الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع
في مالية الحقوق
المبحث الأول
في تعريف الحق
تعريف الحق اصطلاحًا
(1)
:
يقول الشيخ مصطفى الزرقاء: «لم أر للحق بمفهومه العام تعريفًا صحيحًا
(1)
الحق لغة: نقيض الباطل، وجمعه: حقوق وحقاق، والحق مصدر: حق الأمر يَحِق ويَحُق حقًا وحقوقًا من بابي: ضرب وقتل. صار حقًا وثبت قال الأزهري: معناه: وجب يجب وجوبًا.
وفي التنزيل {قال الذين حق عليهم القول} [القصص: 63] أي ثبت.
وقال تعالى: {ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين} [الزمر:71] أي وجبت وثبتت.
وقال تعالى: {لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون} [يس:7].
وقال تعالى: {وللمطلقات متاع بالمعروف حقًا على المتقين} [البقرة:241]. انظر لسان العرب (10/ 49)
وذكر الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن (ص: 125) أن الحق يطلق على معان كثيرة، منها:
إطلاق الحق على الله سبحانه وتعالى، قال تعالى:{ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق} [الأنعام:26].
وجاء في لحديث: (أنت الحق ووعدك حق) البخاري (1053)، ومسلم (1288).
وإطلاق الحق على الشيء الموجَد بحسب ما تقتضيه الحكمة، قال تعالى: {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورًا
…
} إلى قوله تعالى {ما خلق الله ذلك إلا بالحق} [يونس: 5].
وقال تعالى: {ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق} [يونس: 53].
ومنها إطلاق الحق على الاعتقاد للشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه، قال تعالى:{فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق} [البقرة: 213].
ومنها إطلاق الحق على النصيب، جاء في الحديث:(إن الله أعطى كل ذي حق حقه) سنن الترمذي [2047] وفي إسناده شهر بن حوشب.
ومنها إطلاق كلمة الحق على ضد الباطل، قال تعالى:{وقل جاء الحق وزهق الباطل} [الإسراء: 8].
ومنها: إطلاق الحق على الحكم أو على القرآن: قال تعالى: {ولو اتبع الحق أهوائهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن} [المؤمنون: 71].
جامعًا لأنواعه كلها لدى فقهاء الشريعة أو القانون»
(1)
.
(1)
المدخل إلى نظرية الالتزام العامة (ص: 19 - 21).
وقد قسم الفقهاء الحقوق إلى عدة تقسيمات باعتبارات مختلفة، منها:
تقسيم باعتبار صاحب الحق، حيث قسموا الحقوق: إلى حق لله تعالى .. وحق لآدمي. وحق مشترك.
وقسموا الحقوق من حيث المالية: إلى حقوق مالية، وحقوق غير مالية.
ومن حيث تعلقه بالشخص، قسموا الحقوق: إلى حق عيني، وحق شخصي، وحق معنوي.
و من حيث تقرره في محله: قسموها إلى حقوق مجردة، وحقوق غير مجردة.
فالحق المجرد: هو الذي ما كان غير متقرر في محله، كحق الشفعة، فهو نوع من الولاية أعطيت للشفيع في أن يتملك العقار بعد أن يتملكه المشتري، إن رأى صاحبه الخير في الانتفاع به انتفع، وإن رأى غير ذلك ترك، دون أن يترتب على تركه والتنازل عنه تغير في حكم ذلك المحل، فملكية المشتري للعقار قبل التنازل عن الشفعة هي بعينها بعد التنازل عنها، فلا يرى للشفيع حق مستقر يحد من تصرف المشتري فيه، وانتفاعه به، فحاله بعد التنازل عن الشفعة هي حاله قبل التنازل عنها.
وأما الحقوق غير المجردة هو ما له تعلق بمحله تعلق استقرار، بمعنى أن لتعلقه أثرًا أو حكمًا قائمًا يزول بالتنازل عنه، وذلك كحق القصاص، فإنه يتعلق برقبة القاتل ودمه، ومع قيامه يكون غير معصوم بالنسبة لولي القصاص، وبالتنازل عنه يصير معصوم الدم.
كما قسموا الحقوق إلى حقوق تقبل الإسقاط، وهو الأصل.
وحقوق لا تقبل الإسقاط كإسقاط الأب حقه في الولاية على الصغير.
وقسموا التي تقبل الإسقاط إلى حقوق يصح الاعتياض عنها بالمال، وإلى ما لا يصح فيها ذلك.
كما قسموا الحقوق من حيث سبب الثبوت إلى حقوق تثبت لأجل دفع الضرر كحق الشفعة والخيار، وحقوق تثبت لأصحابها أصالة لا على وجه رفع الضرر كحق ولي المقتول بالقصاص.
وقد تركت ضرب الأمثلة خشية الإطالة لأن ما يهمنا في هذا البحث هو تحرير مالية الحقوق، فاقتضى الكلام في هذا أن أذكر مقدمة مختصرة في الحق وأقسامه حتى أصل إلى تحرير مالية الاسم التجاري والعلامة التجارية وحقوق التأليف وبراءة الاختراع، أسأل الله سبحانه وتعالى بمنه وكرمه أن يوفقني إلى حسن الفهم وحسن العرض.
انظر حاشية المدخل في الفقه الإسلامي - د. محمد مصطفى شلبي (ص: 332)، والمدخل في الفقه الإسلامي د. محمد سلام مدكور من صفحة (428 - 437)، وحاشية أحكام المعاملات الشرعية. د. علي الخفيف (ص: 31 - 32)، دراسة شرعية لأهم العقود المستحدثة - محمد مصطفى الشنقيطي (1/ 686).
وقال الشيخ علي الخفيف رحمه الله: «لا يختلف استعمال الحق عند الفقهاء عن استعماله اللغوي
…
»
(1)
.
قلت: ومن ذلك ما نقله ابن نجيم عن البناية: حيث عرف الحق بقوله: الحق ما يستحقه الرجل ....
(2)
.
وهذا التعريف غير جامع، لعدم دخول حق الله فيه، كما أنه يلزم منه الدور، فمعرفة ما يستحقه الرجل متوقفة على معرفة الحق، ومعرفة الحق متوقفة على معرفة الاستحقاق، وهكذا.
ونقل ابن نجيم عن شرح المنار للسيد نكركار: أن الحق هو الشيء الموجود من كل وجه ولا ريب في وجوده ومنه قوله عليه السلام:
…
العين حق
(3)
.
ونقل ابن نجيم أيضًا عن شرح البخاري للكرماني، حيث قال: الحق حقيقة هو الله تعالى بجميع صفاته؛ لأنه الموجود حقيقة بمعنى لم يسبق بعدم ولم يلحقه عدم وإطلاق الحق على غيره مجاز ولذا ورد في الحديث اللهم أنت
(1)
أحكام المعاملات الشرعية (ص: 31 من الحاشية) ونقلته الموسوعة الكويتية (3/ 10).
(2)
البحر الرائق (6/ 148).
(3)
البحر الرائق (6/ 148).