الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الرابع
في الإيجاب والقبول بالجملة الإسمية
[م - 45] إذا تضمنت الجملة الاسمية فعلًا أخذت حكم هذا الفعل، فجملة (أنا أشتري) حكمها حكم (أشتري).
وقد مثل الدردير المالكي للفعل المضارع بكلمة «أنا أشتريها بكذا»
(1)
.
وإذا لم تتضمن فعلًا فقد تأخذ الجملة حكم الصريح إذا دلت على الرضا من غير احتمال، وقد تأخذ حكم الكناية إذا كانت تحتمل البيع وغيره
(2)
.
وقد ذهب جماهير أهل العلم إلى انعقاد البيع في الجملة الاسمية من حيث الجملة، ما دامت تدل على المقصود، وإن اختلفوا في بعض الصيغ منها.
فينعقد البيع عند الحنفية بقول البائع: هو لك بألف، فيقول المشتري: قبلت، ولا ينعقد عندهم باسم الفاعل، كما لو قال: أنا مشتر هذا بألف، فقال: قبلت، وعللوا ذلك بجريان المساومة فيه
(3)
.
(1)
الشرح الكبير مطبوع بهامش حاشية الدسوقي (3/ 4).
(2)
انظر التراضي في عقود المبادلات المالية (ص: 142).
(3)
ففي مذهب الحنفية: قال ابن الهمام في شرح فتح القدير (5/ 76): «إذا قال هذا عليك بألف، فقال: قد فعلت، أو قال: هو لك بألف إن وافقك، فقال: وافقني: انعقد» .
وجاء في المجلة، مادة (172): قال المشتري أولًا: أخذت هذا الشيء بكذا غرشًا، وقال البائع: خذه، أو الله يبارك لك، وأمثاله، انعقد البيع».
وجاء في حاشية ابن عابدين (3/ 12): «لو قال: أنا مشتر، أو جئتك مشتريًا، لا ينعقد البيع؛ لجريان المساومة فيه» .
ولكن يشكل على هذا أن الحنفية يرون أن الفعل المضارع ينعقد به البيع إذا قصد به الحال، إما بنية أو بدلالة لفظية أو عرفية كما تقدم تحرير مذهبهم، فاسم الفاعل (أنا مشتر) يدل على الحال أكثر من الفعل المضارع خاصة إذا كان هناك قرينة قصد البيع، والله أعلم.
وأما المالكية، فقد قال خليل:«ينعقد البيع بما يدل على الرضا»
(1)
.
قال الدسوقي تعليقًا في حاشيته: «بما يدل أي: عرفًا، سواء دل على الرضا لغة أيضًا، أو لا، فالأول: كبعت، واشتريت، وغيره من الأقوال. والثاني: كالكتابة والإشارة، والمعاطاة»
(2)
.
وجاء في حاشية الصاوي: «وحاصله أن المطلوب في انعقاد البيع ما يدل على الرضا عرفًا، وإن كان محتملًا لذلك لغة
…
»
(3)
.
وجاء في مواهب الجليل: «لو قلت له: أخذت منك غنمك هذه كل شاة بدرهم، فقال ذلك لك، فقد لزمك البيع»
(4)
.
كما ينعقد البيع عند الشافعية بقولك: هذا مبيع منك بكذا، أو أنا بائعه بكذا، واعتبروا ذلك من الألفاظ الصريحة
(5)
.
وصححوا البيع بقولك: هو لك بكذا، واعتبروا ذلك من ألفاظ الكناية، كما تقدم عند الكلام على الكنايات
(6)
.
وفي مذهب الحنابلة: «ولو قال المشتري: بعني كذا، فقال: بارك الله لك فيه، أو هو مبارك عليك
…
صح البيع للدلالة على المقصود»
(7)
.
جاء في الإنصاف: «اختار الشيخ تقي الدين ابن تيمية صحة البيع بكل ما عده
(1)
مختصر خليل (ص:168).
(2)
حاشية الدسوقي (3/ 3).
(3)
الشرح الصغير (3/ 16).
(4)
مواهب الجليل (4/ 231).
(5)
نهاية المحتاج (3/ 376).
(6)
المرجع السابق، الصفحة نفسها.
(7)
كشاف القناع (3/ 147).
الناس بيعًا
…
»
(1)
.
وقد جاء في السنة ما يدل على صلاحية الجملة الاسمية،
(ح-21) فقد روى البخاري من طريق سفيان، حدثنا عمرو،
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فكنت على بكر صعب لعمر، فكان يغلبني فيتقدم أمام القوم فيزجره عمر ويرده، ثم يتقدم فيزجره عمر ويرده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: بعنيه. قال هو لك يا رسول الله. قال: بعنيه، فباعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو لك يا عبد الله بن عمر تصنع به ما شئت
(2)
.
فقوله صلى الله عليه وسلم: (هو لك) جملة اسمية، وقد صح عقد الهبة بها، فدل ذلك على صلاحيتها لإنشاء العقود.
(1)
الإنصاف (4/ 261) وما بعدها.
(2)
البخاري (2166).