الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني:
[82]
: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِحُ الصَّلاةَ بِالتَّكْبِير، وَالْقِرَاءَةَ بـ "الحْمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ"، وَكَانَ إذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ، وَكَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا، وَكَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا، وَكَانَ يَقُولُ في كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ، وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشيْطَان، وَيَنْهَى أَنْ [يَفْتَرِشَ] (1) الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُع، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلاةَ بِالتَّسْلِيم" (2). (3)
قوله: "يستفتح الصَّلاة": جملة في محلّ خبر "كان"، وهي بمعنى"يفتتح"، و"بالتكبير" يتعلّق بـ "يستفتح".
قوله: "والقراءة": تُروَى بنصْب "التاء" وجَرِّها، والمعنى يختلف، فعلى النّصب يكون افتتاحُ الصّلاة بالتكبير وافتتاح القراءة بـ"الحمد لله"، ومُقتضاه لا يمنع دُعَاء الاستفتاح بين التكبير والقراءة. وعلى الجرّ يكُون معطُوفًا على التكبير؛ فيجمع بينهما في استفتاح الصّلاة، ومُقتضاه سُقوط دُعَاء الاستفتاح. (4)
قوله: "وكان إذا ركَع لم يُشخص رأسه": "لم يشخص" جوابُ "إذا"، و"إذا" جوابُها (5) خبرُ"كان".
(1) بالنسخ: "يفرش". والمثبت من " العُمدة"(ص 72).
(2)
مسلم (498) في الصلاة، وعند ابن ماجه (893) في إقامة الصلاة.
(3)
هذا الحديث سها المصنف في إيراده في كتابه، فإنّه من أفراد مسلم، وشرطه إخراج ما اتفقا عليه. انظر: الإعلام لابن الملقن (3/ 19).
(4)
راجع: الإعلام لابن الملقن (3/ 19)، عون المعبود شرح سُنن أبي داود للعظيم آبادي (2/ 334).
(5)
أي: جوابُ "إذا".
و"يُشخص" بضم "الياء"، من "أشخص". يُقَال:"شخص الرجل" إذا "ارتفع"، غير مُتعَدّ، ثم نُقل بـ "الهمزة" إلى مفعول واحد. وإذا قلق الرجُل من شيء يُقال فيه:"شخص"، كأنه ارتفع عن الأرض لقَلقه. (1)
و"كان " تقدّمت في الحديث الأوّل من الكتاب، و" إذا" في الثّاني منه.
قوله: "بالحمد للَّه: حَرفُ الجر دخَل على الجملة، والجملة المحكيّة مبنية، لا أثر للعَامِل فيها. وقوله: "ولم يُصوبه " معْطُوفٌ عليه.
و"لكن " تقدّمت في الحديث الثّاني من "باب الاستطابة"، وهي هُنا حَرْف ابتداء، وليست عاطِفَة؛ لأنها وَلِيَت "الواو"، ولم يتقَدّمها نفي، ولا وَقَع بعدها مُفْرَد. (2) والتقديرُ هُنا:"ولكن كَان بين ذلك"، أي:"كان وقوعه بين ذلك"، فـ" بين" معمولة لخبر "كان" المقَدَّرة.
وأضاف "بين" إلى "ذلك" وهو اسمُ إشارة مُفرَد، وحَقُّ "بين" أن لا تُضَاف إلّا إلى ما يُمكن فيه التثنية، ولهم عن ذلك جوابان: -
أحدهما: أنه مُثنّى في المعنى؛ لأنّ تثنية اسم الإشارة وجمعه ليس حقيقة، فالأصلُ إفراده وتذكيره لفظًا؛ فيكُون المرادُ هنا التثنية، وتكونُ الإشارة إلى الأوسَط بين الشّخوص والتصويب، وهو حَدّ الاعتدال.
(1) انظر: إحكام الأحكام (1/ 234)، الإعلام لابن الملقن (3/ 38، 39)، العين (4/ 165)، مجمع بحار الأنوار (3/ 185، 186)، المصباح المنير للفيومي (1/ 306)، لسان العرب لابن منظور (7/ 46).
(2)
انظر: الجنى الداني (ص 591)، توضيح المقاصد والمسالك (2/ 1018)، أوضح المسالك (3/ 346 وما بعدها)، مغني اللبيب لابن هشام (ص 385)، شرح الأشموني (2/ 387)، شرح التصريح (2/ 176)، شرح المفصل لابن يعيش (5/ 29)، جامع الدروس العربية (3/ 248، 249).
الجوابُ الثاني: أنّ التقدير: "بين ذلك وذلك"، فحُذف المعطوف؛ لدلالة المعنى عليه. (1)
و"بين": ظرفُ مكان، يزول عنها الاختصاص بالأسماء، فيليها إذ ذاك الجملتان (2). وربما أضيفت"بينا" إلى مَصْدَر (3)، نحو:
بَيْنَا تَعَانُقه الكُمَاة ...........
…
....................... (4)
بخَفْض: "تَعَانُقه". (5)
وتقدّم الكَلامُ عليها في الحديث الثّالث من "السّواك".
قوله: "حتى يَستويَ": تقدم الكلام على "حتى" في الثاني من أول الكتاب. و" قائما": حالٌ من فاعِل "يستوي"، وهي حَالٌ مُقدَّرة، كقوله تعالى: {كَالَّتِي نَقَضَتْ
(1) انظر: البحر المحيط (1/ 338، 406، 407)، الإعلام لابن الملقن (3/ 39)، التعليقة على كتاب سيبويه (3/ 253 وما بعدها)، أوضح المسالك (3/ 118)، مغني اللبيب (ص 268 وما بعدها)، شرح الأشموني (2/ 154 وما بعدها)، شرح التصريح (1/ 146، 147، 708)، شرح التسهيل (1/ 249)، (3/ 241)، شرح المفصل (2/ 155)، سر صناعة الإعراب (1/ 39)، توضيح المقاصد (1/ 424)، الهمع (1/ 187)، (2/ 205).
(2)
أي: الاسمية، والفعلية.
(3)
انظر: البحر المحيط (1/ 401)، عقود الزبرجد (1/ 270 وما بعدها)، (2/ 421)، سر صناعة الإعراب (1/ 39)، الهمع (2/ 203 - 206)، المنهاجُ المختَصر (ص 100)، النحو الوافي (2/ 286 وما بعدها).
(4)
البيتُ من الكامل، وهو لأبي ذؤيب الهذلي. والبيتُ هو:
بَينا تَعانُقِهِ الكُماةُ ورَوْغِهِ
…
يَومًا أتيحَ لَهُ جَرئٌ سَلْفَعُ
انظر: جمهرة أشعار العرب (ص 534، 549)، مُغني اللبيب (ص 677)، الجنى الداني (ص 176)، تاج العروس (21/ 219)، المعجم المفصّل (4/ 315).
(5)
انظر: الجنى الداني (ص 176)، مغني اللبيب (ص 677، 678).
غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} (1)[النحل: 92].
قوله: "وكان يقول في كُلّ ركعتين التحية": تقَدّم الكَلامُ على "كُلّ " في أول حديثٍ من الكتاب.
[قال ابنُ هشام: "كُل" اسمٌ موضوعٌ](2) لاستغراق أفراد المنكَّر، نحو:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185](3)، والمعرّف المجموع، نحو:{وَكُلُّهُمْ آتِيهِ} [مريم: 95]، وأجزاء المفرد المعرّف، "كُلّ زيد حَسَن".
فإذا قلت: "أكلتُ كُل رَغيف لزيد" كان لعُموم الأفراد. فإن أضفت "الرغيف" إلى "زيد" صارت لعُموم أجزاء فرد واحد.
ومن هنا وَجَب في قراءة غير "أبي عمرو" و"ابن ذكوان"(4): {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر: 35] بترك تنوين "قلب"، تقدير "كُلّ" بعد "قلب"؛ ليعُم أفراد القلوب، كما عَمّ كُلّ أجزاء القلب.
وترد "كُلّ" باعتبار كُلّ واحد مما قبلها ومما بعدها. انظر تمام كلامه على "كُلّ" في "المغني". (5)
والمتحصل من الذي ذكرناه: أنّ قوله في الحديث: "كُلّ ركعتين " - بإضافة "كُلّ" إلى النكرة المثنّاة - أفاد استغراق الأفراد، كما يستغرق أفراد النفوس في قوله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ} [آل عمران: 185].
وتقدّم الكلامُ على "كُل" في الأوّل وفي السّادس من "الاستطابة".
(1) انظر: تفسير البيضاوي (3/ 238)، إعراب القرآن وبيانه (5/ 359).
(2)
مكرّر بالأصل.
(3)
وكذا وردت في سورة [الأنبياء: 35]، وفي سورة [العنكبوت: 57].
(4)
انظر: الهادي شرح طيبة النشر في القراءات العشر (3/ 199).
(5)
انظر: مغني اللبيب (ص 255، 256)، الهمع (2/ 597 وما بعدها).
قوله: "التحية": إنْ كانت "التاء" مضْمُومة فالمرادُ لفظ مجمُوع "التحية" على الحكاية، وإن كانت "الياء" مفتوحة كان المرَاد لفظ الكَلمة وحدها. والظاهِرُ الأوّل، وهو من باب إطلاق الجُزء على الكُلّ. (1)
قال الشّيخ تقيّ الدّين: وهذا الموضعُ مما فَارَق فيه الاسم المسمّى، فإنّ "التحية":"الملك"، و"البقاء"، وذلك لا يُتصوَّرُ.
قال: وهذا بخلاف قولك: "أكلتُ الخبز"، فإنّ الاسم فيه المسمّى. (2)
قلتُ: واسمُ "كان" في جميع مَوَاضعها هُنا ضَمير مُستتر يعُود على "النبي صلى الله عليه وسلم".
قوله: "وينصب اليمنى": أي: "ينصب رجْله اليمنى"، فحُذف الموصُوف، لدلالة ما قبله عليه. (3)
قوله: "وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشيْطَانِ": ويُروَى: "عن عَقِب الشّيطان"(4).
قال الشيخُ تقيّ الدِّين: وفُسِّر بأنْ يَفْرش قَدَميه، ويجلس بأليتيه على عَقبيه، وقد سُمِّي ذلك:"إقعاءً". (5)
قوله: "وأن يفترش": في محلّ نصْب أو جَر، على الخلاف في "أنْ" المصْدَرية إذا
(1) انظر: إحكام الأحكام (1/ 235)، الإعلام لابن الملقن (3/ 42).
(2)
انظر: إحكام الأحكام (1/ 235)، الإعلام لابن الملقن (3/ 42، 43). وراجع: عُمدة القاري (14/ 23).
(3)
هذا سهو من المصنف؛ فما في "العُمدة" بإثبات لفظ: "رجله"؛ فلا حذف هنا. ولكن الذي شرح عليه الشيخ ابن فرحون وارد في أحاديث أخرى عند ابن ماجه في سننه (1062) والترمذي في سننه (293) وابن أبي شيبة في مصنفه (2926).
(4)
كما في رواية ابن نُمَيْرٍ عن أبي خالد. صحيحُ مسلم (498/ 240).
(5)
انظر: إحكام الأحكام (1/ 235، 236)، شرح سنن أبي داود للعيني (3/ 435)، الإعلام لابن الملقن (3/ 48 وما بعدها).