الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في المَذْي وغيره
الحديث الأوّل:
[24]
: عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: "كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسْأَل رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لمِكَانِ ابْنَتِهِ [مِنِّي] (1)، فَأَمَرْتُ المقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ فَسَأَلهُ، فَقَالَ: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ، وَيَتَوَضَّأُ". وَللْبُخَارِيِّ: "اغْسِلْ ذَكَرَكَ وَتَوَضَّأْ"(2).
وَلمِسْلِم: "تَوَضَّأْ وَانْضَحْ فَرْجَكَ"(3).
قوله: "كنتُ رَجُلا مَذّاءً": "كان" واسمها وخبرها في محلّ مَعمُول القَول، و "مَذّاء" صفة لـ "رجُل". ولو قال:"كُنتُ مَذّاء" صَحّ، إلا أنّ ذِكْرَ الموصُوف مع صفَته يكُونُ لتعظيمه، نحو:"رأيتُ رَجُلا صالحًا"، أو لتحقيره، نحو:"رأيتُ رَجُلا فَاسِقًا". ولما كان المذْي يَغلُب على الأقوياء الأصحَّاء حَسُن ذِكْرُ الرُّجُولية معه؛ لأنّه يَدُلُّ على مَعْناها (4).
ويُقال: "مَذْي"، بالتخفيف، و "مَذِي"، [بسُكُون "الياء"](5)، وكسر "الذال"(6). (7)
ورَاعَى هُنا في "مَذّاء" الثاني (8)، وهو خِلافُ الأشْهَر عندهم؛ لأنَّ
(1) سقط من الأصل، والمثبت من متن العمدة.
(2)
رواه البخاري (269) في الغسل، ومسلم (303) في الحيض.
(3)
رواه مسلم (303) في الحيض.
(4)
انظر: إرشاد الساري (1/ 326)، (10/ 231).
(5)
أي: في المخففة. وفي لسان العرب (15/ 274) ونخب الأفكار للعيني (1/ 419): "بسكون الذال، مخفّف الياء". فلعله سقط.
(6)
أي: في غير المخفّفة.
(7)
انظر: نخب الأفكار للعيني (1/ 419).
(8)
المرادُ بالثاني: الخبر، وهو لفظ:"رَجُلا".
["كان"](1) تَدخُل على المبتدأ والخبر.
فـ "رجُلا" خَبرٌ، وضَميرُ المتكلِّم هو المبتدأ في المعنى، فلو رَاعَاه لقَال:"كُنتُ رَجُلا [أُمْذي] (2) ".
وقَد جَاءَ مثل ذلك في قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ} [البقرة: 186]؛ فرَاعَى الضَّميرَ في "إنِّي"، ولو رَاعَى "قَريبٌ" لقَال:"يُجيبُ". (3)
قال أبو حيّان: ومن اعتبار الأوَّل قوله تعالى: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} [النمل: 47]، {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [النمل: 55]. ومن اعتبار الثّاني: "أنا رَجُلٌ يأمُر بالمعْروف"، و "أنت امرؤ يأمُر بالخير". (4)
قوله: "فاستحييتُ أنْ أسْأل رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته": "استحييت" جَرى على اللغة الفصيحة. ويُقال: "استَحَيتُ". (5)
قالوا: ولم يُستَعْمَل مُجرّدًا عن السين والتّاء (6).
وقال الزمخشري: يُقال منه: "حَيي"(7).
فعلى هذا يكُونُ "استفعل" منه مُوافقًا [للفِعل](1) المجرّد.
(1) بالنسخ: "كل". وانظر: إرشاد الساري (1/ 326).
(2)
بالنسخ: يُمْذي. وانظر: إرشاد الساري (1/ 326).
(3)
انظر: إرشاد الساري (1/ 326).
(4)
انظر: البحر المحيط (2/ 206)، (3/ 301)، وإرشاد الساري (1/ 326).
(5)
انظر: عُمْدة القاري (22/ 165)، الإعلام بفوائد عُمْدة الأحكام (1/ 644)، نيل الأوطار (8/ 173)، لسان العرب (14/ 218)، تاج العروس (37/ 513).
(6)
انظر: إرشاد الساري (9/ 60).
(7)
انظر: أساس البلاغة للزمخشري (1/ 227).
والأكثرون على أنّ المحْذُوف من "استحييتُ" ياء واحدة، هي الأولى، وقيل: الثانية، وهي "لام" الكَلمة، ثم نُقلَت حَرَكَةُ "الياء" الباقية إلى "فاء" الكَلمة؛ فصَار وَزْنُه:"يستفل" على أنَّ المحذوفَ عَينُه، أو:"يستفع" على أنَّ المحْذُوفَ لامُه (2).
وهذا الفعلُ يُستعمَل لازمًا ومُتعدّيًا، تقول:"استحييته"، و "استحييت منه"(3).
فإن كان هنا مُتعدِّيًا بنفسه كانت "أنْ" في محلِّ نَصْب.
وإن كان مُتعدِّيًا بحَرْف الجرّ جَرَى على الخلاف بين سيبويه والخليل. فسيبويه يقول: جرّ، والخليل: نصب (4). وعَكَسَ ابنُ مالك وأبو البقاء (5) هذا [النقْل](6)، فنسبا إلى سيبويه النصب (7).
قوله: "لمكان ابنته": "اللام" لام العلة، أي:"لأجْل"، ويتعلّق بمَحذوفٍ، أي:"فَعلتُ ذلك"، أو:"قُلتُ ذلك"، ويتعلّق بـ "استحييت". والمعنى عليه، ولا يتعلّق بـ "أسأل" لفساد مَعْناه.
(1) بالنسخ: "لفعل". وانظر: إرشاد الساري (9/ 60).
(2)
انظر: البحر المحيط (1/ 195)، التبيان في إعراب القرآن (1/ 42، 43)، وإرشاد الساري (9/ 60).
(3)
انظر: المصباح (1/ 160).
(4)
انظر: شرح التصريح (1/ 469)، وشرح الكافية الشافية (2/ 634).
(5)
انظر: شرح الكافية الشافية (2/ 634)، التبيان في إعراب القرآن (1/ 43)، مُغني اللبيب (ص 682).
(6)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(7)
انظر: التبيان في إعراب القرآن (1/ 43)، الإعلام بفوائد عُمدة الأحكام (1/ 645)، الصاحبي ص (91)، شرح الكافية الشافية (2/ 634)، شرح التصريح (1/ 469)، حاشية الصبان (2/ 133)، أمالي ابن الحاجب (2/ 712)، ومُغني اللبيب (ص
682).
ويحتمل أنْ يكُون هذا من كَلام عَليّ للمُقدَاد، [وعَليّ](1) حَكَاه عند أمره له (2).
ويحتمل أنْ يكُون مما ذَكَره عند [عبارَة الرّاوي](3) بما وَقَعَ منه بسَبَب حَيائه [لمكان ابنة](4) رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا يعمل فيه: "فأمَرْتُ المقداد" لأجْل أنَّ "الفاء" لا يَعمَلُ ما بعْدَها فيما قبلَها (5)، ولأجْل الضَّمير في "ابنته" أيضًا.
و"ابن الأسود": نَعْتٌ للمقداد.
وجُمل "سأله" و "قال"[معطوفتان](6).
[والضّمير](7) في "سأله" يعودُ على "المقداد". والضّمير في "فقال" يعُود على "النبي صلى الله عليه وسلم".
[وهنا](8) محذوفٌ تقديره: "أمَرتُ المقداد أنْ يسأله فسألُه، فقَال: يَغسِلُ ذَكَرَه"، الفعلُ مَرفوعٌ على الخبر، ويجوزُ فيه الجزمُ بتقدير "لام" الأمر، أي:"ليغسل". ومثله قوله:
(1) غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "وبه".
(2)
راجع: عُمدة القاري (2/ 216).
(3)
غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "إعادته للراوي".
(4)
غير واضحة بالأصل. وبياض في (ب).
(5)
انظر: عُمدة القاري (2/ 200)، ومرقاة المفاتيح (1/ 194).
(6)
بالنسخ: "معطوفتا".
(7)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(8)
مكررة في الأصل.
مُحَمَّدٌ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسِ
…
.................................. (1)
أي: "لِتَفْد"(2).
ويكُون "يتوضّأ"[مَجْزومًا](3) بالعَطْف عليه، إنْ جُزم. والظاهِرُ أَنَّهُ مرفوعٌ، وهو أحْسَنُ (4).
قالوا: والسرُّ في العُدول عن الأصل في ورود الأمر بمعنى الخبر، وورود الخبر بمعنى الأمْر: أنَّ الخبرَ يستلزم ثبوت مُخبره ووقوعه، بخلاف الأمر، فإذا عبَّر بالخبر عن الأمر كان ذلك آكَد لاقتضاء الوقوع حَتَّى كأنه واقع.
وأمَّا التعبيرُ عن الخبر بالأمْر: فإنَّ الأمْرَ شأنُه أنْ يكُون بمَا فيه دَاعية للأمْر، وليس الخبر كذلك، وإذا عبّر بالأمْر عن الخبر أشْعَر ذلك بالدّاعية، فيكُون ثبوته وصدْقُه أقرَبَ (5).
قولُه: "وللبخاري": أي: "ورُوي للبخاري"؛ فيتعلّق حرف الجر بالفعل المقدّر، والجملة مرفوعًا المحلّ على الحكاية؛ وكذلك يُقَدَّر متعلق "ولمسلم"؛ فيكون "تَوَضَّأَ وانضح" في محلّ رفع مفعول لم يُسَمّ فاعله.
(1) البيتُ من الوافر، وهو لأبي طالب يخاطب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وعجزه:"إِذَا مَا خِفْتَ مِنْ شَيْءٍ تَبَالَا". انظر: الإعلام لابن الملقن (1/ 649)، سر صناعة الإعراب (2/ 69)، والمعجم المفصل (6/ 39).
(2)
انظر: إرشاد الساري (4/ 359)، الكتاب (3/ 8)، الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين (2/ 442)، شرح التسهيل لابن مالك (4/ 60)، مغني اللبيب (ص 297، 840)، الجنى الداني (ص 112)، شرح المفصل (4/ 292)، (5/ 144، 145).
(3)
بالنسخ: "مجزوم".
(4)
انظر: الإعلام لابن الملقن (1/ 649)، إحكام الأحكام (1/ 116)، سر صناعة الإعراب (2/ 69).
(5)
انظر: رياض الأفهام (1/ 304)، والإعلام لابن الملقن (1/ 649، 650).