بعدها؛ لأنها قبل أن تلحق بالأسماء على حكم ما يُضاف من الظروف إلى الجمَل. وتقدَّر الجملةُ التي بعدها مجرورة بإضافتها إليها.
وإذا لم تجر مجرى الظروف المضافة إلى ما بعدها من الجمل، وانتقلت إلى باب الاسمية؛ كان ما بعدها مُقدّرًا وَصْفًا لها.
فإن قيل: حُكم ما بعد الصفة أن يكون فيه ضمير يعُود إلى الموصوف، ونحن نرى ما بعد "حيث" لا يختلف حَاله، بل هو على حالة واحدة.
قيل له: هو محذوفٌ. والذي سَهّل حذفه: لزومُ الصفة للموصوف، ومُشابهتها للصلة، مع ما في الحذف من الاختصار.
وقدّر المحذوف في البيت في قوله: "إلى حيث
…
" أي: "إلى المكان الذي تحجّى فيه المأزمان ومنى"، ثم حذف العَائد اختصارًا، على ما تقَدّم، وهذا حُكم سائر الأزمنة والأمكنة. انتهى. (1)
قلتُ: وقد أنكَر جمال الدّين بن هشام هذا التقدير الذي اختاره "المهدوي". (2)
وجملة "كان" في محلّ الجر بالإضافة إلى "حيث". والعاملُ في "حيث": "يُسبّح".
و"كان" الثانية تامّة، أي:"حيث يُوجّه وجهه".
وتقدّر التامة بـ"حضر" و "وقع" و "وجد"(3)، وهي ههنا بمعنى "وجد"، أي:
(1) الظاهر أنّ هذا النقل من شرح المهدوي على الدريدية، ولم أعثر عليها.
(2)
انظر: مغني اللبيب (ص 548).
(3)
انظر: البحر المحيط لأبي حيان (9/ 25، 60)، إرشاد الساري (2/ 226)، الهمع =
"حيث وجد وجهه من الجهات".
ويكون "الوَجْه" هنا عبارة عن الذات، كما قالوا في قوله تعالى:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27]. (1)
قوله: "يُومئ برأسه": جملة في محلّ الحال من الضّمير في "يُسبّح"، أو من الضّمير المضاف إليه في "وجهه". والأوّل أبين.
ويُقَال: "أوْمَى" بغير همز، ومنه:"أوْمَت إليّ برأسها". (2)
قوله: "وكان ابن عُمر يفعله": الضّميرُ في "يفعله" يعود على "التسبيح"، ويحتمل أن يعُود على "الإيماء".
قوله: "وفي رواية": يعني: "لمسلم والبخاري"، ويبيّنه قوله:"لمسلم". "كان يُوتر": فإنْ قدّرت: "ورُوي في رواية"؛ فالجمْلة في محلّ مفعُول لم يُسمّ فَاعله.
قوله: "ولمسْلِم: غير أنّه لا يُصلّي عليها المكتُوبة": هذه الرّواية انفرد بها "مُسلم". والضميرُ في "أنّه" يعُود على "النبي صلى الله عليه وسلم".
ولفظ حديثه: "كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَيَوتِرُ عَلَيْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ"(3). وتقَدّم مُتعلّق حرف الجر.
ومثله: "وللبخاري".
قوله: "غير أنّه": يحتمل أن يكون نصب "غير" على الاستثناء من الأحوال،
= للسيوطي (1/ 424، 425).
(1)
انظر: البحر المحيط (1/ 578)، (10/ 72).
(2)
انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 81)، الصحاح (1/ 82)، المطلع للبعلي (ص 130)، تاج العروس (1/ 500).
(3)
صحيحٌ: مسلم (700/ 39).
أي: "يُصلّي في سفره على الرّاحلة في أحواله كُلها إلّا حالة صَلاة المكتوبة".
[وحُكم](1)"غير" حُكم ما بعد "إلّا" في الاستثناء، إن كان مُوجبًا فهي منصُوبة، وإن كان غير مُوجب فهي مرفُوعة (2). ويحتمل أن يكُون نصْبه على الاستثناء المنقَطع، كما قيل في قول طرفة بن العبد:
يَلُومُ وَمَا أدْري عَلامَ يَلُومُني
…
كَما لامَني في الحَيِّ قُرْطُ بن أعبَدِ
على غَيرِ ذَنْبٍ قُلتُهُ غَيرَ أَنَّني
…
نَشَدْتُ فَلَم أُغفِلْ حَمُولَةَ مَعبَدِ (3)
قال ابنُ النحاس: "غير" ههنا نصب على الاستثناء المنقطع. (4)
و"غير": مُفرد مُذكّر في جميع الأحوال. وذكر صاحب "الصّحاح" أنه يجمع على: "أغيار". (5)
(1) غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "فحكم".
(2)
انظر: إعراب النحاس للنحاس (1/ 212)، (2/ 134، 135)، شرح التسهيل (2/ 271، 298)، شرح المفصل (2/ 48)، شرح الأشموني (1/ 502)، شرح شذور الذهب لابن هشام (ص 337)، اللباب في علل البناء والإعراب (1/ 303)، المفصل (ص 99)، اللمحة (1/ 473)، مغني اللبيب لابن هشام (ص 364)، لسان العرب (5/ 39)، همع الهوامع (2/ 260، 266).
(3)
البيتان من الطويل. ويُروى فيه: "قرط بن معبد". انظر: ديوان طرفة بن العبد (ص 19، 26)، جمهرة أشعار العرب للقرشي (ص 330، 331)، شرح المعلقات السبع للزوزني (ص 111، 112)، شرح القصائد السبع الطوال (ص 202 وما بعدها).
(4)
انظر: إعراب النحاس للنحاس (1/ 212، 330، 483)، (2/ 134، 135)، البحر المحيط (6/ 107)، (7/ 310)، (8/ 214)، اللباب في علوم الكتاب (1/ 222)، إعراب القرآن للأصبهاني (ص 149)، شرح المعلقات السبع للزوزني (ص 111، 112).
(5)
انظر: الصحاح للجوهري (2/ 776، 777)، لسان العرب (5/ 39، 41)، مختار الصحاح (ص 232).
وتُقطَع عن الإضافة في اللفظ، فيُقال:"ليس غير". وذكر ابنُ مالك في "ليس غير" الضم والفتح. قال: وقد يُنوّن، ولا يدخُله الألِف واللام، ولا [يتعرّف](1) بإضافة إلى معرفة. انتهى. (2)
قال [غيره](3): يجوز فيه الضم والفتح مع التنوين مع "ليس"، والحركة حركة إعراب؛ لأنّ المضاف مَنْوي، والتنوينُ لا يلحق إلا المعربات. (4)
قوله: "وللبخاري: إلّا الفرائض": جملة "إلّا الفرائض" مبتدأ، والخبر:"للبخاري"، أي:"هذا اللفظ كائنٌ للبخاري". ويحتمل أن تكون في محلّ مفعُول لم يُسمّ فاعله بـ"رُوي"، أو فاعل بتقدير "جَاء".
و"الفرائض": منصُوبٌ بالاستثناء.
اختُلف في مَذْهب مالك إذا صَلّى على الدّابة بعد أن تُوقَف له وتُعلّق حتى لا تتغير، ثم يُؤدّي الفريضة عليها كما يُؤدّيها على الأرض، على قَولين، [بالجواز](5) والكراهة، ذكره الفاكهاني (6).
(1) غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(2)
انظر: شرح التسهيل (2/ 317 وما بعدها)، شرح شذور الذهب لابن هشام (ص 132)، شرح المفصل (2/ 83)، شرح الأشموني (1/ 522)، شرح التصريح (1/ 692، 723)، الهمع (2/ 200)، مختصر مغني اللبيب (ص 63).
(3)
غير واضحة بالأصل، ولعلها:"وغيره"، كما في (ب).
(4)
انظر: مغني اللبيب (ص 210).
(5)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(6)
انظر: شرح ابن بطال (3/ 88)، شرح مختصر خليل للخرشي، وحاشية العدوي، (1/ 258، 263)، منح الجليل شرح مختصر خليل (1/ 241).