الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
في تقدم القبول على الإيجاب في بيع المزايدة
تعريف المزايدة
(1)
.
المزايدة اصطلاحًا: عرف السرخسي المزايدة: أن ينادي الرجل على سلعته بنفسه، أو بنائبه، ويزيد الناس بعضهم على بعض
…
(2)
.
وذكر نحوه ابن جزي في القوانين الفقهية
(3)
.
وعرفها النفراوي: بقوله: «أن يطلق الرجل سلعته في يد الدلال للنداء عليها فمن أعطى فيها ثمنًا لزمه إن رضي مالكها، وله أن لا يرضى، ويطلب الزيادة وهذا هو المعروف بين الناس اليوم»
(4)
.
وقوله: «فمن أعطى فيها ثمنًا لزمه» هذا بناء على مذهب المالكية في القول بعدم ثبوت خيار المجلس، وهو مرجوح كما سيأتي إن شاء الله تحريره.
هذا تعريف المزايدة، أما فيما يتعلق بالإيجاب والقبول في بيع المزايدة، وكيف نحددهما في مثل هذا النوع من التعاقد؟
(1)
المزايدة: مفاعلة، مصدر زايد على وزن فَاعَلَ من زايد غيره إذا أعطى زيادة في سلعة معروضة على آخر سوم.
قال ابن منظور: تزايد أهل السوق في السلعة، إذا بيعت فيمن يزيد. انظر لسان العرب (3/ 199)، المصباح المنير (ص: 261).
(2)
المبسوط (15/ 76).
(3)
القوانين الفقهية (ص: 290).
(4)
الفواكه الدواني (2/ 72).
فالذي ينبغي أن ننبه عليه أن طرح البضاعة في سوق المزاد لا يعتبر إيجابًا، لأن هذا الطرح هو مجرد عرض للبيع خال من الثمن،
وقد سبق لنا من خلال تعريف الإيجاب والقبول والذي توجهت له بالبحث في فصل مستقل أن هناك خلافًا بين الجمهور والحنفية في تعريف الإيجاب والقبول، فالحنفية يرون أن الإيجاب ما صدر أولًا، سواء كان اللفظ من البائع أو من المشتري، والقبول: ما صدر ثانيًا.
وأما الجمهور فيرون أن الإيجاب هو اللفظ الصادر من البائع، والقبول هو اللفظ الصادر من المشتري
(1)
. وإذا كان الحال كذلك:
[م - 71] فمقتضى مذهب الحنفية أن يكون العطاء الذي يتقدم به المشتري وهو الإيجاب.
وإرساء المزاد يمثل القبول فيه، وبهذا ينعقد العقد.
وأما على مقتضى مذهب الجمهور فيكون الثمن المقدم من المشتري قبولًا متقدمًا على إيجابه، ويعد رسو المزاد من الإيجاب المتأخر على قبوله.
فإذا عرض المشتري ثمنًا للسلعة فإن هذا يعتبر قبولًا على مذهب الجمهور، ويعتبر إيجابًا على مذهب الحنفية، فإذا وقف النداء على أعلى ثمن قدم، ورضي البائع بالبيع فإن رضى البائع يعتبر إيجابًا متأخرًا على مذهب الجمهور، وقبولًا على مذهب الحنفية، والله أعلم.
وتكون هذه المسألة على قول الجمهور مبنية على جواز تقدم القبول على الإيجاب، والله أعلم.
(1)
انظر العزو إلى كتب المذاهب في الفصل الثاني من هذا الباب.
والراجح من الخلاف، أن نقول: إن الخلاف في هذه المسألة خلاف اصطلاحي ليس له أثر فقهي اللهم إلا فيمن يخالف في تقدم القبول على الإيجاب في بعض الحالات، وهذه المسألة ليست منها، لأن الأئمة الأربعة قد اتفقوا على جواز مثل هذا البيع، وحكي فيها الإجماع، وسوف أعقد فصلًا خاصًا في حكم بيع المزايدة.
* * *
المبحث الثاني
سقوط الإيجاب في المزايدة
[م - 72] إذا عرضت البضاعة في المزاد، فعرض المشتري ثمنًا فإنه يعتبر إيجابًا منه وهذا لا إشكال فيه، ولكن إذا زاد عليه مشتر آخر، فهل يعتبر هذا الإيجاب الجديد مسقطًا لما قبله، باعتبار أن العطاء الأكثر يجعل البائع يعرض عن العطاء الأقل، والإعراض عن الإيجاب يسقطه، أو يحق للبائع أن يفضل صاحب العطاء الأقل على صاحب العطاء الأكثر؟.
في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم،
فقيل: البائع مخير في أن يمضيها لمن شاء ممن أعطى فيها، ولو زاد غيره عليه، وهذا مذهب المالكية.
يقول ابن رشد في البيان والتحصيل: «وهو - يعني البائع - مخير في أن يمضيها لمن شاء، ممن أعطى فيها ثمنًا، وإن كان غيره قد زاد عليه»
(1)
.
وقيل: إذا زاد عليه غيره سقط إيجابه، وهو اختيار الأبياني من المالكية، وكان العمل عليه في أكثر البلاد.
وقال الحطاب: «بيع المزايدة يلزم كل من زاد في السلعة، ولو زاد غيره عليه خلافًا للأبياني.
وقد جرى العرف في مكة، وكثير من البلاد على ما قاله الأبياني»
(2)
.
(1)
البيان والتحصيل (8/ 476).
(2)
مواهب الجليل (4/ 239).