الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى مدة غير معلومة، أو كان البيع في حال الإكراه، أو اشتمل البيع على وصف محرم كالربا، وهذا مذهب الحنفية
(1)
.
وأما حكم البيع الفاسد، والبيع الباطل:
[م - 3] فالبيع الباطل يتفقون جميعًا على أنه لا يفيد الملك، ولا ينقلب إلى عقد صحيح
(2)
؛ لأن الشارع لم يأذن به، فوجوده كعدمه.
(ح-1) ولما رواه مسلم من طريق سعد بن إبراهيم، قال: سألت القاسم ابن محمد، عن رجل له ثلاثة مساكن، فأوصى بثلث كل مسكن منها، قال: يجمع ذلك كله في مسكن واحد، ثم قال:
أخبرتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد
(3)
.
ومعنى رد: أي مردود عليه
كما يتفقون على أن البيع الفاسد لا أثر له قبل قبضه، وأنه يجب فسخه، ورده
(1)
حاشية ابن عابدين (4/ 503)، البحر الرائق (6/ 75)، وزاد بعض الحنفية العقد الموقوف، وجعلوه قسمًا مستقلًا، بينما جمهور الحنفية يرون الموقوف نوعًا من العقد الصحيح، انظر الفتاوى الهندية (3/ 3)، مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (2/ 4)، مجلة الأحكام العدلية، المادة (106): حيث قالوا: إن العقد إن أفاد الحكم في الحال فنافذ، وإن لم يفده أصلًا فباطل، وإن لم يفده في الحال، بل عند الإجازة فموقوف، وإن لم يفده في الحال، ولا عند الإجازة، ولكن عند القبض ففاسد.
(2)
الحاوي (6/ 110، 95)، شرح منتهى (2/ 60)، الموسوعة الكويتية (12/ 58).
(3)
صحيح مسلم (1718).
بعد قبضه، ولا يتوقف فسخه على رضا الطرفين، ما دامت عينه قائمة، ولم تتغير، ولم يتصرف فيها قابضها.
قال ابن عابدين الحنفي في حاشيته: «الفاسد يجب فسخه على كل منهما بدون رضا الآخر، وكذا للقاضي فسخه بلا رضاهما»
(1)
.
وقال ابن الجلاب المالكي في كتابه التفريع: «من اشترى شيئًا بيعًا فاسدًا فسخ بيعه، ورد المبيع على بائعه»
(2)
.
(3)
.
واختلفوا في قبضه، هل يفيد الملك إذا قبض؟
فقالت الحنفية: إذا قبض بإذن صاحبه أفاد الملك
(4)
.
وقالت المالكية: يفيد شبهة الملك
(5)
.
وذهب الشافعية والحنابلة: إلى أنه لا يفيد الملك أبدًا.
قال النووي: «إذا اشترى شيئًا شراء فاسدًا، إما لشرط فاسد، وإما لسبب
(1)
حاشية ابن عابدين (5/ 124).
(2)
التفريع لابن الجلاب (2/ 180).
(3)
بداية المجتهد (2/ 145).
(4)
انظر المبسوط (13/ 22 - 23)، تبيين الحقائق (4/ 61)، العناية شرح الهداية (6/ 459 - 460)، الهداية مع فتح القدير (6/ 404)، البدائع (5/ 107)، وسوف أتوسع إن شاء الله تعالى في مبحث خاص في مسألة ضمان ما قبض بعقد فاسد في مبحث قادم.
(5)
مواهب الجليل (4/ 222)، منح الجليل (5/ 26).
آخر، ثم قبضه، لم يملكه بالقبض، ولا ينفذ تصرفه فيه ويلزمه رده وعليه مؤنة رده، كالمغصوب، ولا يجوز حبسه لاسترداد الثمن»
(1)
.
(2)
.
[م - 4] واختلفوا في وجوب فسخه إذا تصرف فيه قابضه أو تغير؟
فذهب الحنفية إلى أنه يبطل حق الفسخ إذا هلك المبيع في يد المشتري، أو استهلكه، أو أخرجه من يده ببيع صحيح، أو بهبة، أو زاد فيه المشتري شيئًا من ماله، كما لو كان المبيع دارًا، فعمرها، أو أرضًا، فغرس فيها أشجارًا، أو تغير اسم المبيع، بأن كان حنطة، فطحنها، وجعلها دقيقًا
(3)
.
وقال مالك: يفسخ ما لم يفت
(4)
.
وقال الشافعية والحنابلة: يفسخ أبدًا حيثما وقع، وكيفما وجد، فات، أو لم يفت.
(1)
روضة الطالبين (3/ 408)، وانظر المجموع (9/ 455).
(2)
الكافي (2/ 40).
(3)
انظر المادة رقم (372).
(4)
أحكام القرآن لابن العربي (4/ 182)، والفوات عند المالكية يحصل بإحداث عقد فيها، أو حصول نماء، أو نقصان، أو حوالة سوق: أي تغير سعر السوق، وقد تقدم النقل عن ابن رشد قبل قليل.
قال في منح الجليل: «قال مالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنهم: النهي يدل على الفساد.
وقال أبو حنيفة: يدل على الصحة.
فكل واحد طرد أصله إلا مالكًا - أي لم يطرد حكمه في هذا الباب -
فقال أبو حنيفة: يجوز التصرف في المبيع بيعًا فاسدًا ابتداء وهذه هي الصحة.
وقال الشافعي ومن وافقه: لا يثبت أصلًا، ولو تداولته الأملاك وهذا هو الفساد ..... طرد الحنفي أصله، وقال: إذا اشترى جارية شراء فاسدًا، جاز له وطؤها وكذا سائر العقود الفاسدة وطرد الشافعي أصله، وقال: يحرم الانتفاع مطلقًا، وإن باعه ألف بيع، وجب نقضه ونحن خالفنا أصلنا، وراعينا الخلاف، وقلنا: البيع الفاسد يثبت شبهة الملك فيما يقبله فإذا لحقه أحد أربعة أشياء تقرر الملك بالقيمة، وهي حوالة السوق - أي تغيره- وتلف العين، ونقصانها، وتعلق حق الغير بها على تفصيل في ذلك في كتب الفروع .... وقال ابن مسلمة: يمضي الفاسد المختلف فيه .... »
(1)
.
فالفرق بين مذهب الحنفية والمالكية في أثر العقد الفاسد: أن الحنفية يشترطون مجرد القبض.
وأما المالكية فيشترطون القبض، وفوات الرجوع في المبيع، كما لو باعه بعد قبضه.
والحنفية يعتبرون الملك حقيقة، والمالكية يعدونه شبهة على خلاف في المذهب
(2)
.
(1)
منح الجليل (5/ 26).
(2)
مواهب الجليل (4/ 385)
وقال ابن رشد في بداية المجتهد (2/ 145): «القسم الرابع من النظر المشترك في البيوع: وهو النظر في حكم البيع الفاسد إذا وقع:
فنقول: اتفق العلماء على أن البيوع الفاسدة إذا وقعت، ولم تفت بإحداث عقد فيها، أو نماء، أو نقصان، أو حوالة سوق أن حكمها الرد - أعني أن يرد البائع الثمن والمشتري المثمون-
واختلفوا إذا قبضت، وتصرف فيها بعتق، أو هبة، أو رهن، أو غير ذلك من سائر التصرفات، هل ذلك فوت يوجب القيمة، وكذلك إذا نمت، أو نقصت؟
فقال الشافعي: ليس ذلك كله فوتًا، ولا شبهة ملك في البيع الفاسد، وأن الواجب الرد.
وقال مالك: كل ذلك فوت يوجب القيمة، إلا ما روى عنه ابن وهب في الربا أنه ليس بفوت، ومثل ذلك قال أبو حنيفة، والبيوع الفاسدة عند مالك تنقسم إلى محرمة، وإلى مكروهة، فأما المحرمة، فإنها إذا فاتت مضت بالقيمة، وأما المكروهة، فإنها إذا فاتت صحت عنده، وربما صح عنده بعض البيوع الفاسدة بالقبض؛ لخفة الكراهة عنده في ذلك، فالشافعية تشبه المبيع الفاسد لمكان الربا، والغرر بالفاسد لمكان تحريم عينه، كبيع الخمر، والخنزير، فليس عندهم فيه فوت، ومالك يرى أن النهي في هذه الأمور إنما هو لمكان عدم العدل فيها - أعني بيوع الربا والغرر - فإذا فاتت السلعة، فالعدل فيها هو الرجوع بالقيمة؛ لأنه قد تقبض السلعة، وهي تساوي ألفًا، وترد، وهي تساوي خمسمائة، أو بالعكس، ولذلك يرى مالك حوالة الأسواق فوتا في المبيع الفاسد .. ».
وقد أكثرت من النقول عن مذهب مالك لبيان أن مذهب المالكية يقترب من مذهب الحنفية، بأن هناك فرقًا بين الفاسد والباطل من بعض الوجوه، والله أعلم.