الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورد هذا:
بأن الموجب وإن أثبت للمشتري حق التملك، فإن حقيقة الملك للبائع، والحقيقة مقدمة على الحق
(1)
.
(2)
.
التعليل الثاني:
ممكن أن يستدل لهم بأن نقول: إذا كان القبول يُلزِم المشتري بما صدر عنه، فالإيجاب يلزم البائع بما صدر عنه، فمن يتعاقد إنما يلتزم بالإرادة الصادرة عنه، لا بتوافق هذه الإرادة مع إرادة المتعاقد الآخر، ويترتب على ذلك أن الإيجاب وحده ملزم، فلا يستطيع من صدر عنه الإيجاب أن يعدل عنه.
فالملتزم بالعقد إنما يلتزم بإرادته هو، لا بتوافق إرادته مع إرادة الطرف الآخر، فهو يوجد حقًا في ذمته لشخص آخر بمجرد إعلان إرادته، وموافقة الآخر لهذا الحق إنما هو مجرد انضمام تطلبناه؛ لأن الإنسان لا يستطيع أن يلزم غيره بشيء إلا برضاه، فلكي يكون الالتزام من الجانبين تطلب ذلك موافقة
(1)
نظر البحر الرائق (5/ 284).
(2)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي (6/ 2/ص: 811) نقلًا من مجلة القانون والاقتصاد، السنة الرابعة، ص:654.
الطرف الآخر، بدلًا من كونه ملزمًا من جانب واحد، والدليل على ذلك أن الشيء إذا كان لا يتطلب موافقة الطرف الآخر صار ملزمًا ولو من جانب واحد، وهذا له نظائر في الفقه:
فمن التصرفات التي تتم بإرادة منفردة في الفقه الإسلامي: الجعالة، والوصية، والوقف، والإبراء، واستعمال خيار من الخيارات كخيار الشرط، وخيار العيب، وخيار الرؤية، وأيضًا الكفالة والهبة والعارية وغير ذلك من التصرفات.
ففي الجعل مثلًا يلتزم شخص بدفع مبلغ معين لمن عثر على شيء ضائع، فالواعد هنا قد التزم بإرادته المنفردة
(1)
.
(1)
هذا الكلام يسمى في القوانين الوضعية بالإرادة المنفردة، وهي العمل القانوني الصادر من جانب واحد، فهل يمكن للشخص أن ينشئ التزامًا في ذمته بمجرد إظهار إرادته (الإيجاب) أو لا بد من توافق إرادتين، وهو ما يسمى الإيجاب والقبول؟
فهناك نظريتان متقابلتان في هذا: فالنظرية الفرنسية ترى أن الإرادة المنفردة لا تولد التزامًا، فليس من المفيد في جميع الأحوال أن نعتبر شخصًا قد التزم بإيجاب لم يقبله أحد. وقد تلقف القانون المصري هذه النظرية عن القانون الفرنسي.
بينما ذهبت النظرية الألمانية إلى أنه لا مانع من كون الإرادة المنفردة تنشئ التزامًا، لأن الالتزام يترتب على المال أكثر مما يكون له صلة فيما بين شخص وآخر.
والفرق بين النظريتين في تحديد مصدر الالتزام:
فإن قلنا: إن مصدر الالتزام هو العقد، فلن يوجد الالتزام إلا من وقت صدور القبول.
وإن قلنا: إن مصدر الالتزام هو إعلان الإرادة المنفردة (الإيجاب) فإن الالتزام يوجد من وقت إعلان إرادة المدين دون حاجة إلى صدور إرادة مقابلة من الدائن، فالخلاف بينهما إنما هو في وقت نشوء الالتزام، فإذا أخذنا بالإرادة المنفردة: قلنا: الالتزام ينشأ من وقت صدور الإرادة المنفردة، وإذا لم نأخذ بهذه النظرية، ورددنا الأمر إلى فكرة العقد، قلنا: إن الالتزام لا ينشأ إلا من وقت تطابق إرادة الدائن مع إرادة المدين. والله أعلم. =
والقول هنا بضرورة توافق الإرادتين غير ممكن إذ الدائن وقت وجود الالتزام غير معروف، وقد يكون الدائن غير موجود في الحال، ولكنه سيوجد في المستقبل، فلا يمكن الالتزام نحوه إلا بالإرادة المنفردة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هناك فرقًا بين العقد والالتزام، فالعقد لا ينعقد إلا بتوافق الإرادتين، وأما الالتزام فيقوم كل طرف على إرادته هو وحده، فالإيجاب ملزم وحده في حق من صدر عنه، حتى يرفضه من وجه إليه، أو ينشغلا عنه بما يقطعه، أو يتفرقا من المجلس قبل صدور القبول، فالكلام بأنه لابد من تطابق الإرادتين إنما هو في الكلام على انعقاد العقد بين الطرفين، ولزومه في حقهما معًا، مثله تمامًا من اعتبر الوعد بالبيع ملزمًا لصاحبه إذا صدر عنه، ولا ينعقد العقد إلا إذا صدر القبول من صاحب الحق، فقد يكون الإيجاب ملزمًا لصاحبه ولا يلزم منه انعقاد العقد، لكون صاحب الحق في التملك لم يقبل.
= انظر نظرية العقد (1/ 186)، مصادر الالتزام في القانون المدني الأردني - الدكتور أنور سلطان (ص: 272)، النظرية العامة للالتزامات - مصادر الالتزام. الدكتور أمجد محمد منصور (ص: 230).
وفي القانون الأردني تنص المادة منه (250) من القانون المدني بأنه: «يجوز أن يتم التصرف بالإرادة المنفردة للمتصرف دون توقف على القبول ما لم يكن فيه إلزام الغير بشيء، وذلك طبقًا لما يقتضيه القانون» .
يقول الدكتور أمجد منصور: يبين من النص أن المشرع الأردني يعتد بالإرادة المنفردة كمصدر للحق الشخصي (الالتزام) وهو قد تأثر في ذلك بلا شك بموقف الفقه الإسلامي في هذا الصدد، ولا ينال من هذا التوجه الذي ارتآه المشرع تلك العبارة التي جاءت في نهاية النص سالف الذكر، أي طبقًا لما يقضي به القانون، إذ لم تأت هذه الفقرة بجديد، ذلك أن الالتزام القانوني مفروض على الكافة، سواء كان بصدد التزام بإرادتين، أو التزام بإرادة واحدة.