الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني
خلاف العلماء في بيع التلجئة
قال ابن تيمية: المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرف والعادات
(1)
.
وقال أيضًا: كل لفظ بغير قصد من المتكلم
…
فإنه لا يترتب عليه حكم
(2)
.
وخالف في ذلك الشافعية، فقالوا:
إذا تعارضت النية واللفظ يغلب حكم اللفظ لقوته على حكم النية لضعفه
(3)
.
[م -58] اختلف العلماء في بيع التلجئة
فقيل: البيع باطل. وهذا القول هو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة، وهو قول أبي يوسف ومحمد
(4)
، والمشهور في مذهب الحنابلة
(5)
.
وقيل: البيع صحيح، رواه أبو يوسف عن أبي حنيفة
(6)
، وهو مذهب الشافعية
(7)
، ووجه في مذهب الحنابلة
(8)
.
(1)
أقامة الدليل على إبطال التحليل (6/ 54).
(2)
مجموع الفتاوى (33/ 107).
(3)
الحاوي الكبير (10/ 182).
(4)
قال في بدائع الصنائع (5/ 176): «فإن كانت - يعني التلجئة - في إنشاء البيع بأن تواضعوا في السر لأمر ألجأهم إليه على أن يظهر البيع ولا بيع بينهما حقيقة وإنما هو رياء وسمعة نحو أن يخاف رجل السلطان فيقول الرجل: إني أظهر أني بعت منك داري وليس ببيع في الحقيقة وإنما هو تلجئة فتبايعا; فالبيع باطل في ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وهو قول أبي يوسف ومحمد
…
». وانظر المبسوط (24/ 122).
(5)
قال ابن قدامة في المغني (4/ 150): «بيع التلجئة باطل .. » . وانظر شرح منتهى الإرادات (2/ 6)، كشاف القناع (3/ 149)، مطالب أولي النهى (3/ 4)، الفتاوى الكبرى (6/ 66).
(6)
بدائع الصنائع (5/ 176)، المبسوط (18/ 123 - 124).
(7)
المجموع (9/ 405 - 406)، روضة الطالبين (3/ 355)، مغني المحتاج (2/ 16).
(8)
الإنصاف (4/ 265).
وقيل: البيع موقوف، إن أجازاه معًا صح، وإن رداه بطل، وإن أجازه أحدهما لم ينعقد، وهو قول في مذهب الحنفية
(1)
.
(1)
انظر الفتاوى الهندية (3/ 210).
وأما حكم المسألة في القانون، فقد اختلفوا فيما بينهم:
فهناك من يجعل الحكم في المسألة واحدًا بين المتعاقدين وبين غيرهم كالقانون الألماني، فقد قضت المادة (117) من القانون الألماني بأن العقد الحقيقي هو الذي يسري فيما بين المتعاقدين، وبالنسبة للغير على حد سواء.
وهذه المسألة مستثناة من تحكيم الإرادة الظاهرة للمتعاقدين، فإن القانون الألماني يقدم الإرادة الظاهرة على الإرادة الباطنة إلا في مسائل مستثناة، وهذه منها.
بينما القانون السويسري يأخذ بالعقد الظاهر كما في المادة (18).
وهناك من فرق في حكم المسألة بين المتعاقدين وبين الغير كالقانون الفرنسي،
فالمادة (1321) من القانون المدني الفرنسي أن العقد الصوري بالنسبة للمتعاقدين لا وجود له، والعقد الحقيقي هو الذي يسري في حقهم تطبيقًا لمبدأ سلطان الإرادة.
وأما بالنسبة للغير فله أن يختار حسب مصلحته بشرط أن يكون الغير وقت تعامله يجهل وجود العقد المستتر، فمن مصلحة دائن المشتري الصوري التمسك بالعقد الظاهر؛ حتى يتمكنوا من التنفيذ على العين التي اعتبرت بالنسبة لهم داخلة في ملك المشتري بمقتضى العقد الظاهر، لأن العقد الظاهر قد أوجد من الظواهر ما انخدع به الغير، واطمأن إليه، كما أنه من مصلحة دائني البائع أن يتمسكوا بالعقد المستتر باعتبار أنها لم تخرج من ملكية البائع، فإذا تعارضت مصلحة الغير كما إذا كان للبائع دائن، وللمشتري دائن آخر، فإن الغالبية تأخذ بالعقد الظاهر.
هذا ما استقر عليه القضاء في فرنسا، وهذا أيضًا ما قضى به القانون المدني المصري مقتفيًا أثر القانون الفرنسي.
يقول القانون المدني المصري مادة 244
(1)
: إذا أبرم عقد صوري، فلدائني المتعاقدين وللخلف الخاص متى كانوا حسني النية، أن يتمسكوا بالعقد الصوري، كما أن لهم أن يتمسكوا بالعقد المستتر، ويثبتوا بجميع الوسائل صورية العقد الذي أضر بهم.
(2)
…
وإذا تعارضت مصلحة ذوي الشأن، فتمسك بعضهم بالعقد الظاهر، وتمسك الآخرون بالعقد المستتر، كانت الأفضلية للأولين.
مادة (245): إذا ستر المتعاقدان عقدًا حقيقيًا بعقد ظاهر، فالعقد النافذ فيما بين المتعاقدين والخلف العام هو العقد الحقيقي. اهـ